تعديل مدونة الأسرة ورهان التوازن والاستقرار الأسري

بتاريخ 17 نونبر 2023

يتميز المغرب بنموذجه المتفرد، في سعيه نحو تحقيق التقدم المنشود، وفق منهجية تنبني على أساس من التدرج والرزانة، تفاديا لكل تصادم مجتمعي من شأنه أن يعطل المسار. ومنطلقة في ذلك، وضع الاسرة في صلب أي مسعى يروم الارتقاء بالمجتمع في اتجاه إرساء الأسس التي تقتضيها التنمية العادلة والمستدامة. ومثل هذه المنهجية الواعية لا تقوم على القطيعة، فتبني مستقبلها على أنقاض ماضيها، وإنما هي حريصة على مراكمة الإصلاحات والمكتسبات، من أجل توظيفها في صياغة دينامية التحول المجتمعي، ومواكبة التطورات التي تعرفها بلادنا على كل المستويات

لقد عزز الدستور المغربي لسنة 2011 قيم المواطنة، وأكد على السعي الى تحقيق مبدا المناصفة، وعلى تعزيز مكانة الأسرة، وتحصين كل مكوناتها من رجال ونساء وأطفال، عبر قيامها على أسس من العدالة والتضامن والتعاون، بما يكفل انخراطها الفاعل في جهود التنمية واستكمال مقومات دولة الحق والقانون التي تنشدها الدولة المغربية، ملكا وحكومة وشعبا ومؤسسات في مسيرتها نحو ضمان العدالة والكرامة للجميع

منذ حوالي عشرين سنة خلت، وبعد مضي ما يقرب من نصف قرن على إقرار مدونة الأحوال الشخصية، اعتمدت المملكة المغربية قانونا جديدا للأسرة، كان هدفه الرئيس، هو التأسيس لبناء علاقات متوازنة بين مكوناتها بدون تفاضل، وذلك في سياق التوجه الشمولي للدولة المغربية نحو إرساء دولة الحق والقانون، واحترام مبدأ المساواة وحقوق الإنسان. فلم تكن هذه المستجدات مجرد تعديلات جزئية اقتضتها ضرورات الاجتهاد التشريعي بقدر ما كانت محصلة سلسلة من التفاعلات التي عرفتها الساحة الوطنية والدولية معا.

وقد شكلت مدونة الاسرة بالفعل، نقلة نوعية أسست لمشروع مجتمعي  أقام الاسرة المغربية على المسؤولية المشتركة  والعدل والمساواة  والمعاشرة بالمعروف. غير أن حركية المجتمع المغربي ودينامية مكوناته، في تفاعلها مع التطورات العالمية، وكذا الاختلالات التي كشفت عنها التطبيقات القضائية والعملية خلال عقدين من الزمان، اقتضت طبيعيا، أن تتجه طموحات مكونات المجتمع المغربي إلى إدخال التعديلات اللازمة عن القانون الذي يؤطر الأسرة، على نحو يستجيب لمجموعة من تطلعات المجتمع المغربي

وتجسيدا لهذه الطموحات والتطلعات، أعلن جلالة الملك في خطاب العرش لسنة 2022 أن مدونة الأسرة التي شكلت قفزة إلى الأمام، قد “أصبحت غير كافية، لأن التجربة أبانت أن هناك عدة عوائق، تقف أمام استكمال هذه المسيرة، وتحول دون تحقيق أهدافها. …” وشدد جلالته على ضرورة “تجاوز الاختلالات والسلبيات، التي أبانت عنها التجربة، ومراجعة بعض البنود، التي تم الانحراف بها عن أهدافها إذا اقتضى الأمر ذلك” مع الحرص “على أن يتم ذلك، في  إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية.” وقد تم التأكيد على هذه التوجيهات الملكية في رسالة وجهها جلالته إلى رئيس الحكومة بتاريخ 26 شتنبر 2023 بخصوص إصلاح مدونة الأسرة، معبرا عن اليقين في أن “إعمال فضيلة الاجتهاد البناء هو السبيل الواجب سلوكه لتحقيق الملاءمة بين المرجعية الإسلامية ومقاصدها المثلى، وبين المستجدات الحقوقية المتفق عليها عالميا”.

وفي إطار التفاعل الإيجابي لمركز إدريس الفاخوري للدراسات والأبحاث في العلوم القانونية بوجدة مع الدعوة الملكية، يعتزم تنظيم ندوة وطنية، يؤمل منها أن تكون إسهاما في أشغال اللجنة المكلفة بتعديل المدونة، عبر تقديم عدد من المقترحات، تمثل خلاصات الأوراق التي ينتظر أن يعرضها للمناقشة خلال هذا الملتقى، مختصون ومعنيون من الباحثين والممارسين 

ومن المرتقب أن تناقش الندوة عدة محاور تستوعب منظور المركز وتصوره للتعديلات المرقبة في مدونة الأسرة، ومن ذلك:

 أولا: الآليات الممكن اعتمادها في الترجيح بين الاختيارات الفقهية والعمل بمبدأ المصلحة والاجتهاد المقاصدي، تفاديا للاصطدام مع المواثيق الدولية، بشأن تأطير الأسرة

ثانيا: مظاهر الخلل والعيوب التي يلزم تجاوزها على مستوى القواعد الموضوعية لقانون الأسرة ثالثا: مكانة الإجراءات القضائية والمسطرية وانعكاساتها على التطبيق السليم لقانون الأسرة.

ثالثا: مكانة الإجراءات القضائية والمسطرية وانعكاساتها على التطبيق السليم لقانون الأسرة.