الملك الخاص للدولة في خدمة التنميــــــة جهة الشرق نموذجا
ذ. حفيظ الحر
المدير الجهوي لأملاك الدولة بوجدة
تــقــديــم
تندرج هذه المداخلة في إطار مساهمة مديرية أملاك الدولة في أشغال هذه المناظرة، للتعريف بدور الملك الخاص للدولة في مختلف أوراش التنمية وتسليط الضوء على القيمة المضافة التي يقدمها في هذا المجال والتي لطالما تم تغافلها أو بالأحرى أنها لم تحظ بما تستحقه من أهمية .
هذا الصدد ، فعنوان المداخلة هو ” الملك الخاص للدولة في خدمة التنمية ” الشيء الذي يحيلنا على مفهوم الملك الخاص الدولة في مقام أول، ثم نعرج على مفهوم التنمية في مقام ثان .
فالملك الخاص للدولة يشكل نظاما عقاريا متميزا، مما يجعله مختلفا عن باقي الأنظمة العقارية الأخرى من ملك الأحباس، ملك الجماعات السلالية، ملك الجماعات الترابية، (الخاص والعام) الملك العام للدولة.
هذا وإن كان يشكل بمعية الملك الغابوي نظاما واحدا (ملك خاص للدولة غابوي / ملك خاص للدولة عادي ) ، فإنه يختلف عنه اختلافا جوهريا من حيث طريقة تسييره وإمكانية التصرف فيه.
فالملك الخاص للدولة الذي نحن بصدده، هو الملك الذي تدبره وزارة الاقتصاد والمالية من خلال مديرية أملاك الدولة. ولئن لم يحظ بتعريف في النصوص التشريعية ولا التنظيمية المؤطرة له،
فإن الفقه دأب على تعريفه عن طريق المخالفة عن الملك العام للدولة، بحيث يمكن أن نعرفه بكونه يشكل:
“مجموع العقارات والمنقولات المملوكة للدولة دون أن تكون مخصصة للعموم، مما يخول للدولة حق إجراء أعمال التسيير والتصرف على ملكها كما الأفراد “. وبالمفهوم الضيق هي تلكم الأملاك المسيرة من طرف مديرية أملاك الدولة وفق الاختصاصات المخولة لها.
وتتجلى أهمية الملك الخاص للدولة بالمقارنة مع باقي مكونات العقار العمومي، في مرونة تداوله عكس الملك العمومي للدولة وللجماعات الترابية وكذا الملك الغابوي الذين تحكمهم عدة قيود سواء في أعمال التسيير أو في أعمال التصرف.
كما أنه يشكل ثالث نظام عقاري من حيث المساحة بما يناهز 2 مليون هكتار وذلك خلف كل من نظام أراضي الجموع بما يناهز 15 مليون هكتار والملك الغابوي بـ 9 مليون هكتار.
وبخصوص الشق الثاني من عنوان المداخلة ألا وهو “الـتـنـمـيــــة”، فمفهومها المتعارف عليه هو ” تطوير الأرض والمجتمعات والأعمال لتلبية حاجيات الحاضر بدون المساس بقدرة الأجيال القادمة. وهي تتمظهر في شكل عدة أبعاد: اقتصادية، بشرية، اجتماعية، ثقافية وفق مؤشرات عالمية تسعى إلى الاستدامة لقياس مستوى الرفاه ، من خلال مؤشرات عدة منها على سبيل المثال : ” نسبة الفقر، الصحة، جودة المياه، أمد الحياة، جودة التعليم، البحث العلمي، البطالة، مستوى الدخل، البيئة…..).
والتنمية، موضوع، ذو أهمية بالغة بحيث أصبح يفرض نفسه اليوم في أجندات الاحزاب السياسية وفعاليات المجتمع المدني ويشكل هاجس السلطات العمومية في البرامج الحكومية، كما أنه شكل ويشكل أحد أهم أهداف الألفية بالنسبة لمنظمة الأمم المتحدة.
ولتحقيق التنمية، لا مناص من الرهان على الاستثمار سواء كان عموميا أو خاص أو في صورة شراكة بينهما.
غير أن الاستثمار لوحده، يبقى غير كاف للوصول إلى التنمية، بل لابد من توفير شروط نجاحه والتي اختصرها المفكرون الاقتصاديون في خمسة بوابات تتمثل في: العقار، التمويل، الجبايات ، التكوين ومرونة المساطر الادارية، بحيث تتلخص بالفرنسية في تعبير “les cinq F” .
Foncier, Financement , Fiscalité , Formation , et Fluidité administrative.
ومن خلال ما تقدم، فموضوع المداخلة ينطوي على أهمية بالغة تتمثل في راهينيته من جهة وكذا في الوعي الذي تكون لذى السلطات العمومية بحجم الإكراهات التي يعيشها العقار بالمغرب بصفة عامة وبضرورة إيجاد بدائل لتجاوزها، لتبويئه المكانة التي يستحقها ضمن رؤية شمولية ومندمجة للإصلاح.
هذا الوعي الذي تجلى في عقد ندوات لتدارس الإكراهات واقتراح بدائل، مثل المناظرة الوطنية حول أراضي الجموع سنة 2014 والمناظرة الوطنية حول السياسة العقارية للدولة ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، في دجنبر 2015، مع ما خلصت إليه من توصيات واقتراحات.
وفي هذا الصدد، فقد، فقد جاء في كلمة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله ، في الرسالة السامية الموجهة إلى المشاركين في المناظرة الوطنية حول السياسة العقارية للدولة:
“لا يخفى عليكم أن العقار يعتبر عامل إنتاج استراتيجي ورافعة أساسية للتنمية المستدامة بمختلف أبعادها. ومن ثم، فالعقار هو الوعاء الرئيسي لتحفيز الاستثمار المنتج، المذر للدخل والموفر لفرص الشغل، ولانطلاق المشاريع الاستثمارية في مختلف المجالات الصناعية والفلاحية والسياحية والخدماتية وغيرها.
وبالإضافة إلى ذلك، فهو محرك ضروري للاقتصاد الوطني لأنه يوفر الأرضية الأساسية لإقامة مختلف البنايات التحتية، والتجهيزات العمومية كما تنبني عليه سياسة الدولة في مجال التعمير والتخطيط العمراني ،وهو الآلية الأساسية لضمان حق المواطنين في السكن…..” انتهى كلام صاحب الجلالة .
ولمعالجة موضوع المداخلة، الذي يهدف المساهمة في الإجابة على إشكالية : “مذى إسهام الملك الخاص للدولة في التنمية”؛ سوف نتناول في فصل أول: دور الملك الخاص للدولة في خدمة الاستثمار العمومي . على أن نخصص الفصل الثاني: لمساهمته في إنعاش الاستثمار الخاص.
الفصل الأول: الملك الخاص للدولة في خدمة الاستثمار العمومي.
إن الهدف الأساسي من الرصيد العقاري المملوك للدولة هو ليس فقط ضبط السوق العقارية والحد من أثر المضاربات ، بل كذلك الاستجابة لحاجيات المرافق العمومية (المبحث الأول) وكذا مواكبة البرامج الاستثمارية العمومية ( المبحث الثاني).
المبحث الأول: الملك الخاص للدولة في خدمة المرافق العمومية
نقصد المرافق العمومية في هذه المداخلة تلكم التابعة للقطاعات الحكومية، بحيث نستثني المرافق ذات الصبغة الجماعية.
فالملك الخاص للدولة في هذا الصدد – و دون غيره من الأنظمة العقارية – هو الجدير بمواكبة المرافق العمومية لاعتبارين أساسين:
أولهما: أن جميع القطاعات الحكومية وكذا الإدارات العمومية لا تتوفر على الشخصية المعنوية للتملك وإجراء التصرفات العقارية،
ثانيهما: كون الملك الخاص للدولة من خلال مديرية أملاك الدولة يبقى هو المخول لمواكبة كافة القطاعات الحكومية في برامجها من حيث المرافق ، وذلك بموجب اختصاصاتها المبينة في المرسوم المؤرخ في 24 نونبر 1978،كما عدل في 23 أكتوبر 2008 .
و للوقوف على تلكم المساهمة في مواكبة المرافق العمومية، سنتطرق إليها عبر مستويين: التعبئة مع الاحتفاظ ضمن الرصيد العقاري ثم التعبئة مع الإخراج من الرصيد العقاري للدولة.
أ) المستوى الأول: التعبئة مع الاحتفاظ ضمن الرصيد العقاري:
و لملامسة طرق تعبئة العقارات الملوكة للدولة ( الملك الخاص) لفائدة المرافق العمومية، سنتناول ثلاث مقاربات تتمثل في : التخصيص ، الوضع رهن الاشارة ثم الكراء.
1 – التخصيص: لقد عرف الفصل 83 من المرسوم الملكي المؤرخ في 12 أبريل 1967 بمثابة النظام العام للمحاسبة العمومية التخصيص بكونه: ” تسخير عقارات مملوكة للدولة لفائدة إدارات عمومية على سبيل التسيير والتدبير مقابل أداء مبلغ مالي تحدده اللجنة الإدارية للخبرة، مالم يتم اقتناؤه أو بناؤه باعتمادات خاصة بهذه المصالح………”).
فتخصيص الملك الخاص للدولة لفائدة المرافق العمومية من مدارس ومستشفيات، محاكم، مقرات إداريــــــة…….ينطوي على أربعة مبادئ أساسية تتجلى فـي :
- تخويل المنفعة فقط للإدارة المستفيدة من التخصيص مقابل مبلغ مالي تحدده اللجنة الادارية للخبرة ،
- استمرار تملك الدولة الملك الخاص للعقار موضوع التخصيص ؛
- تحمل الإدارة المستفيدة من التخصيص مسؤولية التسيير والصيانة؛
- استعادة الدولة الملك الخاص للتسيير المباشر للعقار المخصص في حالة استغلاله لغير الغرض الذي سخر من أجله.
وقد أفرزت التجربة بخصوص هذه المقاربة لتدبير عقارات الدولة الكثير من الحدود والنواقص تتجلى أساسا في :
- الالتباس الذي تكون لذى الادارات المستفيدة من التخصيص بخصوص حدود بداية ونهاية صلاحياتها ؛
- غياب التتبع والصيانة من طرفها ؛
- غياب آلية لتتبع إنجاز المشروع ؛
- غياب آجال لإنجاز المشروع؛
- غياب الجزاء في حالة عدم إنجاز المشروع.
مما ولد الوعي لدى السلطات العمومية بتلكم الصعوبات وكذا بأهمية إعادة إنتاج حكامة جديدة لتدبيرها ، وهو ما يعكسه مضمون المنشور 1/201 بتاريخ 12 فبراير 2014 للسيد رئيس الحكومة بخصوص تجميع المعطيات المتعلقة بالعقارات المخصصة للإدارات العمومية.
وقد تجلى هذا التوجه الجديد كذلك على مستوى مشروع مدونة الملك الخاص للدولة التي حملت بعص الإجابات على الإكراهات السالفة الذكر من خلال إحداث دفاتر تحملات مرفقة بتخصيص العقارات لفائدة الإدارات العمومية- و ذلك على غرار المشاريع الاستثمارية الخاصة-، ولجنة إدارية لتتبع الإنجاز وكذا إقرار إمكانية سحب العقار في حالة عدم الإنجاز.
كما أن مديرية أملاك الدولة دخلت في تجربة فريدة ونموذجية مع قطاع العدل والحريات، قوامها التدبير النشط للأملاك من خلال توظيف الرصيد المخصص لذات القطاع في خدمة ورش إصلاح منظومة العدالة والذي أطرته إتفاقية بين القطاعين مؤرخة في 15 شتنبر 2014 ، تهدف إلى إعادة دمج الرصيد العقاري الشاغر التابع لملك الدولة الخاص في المنظومة الإنتاجية ، و تتمثل أهم مقتضياتها في :
- إجراء عملية تفويت الوعاء العقاري المتخلى عنه من قبل وزارة العدل و الحريات عن طريق المنافسة؛
- تمويل برامج الاقتناءات و البناءات الجديدة و الصيانة من عائدات بيع العقارات المتخلى عنها من قبل وزارة العدل و الحريات بعد استخلاص قيمتها.
2 – الوضع رهن الاشارة : رغم أن هذه المقاربة في تعبئة أملاك الدولة لفائدة المرافق العمومية لم تحظ بتعريف عبر النصوص التنظيمية المؤطرة، غير أنه يمكن تعريفها بنفس مفهوم التخصيص مع فارق المجانية. وبالتالي تكون نمطا لتسخير عقارات الدولة لفائدة المرافق الاجتماعية بالخصوص و ذلك على سبيل التسيير والتدبير فقط و بدون مقابل.
ولئن كان اللجوء إلى هذه المقاربة من الناحية العملية يتم في حدود جد ضيقة، فإن اعتمادها مؤخرا أضحى يعرف زخما كبيرا في سياق الإنخراط في الأوراش ذات الطابع الاجتماعي ومواكبة الدينامية التي أطلقتها مؤسسة محمد الخامس للتضامن في مجالات: محاربة الفقر، محاربة الهشاشة ودعم الأنشطة المذرة للدخل.
3 – الكـــراء: ويتعلق الأمر بهذا الصدد بكراء رمزي لا يتجاوز وجيبة كرائية قدرها 1200 درهما سنويا، وهي مقاربة مرنة توظف في سياق الأوراش الاجتماعية التي تباشرها السلطات العمومية وتستفيد منها بالخصوص علاوة على مؤسسة التعاون الوطني، الجمعيات المعلنة ذات النفع العام والمشتغلة في الحقل الاجتماعي.
ب ) المستوى الثاني: التعبئة عن طريق الاخراج من الرصيد العقاري للدولة:
وإذا كانت كل من مقاربات التخصيص والوضع رهن الاشارة ثم الكراء لا ينتج عنها إخراج العقارات المعبئة من رصيد الدولة (الملك الخاص)، إلا أنه وللاستجابة لحاجيات بعض المرافق العمومية الكبرى والمهيكلة كالسدود، الموانئ والمطارات…..، تسخر الدولة عقاراتها لتنتقل من نظام الملك الخاص إلى نظام الملك العام من خلال تقنية الترتيب التي تتجسد بواسطة مرسوم يحدد عمليتي الإخراج من الملك الخاص والضم إلى الملك العام، بحيث يتم تنفيذه بمحضر للتسليم بين أملاك الدولة والجهة الوصية على المشروع المعني وهي حسب الحالات قد تكون وزارة التجهيز والنقل، القطاع الحكومي المكلف بالماء……..) و كنماذج من جهة الشرق نذكر كطاري وجدة أنكاد و العروي و ميناء الناظور WEST MED”” الذي سينجز على مساحة 800 هكتارا.
ج) تعبئة أنظمة عقارية أخرى لأحداث مرافق عمومية:
انسجاما مع دور أملاك الدولة في مواكبة المرافق العمومية، تعمل مديرية أملاك الدولة على تعبئة عقارات تنتمي إلى أنظمة عقارية أخرى سواء كانت عمومية أو خاصة.
- العقار العمومي :
بالنسبة للملك العام للدولة: فتتم تعبئة العقارات التابعة له من خلال استخراجها من الملك العام وضمها إلى الملك الخاص للدولة عبر نزع طابع المنفعة العامة بواسطة مرسوم .
وكذلك الشأن بالنسبة للعقارات التابعة للملك الغابوي التي تعبأ من خلال استخراجها من النظام الغابوي وضمها إلى الملك الخاص للدولة كذلك بواسطة نص تنظيمي من مستوى مرسوم.
- الملك ذو الطبيعة الخاصة:
نقصد به هنا الأحباس الخاصة، ملك الجماعات السلالية وأملاك الخواص.
ففي غياب رصيد عقاري مملوك للدولة يمكن تعبئته للاستجابة لحاجيات المرافق العمومية، تلجأ الدولة إلى اقتناء الأوعية العقارية الضرورية سواء بالمراضاة على قدم المساواة مع الأفراد أو من خلال استعمال امتيازات السلطة العامة بواسطة تفعيل مسطرة نزع الملكية وذلك في حالات رفض الثمن من طرف الملاك أو وجود غموض يكتنف الملكية أو وجود تحملات عقارية تثقل ملكية الوعاء العقاري الذي سيأوي المرفق العام.
وسواء سلكت الدولة مسطرة الاقتناء بالتراضي أو نزع الملكية، فالنتيجة واحدة هي إغناء رصيدها بملك جديد، مما يتوجب العمل على تسييره من خلال تخصيصه للقطاع المعني.
هذا وقد أكدت التجربة وجود عدة إكراهات مرتبطة بغياب العقار العمومي نتيجة نفاذ الاحتياطات العقارية للدولة ولجوئها للاقتناء، يمكن إجمالها في :
- عدم التزام القطاعات الحكومية بالمساطر المؤطرة للولوج إلى أملاك الخواص الشيء الذي يعكس ضعف التنسيق المسبق مع مديرية أملاك الدولة؛
- لجوء الملاك بشكل متزايد إلى ممارسة دعوى الاعتداء المادي؛
- إثقال كاهل ميزانية الدولة بمبالغ ضخمة كتعويض فقط على الاعتداء المادي دون احتساب مقابل نقل الملكية مما يجعلنا أمام كلفة مالية باهضة.
وقد خصص المجلس الأعلى للحسابات في هذا الصدد بمناسبة تقريره الصادر في نونبر من سنة 2015 حول ” تقييم تدبير المنازعات القضائية للدول”، انتقادات لاذعة لعمل الإدارة بصفة عامة، تمحورت حول غياب البرمجة و الضبط الدقيقين لحاجيات الدولة للعقار و سوء التنسيق بين مكوناتها ، بحيث بلغ المعدل السنوي للمبلغ المحكوم بها ضد الدولة ما بين سنتي 2006 و 2013، ما مجموعه: 550 مليون درهم . و هو ما بسطه بتفصيل صاحب الجلالة من خلال خطابه بتاريخ 14 أكتوبر 2016 عند افتتاح الدورة البرلمانية.
البدائل المقترحة لتجاوز إكراه غياب العقار العمومي:
لتجاوز الإكراهات السالفة الذكر، يجدر التفكير في مقاربة جديدة تضمن حكامة أكثر في تدبير الصعوبات المرتبطة بالاقتناءات العقارية نذكر منها على سبيل المثال:
- تشريع آلية قانونية لإرغام الإدارة على تطبيق مضامين الإطار التنظيمي لولوجها إلى العقار الخاص؛
- إحياء تطبيق دورية سابقة للوزير الأول في سبعينيات القرن الماضي، يتمثل مضمونها في ضرورة إدلاء الإدارة المعنية بتشييد بناية جديدة ضمن ملف التأشير على النفقة لدى مصالح الخزينة – وذلك تحت طائلة الرفض -، بما يفيد كون الوعاء العقاري الذي سيأويها مملوك للدولة أوعلى الأقل، أنه في طور الاقتناء؛
- رصد الاعتمادات الكافية لتغطية مصاريف اقتناء الأوعية العقارية من خلال إدخال واستحضار مكون قيمة الوعاء العقاري ضمن التركيبة المالية للمشاريع وذلك علاوة على مكوني الدراسات والبناء ( نموذج برامج التنمية الاقليمية)؛
- اعتماد وتعميم المقاربة غير الكلاسيكية المتمثلة في أخذ المبادرة في خطوة استباقية لاقتناء الدولة لجميع القطع الأرضية التابعة لشركة العمران داخل التجزئات التي تنجزها والمخصصة للمرافق العمومية.
المبحث الثاني : مواكبة البرامج الاستثمارية العمومية
لطالما شكل الملك الخاص للدولة الآلية الأساسية لتنفيذ البرامج القطاعية للسلطات العمومية، فجل البرامج التي تنفذ في هذا الشأن استعملت أوعية عقارية مملوكة للدولة نذكر منها:
- رؤية 2020 السياحية وقبلها مخطط آزور ، من خلال تجلياتها المتمثلة في المحطات السياحية، مخطط بلادي لإنعاش السياحة الداخلية (محطة السعيدية، ومحطة رأس الماء نموذجا، المكونات السياحية ضمن نطاق تدخل مارشيكا)؛
- مخطط النجاعة الطاقية من خلال تنفيذ مشاريع تثمن الطاقات البديلة الشمسية منها والهوائية ، حيث حتى في غياب عقار الدولة الملك الخاص ، تعمل مديرية أملاك الدولة دور الوساطة بين نظام أراضي الجموع و الشركات المتخصصة في هذا المجال؛
- الإقلاع الصناعي كما تم تحيينه بمخطط تسريع وثيرة التصنيع ( ترحيل الخدمات، صناعة السيارات والطائرات، إحداث مناطق صناعية، والأقطاب الجهوية الفلاحية والتكنولوجية؛) القطب التكنولوجي بوجدة، القطب الفلاحي ببركان والمنطقة الصناعية بسلوان))؛
- المخطط الأخضر عبر مختلف دعاماته من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص؛
- السكن عبر مختلف المنتوجات المعروضة ، من سكن اجتماعي، سكن اقتصادي ، سكن ذو التكلفة المنخفضة والسكن الموجه إلى الطبقة الوسطى علاوة على سياسة المدن الجديدة.(يكفي فقط التذكير في هذا الصدد برقم 3500 هكتار الذي سخرته الدولة بموجب اتفاقية 16فبراير2009 بين وزارتي الاسكان و الاقتصاد و المالية، هذا دون إغفال المساحات الشاسعة المعبأة في إطار التدبير اللامتمركز للاستثمار.)
وقد اعتمدت الدولة في تسخير عقاراتها خدمة لتلكم البرامج القطاعية ، بنسبة كبيرة على مقاربة التفويت المباشر لفائدة الشركات والمؤسسات العمومية المتخصصة ، كالشركات التابعة لصندوق الإيداع والتدبير، شركة العمران والشركة الوطنية للطاقة الشمسية MASEN .
وبالموازاة مع مقاربة التفويت المباشر، تعتزم السلطات العمومية اعتماد مقاربة أخرى – هي في بداية الإرهاصات الأولى-تتمثل في الكراء خاصة في إطار تسريع وثيرة التصنيع يطلق عليها : “الحظيرة الصناعية للكراء les Parcs Industriels locatifs “.
هذا، و قد أبانت التجربة بعض المؤاخذات بخصوص انحراف الجهات المستفيدة من العقار العمومي عن فلسفة تعبئته.
الفصل الثاني : الملك الخاص للدولة في خدمة الاستثمار الخاص
إن أهم خصائص الملك الخاص للدولة هو قابليته للتداول مع الخواص من خلال إجراء أعمال التصرف و كذا أعمال التسيير .
و لتناول مساهمة هذا النظام العقاري في مواكبة الاستثمارات الخاصة، سنتطرق في مبحث أول لتعبئته في إطار البرامج الفلاحية. لنخصص المبحث الثاني للبرامج الاستثمارية غير الفلاحية.
المبحث الأول: الشراكة الفلاحية
إذا كانت العقارات المملوكة للدولة تبقى غير قابلة للتفويت لأغراض فلاحية و ذلك بموجب مقتضيات القانون المؤرخ في 29 دجنبر 1973 بخصوص الإصلاح الزراعي، فإن مقاربة تعبئتها لذات الأغراض تعتمد الكراء فقط .
فإلى عهد غير بعيد، ظلت عملية الكراء في إطار المنافسة تعتمد منطق السمسرة العمومية التي تغلب معيار ثمن الكراء ” Le plus disant “.
إلا أن هذه المقاربة أصبحت متجاوزة بحكم أنها لا تتماشى و المنطق العام الذي أضحى يحكم الصفقات العمومية و الذي يغلب معيار الجودة و القيمة المضافة للمشروع الفلاحي على حساب معيار الثمن ” . ” Le mieux disant au lieu plus disant مما دفع بالسلطات العمومية إلى تبني هذه المقاربة الجديدة من المنافسة و ذلك من خلال طلبات عروض تركز أكثر على القيمة المضافة للمشروع خاصة من الناحية الاقتصادية و الاجتماعية وفق دفتر تحملات و ذلك لمدة طويلة قد تصل إلى 40 سنة .
و في هذا الصدد، و في سياق إعادة هيكلة شركتي صوديا و صوجيطا مع ما صاحبه من استرجاع الدولة للعقارات المملوكة لها و التي كانت تحت تسيير الشركتين، تم إطلاق طلبات عروض دولية سنة 2005 لعرض تلكم العقارات للكراء ، و ذلك في غياب إطار تنظيمي يؤطر هذه العملية.
حيث وجب انتظار تاريخ 29 يناير 2007 ليصدر منشور رقم 2/2007 للوزير الأول حول “كيفية إكراء أراضي الدولة الفلاحية ” لينظم – و لأول مرة – ليس فقط عملية الكراء عن طريق المنافسة من خلال طلبات العروض، بل كذلك الكراء عن طريق المراضاة متى كانت للمشروع قيمة مضافة اقتصادية ، اجتماعية و مالية، بينة
و قد عبأت الدولة في هذا الشأن، أراضي ذات مساحات كبيرة تهم مشاريع فلاحية تنخرط في إطار مخطط المغرب الأخضر عبر مختلف دعاماته. كما عممت نفس المسطرة بالنسبة للقطع الأرضية الصغيرة وفق مقاربة طلبات عروض جهوية .
و قد كان لهذه المقاربة، الأثر الإيجابي على تدبير أراضي الدولة الفلاحية في سياق تكريس حكامة تدبير العقار العمومي بصفة عامة. يقول صاحب الجلالة في هذا الصدد في رسالته السامية الموجهة إلى المشاركين في المناظرة الوطنية حول السياسة العقارية للدولة: “…و نود التأكيد على أهمية تثمين العقار الفلاحي التابع للملك الخاص للدولة ، و الذي مكن من خلال عملية الشراكة بين الدولة و القطاع الخاص، من تحقيق نتائج سوسيو – اقتصادية جد إيجابية ، ساهمت في تطوير القطاع الفلاحي، و تبلورت محليا في خلق قيمة مضافة و ثروات إضافية مهمة، علاوة على إحداث العديدة من فرص الشغل..” انتهى كلام صاحب الجلالة.
المبحث الثاني: البرامج الاستثمارية غير الفلاحية
يشكل الفصل 82 من المرسوم الملكي المؤرخ في 21 أبريل 1967 بمثابة النظام العام للمحاسبة العمومية، الإطار المرجعي لعملية التفويت حيث جاء فيه: ” يتم تفويت أملاك الدولة الخاصة عن طريق المنافسة بواسطة السمسرة العمومية أو بواسطة طلبات عروض أثمان بمقرر للوزير المكلف بالمالية “.
فمواكبة الاستثمار الخاص، يتم من خلال تسخير العقار المملوك للدولة سواء على وجه الكراء أو من خلال البيع.
الكــراء أو التفــــــويت:
1 – عن طريق المنافسة:
إن المبدأ العام في تعبئة عقارات الدولة لفائدة المشاريع الاستثمارية الخاصة هو المنافسة كما تنص على ذلك مقتضيات المرسوم الملكي السالف الذكر الذي يعتبرها القاعدة العامة في الولوج للعقار العمومي.
ولتجسيدها، تعتمد مديرية أملاك الدولة مقاربة طلبات العروض من خلال تقنيتين.
أولاهما: تتمثل في طلبات عروض أثمان: في الحالة التي يكون الهاجس هو أهمية العرض المالي لاقتناء العقار المعبأ في هذا الشأن وذلك على حساب باقي المكونات، بحيث أن التفويت يتم بدون دفتر للتحملات؛
الثانية تتجلى في : طلبات أبداء الاهتمام: وهي تقنية تعتمد على إعطاء الأولوية لمكونات المشروع و كذا التركيز على القيمة المضافة للمستثمر من الناحيتين الاقتصادية، الاجتماعية.
2 – عن طريق المراضاة :
إذا كان الأصل والمبدأ العام هو التفويت عن طريق المنافسة ، فإنه استثناء يمكن تسخير عقارات الدولة عن طريق البيع المباشر لفائدة المستثمرين بترخيص من وزير الاقتصاد والمالية أو من مؤسسة الوالي وذلك متى كانت للمشروع الاستثماري قيمة مضافة بينة من النواحي الاقتصادية، المالية و الاجتماعية.
ولتدبير العقار المملوك للدولة في مجال إنعاش الاستثمار تتدخل مديرية أملاك الدولة على مستويين:
المستوى الأول: التدبير اللامتمركز للاستثمار:
فقد أرست في هذا الصدد، الرسالة الملكية الموجهة إلى الوزير الأول بتاريخ 09 يناير 2002 أسس وقواعد تدبير الاستثمار على المستوى الجهوي من خلال تخويل مؤسسة الوالي صلاحيات واسعة تتمثل في معالجة الملفات الاستثمارية التي لا يتجاوز غلافها المالي 200 مليون درهم، على ألا تتجاوز قيمة الوعاء العقاري 10 % من قيمة مجموع الغلاف الاستثماري، ومتى تعلق الأمر بالمشاريع التي تندرج طبيعتها ضمن قطاعات ،السكن، السياحة، الصناعة، الصناعة التقليدية ، الصناعة الغذائية، المناجم، التعليم والتكوين المهني، الصحة والطاقة.
ولتجسيد هذه الرؤية الملكية، تم إحداث مراكز جهوية للاستثمار، كما تم تمكين مؤسسة الوالي من التفويض اللازم من صاحب الاختصاص الأصلي ألا وهو وزير المالية للترخيص بتعبئة عقارات الدولة عن طريق البيع أو الكراء.
المستوى الأول : التدبير التعاقدي للاستثمار:
ويهم الملفات الاستثمارية التي يفوق مبلغ غلافها المالي 200 مليون درهم أو ينصب على أنشطة تخرج عن القطاعات التسع السالفة الذكر، حيث تتم معالجتها بواسطة الوكالة الوطنية لإنعاش الاستثمار AMDI”“، قبل أن تتداول فيها اللجنة الوطنية للاستثمار برئاسة رئيس الحكومة.
وللترخيص بتسخير عقارات الدولة موضوع الملفات الاستثمارية من هذا الصنف، تستصدر مديرية أملاك الدولة في هذا الشأن، مقررا لوزير الاقتصاد والمالية.
النواقص المرتبطة بتعبئة ملك الدولة الخاص في مجال الاستثمار:
إذا كانت تجربتي التدبير اللامتمركز وكذا التدبير التعاقدي للاستثمار قد أظهرت نجاعة واضحة في تذليل العديد من الصعوبات أمام الملفات الاستثمارية ومكنت من استقطاب وإنجاز العديد من المشاريع وفق مساطر مبسطة، إلا أنها تثير الكثير من التساؤلات تتعلق بالخصوص بـــــــــــ :
- اللجوء المفرط لمقاربة التفويت عن طريق المراضاة بالرغم من كونها تشكل الاستثناء عن قاعدة المنافسة؛
- عدم إعمال تقنية طلبات إبداء الاهتمام وعدم إعداد إطار تنظيمي يؤطرها وذلك بالرغم من المزايا التي تقدمها من حيث الشفافية، المنافسة وكذا التحكم في سياسة المدنية؛
- ضعف آليات تتبع الإنجاز .
هذا، وقد شكل العقار العمومي بصفة عامة وذلكم المسير من طرف مديرية أملاك الدولة، الوعاء الأساسي الذي استقطب العديد من المشاريع الاستثمارية الخاصة، الشيء الذي أصبح عرضة للاستعمال المفرط لدرجة الاستنزاف.
أمام ما تقدم من صعوبات، يبدو أنه آن الأوان للتفكير الجدي في بدائل واقعية من شأنها تقوية حكامة تدبير عقارات الدولة – ومن خلالها – حكامة تدبير الاستثمار الخاص وذلك عبــر :
- تثمين العقار العمومي وضمان الولوج إليه وفق قواعد الشفافية وتكافؤ الفرص ؛
- إعادة النظر في الأدوار المنوطة بالمراكز الجهوية للاستثمار باعتبارها آلية لتنفيذ سياسة الدولة في مجال الاستثمار وخلق فرص الشغل؛
- إعادة تكوين احتياطي عقاري مخصص للمشاريع الاستثمارية عن طريق شراكة مع الفاعلين العموميين والخواص ؛
- اعتماد مقاربة الكراء المفضي إلى التملك لضمان جدية المستثمر و وفاء بالتزاماته وفق دفتر التحملات.
و سواء تعلق الأمر بالاستثمار العمومي أو الخاص، فمساهمة أملاك الدولة تمر أساسا عبر:
- الإسراع بإخراج مدونة أملاك الدولة بشقيها التنظيمي و التشريعي للوجود وذلك لتجاوز أكبر إكراه تعرفه هذه المنظومة و المتمثل في ضعف النصوص التنظيمية المؤطرة (مجرد مناشير، رسائل دورية، قرارات…توجد في أسفل هرم تراتبية النصوص التنظيمية) و كذا قدمها ، حيث أن أغلبها يرجع لحقبة الحماية، علاوة على تشتتها؛
- الحرص على تبني مقاربات أكثر مرونة و حكامة تقطع مع المساطر المعقدة تمكن الملك الخاص من الإنخراط أكثر في البرامج التنموية وفق مقاربات مرنة و طيعة؛
- الدفع بمسار عدم التركيز بنقل الصلاحيات للمستويات الأقرب إقليمية وجهوية لمواكبة مسار اللامركزية في تجلياته الحالية ،و لسيما الجهوية الموسعة.