تنظيم بيع العقار في طور الإنجاز في القانون المغربي بين تشجيع الاستثمار وضرورة حماية الطرف الضعيف
د. عبد الرحمان الشرقاوي
أستاذ القانون المدني الاقتصادي
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي جامعة محمد الخامس بالرباط
1. انسجاما مع روح هذه الندوة التكريمية للأستاذ الفاضل الدكتور الحسين بلحساني والتي اختارت لها اللجنة المنظمة عنوانا متميزا وآنيا، يتعلق بالعقار والتعمير والاستثمار، أود أن أشير بداية إلى أنه ترتب عن بيع العقارات في طور الإنجاز[1] العديد من المشاكل والأضرار التي لحقت بالمستهلكين نتيجة غياب نص قانوني يعالج المشاكل القانونية الممكن أن تنتج عن هذا النوع من البيوع[2]؛ حيث لم يقم المشرع المغربي بتنظيمها إلا بمقتضى القانون رقم 44.00، الذي أدمج الفصول من618مكرر-1 إلى 618مكرر-20، أي عشرين مادة.
2. وبالنظر للصعوبات التي اعترضت تطبيق القانون رقم 44.00، فإن المشرع المغربي أصدر القانون رقم 107.12[3] القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 44.00 بشأن بيع العقارات في طور الإنجاز، وذلك بهدف تجاوز مختلف العراقيل التي اعترضت تطبيق القانون الأول، من خلال إدخال العديد من التعديلات التي سعى من خلالها المشرع المغربي إلى خلق مناخ ملائم وتحقيق ظروف محفزة لمختلف الفاعلين في هذا النوع من البيوع.
وقد هدف القانون رقم 107.12 بالإضافة لذلك، إلى تأهيل الترسانة القانونية وجعلها مواكبة للدينامية التي يعرفها القطاع العقاري والاستجابة لتزايد الطلب على السكن، من خلال إرساء نوع من التوازن بين مصالح طرفي العملية التعاقدية.
3.لعل الملاحظة الأساسية التي يمكن الخروج بها من خلال قراءة مقتضيات هذا القانون، أنه حاول، ولو ظاهريا، التوفيق بين الهاجسين المشار إليهما أعلاه. وهذا ما يمكن استنتاجه من خلال التمعن في أهم المستجدات التي جاء بها القانون رقم 107.12 المغير والمتمم للقانون رقم 44.00 (أولا)، إضافة إلى اعتبار العقد الابتدائي عقدا شكليا (ثانيا)، وكونه عقدا استهلاكيا (ثالثا).
أولا: المستجدات الواردة على قانون بيع العقار في طور الإنجاز تظهر سعي المشرع لإقرار نوع من التوازن بين طرفي هذا العقد
4.إن الصعوبات التي اعترضت تطبيق القانون رقم 44.00، هي التي دفعت المشرع المغربي إلى تغييره وتتميمه بمقتضى القانون رقم 107.12 السالف الذكر، وذلك بهدف حماية المشتري بالدرجة الأولى، دون إغفال مصالح المنعش العقاري؛ حيث سعى القانون الجديد إلى وضع العديد من المقتضيات التي تهدف إلى تحفيز الطرف الثاني بدوره على الامتثال للقواعد والأحكام القانونية، عوض التعامل خارج النص القانوني.
5. ويمكن اختزال أهم المقتضيات الحمائية التي جاء بها القانون الجديد فيما يلي:
– التنصيص على إمكانية إبرام عقد جديد يسمى ‘عقد التخصيص’[4]، واشتراط ضرورة إبرامه كتابة، دون فرض نوع معين منها؛ ويبقى إبرام هذا العقد مجرد مرحلة اختيارية، جاء بها المشرع من أجل حماية المشتري، لاسيما إذا علمنا أن الممارسة كشفت عدم احترام الأطراف المتدخلة في هذا النوع من العمليات للمقتضيات التي جاء بها القانون رقم 44.00، حيث غالبا ما كان يكتفي المنعش العقاري بمنح المشتري المستقبلي مجرد وصل، وتمسكهم بأن مثل هذا الوصل أو الحجز إنما هو آلية داخلية تسمح لهم ببرمجة بيوعاتهم.
لكل هذه الاعتبارات، عمل القانون رقم 107.12 على تنظيم عقد التخصيص، وجعله مرنا على مستوى الكتابة المتطلبة، لما في ذلك من تشجيع للمتعاملين في هذا المجال على التعامل داخل الإطار القانوني الجديد؛ غير أنه من أجل حماية المشتري المستهلك، فإن المشرع المغربي جاء بضمانتين، الأولى تتعلق بالبيانات التي ينبغي تضمينها هذا العقد[5]، أما الضمانة الثانية فتتمثل في اشتراط الحصول على رخصة البناء قبل إبرام عقد التخصيص، وذلك تحت طائلة البطلان[6].
6.من الضمانات الأخرى التي قررها المشرع المغربي للمشتري، بمناسبة إبرام عقد التخصيص، يمكن الإشارة إلى أربع، أوردها الفصل 3-618 مكرر ثلاث مرات، وذلك على الشكل التالي:
- يحق للمشتري التراجع عن عقد التخصيص داخل أجل لا يتعدى شهرا ابتداء من تاريخ إبرام عقد التخصيص؛
- يجب على البائع في حالة تراجع المشتري عن عقد التخصيص، أن يرجع للمشتري المبلغ المدفوع كاملا داخل أجل لا يتعدى سبعة أيام ابتداء من تاريخ ممارسة هذا الحق؛
- تحدد صلاحية عقد التخصيص في مدة لا تتجاوز ستة (6) أشهر غير قابلة للتجديد تؤدي لزوما إلى إبرام عقد البيع الابتدائي أو التراجع عن عقد التخصيص واسترجاع المبالغ المسبقة؛
- يودع البائع المبالغ المالية المؤداة من طرف المشترين عند إبرام عقود التخصيص، وذلك في الحدود المقررة في الفصل 6-618 أدناه في حساب بنكي خاص في اسم البائع. وتكون هذه المبالغ المالية المودعة غير قابلة للتصرف أو الحجز إلى حين انقضاء أجل حق التراجع المتعلق بكل عقد. وفي المقابل يتسلم المشتري وصلا بالإيداع.
7.في مقابل ذلك، يبدو اهتمام المشرع المغربي بالمنعش العقاري، من خلال العديد من المقتضيات والأحكام، التي تتمثل أساسا فيما يلي:
– التنصيص على إمكانية إبرام العقد الابتدائي بمجرد الحصول على رخصة البناء، عوض تقييده بضرورة إنهاء الأشغال الأساسية على مستوى الطابق الأرضي؛ لما في ذلك من تمكين للبائع من تلقي التسبيقات التي تسمح له بتمويل مشروعه؛ فقد نص الفصل 5-618 ‘لا يجوز إبرام العقد الابتدائي لبيع العقار في طور الإنجاز إلا بعد الحصول على رخصة البناء’.
وقد أحسن المشرع المغربي بتبنيه لهذا المقتضى، ليس فقط من أجل تشجيع المنعش العقاري على إخضاع بيوعه للقانون، وإنما لما يحققه من فوائد للمشتري، مادام أن تطلب الانتهاء من أشغال الأساسات على مستوى الطابق الأرضي كان يجعل القضاء المغربي يعتبر هذا النوع من العقود مجرد وعد بالبيع، ومن ثم لا يخضع لمقتضيات قانون بيع العقارات في طور الإنجاز، الذي تبقى وظيفته الأساسية هي حماية المشتري الطرف الضعيف في هذا النوع من العقود.
ففي قرار لها بتاريخ 9 يوليوز 2013، ذهبت الغرفة المدنية لمحكمة النقض المغربية إلى أنه ‘لكن حيث إنه بمقتضى الفصل 618-5 من قانون الالتزامات والعقود لا يمكن إبرام العقد الابتدائي لبيع العقار في طور الإنجاز إلا بعد انتهاء أشغال الأساسات على مستوى الطابق الأرضي، ولما كان العقد شريعة المتعاقدين طبقا للفصل 230 من ق.ل.ع. فإن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما استبعدت طلب المدعي بطلان العقد المبرم بين الطرفين بناء على الفصل 618-3، معتبرة أن هذا العقد المبرم بين الطرفين لا يعتبر عقدا ابتدائيا لعقار في طور الإنجاز الذي لا يمكن إبرامه إلا بعد الانتهاء من أشغال الأساسات، وكيفته بأنه مجرد وعد بالبيع لا يخضع لمقتضيات الفصل المذكور، وما يترتب عنه من بطلان بسبب عدم تحريره في محرر رسمي أو عقد ثابت التاريخ يحرر من طرف مهني مقبول وعللته به من أنه ‘لما كان الاتفاق بين الطرفين لم يطل عقارا في طور الإنجاز حسب الوصف الوارد في الفرع الرابع من الباب الثاني الذي يهم أنواعا خاصة من البيوع…إنما هو اتفاق على وعد بيع عقار سيتم إنجازه فهو بذلك لا يخضع للشكلية المنصوص عليها في الفصل 618-3 من ق.ل.ع. وما يرتبه من آثار وبالتالي فإنجازه في عقد عرفي صحيح قانونا ومنتج لآثاره إذا لم يختل فيه أي ركن’، بناء على ما ثبت لها من العقد المطلوب التصريح ببطلانه المبرم بين الطرفين، من أن الاتفاق تم بينهما في وقت لم يكن فيه البناء قد بدأ فعلا، حيث كان قد تم الحصول على رخصة بالأشغال فقط، ولم تكن أشغال الأساسات على مستوى الطابق الأرضي قد انتهت، وأنه تضمن فقط التزامات متبادلة حيث التزمت البائعة (المطلوبة) ببيع مسكن بالمواصفات الواردة بالعقد بعد إنجازه، كما التزم المشتري (الطالب) بشرائه بالثمن والشروط الواردة في عقد الوعد بالبيع، تكون قد كيفت العقد التكييف القانوني الصحيح، وردت كافة دفوع الطالب الواردة بمقاله الاستئنافي وجاء قرارها معللا تعليلا كافيا وسليما ومرتكزا على أساس وغير خارق للمقتضيات المحتج بخرقها والوسيلتان على غير أساس”[7].
– تخفيف العبء على البائع المنعش العقاري؛ فمن جهة، تم الاستغناء عن إلزامية إرفاق العقد الابتدائي بالنسخ المطابقة لأصل التصاميم المعمارية بدون تغيير وتصاميم الإسمنت المسلح ونسخة من دفتر التحملات؛ حيث اكتفى القانون الجديد، بمقتضى الفقرة ما قبل الأخيرة من الفصل 3-618 مكرر، بإلزام البائع أن يودع لدى محرر العقد، قصد الاطلاع، نسخا مطابقة للأصل من التصاميم المعمارية الحاملة لعبارة ‘غير قابلة للتغيير’، وتصاميم الإسمنت المسلح ونسخة من دفتر التحملات ونسخة من الضمانة البنكية أو أي ضمانة أخرى مماثلة أو التأمين.
من جهة ثانية، تم إعفاء البائع من ضرورة إرفاق العقد الابتدائي بالشهادة المسلمة من قبل المهندس المختص، والتي تثبت الانتهاء من أشغال الأساسات الأرضية للعقار، مادام أن القانون الجديد لم يعد يشترط لإبرام العقد الابتدائي الانتهاء من هذه الأشغال.
8.إضافة لكل هذه المستجدات التي جاء بها القانون رقم 107.12، فإن بيع العقار في طور الإنجاز يتميز بمجموعة من المميزات، التي فرضت على مختلف التشريعات إلى وضع تنظيم قانوني خاص بها،يهدف في مجمله إلى حماية الطرف الضعيف في هذا العقد بمجموعة من المقتضيات الحمائية؛ لعل من أهمها هو اعتبار بيع العقار في طور الإنجاز عقدا شكليا، كما سنرى في المحور الموالي.
ثانيا: بيع العقار في طور الإنجاز هو عقد شكلي
9.من أجل حماية المشتري لعقار في طور الإنجاز باعتباره طرفا ضعيفا في مواجهة البائع المهني، فإن المشرع المغربي جعل هذا العقد شكليا سواء في صيغته الابتدائية أو النهائية.
10.فبخصوص العقد الابتدائي، يتأكد لنا ذلك من خلال الرجوع للفصل 3-618 من القانون رقم 107.12 الذي نجده ينص على ما يلي: “يجب أن يرد عقد البيع الابتدائي للعقار في طور الإنجاز إما في محرر رسمي أو في محرر ثابت التاريخ يتم توثيقه من طرف مهني ينتمي إلى مهنة قانونية منظمة ويخول لها قانونها تحرير العقود، وذلك تحت طائلة البطلان.
يحدد وزير العدل سنويا لائحة بأسماء المهنيين المقبولين لتحرير هذه العقود.
يقيد باللائحة المحامون المقبولون للترافع أماممحكمة النقض طبقا للقانون المنظم لمهنة المحاماة.
يحدد نص تنظيمي شروط تقييد باقي المهنيين المقبولين لتحرير هذه العقود.
يجب أن يتم توقيع العقد والتأشير على جميع صفحاته من لدن الأطراف ومن الجهة التي حررته.
يتم تصحيح جميع الإمضاءات بالنسبة للعقود المحررة من طرف المحامي لدى رئيس كتابة الضبط للمحكمة الابتدائية التي يمارس المحامي بدائرتها في سجل خاص يحدد بمقتضى قرار صادر عن وزير العدل’.
11. وبالرغم من هذه الآلية التي سعى من خلالها المشرع المغربي لحماية الطرف الضعيف في عقد بيع العقار في طور الإنجاز، والذي غالبا ما يكون هو المشتري، فإن الممارسة أثبتت عدم تمسك أطراف هذا العقد بهذا المقتضى؛ الأمر الذي جعل محكمة النقض المغربية في العديد من قراراتها تعتبر العقد الذي لم يحترم هذا المقتضى عقدا باطلا.
12. وفي الوقت الذي كان القانون رقم 44.00 ينص على العديد من البيانات الواجب إدراجها في العقد الابتدائي في نفس المادة، فإن القانون رقم 107.12 خصص مادة مستقلة لها، تتمثل في الفصل 3-318 مكرر، التي نصت على ما يلي: ‘يجب أن يتضمن عقد البيع الابتدائي على الخصوص البيانات التالية:
- هوية الأطراف المتعاقدة؛
- محل المخابرة المتفق عليه مع وجوب الإخبار في حالة تغييره؛
- رقم الرسم العقاري الأصلي للعقار المحفظ موضوع البناء أو مراجع ملكية العقار غير المحفظ مع تحديد الحقوق العينية والتحملات والارتفاقات الواردة على العقار؛
- تاريخ ورقم رخصة البناء؛
- موقع العقار محل البيع ووصفه ومساحته التقريبية؛
- ثمن البيع النهائي للمتر المربع وكيفية الأداء أو ثمن البيع الإجمالي بالنسبة للبيع المتعلق باقتناء عقار في إطار السكن الاجتماعي كما هو محدد بالتشريع الجاري به العمل؛
- أجل التسليم؛
- مراجع ضمانة استرجاع الأقساط المؤداة في حالة عدم تنفيذ البائع للعقد أو ضمانة إنهاء الأشغال أو التأمين’.
13. عموما، فإن المشرع المغربي أحسن صنعا بتنصيصه على هذه البيانات، بالنظر لأهميتها القانونية والواقعية؛ فمن الناحية الأولى، فإنها تمكن المتعاقدين من تفادي إمكانية تعارض النظام القانوني للأرض مع النظام الذي تخضع له البنايات، خاصة كون الأرض قابلة للتفويت؛ أما من الناحية الثانية، فإن التنصيص على هذه البيانات، من شأنه أن يمنح المستهلك نفسيا الثقة في جدية المشروع الذي يوجد في ملكية البائع وكونه لا يخالف ضوابط التعمير؛ مما يحقق للمشتري المستقبلي استقرارا نفسيا بخصوص المشروع المقبل عليه.
14. وبخصوص العقد النهائي، فإن الفصل16-618 من القانون رقم 107.12 نص على أن عقد البيع النهائي يبرم طبقا لمقتضيات الفصل 3-618 المشار إليه أعلاه،بعد وضع البائع لدى محرر العقد شهادة مسلمة من المهندس المعماري تثبت نهاية الأشغال ومطابقة البناء لدفتر التحملات.
ويتوقف تحرير عقدالبيع النهائي على الإدلاء برخصة السكن أو شهادة المطابقة واستخراج الرسوم العقارية الفرعية بالنسبة للعقارات المحفظة، وبعد أداء المشتري ما تبقى من ثمن البيع كما هو محدد في عقدالبيع الابتدائي.
إضافة لكل ما سبق ذكره، فإننا نرى بأنه يتعين على القضاء أن يقوم بملاءمة الأحكام القانونية التي جاء بها القانون الجديد مع طبيعة بيع العقار في طور الإنجاز، الذي يعتبر كقاعدة عامة عقد استهلاك، كما سنتطرق لذلك في المحور الموالي.
ثالثا: بيع العقار في طور الإنجاز هو عقد استهلاك
15. يعتبر بيع العقار في طور الإنجاز في الغالب عقد استهلاك يربط بين بائع مهني في مجال البناء والعقار ومشتري مستهلك طرف ضعيف يسعى غالبا إلى مجرد إشباع حاجاته الفطرية المتمثلة في الحصول على مسكن. مما يعني أننا أمام علاقة غير متكافئة أو غير متوازنة، مما يفرض على المشرع المغربي أن يتدخل بمقتضى قواعد آمرة من أجل حماية الطرف الضعيف بالدرجة الأولى؛ وهو ما يظهر أن المشرع قد استجاب له بالعديد من المقتضيات الواردة في القانون رقم 107.12السالف الذكر.
16.بالنظر لأهمية هذه المقتضيات الحمائية، فإننا ارتأينا أن نشير لبعضها فقط، لكوننا أشرنا لأهمها سابقا بمناسبة الحديث عن أهم المستجدات التي جاء بها القانون الجديد رقم 107.12، كما هو الشأن بالنسبة للبيانات الواجب إدراجها سواء في عقد التخصيص أو عقد البيع الابتدائي، والتي تشكل إعلاما وتبصيرا للمشتري؛ حيث يمكن الوقوف على ما يلي:
– يعد باطلا كل أداء كيفما كان قبل التوقيع على العقد الابتدائي أو عقد التخصيص في حالة اللجوء إلى إبرامه (الفصل 8-618)؛
– يتعين على البائع بعد توقيع عقد البيع الابتدائي أن يقدم لفائدة المشتري إما ضمانة إنهاء الأشغال أو ضمانة استرجاع الأقساط المؤداة في حالة عدم تنفيذ العقد (الفصل 9-618).
– تدخل المشرع في تقدير التعويض، تفاديا لكل شرط جزائي مجحف قد يتضمنه العقد، وأيضا تقييدا لسطلة القاضي في تقدير نسبة التعويض عن الإخلال بالالتزامات التعاقدية، لاسيما من جانب المشتري.
فقد نص الفصل 12-618 على أنه في حالة التأخر عن أداء الدفعات حسب المراحل المنصوص عليها في الفصل 6-618 أعلاه، يتحمل المشتري تعويضا لا يتعدى 1 في المئة عن كل شهر من المبلغ الواجب دفعه على أن ألا يتجاوز هذا التعويض 10 في المئة في السنة.
في حالة تأخر البائع عن إنجاز العقار في الأجل المحدد، فإنه يتحمل تعويضا بنسبة 1 في المئة عن كل شهر من المبلغ المؤدى على أن لا يتجاوز هذا التعويض 10 في المئة في السنة.
غير أن هذا التعويض عن التأخير لا يطبق إلا بعد مرور شهر من تاريخ توصل الطرف المخل بالتزاماته بإشعار يوجهه إليه الطرف الآخر بإحدى الطرق المنصوص عليها في الفصل 37 وما يليه من الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.74.447 الصادر بتاريخ 11 من رمضان 1394 (28 سبتمبر 1974) بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية.
– تخويل المشتري إمكانية إجراء تقييد احتياطي بناء على عقد البيع الابتدائي، متى كان العقار محفظا، وتجاوزت التسبيقات 50 في المئة من ثمن البيع. فقد نصت الفقرة الأولى من الفصل 10-618 على ما يلي: ‘يجوز للمشتري، إذا كان العقار محفظا، أن يطلب إجراء تقييد احتياطي بناء على عقد البيع الابتدائي إذا تجاوزت التسبيقات 50 في المئة من ثمن البيع. ويبقى التقييد الاحتياطي ساريا إلى غاية تقييد البيع النهائي وذلك للحفاظ المؤقت على حقوق المشتري. وكل شرط مخالف يعتبر باطلا؛
– يتعين على البائع بمجرد حصوله على رخصة السكن أو شهادة المطابقة المشار إليهما في الفصل 6-618 أعلاه، وعلى أبعد تقدير داخل أجل ستين (60) يوما الموالية لتاريخهما أن يخبر المشتري بذلك في محل مخابرته المصرح به في عقد البيع الابتدائي أو عند الاقتضاء في عقد التخصيص بإحدى طرق التبليغ المعتمدة قانونا، وأن يقوم بالإجراءات اللازمة لتحيين الملك موضوع الرسم العقاري من أجل استخراج رسوم عقارية فرعية خاصة إذا كان العقار محفظا (الفصل 18-618)؛
– إذا كان إبرام العقد النهائي يبقى هو الغاية الأساسية لأطراف بيع العقار في طور الإنجاز، فإن إخلال أحد المتعاقدين بالتزامه بإبرامه، يخول للمتعاقد الآخر الحق في المطالبة بالتنفيذ العيني متى كان ذلك ممكنا، وإلا فإنه يسوغ له المطالبة بفسخ عقد البيع الابتدائي مع حقه في التعويض في الحالتين معا. فقد نص الفصل 19-618 على ما يلي: إذا رفض أحد الطرفين إتمام البيع داخل أجل ستين (60) يوما ابتداء من تاريخ توصله بالإشعار، يحق للطرف المتضرر إما:
- فسخ العقد بقوة القانون، تطبيقا لأحكام الفصل 260 من قانون الالتزامات والعقود مع حقه في التعويض المنصوص عليه في الفصل 14-618؛
- اللجوء إلى التحكيم أو إلى المحكمة من أجل إتمام البيع مع حقه في التعويض المنصوص عليه في الفصل 12-618.
17. يبقى أن نشير في النهاية، إلى أن هذه المقتضيات القانونية، تبقى غايتها المثلى هي محاولة الاستجابة لغاية القاعدة القانونية بوجه عام، والمتمثلة في التوفيق بين المصالح الخاصة للأفراد والمصلحة العامة للجماعة؛ مما يعني أن الممارسة والتطبيق السليم للقانون من قبل القضاء هي الكفيلة بإبراز مدى توفق المشرع المغربي في بلوغ هذا المبتغى.
غير أنه في انتظار ذلك، نود الإشارة إلى بعض النواقص التي اعترت هذا القانون في نظرنا، والتي تعتبر بمثابة صعوبات تحول دون تحقيق الغاية الأساسية منه، والمتمثلة في حماية المشتري الطرف الضعيف في بيع العقارات في طور الإنجاز؛ حيث نكتفي بما يلي:
- ترك الحرية للأطراف في الاتفاق على بعض المقتضيات التعاقدية التي قد تشكل منفذا للمهنيين، من أجل فرض إرادتهم، بما قد يؤدي إلى إدراج العديد من الشروط المجحفة على المشتري العقاري، لاسيما حينما يكون العرض أقل من الطلب؛
غموض وعدم انسجام مجموعة من المقتضيات القانونية فيما بينها.
[1]– بالرجوع للمادة الأولى من القانون رقم 107.12، أي الفصل 618 مكرر-1، نجده أورد التعريف التالي في فقرته الأولى: “يعتبر بيعا لعقار في طور الإنجاز كل اتفاق يلتزم بمقتضاه البائع بإنجاز عقار داخل أجل محدد ونقل ملكيته إلى المشتريمقابل ثمن يؤديه هذا الأخير تبعا لتقدم الأشغال”. ويذهبأحدالباحثينالمغاربةأنالتعريف الذي كان قد تبناه القانون رقم 44.00 ‘والذي يشبه إلى حد كبير التعريف الجديد ماهو إلا ترجمة لما كان يتبناها لعمل القضائي، ذلك أنه بالرجوع للأحكام الصادرة عن المحاكم التابعة لدائرة محكمة الاستئناف بالرباط نجدها تعتبر عقد بيع العقار في طور الإنجاز بمثابة عقد ابتدائي؛ من ذلكا لقرار الصادر عن محكمة بالرباط بتاريخ 16أبريل 1982، حيث جاء فيه “لكن بالرجوع إلى العقد الرابط بين الطرفين والذي بمقتضاه باعا المستأنف عليهما محلا لنزاع يتبين أن عقد البيع خالي من أي شرط مما أصبحت بنوده ملزمة للطرفين معاحسب مقتضيات الفصل230 من ق.ل.ع”.
جيلالي بوحبص: قراءاتفي القانون العقاري وقانون البناء؛ دارالأفاق المغربية للنشر والتوزيع، الدارالبيضاء، الطبعةالأولى :2009.
[2]– ذهب أحد الباحثين المغاربة إلى أنه “إذا كان بيع العقارات في طور الإنجاز منتشرا في العقد الأخيرعلى صعيدالواقع فإن الفرصة واتت المشرع لإدماجه ضمن قواعد قانون الالتزامات والعقود تتميما له ضمن العقودالمسماة. ويستحق هذا القانون الجديد أن يعتبر خطوة جريئة في مجال تشريع المعاملات العقارية، وهو مجال عرف إغفالا وإهمالا طيلة عقود كثيرة إلى درجة أصبح معها الوضع الذي عليه العقار والتعامل فيه من الإكراهات على التنمية والتطور بسبب عدم تحيين النصوص التشريعية وعدم التفكير في إدماج آليات قانونية مستحدثة تجعل العقار وهو منطلق المشاريع الاقتصادية والاجتماعية طوع عملية التطور والنماء”.
محمد بن أحمد بونبات: بيع العقارات في طور الإنجاز، دراسة في ضوء القانون رقم 44.00؛ سلسلة آفاق القانون (9)، المطبعة والوراقة الوطنية- مراكش؛ الطبعةالأولى 2003؛ ص :7.
[3]– ظهير شريف رقم 1.16.05 صادر في 23 من ربيع الآخر 1437 (3 فبراير 2016) بتنفيذ القانون رقم 107.12 بتغيير وتتميم القانون رقم 44.00 بشأن بيع العقارات في طور الإنجاز المتمم بموجبه الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 (12 أغسطس 1913) بمثابة قانون الالتزامات والعقود. الجريدة الرسمية عدد 6440، 9 جمادى 1437 (18 فبراير 2016)، ص:932.
[4]– نص الفصل 3-618 مكرر مرتين في فقرته الأولى على ما يلي: “يمكن للبائع والمشتري قبل تحرير العقد الابتدائي إبرام عقد تخصيص من أجل اقتناء عقار في طور الإنجازإما في محرر رسمي أو محرر عرفي ثابت التاريخ وفقا للشكل المتفق عليه من الأطراف”.
[5]– نصت الفقرة الثالثة من الفصل 3-618 مكرر مرتين على ما يلي: “يتضمن عقد التخصيص البيانات الواردة في البنود 1 و2 و3 و4 و5 و6 و7 المنصوص عليها في الفصل 618.3 مكرر أعلاه”.
[6]– نصت على هذا المقتضى الفقرة الثانية من الفصل 3-618 مكرر مرتين، حيث جاء فيها “لا يجوز إبرام عقد تخصيص العقار في طور الإنجاز، تحت طائلة البطلان، إلا بعد الحصول على رخصة البناء”.
[7]– القرار عدد 341/7، ملف مدني عدد 1838/1/7/2012. غير منشور.