الإدارة الجبائية بين حق المراقبة وآلية تنزيل الجزاءات

                                                         

   عزيز بوعــــلام

         اطار بالمديرية العامة للضرائب

          باحث بسلك الدكتوراه كلية الحقوق سطات

———————————————————————

       قد لا يختلف إثنين في كون الضرائب، سواء المباشرة أو غير المباشرة، تلعب دورا محوريا في تمويل خزينة الدولة، لدرجة أمكن معها القول بأن الضرائب تعد رافدا من أهم روافد الايرادات العامة ووسيلة من وسائل التنمية، لهذا فالدولة تعتمد بشكل أساسي على الموارد الضريبة والجبائية من أجل تمويل مشاريعها الاقتصادية والاجتماعية و التنموية، و خلق نوع من التوازن بين الحاجيات والامكانيات.

      و بالنظر للدور الهام للضرائب، و انعكاساتها على عجلة النمو ببلادنا، فقد عمد المشرع إلى تنظيم الادارة الجبائية، ومكنها من الوسائل القانونية والاجرائية و البشرية، حتى يتسنى لها القيام بالدور المنوط بها، والذي لا يخرج عن إطار ضبط و تحديد الوعاء الضريبي ، ومن ثمة تتحقق الواقعة المنشئة للضريبة-1-أساس الفرض الضريبة، و الذي يختلف من ضريبة إلى أخرى ، هذا الاختلاف الذي لا يخرج عن نطاق المحددات التي وضعها المشرع الضريبية و ذلل عملا بقاعدة “لاضريبة و لا إعفاء إلا بنص” و المخالف يكون أمام جريمة الغدر-2-

     و لهذا فإن المهمة و المسؤولية المناطة بالإدارة الجبائية، و المتمثلة أساسا في الحفاظ على المال العام و حفظ حقوق  الخزينة،يجعلها تحث المجهر، ومعرضة على الدوام للانتقادات، و مرد ذلك إلى كون بعض المواطنين أو المتعاملين مع الادارة الجبائية بصفة عامة، يجهلون الدور المنوط بها، ويعتبرونها إدارة متسلطة على أعناق الملزمين، تشتغل بدون رقيب و لا محاسب، و تستعمل لغة الأمر، هدفها فرض و تحصيل الضرائب.

   و الواقع أن لإدارة الجبائية، كبقية المرافق العمومية، تشتغل وفق قوانين والمراسيم و الدوريات،و تخضع للمراقبة، سواء الداخلية أو الخارجية، وتعمل تحت رقابة القضاء الإداري،و الذي يراقب عملها، مما يجعل الادارة الجبائية أكثر حرصا على التطبيق السليم للقانون، والتعامل مع الملزم باعتباره شريك و زبون رئيسي، لا لشيء سوى لأنه لا يمكن تصور وجود إدارة للضرائب، بدون ملزم، كما أنه  لا يمكن أن يساهم الملزم في النفقات العامة للدولة، من خلال أدائه للضرائب و الرسوم، بدون وجود إدارة تعمل على تحديد تلك المساهمة، بشكل يراعي قدرة و إمكانيات كل مواطن في المساهمة في النفقات العامة للدولة-3- .

    و لكن تحقيق تلك الغاية الكبرى، قمين بخلق أواصر و قنوات للتواصل بين الملزم بالضريبة، والإدارة الجبائية، ونظرا لصعوبة تحقق ذلك التواصل المنشود بشكل واسع يضم كافة الشرائح أو بشكل آلي،الأمر الذي يدفع كل مواطن/ خاضع للضريبة أن يتقدم بشكل  إرادي و طوعي إلى المصالح الجهوية أو المحلية للضرائب، من أجل التقييد في الجدول الضريبي أو تقديم الاقرار أو طلب وثيقة إدارية ذات طابع جبائي و غير ذلك من الالتزامات وواجبات الملزم بالضريبة اتجاه الإدارة  الجبائية، والتي لا تخرج عن واجبات أساسية وهي:

   – الواجب الأول: واجب التصريح؛

 – الواجب الثاني: واجب أداء الضربية؛ 

– الواجب الثالث. واجب التعاون أثناء المراقبة الجبائية.

       و هو الأمر الذي جعل الإدارة الجبائية، تسعى دائما إلى تطوير و استخدام كل الوسائل التي من شأنها مد أواصر التعاون و التعامل التي تجعل الملزم الضريبي، يقبل على القيام بالتزاماته الضريبة، ولعل مبدأ الإقرار أو التصريح، يعد قمة التواصل و زرع الثقة والطمأنينة في نفوس الملزمين بالضرائب، والذي يكفيه فقط ملئ مطبوع، بمثابة إقرار يتضمن كل المعلومات على الملزم وطبيعة نشاطه المهني و تحديد رقم معاملاته، واختيار حتى النظام الجبائي الذي يرغب في الخضوع إليه-4-.

     و لكن و إن كانت الادارة الجبائية، تنطلق من مبدأ الإقرار أو التصريح، والذي بمقتضاه كما أسلفنا الذكر، يقوم الخاضع للضريبة بعد تحقق الواقعة المنشئة لها، وداخل الأجل القانوني، بتقديم تصريح أو إقرار وفق نماذج تضعها الإدارة الجبائية رهن إشارة الخاضعين للضريبة، والذي بمقتضاه ،أي الاقرار يتم تحديد وعاء الضريبة ومقدار المبلغ الذي سيؤديه الخاضع للضريبة بنفسه.

  لكن إذا كان مبدأ التصريح أو الاقرار، يشكل أسلوبا و نموذجا متطورا، يكرس ثقة المشرع في الخاضع للضريبة، إلا أن مبدأ الثقة بين الملزم و الادارة الجبائية، ليس مطلقا، لأن الإدارة الجبائية لديها آليات للمراقبة و التصحيح-5-، وهي الآليات التي تدخل في إطار السلطات أو الصلاحيات المخولة للإدارة الجبائية، و التي لا تخرج بصفة عامة عن سلطتين: سلطة المراقبة و سلطة توقيع العقوبات أو الجزاءات, فما هي إذن هذه الصلاحيات أو السلطات؟
المبحث الأول: سلطات المراقبة                                               

     و هي سلطات  تضمن للإدارة الجبائية ، سلطة الفرض الضريبي  و سلطة تصحيح الاقرار و  سلطة فحص المحاسبة و سلطة  فحص جميع وضعيات الخاضع للضريبة و سلطة تنزيل العقوبات و الجزاءات سواء المالية ،مما يمكن الإدارة من تتبع المدين وأمواله   حتى يستوفي حق الخزينة .

المطلب الأول : سلطة الفرض التلقائي للضريبية.

       و التي تمارسها الادارة الجبائية، في حالة عدم وضع الملزم لإقراره، داخل الأجل القانوني، حيث تكون الإدارة ملزمة قانونا بتذكير الملزم برسالة تبليغية أولى، تشعره من خلالها بضرورة إيداع إقراره، داخل أجل 30 يوما من تاريخ التوصل ، تبدأ من تاريخ توصله بالرسالة الأولى، وفي حالة عدم إيداعه لإقراره داخل الأجل المذكور، تبلغه برسالة ثانية، تشير فيها الادارة الضريبية إلى الأسس التي تفرض عليها الضريبة، إذا لم يقدم الملزم إقراره داخل أجل 30 يوما تبتدئ من تاريخ توصله بالرسالة المذكورة، وإذا انصرم الأجل المذكور دون أن يقدم الخاضع للضريبة إقراره تقوم الادارة أنذاك بفرض الضريبة بصورة تلقائية، ويصدر بشأنها أمر بالاستخلا

المطلب الثاني:سلطة تصحيح الإقرار.

  حيث أنه تحسبا لأية محاولة من طرف الخاضع للضريبة، الذي قد يتعمد  تقديم إقرار أو إقرارات غير صحيحة  أو ناقصة  فقد خول المشرع للادارة الجبائية الحق في تصحيح الاقرارات.

المطلب الثالث: سلطة فحص المحاسبة.

 حق المراقبة أو سلطة المراقبة، هي سلطة تمارسها الادارة الجبائية في مواجهة الملزمين الذين يفرض عليهم المشرع ضرورة مسك محاسبة، وهذه المراقبة دورها البحث عن مدى انتظامية المحاسبة الممسوكة من طرف الملزم، وكذا خلو المحاسبة من الاخلالات  الجسيمة -6-المنصوص عليها في المادة 213 من المدونة العامة للضرائب، التي من شأنها أن تفضي إلى استبعاد المحاسبة؛

 و المراقبة من الناحية القانونية و النظرية، تؤدي إلى إحدى النتيجتين:

1– إما إضفاء الطابع القانوني على محاسبة الخاضع للضريبة؛

2- و إما إكتشاف المفتش المحقق للأساس القانونية والولقعية التي تفضي في نهاية الأمر إلى إعلان مسطرة التصحيح


    و حيث هكذا تمارس المراقبة الضريبة في مقابل التصريحات المقدمة من طرف المكلفين وهي تعتبر من أهم حقوق الإدارة الضريبية التي يجب على المكلف احترامها والتعامل معها، ولممارسة حق المراقبة المخول للإدارة تتمثل هذه الأخيرة بعدة وسائل أهمها حق تحقيق ومراجعة محاسبة وتصريحات الملزمين ، كما تتمتع الإدارة بالحق في الاطلاع على بعض الوثائق أو القيام مباشرة بزيارة بعض الأماكن.

المطلب الرابع: فحص مجموع وضعيات الخاضع للضريبة.

 و هو الفحص الذي ينطلق من نفقات الخاضع للضريبة-7-،من أجل تحديد وعاء الضريبة، و الذي يهدف إلى البحث عن مصادر الفرق بين الانفاق و الدخل الشهري، وهذا الاجراء إستثنائي، ينطلق من حصر النفقات لتحديد الوعاء الضريبي.

المبحث الثاني : سلطة توقيع العقوبات   
   لضمان الغاية من ممارسة الإدارة الضريبية لحق المراقبة فقد خولها المشرع الضريبي حق توقيع مجموعة من العقوبات في جميع مراحل العملية الضريبية والتي تختلف من ضريبة إلى أخرى، وهذه العقوبات أو الجزاءات، منها ما هو ذات طابع مالي، ومنها ما هو ذات طابع جنائي، تدخل في خانة العقوبات السالبة للحرية.

المطلب الأول : الجزاءات المالية.

  و هي تلك الجزاءات الموقعة من طرف الإدارة الجبائية، سواء  في إطار تأسيس الضريبة، أو على مستوى الضرائب الرئيسية، وبصفة عامة يمكن تصنيف الجزاءات المقررة من طرف المشرع المغربي إلى جزاءات ذات طابع عام تطبق على مستوى جميع المساطر الضريبية ويتعلق الأمر بسلطة الإدارة التقديرية في ربط الضريبة بصورة تلقائية حينما يتخلف الملزم عن وضع إقراره، وجزاءات توقع عند إخلال الملزم بالتزاماته الإدارية او المالية او يتأخر في تنفيذها  .

اولا : الجزاءات المالية على مستوى الضرائب الرئيسية. 
تجدر الإشارة أن مفهوم التضريب التلقائي الذي تقوم به الإدارة الضريبية لا يعني حرية الإدارة المطلقة في التضريب حسب هواها، بل لابد أولا من أن تسلك المسطرة الرامية إلى تنبيه الملزم لإخلاله التصريحي بواسطة رسالتين مضمونتين الوصول كما لا يجوز لها المغالاة في تقرير الأسس الضريبية ، مما يفوق المقدرة التكليفية للملزم، وفي حالة عدم استجابة الملزم تقوم الإدارة بربط الضريبة بناء على الأسس التي بلغت له زيادة على غرامة قدرها 25 % من مبلغ الضريبة والتي يمكن أن تصل إلى 100% إذا تبت سوء نية في الضريبة على القيمة المضافة أما بالنسبة للضريبة على الشركات فإن هذه العلاوة تقدر بنسبة 15 %  من مبلغ الضريبة دون أن يقل هذا المبلغ عن 500 درهم وهو نفس الجزاء المطبق على مستوى قانون الضريبة على الدخل .

   ثانيا : الجزاءات المالية الموقعة على مستوى الشرائح الضريبية.

 

     و يتعلق الأمر بمجموعة من الجزاءات التي نص عليها المشرع الجبائي من خلال ، ما تضمنته المدونة العامة للضرائب ، والتي تعتبر المرجع القانوني الأساسي، الغاية من تطبيق العقوبات أو الجزاءات ،ردع بعض الفئة من الملزمين الذين يتملصون من إلتزاماتهم اتجاه الادارة الجبائية، سواء بقصد أو بغير قصد، وجعلهم يحترمون بنود ميثاق الشرف إن صح التعبير، والمتمثل في الاقرار و التصريح ، كما أن الغاية من تنزيل الجزاءات، هو تذكير الملزم بكون الادارة الجبائية وهي تقوم بالدور المنوطة بها تسعى إلى الضرب على أيدي كل مخالف للقانون ، خصوصا لو علمنا  بأن عمل الادارة الجبائية يبقى كما أسلفنا من قبل خاضع لسلطة المراقبة والرقابة، سواء الادارية أو القضائية، وبالتالي تحقيق العدالة الجبائية رهين بالتنزيل الصحيح لمقتضيات المدونة العامة للضرائب، كقانون خاص بالعمليات الجبائية,

 

 و بالعودة إلى مقتضيات المدونة العامة للضرائب، نجد أن هناك مجموعة من الجزاءات و العقوبات المالية، تنظم نوعية الجزاءات، نذكر من بينها المواد التالية.

     *المادة 184 .- ، تنص على أنه

        .”…..تطبق زيادة قدرها % 15 بالنسبة للاقرار المتعلق بالحصيلة الخاضعة للضريبة وزائد القيمة و الدخل العام و الآرباح العقارية و رقم الأعمال والعقود والاتفاقات في الحالات التالية :

     -فرض الضريبة بصورة تلقائية في حالة عدم إيداع القرار الضريبي أو في حالة إقرار ناقص أو غير كاف؛

     -إيداع الإقرار خارج الأجل المضروب له ؛

      -عدم الايداع أو الايداع خارج الأجل للعقود والإتفاقات.

 

     *المادة 186 .- جزاءات مطبقة في حالة تصحيح أساس الضريبة.

         ألفتطبق زيادة بسعر % 15

      1-عند تصحيح حصيلة الأرباح أو رقم الأعمال لسنة محاسبية ؛

      2-عند تصحيح حصيلة فيها عجز، ما دام العجز قائما؛

      3-على كل إغفال أو نقصان أو تقليل في المداخيل أو العمليات الخاضعة للضريبة وكل خصم بغير حق أو تحايل يرمي إلى الحصو بغير موجب على الإستفاذة  من إعفاء أو إرجاع ؛

    4-على النقصان في الثمن أو التقدير الملاحظ في العقود أو الإتفاقات  عمل بمقتضيات المادة 220 ادناه.

 

     *  المادة 187 .- الجزاء المترتب على التملص من أداء الضريبة أو المساعدة على ذلك

    ” تطبق غرامة تساوي % 100 من مبلغ الضريبة المتملص منها على كل شخص ثبت أنه ساهم في أعمال تهدف إلى التملص من دفع الضريبة ، أو ساعد الخاضع للضريبة أو أشار عليه بخصوص تنفيذ الأعمال المذكورة بصرف النظر عن العقوبة التأديبة إذا كان يمارس وظيفة عمومية”

    * المادة 188 .- الجزاء المترتب على مخالفة الحكام المتعلقة بالتصريح بالتأسيس

  ” يتعرض لغرامة قدرها ألف ( 1.000 ) درهم كل خاضع للضريبة، لا يودع في الآجال المحددة، التصريح بالتأسيس المنصوص عليه في المادة 148 أعلاه أو إقرارا غير صحيح.

 وتصدر هذه الغرامة عن طريق جدول التحصيل”.

 

       *المادة 189 .- الجزاء المترتب على المخالفات للأحكام  المتعلقة بالإقرار في حالة تغيير مكان فرض الضريبة.

   ” يتعرض لغرامة قدرها خمسمائة ( 500 ) درهم كل خاضع للضريبة لا يقوم بإشعار الادارة الجبائية بتحويل مقره الاجتماعي أو موطنه الضريبي كما هو منصوص عليه في المادة 149 أعلاه.                      

 و تصدر هذه الغرامة عن طريق جدول التحصيل”.

     *المادة 190 .- الجزاء المترتب على مخالفة الأحكام المتعلقة بعمليات البيع عن طريق الجولات

      ” تطبق غرامة قدرها % 1 من مبلغ العملية المنجزة بالنسبة، لكل ضريبة على حدة،على الخاضعين للضريبة المخالفين للأحكام الواردة الواردة في المادة 145.

    و تستوفى الغرامة المنصوص عليها في هذه المادة عن طريق إصدار جدول التحصيل”.

 

ثانيا : الجزاءات الجنائية .

     فبالإضافة إلى العقوبات أو الجزاءات المادية، التي تفرضها الادارة الجبائية، في حق بعض الملزمين، الغير ملتزمين بواجباتهم الضريبية، و التي الغاية منها ليس المعاقبة فقط، و لكن للحد من حالة العود بالنسبة لبعض الملزمين، وتحقيق العدالة الجبائية عن طريق التطبيق الصحيح للمقتضيات القانونية الجاري بها العمل في مجال المعاملات و  المدونة العامة للضرائب التي تشكل ترسنة قانونية خاصة و متكاملة تتضمن الإجراءات المسطرية سواء المتعلقة بالفرض أو التأسيس أو المراقبة الجبائية  او تحديد الوعاء الضريبي و  غير ذلك، كما تتضمن كذلك الجزاءات  السالبة للحرية ضد المخالفين في بعض الحالات المحصورة جدا,

     والجزاءات الجنائية التي من شأنها حرمان الملزم من حريته أي العقوبات السالبة للحرية ولو أن الجزاءات المالية تكتسي أيضا الطابع الجنائي بالمفهوم الواسع للعقوبة كالغرامات المالية التي تطبق دون عقوبة الحبس.


   
     فقد لا تكفي في كثير من الأحيان الغرامات المالية لردع الملزمين ودفعهم إلى تنفيذ التزاماتهم  اتجاه الادارة الجبائية،مما دفع أغلب المشرعين إلى إقرار جزاءات جنائية عندما يرتكب الملزم  بالضريبة مخالفات جسيمة للتملص من واجباته الجبائية وهو ما يصطلح عليه بتجريم الغش الجبائي.

   لكن بالرغم من كون تشريعنا عرف تطورا ملموسا في جانب تعزيز الضمانات القانونية الممنوحة للملزمين ، إلا أنه بقي مترددا في مجال إقرار تجريم التملص الضريبي إلى غاية صدور قانون المالية لسنة 96 – 97 الذي تضمن لأول مرة تجريم بعض المخالفات الجسيمة،-8– والتي حصرتها المادة 192 من المدونة العامة للضرائب  فيما يلي:
–    
تسليم أو تقديم فاتورات صورية؛
–    
تقديم تقييدات محاسبية مزيفة او صورية؛
–    
بيع بدون فاتورات بصفة متكررة؛
–    
إخفاء أو إتلاف وثائق المحاسبة المطلوبة قانونا؛
–    
اختلاس مجموع أو بعض أصول الشركة أو الزيادة بصورة تدليسية في خصومها، قصد افتعال إعسارها.

    و أفرد المشرع لكل من تبث في حقه قيام بالأعمال و الخروقات المذكورة، عقوبات حبسية، و هذا ما نصت عليه  المادة 192 من المدونة العامة للضرائب ، والتي تنص على أنه:

       ”  بصرف النظر عن الجزاءات الضريبية المنصوص عليها في هذه المدونة، يتعرض لغرامة من خمسة

5.000 ) إلى خمسين ألف ( 50.000 ) درهم كل شخص ثبت في حقه قصد الافلات من إخضاعه للضريبة أو التملص من دفعها أو الحصول على خصم منها أو استرجاع مبالغ بغير حق، استعمال إحدى الوسائل التالية:

تسليم أو تقديم فاتورات صورية ،

تقديم تقييدات محاسبية مزيفة أو صورية ؛

بيع بدون فاتورات بصفة متكررة ؛ /

إخفاء أو إتلاف وثائق المحاسبة المطلوبة قانونيا؛ /

اختلس مجموع أو بعض أصول الشركة أو الزيادة بصورة تدليسية في خصومها قصد افتعال اعسارها. /

في حالة العود إلى المخالفة قبل مضي خمس ( 5 ) سنوات على الحكم بالغرامة المذكورة الذي اكتسب قوة الشيء المقضي به،

يعاقب مرتكب المخالفة، زيادة على الغرامة المقررة أعله، بالحبس من شهر واحد إلى ثلاثة-3- أشهر

تطبق الأحكام أعلاه أعله وفق الاجراءات والشروط المنصوص عليها في المادة 231 أدناه.

 IIدون الاخلال  بتطبيق عقوبات أشد، يعاقب بغرامة تتراوح ما بين 120 و 1.200 درهما كل من استعمل  عمدا تنابر منقولة سبق استعمالها أو باعها أو حاول بيعها.

و في حالة العود يمكن أن ترفع العقوبة إلى الضعف.

دون الاخلال بتطبيق عقوبات أشد، يعاقب على صنع التنابر أو التجول بها من أجل البيع أو بيع التنابر المزورة بالحبس من

خمسة ( 5) أيام إلى ستة ( 6) أشهر و بغرامة تتراوح ما بين 1.200 و 4.800 درهم “.

     لكن إذا كان المشرع الجبائي، قد خول للادارة الجبائية، و في إطار سلطاتها إمكانية تطبيق العقوبات ، سواء المالية أو الجنائية ، فإن هذا لا يفهم من كون الادارة الجبائية، تلجأ إلى تنزيل الجزاءات و العقوبات، بطريقة اعتباطية، بقدر ما ألزمها بضرورة تطبيق مسطرة وفق ما تنص عليه كل من المادتين230  و 231  من المدونة العامة للضرائب، واللذان ينصان على ما يلي.

     *المادة 230 “تسلك الادارة المسطرة المنصوص عليها في المادة 229 أعلاه من أجل تطبيق الجزاءات المنصوص عليها في المادة 191 أعلاه.

    غير أن هذه الأحكام لا تطبق على إدارات الدولة والجماعات المحلية والقاضي المكلف بالتوثيق.

 

    *  المادة 231 .-  “تثبت المخالفات المنصوص عليها في المادة 192 أعله بمحضر يحرره مأموران بإدارة الضرائب من درجة مفتش على الأقل ينتدبان خصيصا لهذا الغرض ومحلفين وفقا للتشريع الجاري به العمل.

مهما يكن النظام القانوني للخاضع للضريبة، فإن عقوبة الحبس المقررة في المادة المشار إليها في الفقرة أعلاه ، لا يمكن أن تطبق إلا على الشخص الطبيعي الذي ارتكب المخالفة أو على كل مسؤول ثبت أن المخالفة ارتكبت بتعليمات منه و بموافقته.

 ويتعرض لنفس العقوبة كل شخص ثبت أنه ساهم في ارتكاب الأفعال المذكورة أو ساعد أو أرشد الأطراف في تنفيذها.

 لا يمكن إثبات المخالفات المنصوص عليها في المادة 192 لأعلاه إلا في إطار مراقبة ضريبية.

 إن الشكاية الرامية إلى تطبيق الجزاءات المنصوص عليها في المادة 192 المذكورة، يجب أن يعرضها سلفا وزير المالبة

أو الشخص المفوض من لدنه لهذا الغرض على سبيل الاستشارة على لجنة للنظر في المخالفات الضريبية/ يرأسها قاض وتضم ممثلين إثنين لإدارة  الضرائب وممثلين اثنين للخاضعين للضريبة يختاران من القوائم التي تقدمها المنظمات المهنية الأكثر تمثيلا. ويعين أعضاء هذه اللجنة بقرار لرئيس الحكومة./ يجوز لوزير المالية أو الشخص المفوض من لدنه لهذا الغرض أن يحيل بعد استشارة اللجنة المذكورة الشكاية الرامية إلى تطبيق الجزاءات الجنائية المنصوص عليها في المادة 192 أعلاه إلى وكيل الملك المختص التابع له مكان ارتكاب المخالفة.

 يجب على وكيل الملك أن يحيل الشكاية إلى قاضي التحقيق”.

 

    مما سبق ذكره في مجال تجريم الغش الضريبي و الجزاءات الجنائية المنصوص عليها في  المدونة العامة للضرائب ، نستنتج أنه و لأول مرة و خروجا عن القانون الجنائي، فإن المشرع الجبائي ربط العقوبة الحبسية بحالة العود، في الوقت الذي يعتبر القانون الجنائي على أن حالات العود هي من مبررات التشديد في العقوبة و على المستوى العملي يتطلب اجراءات و مساطر جد معقدة و طويلة، مما جعل تفعيل مقتضيات المادة 192 من المدونة العامة للضرائب معطلة و غير مطبقة، و هذا الموضوع أي الجزاءات الجنائية في المجال الضريبي، يقتضي منا كممارسين و مهتمين وقفة و دراسة معمقة، و هذا ما سأحاول  بإذن الله التطرق إليه مستقبلا  في مقال خاص، كما أوجه الدعوة من خلال هذا المنبر إلى كل المهتمين إلى البحث في مثل هذه المواضيع.

 

     مما سبق عرضه، فإن الادارة الجبائية، وهي تمارس سلطاتها الادارية والجزائية والجناية  إن صح التعبير ، فهي تسعى إلى التطبيق السليم للنصوص القانونية الواردة في المدونة العامة للضرائب، وهذا حق خوله لها المشرع، ولا خلاف حوله، لكن وفي المقابل  فإن المشرع و هو يوكل للإدارة الجبائية إمكانيات استعمال سلطتها و صلاحياتها، ففي المقابل أعطى للملزم مجموعة من الضمانات كالحق في المنازعة الإدارية، والحق في التقاضي ، وذلك لتكريس التوازن بين الحقوق و الواجبات، ولجعل الملزم في منأى عن الشطط والتجاوز في استعمال السلطة، خصوصا لو علمنا على أن الادارة عامة و المديرية العامة للضرائب، تقوم  بأعمالها تحت رقابة القضاء الإداري  في إطار مفهوم المشروعية، و لخلق جو من الشفافية والتواصل بين الإدارة الجبائية والملزم/الزبون، و لعل خير دليل على بناء عنصر الثقة و التواصل بين الملزم بالضريبة والادارة الجبائية هي الاجراءات المتعلقة بخلق ميثاق الملزم، وحث الإدارة على ضرورة  إرفاقه أو توجيهه للملزم الخاضع للمراقبة ، والذي يتضمن مجموعة من الضمانات والتي من شأن تفعيلها و احترام مقتضياتها ضبط العلاقة بين المفتش المحقق و الملزم الخاضع للضريبة، ولأهمية هذا الميثاق، فقد اعتبر المشرع أن مسطرة التصحيح تكون لاغية في حالة عدم توصل الملزم بالميثاق المذكور، كما أن هناك مقتضى تنظيمي آخر أتى به المشرع الجبائي ، الغاية منه تمكين الملزم حسن النية من الاستفادة من تعامل تفضيلي،و هذا ما نصت عليه المادة 164 مكرر من المدونة العامة للضرائب، حيث ورد فيها ” يمكن للخاضعين للضريبة الذين يوجدون في وضعية جبائية سليمة و المصنفين وفق الشروط المحددة بنص تنظيمي أن يستفيدوا فيما يتعلق بملفاتهم من تعامل تفضيلي من لدن إدارة الضرائب”.

  كما أن القانون المالي الجديد لسنة 2017، قد عزز الضمانات المخولة للملزم ووسع منها بالتنصيص على خلق لجنة جديدة بعد تجربتي اللجنة المحلية لتقدير الضريبة المعروفة اختصارا ب CLT  و اللجنة الوطنية للنظر في الطعون المتعلقة بالضريبة CNRF ، و يتعلق الأمر ب”” .

     Commission Consultative du Recours pour Abus de Droit »  أي

       “اللجنة الاستشارية للنظر في الطعون المتعلقة بالتعسف في استعمال حق يخوله القانون 

و التي ستدخل حيز التنفيذ مباشرة بعد تشكيل هياكلها، و ذلك عملا بمقتضيات المادة 226 مكرر من المدونة العامة للضرائب، و لنا عودة لتفاصيل هذه اللجنة مستقبلا.

       خاتمة .

ومهما كانت الترسنة القانونية ، و الإمكانات المادية و البشرية واللوجستيكية التي توفرها الإدارة الجبائية، فإن هناك  عدة عراقيل ما زالت تعترض العلاقة بين الملزم والإدارة الضريبية، هي خلاصة تراكمات و أخطاء تخللت تجارب سابقة، وسعت الهوة بين طرفي العلاقة( الملزم/ الخاضع للضريبة والادارة الجبائية)  تتجلى في التعامل الأحادي و النظرة الضيقة التي ترى في أطر و مكونات الادارة الضريبية، مجرد موزع آلي للأوامر و الجزاءات أو متسلط على جيوب المواطنين، الأمر الذي جعل بعض الملزمين  لا يتقون في الإدارة الجبائية و لا يتعاملون معها بنظرة إيجابية، ولهذا من أجل طمس تلك النظرة  أو السلوكات الماضوية فإن المديرية العامة للضرائب و من خلال المخطط الخماسي و الاستراتيجي  2012-2017 قد سطرت من بين  أولوياتها الاهتمام بالملزم بالضريبة/الزبون عن طريق تسهيل المساطر الإدارية و تحسين جودة الخدمات و بنيات الاستقبال و الاعتماد على التصريح و المعاملات الالكترونية والأداء عن بعد ، و هناك مجالات أخرى و أوراش مفتوحة تنصب في اتجاه الحد من تنقل الملزم  لطلب بعض الوثائق أو الشواهد أو المعلومات و تعويض ذلك بالخدمات الالكترونية عن بعد، و كل ذلك في أفق أن تصبح المديرية العامة للضرائب و المديريات الجهوية و الاقليمية و المصالح المحلية ، مرافق إدارية أو إدارة إلكتونية، و في انتظار تحقق ذلك فإن الادارة الجبائية مطالب  بالتواصل  الدائم و التعبئة المستمرة والانفتاح على مكونات المجتمع المدني من ممثلي التجار و الصناع و الحرفيين و الهيئات والغرف المهنية و كذا الفرقاء الأساسيين من قضاة للمحاكم، سواء التجارية و الادارية و الاستئنافية ومحكمة النقض ، و مساعدو القضاء من عدول و موثقون و خبراء و محاسبين وتبادل الخبرات الوطنية والدولية،دون أن ننسى فتح ورشات داخلية بين مكونات الادارة الجبائية، وإعطاء أهمية قصوى لتوعية الملزم بحقوقه في إطار سياسة تواصلية وإعلامية تهدف أساسا إلى الحد من الهوية و الحاجز النفسي المهيمن على بعض الملزمين بالضريبة، وما المساعي لتنزيل المخطط الاستراتيجي الخماسي 2012- 2017 لدليل على أن للملزم بالضريبة أو الزبون بالمعنى الحقيقي مكانة جد هامة في هذا المخطط، و على الكل المساهمة من جانبه في التفعيل هذا المخطط لما له من انعكاسات على طرفي المعادلة الزبون و الادارة الجبائية، لكن مع الحرص على ضمان الحقوق و الواجبات لكلا الطرفين.

———————————————————————-

 الهوامش:

1- وجب التمييز بين الواقعة المنشئة للضريبة le Fait Générateur. والذي يقصد به المشرع الجبائي، التحقق من الشروط القانونية، لكي يصبح الملزم بالضريبة مخاطبا بضريبة معينة أي الجواب على السؤال هل أصبح الشخص خاضعا للضريبة؟ والوعاء الضريبي، والذي يقصد به المادة الخاضعة للضريبة، بعد تحقق الواقعة المنشئة لها.

2-يراجع في هذا الباب  الفصلين 243 و 244  من القانون الجنائي المغربي.

3- ينص الفصل39 من الدستور ” على الجميع أن يتحمل،كل على قدر استطاعته،التكاليف العمومية، التي للقانون وحده إحداتها و توزيعها وفق الاجراءات المنصوص عليها في هذا الدستور“.

4- حدد المشرع الجبائي من خلال المدونة العامة للضرائب، الأنظمة الضريبية، والتي لا تخرج عن ثلاثة أنظمة وهي:

أولا-نظام النتيجة الصافية الحقيقية- المادة 33 من المدونة العامة للضرائب.

ثانيا-نظام النتيجة الصافية المبسطة- المادة 38 من المدونة العامة للضرائب.

                       ثالثا- نظام الربح الجزافي-المادة 40 من المدونة العامة للضرائب.

5- الأستاذ جواد العسري- محاضرات في مادة القانون الضريبي – كلية الحقوق بالمحمدية.

6- الاخلالات الجسيمة بحسب المادة 213 من المدونة العامة للضرائب، هي:1

      –* عدم تقديم محاسبة ممسوكة وفقا لأحكام المادة 145 أعلاه

     -* إنعدام الجرود المقررة في المادة الآنفة الذكر

–   * إخفاء بعض الأشرية أو البيوع إذا أثبتت الادارة ذلك

  -* الأخطاء أو الاغفالات أو البيانات غير الصحيحة الجسيمة و المتكررة الملاحظة فيما تتضمنه المحاسبة من عمليات-

 -* انعدام أوراق الاثبات الذي يجرد المحاسبة من كل قيمة إثباتيه

-*- عدم إدراج عمليات في المحاسبة بالرغم من إنجاز الخاضع للضريبة لهاذ

 -*- إدراج عمليات صورية في المحاسبة.

7- المادة 29 من المدونة العامة للضرائب.

8- الادارة الضريبية- شبكة سائد    – SAeeD Blog