مركز إدريس الفاخوري للدراسات والأبحاث في العلوم القانونية وجدة

تعـــدد الأنظمـــة العقاريـــة: هل يعتبـر مزيـة أم عرقلـة للاستثمـار

الدكتـور محمـد خيـري

أستـاذ التعليم العالي سابقـا

محامي بهيئة الدار البيضاء

مقدمـة

من خلال الأنظمة القانونية للملكية العقارية، يلاحظ وجود اختلافات مهمة بين قوانين مختلف الدول في الميدان العقاري. الشيء الذي دفع ببعض هذه الدول إلى محاولة توحيد قوانينها، وأنظمتها العقارية. وفقا للأنظمة التي أظهرت التجربة صلاحيتها.

ومن بين الأنظمة التي عرفت بالدقة والتنظيم، يوجد نظام التسجيل العيني – الموازي لنظام التحفيظ العقاري بالمغرب – المستمد من نظام تورانس، والذي ظهر في أستراليا وتبنته كثير من الدول ومنها المغرب ويتخذ الوضعية المادية والقانونية للعقار أساسا لتنظيم الملكية العقارية.

كما يوجد نظام التسجيل الشخصي الذي ظهر نتيجة تطور في بعض الأنظمة العقارية كفرنسا ويتخذ من مالك العقار أساس كل تنظيم.

وسواء استمدت الدول قوانينها العقارية من هذا النظام أو ذاك، فإننا نلاحظ مع ذلك تحكم بعض الأعراف والتقاليد في النظم العقارية لكثير من الدول ومنها المغرب.

وإذا تفحصنا النظام العقاري المغربي فإننا سنجده نظاما مزدوجا في هيكله، ومتنوعا في تركيبه.

فهناك نظام العقارات المحفظة المستمد من نظام الشهر العيني والمنظم بواسطة قانون التحفيظ العقاري الصادر بتاريخ 9 رمضان 1331 (12 غشت 1913). كما وقع تعديله وتتميمه بمقتضى القانون 07-14، وإلى جانب هذا النظام هناك نظام العقارات غير المحفظة والمستمد أساسا من مبادئ الشريعة الإسلامية ومن مدونة الحقوق العينية وقواعد القانون المدني التي تعتمد النظام الشخصي.

ونجد في نفس الوقت إلى جانب هذين النظامين تنوعا في طبيعة الأملاك العقارية الموجودة بالمغرب حيث عمل المشرع على إيجاد أنظمة عقارية تخضع لمقتضيات خاصة بها من أهمها:

– الأملاك العامة، المنظمة بمقتضى ظهير 1 يوليوز 1914. كما وقع تغييره وتعديله.

– الأملاك الخاصة بالدولة، المنظمة بمقتضى ظهير 3 يناير 1916، كما وقع تغييره وتعديله.   

– الأملاك البلدية المنظمة بمقتضى ظهير 19 أكتوبر 1921. كما وقع تغييره وتعديله.

– الأراضي الجماعية، المنظمة بمقتضى ظهير 27 أبريل 1919 ، كما وقع تعديله وتتميمه.

– ضم الأراضي الفلاحية المنظمة بمقتضى ظهير 30 يونيو 1962 كما وقع تعديله وتتميمه.

– نزع الملكية من أجل المنفعة العامة المنظمة بمقتضى ظهير 6 أبريل 1982.

– أراضي الأوقاف، المنظمة بمقتضى مدونة الأوقاف الجديدة طبقا للظهير رقم 236-09-1 الصادر في 8 ربيع الأول 1431 (23 فبراير 2010) ج.ر عدد 5847 (14 يونيو 2010).

– أراضي الكيش (الجيش). وليست لها حسب علمنا مقتضيات خاصة بها وتخضع للقوانين المنظمة للأملاك المخزنية (ظ. 3 يناير 1916).

– الأملاك الغابوية المنظمة بمقتضى ظهير 10 أكتوبر 1917.

– الملك العائلي، الذي كان منظما بمقتضى ظهير 7 فبراير 1953. وقد تم إلغاؤه بمقتضى ظهير (16 غشت 1996).

– مدونة الحقوق العينية التي صدر بشأنها القانون رقم 39.08 والتي وحدت الأحكام التي تطبق على العقارات المحفظة والعقارات غير المحفظة مع الاحتفاظ ببعض الأحكام الخاصة فيما استعصى على التوحيد.

– الملكية الشائعة ونظام الشفعة (تخضع لمقتضيات مدونة الحقوق العينية وفقا للقانون رقم  08-32 ولقواعد الشريعة الإسلامية وق.ل.ع).

– الملكية المشتركة للعقارات المبنية المنظمة بمقتضى القانون رقم 18.00. كما وقع تغييره وتتميمه بمقتضى القانون 106.12 (27 أبريل 2016).

– بيع العقار في طور الإنجاز المنظم بمقتضى القانون رقم 44.00 المتمم لقانون الالتزامات والعقود وفقا للفصل 618 المكرر 20 مرة.

– الإيجار المفضي إلى تملك العقارات المنظم بمقتضى القانون رقم 00/51.

– التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات المنظمة بمقتضى القانون رقم  90-25.

– قانون التعمير المنظم بمقتضى القانون 25.90.

ويخضع كل نوع من هذه الأراضي لقوانين خاصة بها.

وبالرغم من ازدواجية التنظيم العقاري الملحوظ في المغرب، وتعدد هذا التنظيم أحيانا في دول أخرى. فإن الأنظمة العقارية تسعى إلى هدف واحد، وهو خلق نوع من الثقة والاستقرار في المعاملات العقارية وحماية المكتسين للحقوق العينية العقارية. وتسهيل الاستثمار في العقار.

يشكل العقار إحدى معوقات الاستثمار بالمغرب بسبب تعدد أنظمته القانونية والهيئات الوصية عليه وتسعى الدولة إلى تأسيس وعاء عقاري ووضعه رهن إشارة المستثمرين وبشروط تحفيزية أحيانا.

العقار ركيزة الاستثمار:

– يعتبر العقار من أكثر القطاعات دينامية داخل النسيج الاقتصادي وأن جل القطاعات الأخرى تدور في محيط العقار.

فالاستثمار في العقار هو الركيزة الأساسية وهو الوسيلة الأكثر فعالية لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية.

– قطاع العقار قطاع متشعب وأنظمته متعددة والمتدخلون فيه متعددون كل قطاع يسعى إلى تحقيق أهداف معينة.

– ليس هناك انسجام أو ملاءمة أو تقاطع بين مختلف الأنظمة العقارية.

المشاكل التي تعرفها مختلف الأنظمة العقارية المتواجدة في مجملها مشاكل وعوائق قانونية تكون سببا في تعطيل التنمية الاقتصادية المرجوة وتجميد مسلسل الإنتاج وتعرقل مبادرات الرأسمال العقاري.

مدونة الحقوق العينية ومحاولة توحيد أحكام العقار:

من بين أهداف صدور هذه المدونة:

– توحيد القواعد القانونية المطبقة على العقار المحفظ والعقار غير المحفظ إلا ما استعصى عن التوحيد.

– اشتراط رسمية العقود بالنسبة لبعض الحقوق العينية العقارية على غرار ما تم النص عليه في القوانين المتعلقة بالملكية المشتركة للعقارات المبنية 18.00 والكراء المفضي إلى التملك 51.00 وبيع العقار في طور الإنجاز 44.00.

– تدوين بعض الأحكام التي كانت تخضع لعموميات أحكام الشريعة الإسلامية درءا للخلاف من بينها:

– الحقوق العرفية الإسلامية.

– حق الهبة والصدقة.

– إحياء الأراضي الموات.

– الحريم.

– الحيازة.

– المغارسة.

– وضع مقتضيات جديدة موحدة لأحكام الشفعة والقسمة تطبق على العقار المحفظ  وغير المحفظ.

– عدم قبول طلب بطلان التصرفات التي تتجاوز أربع سنوات بسبب الزور أو التدليس.

والهدف من هذه المقتضيات هو استقرار المعاملات.

وقد كان من المفضل دمج مقتضيات أخرى بهذه المدونة واعتبارها من بين مكوناتها من بينها:

– قانون نزع الملكية من أجل المنفعة  العامة.

– الملكية المشتركة للعقارات المبنية.

– بيع العقار في طور الإنجاز.

– الكراء المفضي إلى التملك.

– بيع الصفقة.

دور الوكالات الحضرية والجماعات الترابية في تدبير العقار:

يعتبر تدبير العقاري من بين الميادين التي لا يمكن للدولة أو الجماعات المحلية أن تنفرد به نظرا لتعدد المتدخلين.

فالجماعات الترابية لا تتوفر على الأطر الفنية والتقنية المؤهلة والقادرة على إعداد مشاريع وثائق التعمير مما جعل المشرع يسند هذه المهمة إلى الوكالات الحضرية.

منح المشرع الوكالات الحضرية اختصاصات مهمة في ميدان التعمير فهي التي تعمل على إنجاز وثائق التعمير وإعداد مشاريع تصاميم التهيئة وتصاميم التنطيق.

كما تمارس اختصاصات أخرى إلى جانب الجماعات الحضرية من بينها:

– الموافقة على جميع مشاريع التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم الأراضي.

– مراقبة مطابقة أعمال التجزئات والبناء والتقسيم أثناء الإنجاز.   

تدخلات الدولة لتحفيز الاستثمار العقاري:

يعتبر قطاع العقار والسكن من بين اهتمامات الحكومات المتعاقبة لحل أزمة السكن من جهة وتيسير الولوج إلى العقار من جهة أخرى.

ومع ذلك ورغم الحصيلة الإيجابية المعلن عنها فلا تزال البرامج الحكومية تواجه نقائص في الحكامة وترشيد العقار.

وقد اهتمت مختلف البرامج الحكومية بالجوانب التالية:

– تنويع العرض السكني لجميع الفئات الصغيرة والمتوسطة.

– محاولة التخفيض من العجز الملحوظ في السكن.

– وضع استراتيجية للأحياء الناقصة التجهيز والدور المهددة بالانهيار.

– تحفيز التعاونيات السكنية.

– خفض العبء السكني في ميزانية الأسر.

– برنامج مدن بدون صفيح.

– إعطاء أهمية للعقارات المعدة للكراء وخلق ضمانات لذلك.

– مشكل المساكن الشاغرة أمام انعدام ضمانات للملاكين في حالة الكراء.

– مشكل تمويل العقار من طرف المؤسسات البنكية والشروط الاذعاتية المقررة لذلك.

– محاربة السكن العشوائي والقضاء على دور الصفيح.

عوائق الاستثمار العقاري:

يحتل العقار مكانة هامة في أي مشروع استثماري (السكني والصناعي والسياحي إلخ).

تدخل الدولة يعتبر ضرورة ملحة للتحكم في السوق العقارية خاصة وأن إنجاز أي مشروع سكني أو صناعي أو سياحي يتطلب حل الإشكالية العقارية.

– تطهير العقار من النزاعات المرتبطة بالاستحقاق أو الحيازة.

– مسطرة اقتناء العقار مرتبطة بالنظام الخاضع له ملكية خاصة أو ملك الدولة الخاص  أو حبسي أو جماعي إلخ …

– مسطرة تحفيظ العقار وتأسيس رسم عقاري.

– مسطرة رهن العقار كضمان.

– مسطرة تحقيق الرهن عند الاقتضاء.

ويستنتج من ذلك أن الملكية العقارية تمثل عرقلة أساسية أمام رأس المال المنتج.

ضخ رؤوس أموال في مشاريع عقارية يستدعي أن تكون وضعية العقار سليمة بالنسبة لصاحب المشروع المستثمر وبالنسبة للمستفيدين من المشروع.

إنجاز مشروع عقاري فوق أرض عليها تعرضات أو منازعات حول الشياع أو الاستحقاق  أو تقييدات احتياطية أو رهون أو حجوز سوف تكون عرقلة حقيقية أمام المستثمر لتسويق منتوجه وأمام المستفيدين.

لهذا فإن جلب الاستثمار الوطني أو الأجنبي يتطلب التحكم في العقار ورفع الحواجز والعوائق أمام مختلف المتدخلين.    

اللجنة الوزارية الدائمة للسياسة العقارية:

إن تعدد الأنظمة القانونية العقارية واختلاف الهيئات المشرفة عليها أدى إلى عدم تمكن المصالح العامة من المعرفة الدقيقة لرصيدها العقاري.

وأن تكوين الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية كان يهدف إلى اعتبارها جهازا يسعى إلى وضع استراتيجية عقارية لفائدة الدولة.

إلا أن تعارض المصالح بين مختلف الوزارات والقطاعات العمومية المهتمة بالعقار أدت إلى التخوف من كون إحداث هذا الجهاز قد يؤدي إلى التأثير على اختصاصات هذه القطاعات.

فرغم الطابع الإيجابي للوكالة المتمثل في تقديم المعلومات الكافية عن الأراضي الخاضعة لأنظمة مختلفة إلا أنها عرفت حدودا في التطبيق مقارنة مع الطموحات التي كانت معلقة عليها إذ أن دورها اليوم وتحت هاجس حماية الملكية العقارية يعرقل الاستثمار ويضر بمصالح المنعشين  العقاريين وأصحاب الحقوق العينية العقاريين والمقتنين لهذه الحقوق.

لقد كان من المؤمل خلق جهاز عمومي في شكل مؤسسة عمومية على رأسها مجلس إداري يتكون من ممثلين عن الدولة يعمل على وضع سياسة عقارية ويسهر على تدبير العقار بمختلف أصنافه وتلبية جميع حاجيات الاستثمار العقاري ووضع جميع الوسائل والإمكانيات رهن إشارته حتى يتمكن من معرفة السوق العقارية والتدخل فيها للتأثير على القيم العقارية والتحكم في أثمنة العقار للحد من المضاربات العقارية.

وتبعا للمناظرة الوطنية حول السياسة العقارية للدولة التي انعقدت بالصخيرات يومي 8 و9 دجنبر 2015.

وتبعا للرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في أشغال الندوة وما تضمنته من توجيهات استراتيجية حول العقار.

وتفعيلا للتوصيات التي انبثقت عن المناظرة فقد تم إحداث لجنة وزارية دائمة للسياسة العقارية تابعة لرئاسة الحكومة صدر بشأنها مرسوم رقم 263-16-2 بتاريخ 24 ماي 2016 ج. ر عدد 6471 بتاريخ 6 يونيو 2016.

تركيب اللجنة:

ويرأس هذه اللجنة رئيس الحكومة وتتألف من السلطات الحكومية المكلفة بمختلف القطاعات المعنية بالعقار وعلى الخصوص:

  • وزارة العدل والحريات
  • وزارة الداخلية
  • وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية
  • وزارة الاقتصاد والمالية
  • وزارة التعمير وإعداد التراب الوطني
  • وزارة السكنى وسياسة المدينة
  • وزارة الفلاحة والصيد البحري
  • وزارة التجهيز والنقل
  • وزارة السياحة
  • وزارة البيئة
  • الأمانة العامة للحكومة
  • المندوبية السامية للمياه والغابات
  • الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية

مهام اللجنة:

لقد حدد المرسوم في المادة الثانية المهام المسندة إليها وتتمثل فيما يلي:

– اقتراح التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة في مجال العقار والعمل على تتبع تنفيذها وتقييمها.

– تنسيق تدخلات القطاعات الحكومية المعنية بتدبير العقار بشقيه العمومي والخصوصي.

– اقتراح التدابير التشريعية والتنظيمية التي تعتزم الحكومة اتخاذها من أجل إصلاح السياسة العمومية في المجال العقاري.

– وضع التدابير الكفيلة بضبط العقار العمومي وتحسين حكامته إداريا واقتصاديا.

– تيسير شروط تعبئة العقار العمومي لإنجاز المشاريع الاستثمارية.

– ضمان الولوج إلى العقار وفق قواعد الشفافية وتكافؤ الفرص.

ويتعين على هذه اللجنة أن تقوم بإجراء تقييم دوري لسياسة الدولة في مجال تدبير العقار وقياس أثر الإصلاحات التي تم تنفيذها في هذا المجال.

ويستنتج من هذه المهام الموكولة لهذه اللجنة أنها ستتولى التنسيق بين مختلف القطاعات المهتمة بالعقار بشقيه العمومي والخصوصي ووضع الآليات التي تمكن من تبسيط مساطر تدبير العقار للقيام بدوره في تعزيز الدينامية الاقتصادية والاجتماعية. 

والأمل معقود على أن تقوم اللجنة المذكورة بتفعيل ما ورد في الرسالة الملكية وتتبع تنفيذها مع مختلف القطاعات المعنية كل فيما يخصه.