مركز إدريس الفاخوري للدراسات والأبحاث في العلوم القانونية وجدة

قراءة أولية في مستجدات القانون رقم 106.12 المتعلق بنظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية

د.أحمد أجعون

عميد كلية العلوم القانونية والسياسية بقنيطرة

تقديم

لم يصمد القانون رقم 18.00 أكثر من 13 سنة من التطبيق حتى أبان عن عدة ثغرات دفعت المشرع إلى إعادة النظر فيه بمقتضى القانون رقم 106.12 بتاريخ 27 أكتوبر 2016. وقد جاء هذا القانون بمجموعة من المقتضيات المغيرة والمتممة للقانون السابق. فنص على تغيير 37 مادة ونسخ وتعويض 8 مواد وتتميم أحكامه ب 39 مادة إضافية.

فما هي حدود المراجعة التي عرفها مضمون القانون رقم 18.00 ؟ وما هي أهم المستجدات التي حملها القانون رقم 106.12؟ وأخيرا إلى أي حد تعد المقتضيات الجديدة كافية لتجاوز الاختلالات القانونية والتدبيرية للبنايات الخاضعة لنظام الملكية المشتركة؟

إن البحث في الموضوع، والقيام بقراءة أولية في القانون رقم 106.12، يستلزم مناقشة أهم مستجدات هذا القانون في مبحث أول، على أن نتوقف في المبحث الثاني عند بعض النقط التي لم تحظ بالتعديل أو المراجعة أو حتى التنظيم في القانون المذكور وذلك على النحو الآتي:

المبحث الأول: أهم مستجدات القانون رقم 106.12

المبحث الثاني: بعض ثغرات القانون رقم 106.12 واكراهات التطبيق

المبحث الأول: أهم مستجدات القانون رقم 106.12

لقد جاء القانون رقم 106.12 بمجموعة من التعديلات والمستجدات. إلا أننا سنتوقف عند المستجدات التي همت المستويات التالية:

  • توسيع نطاق تطبيق القانون المتعلق بنظام الملكية المشتركة
  • تحرير العقود المتعلقة بالبنايات الخاضعة لنظام الملكية المشتركة
  • تدبير وتسيير الملكية المشتركة
  • السلطات الجديدة الممنوحة لرئيس المحكمة الابتدائية

أولا: على مستوى توسيع نطاق تطبيق القانون المتعلق بنظام الملكية المشتركة

لقد وسع القانون 106.12 من مجال تطبيق نظام الملكية المشتركة ليشمل بالإضافة إلى العقارات المبنية المقسمة إلى شقق أو طبقات أو محلات والمشتركة ملكيتها بين عدة أشخاص والمقسمة إلى أجزاء مفرزة وأجزاء مشتركة، “المجموعات العقارية المبنية المؤلفة من عمارات أو فيلات أو محلات، متلاصقة أو منفصلة، والمقسمة إلى أجزاء مفرزة وأجزاء مشتركة مملوكة على الشياع لمجموع الملاك”[1].

كما أن المشاريع المنجزة على مراحل يمكن إخضاعها لنظام الملكية المشتركة بحيث يتم تحديد النصيب الشائع لكل مالك في الأجزاء المشتركة للجزء المنتهية الأشغال به بكيفية مؤقتة على أن يتم تحديده بشكل نهائي عند إتمام المشروع.

إن توسيع نطاق نظام الملكية المشتركة ليشمل البناء العمودي بالإضافة إلى البناء الأفقي اعتبره البعض[2] نوعا من المجازفة التي ستفتح إمكانية التنصل من تطبيق قانون التجزئات (التسلم المؤقت) بذريعة تطبيق نظام الملكية المشتركة خصوصا في الحالة التي يتولى فيها المقاول في نفس الوقت التجزيء والبناء، معتبرا أن “استعمال الملكية الأفقية بالفيلات سيحث اصطداما بين قانون الملكية المشتركة وقانون التجزئة والتقسيم وذلك باستعمال الأول بدلا من الثاني وقد يصل الأمر إلى بيع كل الفيلات التي بنيت فوق بقع أرضية هي في الحقيقة تجزئة بهذه الطريقة دون تهيئتها والحصول على محضر التسليم المؤقت“.

كما أن توسيع نطاق تطبيق نظام الملكية المشتركة، بقدر ما أملته الحاجة و ضرورة التعامل بأشطر مع حالات المجموعات السكنية المبنية على مراحل، بقدر ما يطرح تساؤلات عميقة حول كيفية تطبيقه خصوصا بالنسبة لوكيل الاتحاد وحصص كل مالك والأجزاء المشتركة…

ثانيا: على مستوى تحرير العقود المتعلقة بالبنايات الخاضعة لنظام الملكية المشتركة

لقد احتفظ المشرع بمقتضيات المادة 12 من القانون رقم 18.00 التي تنص على أن إبرام التصرفات المتعلقة بنقل الملكية الخاضعة لنظام الملكية المشتركة أو إنشاء الحقوق العينية عليها أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها يجب أن تحرر بموجب محرر رسمي أو محرر ثابت التاريخ يتم تحريره…مع ترك الباب مفتوحا لتحرير العقود من طرف كل مهني ينتمي إلى مهنة قانونية ومنظمة يخولها قانونها تحرير العقود والتي ربطها بصدور نص تنظيمي يحدد شروط تقييد باقي المهنيين المقبولين لتحرير هذه العقود[3] .

غير أن ما حمله التعديل الجديد على هذا المستوى هو أولا استثناء العقارات التابعة للملك الخاص للدولة من الأحكام المذكورة. لكن هذا الاستثناء لم يكن دقيقا، فهل تستثنى العقارات المقسمة إلى شقق وطبقات المملوكة للدولة الملك الخاص من الخضوع إلى مقتضيات المادة 12 (محرر رسمي ومحرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف مهني ينتمي إلى مهنة منظمة يخول له قانونها تحرير العقود …) وبقاؤها خاضعة لمقتضيات المادة 4 من مدونة الحقوق العينية، أم استثناؤها كلية من الخضوع للرسمية أي يمكن أن تكون بمقتضى عقود عرفية يمكن للإدارة أن تقوم بإعدادها، وهو ما تحاول إدارة أملاك الدولة الخاصة جادة تعميمه على جميع التصرفات التي تقوم بها فيما يتعلق بتدبير أملاكها سواء كانت مبنية أو غير مبنية، مقسمة إلى شقق أو طبقات أم لا، وذلك في مشروع مدونة أملاك الدولة التي يتم إعدادها.

وثانيا إن التعديل الجديد نص على تطبيق المقتضيات أعلاه مع الأخذ بعين الاعتبار المقتضيات التي تنص على إلزامية تحرير بعض العقود في شكل رسمي ، وهنا يلاحظ أن المشرع أعطى الأولوية في التطبيق لمدونة الحقوق العينية التي تنص في بعض فصولها على تصرفات تستلزم ضرورة إبرامها بمحرر رسمي[4] فقط تحت طائلة البطلان، يتعلق الأمر بحق العمرى (الفصل 106) وعقد الهبة (الفصل 274) وعقد الصدقة (الفصل 291) وينطبق الأمر على  نصوص خاصة أخرى مثلا مدونة الأوقاف[5] ومدونة الضرائب[6]…  وعليه إذا تعلق الأمر مثلا بهبة شقة في إطار الملكية المشتركة سون لن يكون بإمكان المحامي إبرام التصرف.

ثالثا: على مستوى تدبير وتسيير الملكية المشتركة

جاء القانون رقم 106.12 بعدة تفاصيل لتحديد وتدقيق الإجراءات المتخذة سواء قبل أو أثناء أو بعد اجتماعات الجمع العام أو فيما يتعلق بكيفية ضمان أداء مستحقات اتحاد الملاك وطرق تحصيلها قضائيا وكيفية تعيين وكيل الاتحاد ونائبه وانتهاء مهمتهما أو المقتضيات المتعلقة  بالنصاب القانوني لاتخاذ القرارات وإجراءات معالجة صعوبة تسيير الملكية المشتركة وتذييل قرارات الجمع العام بالصيغة التنفيذية .

 لكن شكليات هذا النظام وتفاصيل الأحكام التي جاء بها القانون الجديد تستعصي على المتخصصين وما بالك بعامة الناس، وبالتالي يخشى تشبت الملاك أثناء النزاعات بهذه التفاصيل والشكليات كلما أرادوا التنصل من تطبيق مقتضيات قانون الملكية المشتركة عليهم. ويكفي أن نشير هنا على سبيل المثال إلى الشكليات التي خص بها المشرع الاستدعاء إلى الجمع العام، ناهيك عن النصاب القانوني لصحة الاجتماعات والأغلبية المطلوبة لاتخاذ القرارات…

رابعا: على مستوى السلطات الجديدة الممنوحة لرئيس المحكمة الابتدائية

لقد منح القانون رقم 106.12 مجموعة من الصلاحيات والسلطات لرئيس المحكمة الابتدائية ويكفي أن نشير هنا إلى مقتضيات المادة 59 مكرر 12 التي تنص على ما يلي: “يختص رئيس المحكمة الابتدائية التي تقع الملكية المشتركة في دائرة نفوذها بإصدار الأوامر القضائية التالية:

  • الأمر بأداء المساهمات المستحقة في إطار الميزانية التقديرية،
  • الأوامر المبنية على الطلبات المتعلقة بتقييد الرهون العقارية لضمان أداء التكاليف،
  • الأمر بإلزام وكيل الاتحاد الذي انتهت مدة انتدابه بتسليم الوثائق المحاسبية والربائد والأموال إلى خلفه،
  • أمر المالك المشترك بالسماح بانجاز الأشغال الخاصة بالأجزاء المشتركة التي يتم انجازها كليا أو جزئيا داخل جزئه المفرز،
  • الأوامر الستعجالية المبنية على طلبات بتعيين مسير مؤقت للملكية المشتركة التي تعاني صعوبات في التسيير”.

إن هذا التوجه يكرس المسلك الذي سار عليه المشرع في عدة قوانين بمنح القضاء الرئاسي سلطات واسعة سعيا منه إلى التعجيل في فض النزاعات وصلت إلى حد إعطاء سلطات موضوعية لقاضي المستعجلات، سلطات تتجاوز القاعدة التي تقضي بأن الأوامر الاستعجالية لا تبت “إلا في الإجراءات الوقتية ولا تمس بما يمكن أن يقضي به في الجوهر”[7]، وذلك بالحسم بشكل قطعي في النزاع. وإذا كان من شأن السلطات الجديدة الممنوحة لرئيس المحكمة الابتدائية من شأنها تيسير مهمة تسيير وتدبير الملكية المشتركة، فإن ذلك من شأنه أن يثقل كاهل رؤساء المحاكم الابتدائية بأعباء أخرى وقضايا وملفات أخرى هم في غنى عنها.

المبحث الثاني: بعض ثغرات القانون رقم 106.12 واكراهات التطبيق

على الرغم من حجم وعدد التعديلات التي حملها القانون رقم106.12 لتجاوز الاختلالات القانونية والتدبيرية التي تعرفها الملكية المشتركة ، إلا أنها تبقى قاصرة عن معالجة كل النواقص والاكراهات التطبيقية ، بل إن البعض[8] قلل من هذه المستجدات معتبرا أن ما أتى به النص الجديد يوجد في مجمله صراحة أو ضمنا في القانون القديم.

لكن بقدر ما نشيد ببعض المقتضيات الجديدة التي حملها القانون المذكور، بقدر ما نشير أيضا إلى بعض مكامن النقص التي اعترت النص الجديد والتي يمكن إجمال أهمها فيما يلي:

  •  الاستمرار في إخضاع البنايات غير المحفظة لنظام الملكية المشتركة
  • عدم تنظيم مهنة حراس العمارات الخاضعة لنظام الملكية المشتركة
  • إشكالية تحديد نسبة مساهمة الملاك المشتركين في الخدمات الجماعية
  • انعدام المواكبة ونشر مقتضيات القانون الجديد.

أولا: الاستمرار في إخضاع البنايات غير المحفظة لنظام الملكية المشتركة 

لقد عمد المشرع إلى إدماج العقارات غير المحفظة في سياسة التنمية وذلك منذ صدور القانون رقم 18.00 المتعلق بالملكية المشتركة والقانون رقم 44.00 المتعلق ببيع العقار في طور الانجاز والقانون رقم 51.00 المتعلق بالإيجار المفضي إلى التملك. إلا أن هذه السياسة أثبتت عدم نجاعتها، ومع ذلك استمر المشرع في التشبت بها وتكريسها في القانون رقم 106.12. فبدل أن يعمد إلى التراجع عن هذه السياسة الفاشلة والعمل على تبسيط وتسريع إجراءات التحفيظ العقاري لتغطية أكبر عدد من العقارات، تمادى في إخضاع البنايات غير المحفظة لنظام الملكية المشتركة وهو ما يعد في الحقيقة مغامرة غير محسوبة العواقب، إذ كيف يمكن احتساب الأجزاء المفرزة والأجزاء المشتركة قبل تحديد وإعداد التصاميم العقارية؟ وكيف يمكن الحديث عن رسوم عقارية فرعية قبل تأسيس الرسم العقاري الأم أو الأصلي؟ وكيف يمكن التعامل مع النزاعات التي تنتج عن التعرضات أو المطالبة بالاستحقاق؟ هذه وغيرها أسئلة تجعل في الواقع العملي صعوبة أو استحالة تطبيق هذا القانون على العقارات غير المحفظة.

ثانيا: عدم تنظيم مهنة حراس العمارات الخاضعة لنظام الملكية المشتركة

يعد مشكل حراس العمارات الخاضعة لنظام الملكية المشتركة إحدى أهم المشاكل التي تعتري تدبير هذه العمارات. فغالبية هذه العمارات تعاني مشكل الحراس:

  • إما أنها لا تتوفر على حارس للعمارة
  • إما أن وكيل الاتحاد دخل في دعاوى مع حارس العمارة
  • إما أنها تتوفر على حارس للعمارة يطالبه سكان العمارة بالقيام بكل شيء بما فيها الأعمال المنزلية ودون تمكينه من حقوقه (السكن – الحد الأدنى من الأجر – التغطية الصحية…)
  • إما أنها تتوفر على حارس للعمارة يعمل ما يشاء ويفعل ما يشاء إما بمباركة من جانب من سكان العمارة ضدا على البعض الآخر وإما أن جل سكان العمارة يتبرؤون منه.

 غير أنه على الرغم من هذه الأهمية إلا أن موضوعه لم يحظ بالأهمية اللازمة. فباستثناء إشارات عابرة بخصوص اعتبار مساكن الحراس والبوابين أجزاء مشتركة[9] والأغلبية المطلوبة لتعيينه وعزله[10] ، يلاحظ غياب تأطير قانوني للعلاقة التي يجب أن تربط حارس العمارة باتحاد الملاك سواء فيما يتعلق بالحقوق والواجبات أو الالتزامات (الأجر – العطل – السكن – العقد – التأمين أو الضمان الاجتماعي…).

فإذا استثنينا المقتضيات المتهالكة الواردة في ظهير8 أكتوبر1977 المتعلق بتعهد البنايات وتخصيص مساكن للبوابين في البنايات المعدة للسكنى[11]، التي تنص في مادتها الثالثة على ضرورة تخصيص مكان للبواب في العمارة التي تضم أكثر من عشرة مساكن[12]، لا يوجد تنظيم قانوني خاص بهذه الفئة من العمال مما يجعلها عرضة لأهواء ومزاج القاطنين بالعمارة وفي أحيان أخرى لموازين القوى بينهم وبين اتحادي الملاك. لذلك كان حريا بالمشرع التدخل لتنظيم هذه العلاقة وتدقيق حقوق وواجبات حارس العمارة الذي لا غنى عنه لتدبير وتسيير العمارة.  

ثالثا: أساس تحديد مساهمة كل مالك في التكاليف المشتركة وتكاليف الخدمات الجماعية

لقد نصت الفقرة الأخيرة من المادة 36 من قانون الملكية المشتركة كما تم تعديله وتتميمه على ما يلي: ” كما يجب على كل مالك مشترك المساهمة في تكاليف الخدمات الجماعية المرتبطة بتدبير الملكية المشتركة والتجهيزات المشتركة حسب منفعة هذه الخدمات والتجهيزات بالنسبة لكل جزء مفرز”. إن هذا المقتضى الجديد أثار نقاشا خاصا أفضى إلى تفسيرات متناقضة بين من يذهب إلى القول بأن المساهمة في أي تجهيز مشترك يكون بحسب  انتفاع المالك المشترك بها ( الكهرباء المشترك –  المصعد …) وبين من يميز بين التكاليف المشتركة[13] وتكاليف الخدمات الجماعية المرتبطة بتدبير الملكية المشتركة والتجهيزات المشتركة[14]. ويرجع السبب بالأساس في نظرنا إلى خطا أو سهو وقع فيه المشرع لأن الصيغة الأولى لمقتضيات المادة 36 كانت تنص على ما يلي: “يجب على كل مالك مشترك المساهمة في التكاليف التي يستلزمها الحفاظ على الأجزاء  المشتركة وصيانتها وتسييرها.

تحدد التكاليف المترتبة على الحفاظ على الأجزاء المشتركة وصيانتها وتسييرها على أساس نصيب كل مالك في الجزء المفرز من العقار كما هي محددة في المادة 6 من هذا القانون ، ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك.”

لكن عندما أخضع المشرع هذه المادة للتغيير بدل الاحتفاظ بالفقرة الأولى والثانية، احتفظ (سهوا أو خطأ ماديا) بالفقرة الأولى فقط، واضعا الحد للمقتضى الذي كان يعتمد معيار نصيب كل مالك في الجزء المفرز من العقار لتحديد مساهمة المالك في التكاليف المشتركة[15]، مما ترتب عنه ارتباك في التفسير.  

وما يدعم هذا الاستنتاج هو أن المشرع في فصول أخرى يميز بين التكاليف المشتركة وتكاليف الخدمات الجماعية المرتبطة بتدبير الملكية المشتركة والتجهيزات المشتركة. ففي المادة 16 مكرر 4 مثلا ينص المشرع على ضرورة التذكير بأن عدم الالتزام بأداء الواجبات المتعلقة بالتكاليف المشتركة – وليس تكاليف الخدمات الجماعية المرتبطة بتدبير الملكية المشتركة- يترتب عنه عدم قبول حضوره في الاجتماع.

وعليه فالأمر يقتضي تدارك الأمر ونشر إصلاح خطأ بالجريدة الرسمية – طبعا إذا كان الأمر يتعلق بمجرد خطا مادي – لوضع حد لهذا الجدل وللحيلولة دون نشوب صراعات ونزاعات حول مساهمة الملاك في التكاليف المشتركة.

رابعا: انعدام المواكبة و التحسيس والتوعية بمقتضيات القانون الجديد

إن المتتبع لمسار المشاكل والنزاعات التي يتخبط فيها ملاكو البنايات الخاضعة لنظام الملكية المشتركة سواء فيما بينهم أو مع السنديك مرجعها انعدام ثقافة العيش المشترك في بناية واحدة وثقافة الملكية المشتركة. ولعل الأمر يعود إلى عدة اعتبارات أبرزها الطابع البدوي للساكنة المغربية التي تميل إلى الاستقلال السكني من جهة والطابع الحضري لنظام الملكية المشتركة من جهة أخرى بالإضافة إلى عدم مواكبة الدولة لهذا النظام بالتحسيس والتوعية. فشكليات هذا النظام وتفاصيل أحكامه تستعصي على المتخصصين وما بالك بعامة الناس.في هذا الإطار يحق لنا أن نتساءل عن نسبة الملاك المشتركين الذين يعلمون بوجود قانون خاص بالملكية المشتركة ؟ وما هي نسبة الملاك الذين اطلعوا على مضامين هذا القانون أو يعرفون أحكامه؟ فكيف للملاك المشتركين الذين يجهلون بأحكام قانون الملكية المشتركة أن يطبقونها؟

 وعلاقة بالموضوع  تثار مسألة قانونية وعملية وتطبيقية مرتبطة بالتساؤل التالي: هل السنديك جمعية يخضع لقانون الجمعيات فيما يتعلق بإحداثه وتسييره والعضوية فيه… أم لا؟

إذا كان اتحاد الملاك يتشابه مع الجمعية باعتبارهما يخضعان لميثاق أو نظام أساسي ولا يستهدفان تحقيق الأرباح، فإن اتحاد الملاك يتكون من مجموعة من الملاك المشتركين ويكون الغرض منه هو تدبير الأجزاء المشتركة ويختلف عن الجمعية في عدة نقط[16]:

  • على مستوى التأسيس: الجمعيات يجوز تأسيسها بكل حرية بمجرد تقديم تصريح إلى مقر السلطة بواسطة عون قضائي مقابل وصل مؤقت أما اتحاد الملاك فينشأ بقوة القانون دون حاجة إلى تصريح، مع الإشارة إلى أن المقتضيات الجديدة للفقرة الأولى من المادة 13 من قانون الملكية المشتركة كما تم تغييره وتتميمه نصت صراحة على أن اتحاد الملاك المشتركين لا ينشأ إلا بتاريخ تقييد أول تفويت لأحد الأجزاء المفرزة[17]. غير أنه للأسف بعض اتحاد الملاك المشتركين يطلبون من السلطة المحلية تسليمهم وصولات عن إيداع ملف التأسيس وذلك بعلة أن بعض الإدارات العمومية وكذا المؤسسات البنكية تطالبهم بالوصل. كما أن الدليل الذي أصدرته مديرية الإنعاش العقاري التابعة لوزارة الإسكان والتعمير والتنمية المجالية[18] نص على أنه يجب إتباع نفس الإجراءات التي يجب إتباعها لتأسيس الجمعية  فيتعين “على وكيل اتحاد الملاك بمجرد تعيينه من طرف الجمع العام التأسيسي ، أن يودع تصريحا لدى السلطة المحلية التي يوجد بدائرتها مقر اتحاد الملاك، وذلك مباشرة أو عن طريق عون قضائي حيث يسلم وصل مؤقت بهذا الإيداع مؤرخ ومؤشر عليه” وحدد الدليل المذكور أيضا شكل التصريح ومضمونه…وهو ما يشكل ممارسة غير سليمة تتنافى وخصوصيات مقتضيات الملكية المشتركة حيث سبق لمحكمة النقض أن اعتبرت أن ظهير 15 نوفمبر 1958 يطبق على تأسيس الجمعيات، في حين أن أحكام الملكية المشتركة تخضع لظهير (1946)[19]

ولوضع حد لهذا اللبس، نصت المادة 19 من قانون الملكية المشتركة كما تم تعديله بمقتضى القانون رقم106.12على ما يلي:”تبلغ السلطة الإدارية المحلية المختصة بنتيجة تعيين الأجهزة المسيرة للملكية المشتركة”، وهو ما يفيد أن المقصود هو مجرد تبليغ فقط وليس تصريح.  

  • على مستوى العضوية: إذا كانت الجمعية تتميز بالحرية في الانخراط والانسحاب منها، فإن العضوية في اتحاد الملاك بحكم القانون لكل مالك مشترك ولا تزول عنه الصفة إلا بتفويت محله للغير.
  • على مستوى الغرض: إذا كان غرض الجمعية عام هو التعاون لتحقيق أهداف غير توزيع الأرباح، فإن هدف اتحاد الملاك محدد في تدبير الأجزاء المشتركة.
  • على مستوى الانقضاء والحل: إذا كان انتهاء الجمعية يكون عن طريق الحل الإرادي أو الإداري أو القضائي ، فإن انقضاء اتحاد الملاك لا يكون إلا بتهدم العقار المشترك تهدما كليا أو بملكية شخص واحد  لجميع الأجزاء المفرزة.

[1]  – المادة الأولى من القانون رقم 106.12

[2] – مبارك السباغي “قراءة في قانون الملكية المشتركة للعقارات المبنية” مقال منشور بجريدة الصباح على حلقات.

[3]  – هذا النص التنظيمي لم يصدر  رغم مرور أزيد من 13 سنة على صدور القانون رقم 18.00

[4]  –  راجع المقتضيات المتعلقة بإلزامية المحرر الرسمي في مدونة الحقوق العينية  بالنسبة لعقد العمرى (المادة 106) ، عقد الهبة (المادة 274) ، عقد الصدقة (المادة 291). وبشأن كيفية تطبيق مقتضيات المادة الرابعة من القانون 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية ، راجع الدورية رقم 395 الصادرة عن المحافظ العام بتاريخ 27 نوفمبر 2013.

[5]  – التي تنص المادة 75 منها على ما يلي: “يجب أن يضمن عقد المعاوضة العينية في محرر رسمي”.

[6]  – التي تنص المادة 93 منها كما تم تعديلها بقانون المالية لسنة 2010 على إلزامية إبرام الوعد بالبيع وعقد البيع النهائي لفائدة مقتني السكن الاجتماعي بموجب عقد توثيقي.

[7] – الفصل 152 من قانون المسطرة المدنية

[8]  – مبارك السباغي، مرجع سبقت الإشارة إليه.

[9] – إن اعتبار مساكن الحراس والبوابين أجزاء مشتركة قد يتناقض مع اعتبارها تشكل جزءا في الملكية المشتركة يتوفر على رقم وجزء مفرز مع حصة في الأجزاء المشتركة

[10] – المادة 28 من قانون الملكية المشتركة كما تم تغييره وتتميمه.

[11]  – ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.76.258  منشور بالجريدة الرسمية عدد 3388 مكرر بتاريخ 10 أكتوبر 1977.

[12]  – تنص المادة الثالثة من ظهير 8 أكتوبر 1977 أعلاه على ما يلي: “إن كل بناية أو مجموعة بنايات للسكنى تضم عشرة مساكن على الأقل يجب أن تشتمل على مكان للبواب في البناية نفسها أو في ساحاتها أو في ملحقاتها وأن يقوم فيها بواب بأعمال الحراسة والتعهد” وهذا المقتضى لا يتم الالتزام به في كثير من الحالات خشية أن يتم الاستيلاء على ذلك المكان من طرف حارس العمارة وامتناعه عن إخلائه لدى قيام أي نزاع بينه وبين وكيل اتحاد الملاك.

[13]  – تتكون التكاليف المشتركة من:

– التكاليف المتعلقة بالمحافظة على الأجزاء المشتركة (إصلاحات السطوح والجدران الأساسية – قنوات الصرف الصحي – الحدائق…)

– التكاليف المتعلقة بصيانة الأجزاء المشتركة مثل شراء مواد وأدوات التنظيف – أجور القائمين بالصيانة: البواب – البستاني…)

– التكاليف المتعلقة بإدارة الأجزاء المشتركة ( أتعاب ومصاريف وكيل الاتحاد – المصاريف المتعلقة بتقييد الرهن الجبري…)

[14]  – جهاز التسخين المركزي في فصل الشتاء وجهاز التكييف الهوائي في فصل الصيف مثلا.

[15]  – غير أنه أتاح إمكانية الاتفاق على مخالفة هذا المقتضى بتضمين نظام الملكية المشتركة بنودا تضع معايير أكثر حداثة لتوزيع التكاليف.

[16]  – راجع بتفصيل: سعاد الزروالي”هل يمكن اعتبار اتحاد الملاك في الملكية المشتركة بمثابة جمعية؟ مقال منشور بموقع العلوم القانونية MarocDroit  .

[17]  – راجع بهذا الخصوص دورية المحافظ العام عدد 408 في شأن تطبيق الفقرة الأولى من المادة 13 من القانون 18.00 المتعلق بنظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية كما تم تغييره وتتميمه

[18]  – وزارة الإسكان والتعمير والتنمية المجالية ، مديرية الإنعاش العقاري “دليل وكيل اتحاد الملاك المشتركين” تصفيف إخراج وطباعة ماك سيب ص 22

[19]  – القرار عدد 1564 بتاريخ 25/4/2001، في الملف عدد 99/01/1998 والقرار عدد 718 بتاريخ 27/02/2002، في الملف عدد 1842/01/2/2000.