مركز إدريس الفاخوري للدراسات والأبحاث في العلوم القانونية وجدة

جزاءات التعمير بين مبادئ القانون الجنائي وتشجيع الاستثمار

د.عبد الكريم الطالب

أستاذ التعليم العالي- كلية الحقوق مراكش

مداخلة ضمن أشغال الندوة الوطنية التي نظمت من طرف المركز يومي 25 و26 نونبر 2016 تحت عنوان :”العقار والتعمير والاستثمار” بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة وذلك بمناسبة تكريم أستاذ التعليم العالي الدكتور الحسين بلحساني.

مقدمة

يعرف  البعض[1] التعمير بأنه ” فن تهيئة المدن أو علم المدينة والتجمعات المخصصة أساسا للسكن والعمل والأنشطة الاجتماعية الأخرى”. ويقصد به البعض الآخر[2] ” مجموعة من الإجراءات التقنية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية التي تساعد على تطوير المجتمعات بشكل منسجم وعقلاني وإنساني”[3].

وعلى غرار عدد من النصوص القانونية التي أصدرها المشرع المغربي في السنوات الأخيرة، فإن القوانين المنظمة لمجال التعمير[4] تشتمل على عدد غير يسير من المقتضيات الزجرية التي لا تدخل من حيث الطبيعة في صميم القوانين التي عادة ما تتضمنها.

وبالفعل، خصص القانون 90-12 المتعلق بالتعمير المواد من 64 إلى 80 للعقوبات، كما أفرد لها القانون 90-25 المنظم للتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات المواد من 63 إلى 72 كما تم تغييرها وتتميمها بالقانون 12-66 الصادر في 25 غشت 2016.

وعلى الرغم من الإيجابيات المتعددة التي يمكن تسجيلها حيال هذا التوجه التشريعي الذي يحاول من خلاله حماية النص الموضوعي المراد تنزيله على أرض الواقع بهذه الأحكام الزجرية، فإنه يثير كثيرا من الصعوبات والإشكالات التي تجعل الهدف المنشود لا يتحقق بالصورة التي توخاها المشرع بداية. ولا أدل على ذلك من التناقض الذي يقع أحيانا بين هذه “النصوص الجنائية الخاصة ” إن جاز القول،    ومبادئ القانون الجنائي المتفق عليها من قبل الفقه والقضاء المهتمين بالمادة الجنائية.

إضافة إلى ما سلف، لا غرو أن التعمير يهدف إلى تنظيم المجال. وحين نقول  تنظيم المجال، فهذا يعني الرقي بالرقعة الجغرافية اجتماعيا، واقتصاديا وهذا ما يجعل تشجيع الاستثمار من الأهداف الكبرى التي يرمي التعمير بشكل عام إلى بلوغها. ولا شك كذلك أنه بغض النظر عن القوانين التي تمت الإشارة إليها، فهناك آليات أخرى ترمي إلى تشجيع الاستثمار من خلال التعمير منها على وجه الخصوص المسطرة الاستثنائية التي تمنح موافقتها للمشاريع المستوفية للشروط المقررة في  هذا الإطار.

   من كل ما سبق، يبدو أن هناك إشكالات كثيرة مطروحة نظريا وعلى أرض الواقع، وحتى نتمكن من معالجتها، نقترح نتناول الموضوع  وفق الخطاطة التالية :

أولا : جزاءات التعمير ومبادئ القانون الجنائي

ثانيا : جزاءات التعمير وتشجيع الاستثمار

أولا : جزاءات التعمير ومبادئ القانون الجنائي

تثير جزاءات التعمير سواء تعلق الأمر بالقانون 90-12 أو بالقانون 90-25 صعوبات نظرية وعملية كثيرة بسبب عدم انسجامها مع خصوصيات القانون الجنائي وذلك على أكثر من صعيد.

  1. على مستوى طبيعة الفعل المخالف لأحكام التعمير

   نقصد بطبيعة الفعل المخالف لأحكام التعمير الفعل الذي يرتكب خرقا للأحكام المذكورة، وهو ما يوصف من قبل المشرع  بالمخالفات حيادا عن التقسيم الذي سطره القانون الجنائي المغربي الصادر سنة 1962 والذي يميز بين الجنايات والجنح والمخالفات. فماذا يقصد المشرع بالمخالفات في قوانين التعمير؟

   قبل تحديد طبيعة الفعل الماس بقوانين التعمير ، يجدر بنا الرجوع إلى التمييز الذي تبناه القانون الجنائي بهذا الخصوص وذلك في الفصول 15 و 16 و17 و18.

   فحسب الفصل 15 تكون العقوبات الأصلية إما جنائية أو جنحية أو ضبطية (المخالفات). أما الفصل 16 فقد حدد العقوبات الجنائية الأصلية وهي :

  • الإعدام؛
  • السجن المؤبد؛
  • السجن المؤقت من خمس سنوات إلى ثلاثين سنة؛
  • الإقامة الإجبارية؛
  • التجريد من الحقوق الوطنية.

أما الفصل 17 فقد أكد أن العقوبات الجنحية الأصلية هي :

  • الحبس؛
  • الغرامة التي تتجاوز 1200 درهم؛

   وأقل مدة الحبس شهر وأقصاها خمس سنوات باستثناء حالات العود أو غيرها التي يحدد فيها القانون مددا أخرى.

   وبحسب الفصل 18 فالعقوبات الضبطية الأصلية ( المخالفات) هي :

  • الاعتقال لمدة تقل عن شهر،
  • الغرامة من 30 درهم إلى 1200 درهم.[5]

   على خلاف التمييز المذكور أعلاه، عمد المشرع في مادة التعمير إلى اعتماد منهج مغاير يتمثل أساسا في جعل اللبس والغموض يدبان إلى كل من الجنح والمخالفات حيث يصبح التداخل قويا بينهما بصورة توشك على هدم التمييز بين هذين المفهومين.

وهكذا يمكن للدارس وبتصفح سطحي وسريع، أن يكتشف أن المخالفة في التعمير تجاوزت المفهوم المحدد لها من طرف القانون الجنائي. فلم تعد هي تلك الجريمة التي لا يتعين أن تجاوز 1200 درهم كغرامة ، ولا تلك التي لا يجوز أن تتعدى شهرا من الاعتقال، بل يلاحظ من خلال أغلب فصول القانون 90-12 المتعلق بالتعمير، والقانون 90-25 المنظم للتجزئات العقارية لا سيما بعد تعديلهما بموجب القانون 12-66 ، أن العقوبات المقررة للمخالفة في مجال التعمير أعلى بكثير من الحد الأقصى المقرر لها طبقا للفصلين 17 و18 من القانون الجنائي.

   ويمكن في هذا الإطار أن نمثل لما أشرنا إليه أعلاه ببعض المواد من القانونين المذكورين للوقوف على إخراج المشرع لمخالفات التعمير من خانة القواعد المعمول بها في التمييز بين الجنحة والمخالفة.

   فالمادة 71 من القانون 90-12 المعدلة سنة 2016 تقضي بما يلي :

   ” يعاقب بغرامة من 10.000 إلى 100.000 درهم، كل من باشر بناء أو شيده من غير الحصول على رخصة سابقة بذلك…..

   إذا عاد المخالف إلى اقتراف نفس الجريمة داخل أجل السنة الموالية للتاريخ الذي صار فيه الحكم الصادر في المخالفة الأولى مكتسبا لقوة الشيء المقضي به يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ثلاثة(3) أشهر”.

أما المادة 72 من نفس القانون فتنص على أنه:

” يعاقب بغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم، كل من سلمت له رخصة بناء وقام بتشييد بناء خلافا للرخصة المسلمة له، وذلك بتغيير العلو المسموح به والأحجام والمواقع المأذون فيها أو المساحة المباح بناؤها أو الغرض المخصص له البناء.

يعاقب بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وبغرامة من 50.000 إلى 100.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من سلمت له رخصة بناء وقام بتشييد بناء خلافا للرخصة المسلمة له، وذلك بزيادة طابق أو طوابق”

ووفق المادة 77 من ذات القانون :

 ” يعاقب بغرامة من 100.000 إلى 200.000 درهم على إقامة بناية فوق ملك من الأملاك العامة أو الخاصة للدولة أو الجماعات الترابية وكذا على الأراضي التابعة للجماعات السلالية من غير الحصول على الرخص المنصوص عليها في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل”.

وعلى نفس المنوال سار المشرع وهو ينظم مجال التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات في القانون 90-25 المغير والمتمم في بعض مقتضياته بالقانون 12-66  حيث جاء في المادة 65 منه على أنه :

“يعاقب بغرامة من100.000 إلى 5.000.000 درهم كل من قام بإحداث :

  • تجزئة عقارية أو مجموعة سكنية من غير إذن سابق،
  • تقسيم مخالف لأحكام المادة 58 من هذا القانون”

ويظهر خروج المشرع عن قواعد القانون الجنائي بشكل واضح وقوي في المادة 68 من القانون   90-25 التي نصت على أنه :

” يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 100.000 إلى 200.000 درهم كل من قام ببيع أو إيجار أوقسمة أو عرض للبيع أو الإيجار بقعا من تجزئة أو مساكن من مجموعة سكنية أو توسط في ذلك، إذا كانت التجزئة أو المجموعة السكنية لم يؤذن في إحداثها أو لم تكونا محل التسلم المؤقت للأشغال مع مراعاة أحكام القانون رقم 00-44 المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز”.[6]

تلك بعض النماذج التي توضح المنحى الخاص الذي سلكه المشرع في مادة التعمير. وهو منحى يخلق كثيرا من الضبابية في تعريف المخالفة في هذه المادة. فهل المقصود بالمخالفات الجنح، فقط أن الطابع الإداري لقوانين التعمير هو الدافع إلى تغييب لفظ الجنح من قاموسها حتى لا يعتقد أننا في إطار قانون جنائي خاص؟ أم أن المقصود فعلا هو المخالفة كما هي متعارف عليها في القانون الجنائي، فقط أن الفرق يكمن في الرفع من العقوبات إلى ما تجاوز الحد الأقصى المقرر للمخالفات في القانون الجنائي؟ أم أن الأفعال الخارقة للتعمير تعد مخالفات من نوع خاص؟

الحقيقة أن عددا من المعايير التي يمكن للباحث والممارس الاستناد إليها في حل هذا الإشكال قائم في بعض النصوص الواردة في قانوني 90-12 و90-25 لكن ببعض الخفوت وأحيانا بالتناقض. من ذلك مثلا حين تنص مقتضيات القانونين المذكورين على أن مدة العود في ارتكاب مخالفات التعمير هي سنة فإن ذلك يفيد أن المشرع أراد لهذه المخالفات أن تكون بالفعل مخالفات وليس جنحا ما دامت المدة المذكورة هي تقريبا تلك المنصوص عليها في القانون الجنائي (اثنا عشر شهرا) [7].

ومع ذلك، فاللبس قائم والغموض مخيم على مخالفات التعمير إذا ما حاولنا ربطها بمخالفات القانون الجنائي عامة. و سيتضح لنا ذلك بشكل واضح إذا ما أردنا إعمال النتائج المترتبة على التمييز بين الجنح والمخالفات وتطبيقها على مخالفات التعمير. وهو الأمر الذي سنتولى معالجته في النقطة الموالية.

    2 – على مستوى الآثار المترتبة على التمييز بين الجنح والمخالفات

   كما هو معلوم ثمة نتائج متعددة ودقيقة تتمخض عن التمييز بين الجنح والمخالفات منها :

  • المساس بقاعدة عدم جواز استعمال القياس في المادة الجنائية :

   من القواعد المستقر عليها في المادة الجنائية – خلافا لما هو معمول به في المادة المدنية – أن إعمال القياس غير جائز وذلك لأن مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص هو الأساس الذي ينبني عليه عدم الجواز هذا.

    والملاحظ أن المشرع المغربي وهو ينظم الجانب الزجري في مادة التعمير، لم يحترم قاعدة عدم جواز إعمال القياس، ذلك أنه ينص سواء في القانون 90-12 المتعلق بالتعمير أو في القانون 90-25 الخاص بالتجزئات العقارية على تشديد العقوبة المقررة قانونا ومضاعفتها إذا عاد مقترف المخالفة إلى ارتكاب نفس الفعل أو فعل مماثل لما سبق أن ارتكبه وذلك داخل أجل سنة.[8]

   ويثير هذا التوجه التشريعي عددا من علامات الاستفهام.  فكما هو معلوم لا يمكن أن نعاقب شخصا أو نشدد العقوبة في مواجهته بناء على أفعال تماثل الأفعال التي سبق له أن قام بها داخل أجل وبشروط يحددها المشرع، لأن مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص يعد أمرا لا يتعين المساس به لأنه يمثل الشرعية الجنائية. ومن ثم كان على المشرع ألا يفتح الباب لمثل هذا القياس والمماثلة بين الجرائم لصعوبة تحديد معايير تماثل المخالفات، هل هي العقوبة المقررة للمخالفتين، أم عناصر ركنها المادي أو غير ذلك من المعايير التي يمكن اعتمادها في هذا الإطار.

وكان أجدر بالمشرع وهو ينظم العود في مادة التعمير، أن يسير على نفس الطريق الذي سلكه في القانون الجنائي احتراما لمبد أ الشرعية الجنائية وعدم جواز القياس في المادة الجنائية، إذ بين وحدد الجرائم المتماثلة في الفصول 157 و158 و 159 من القانون الجنائي[9] هذا من جهة.

من جهة أخرى، حين نقارن بين فصول القانون الجنائي و المواد الزجرية في مادة التعمير نلاحظ عدم الانسجام بينها من حيث العبارات والألفاظ المستعملة فضلا عن الآثار المهمة التي تترتب على كل عبارة أولفظ. فعلى سبيل المثال، تنص فصول القانون الجنائي عموما على شرط اكتساب الحكم الصادر في المخالفة الأولى لقوة الشيء المقضي به[10]، في حين تستعمل المادة 71 من القانون 90-25 المنظم للتجزئات العقارية عبارة الحكم غير القابل لأي طعن. وهي عبارة لا تحمل نفس المعنى الذي تفيده عبارة الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي به.

فالحكم المكتسب لقوة الشيء المقضي به هو الحكم الذي يكون قابلا للتنفيذ ولو كان قابلا لبعض طرق الطعن، وخاصة طرق الطعن غير العادية، أما الحكم الذي لا يقبل أي طريق من الطعن فهو الحكم النهائي الذي لم يعد بإمكان المتضرر أن يطعن فيه لاستنفاذ طرق الطعن المسموح بها قانونا. وغني عن البيان أن البون شاسع بين العبارتين، لكن مع ذلك لم ينتبه المشرع إلى هذه التدقيقات المسطرية والإجرائية رغم أنه قام بتعديل نصوص التعمير في غشت 2016.[11]

خلاصة القول في هذه النقطة، أن قوانين التعمير لم تكن موفقة في الخروج عن القواعد المقررة من قبل القانون الجنائي في حالة العود، لأن خروجها المذكور لا يمكن إلا أن يتسبب في المساس بحريات الأشخاص وأموالهم وهو ما لا يقصده المشرع عادة من خلاله سنه للنصوص عامة وللنصوص الزجرية بشكل خاص.

  • المشاركة

تناول القانون 90-12 والقانون 90-25 المشاركة على التوالي في المادتين 78 و71-3 إذ جاء فيهما ما يلي :

“علاوة على الحالات المنصوص عليها في الفصل 129 من مجموعة القانون الجنائي، يعد شريكا لمرتكب المخالفات لهذا القانون ولضوابط التعمير أو البناء العامة أو الجماعية، حسب الحالة، ويعاقب بنفس العقوبة رب العمل والمقاول الذي أنجز الأشغال والمهندس المعماري والمهندس المختص والمهندس المساح الطبوغرافي، في حالة عدم تبليغهم عن المخالفة خلال 48 ساعة من علمهم بارتكابها، وكل من صدرت عنهم أوامر نتجت عنها المخالفة والأشخاص الذي سهلوا أو ساهموا في عملية البناء المخالف للقانون.

يعاقب المشاركون المذكورون بالعقوبات المطبقة على الفاعليم ما لم يتعلق الأمر بجريمة أشد”.[12]

كما يلاحظ من خلال هاتين المادتين المصاغتين بنفس الأسلوب والتعبير، أن المشرع أضاف حالات جديدة من المشاركة على الرغم من عدم توفقه في اللفظ الذي يستعمله للتعبير عن المشارك. فهو يقول الشريك وليس المشارك رغم أن اللفظين لا يعنيان بالضرورة نفس المعنى، قلنا إن المشرع خلق حالات جديدة للمشاركة الجنائية ووسع مفهومها إذا ما قارناه بالحالات المحددة التي أوردها الفصل 129 من القانون الجنائي[13]. ونعتقد أن هذا التوجه الجديد يرمي إلى الضرب على أيدي من يخالفون قوانين التعمير ذات الأبعاد الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والسياحية، والصناعية، والجمالية….

لكن مع ذلك، فطبيعة الفعل المخالف لقوانين التعمير المتمثلة في كونها مخالفات كما أحب المشرع أن يسميها في هذه القوانين تطرح إشكالا حقيقيا يكمن في مدى إمكانية المعاقبة على المشاركة في المخالفات التعميرية علما أن الفصل 129 من القانون الجنائي يستثني المخالفات من قاعدة العقاب على المشاركة. فهل التنصيص على معاقبة المشاركين والتوسع في مفهوم المشاركة الجنائية طبقا لقوانين التعمير يعني أن مخالفات التعمير جنح وليست مخالفات؟

نعتقد أن المشرع لم يستقر على موقف واحد، فهو من جهة يخضع العود في المخالفات التعميرية لنفس مدة المخالفات المنصوص عليها في الفصل 159 من القانون الجنائي (مدة سنة أو اثنا عشر شهرا)، ومن جهة أخرى يقرر المعاقبة على المشاركة طبقا للفصل 129 من القانون الجنائي الذي يشترط لذلك تعلق الأمر بالجنايات والجنح فقط دون المخالفات.

  • المحاولة

تعد المحاولة من النتائج التي تترتب على التمييز بين أنواع الجرائم ( الجنيات والجنح والمخالفات). فبالعودة إلى الفصول 114 و115 و116 من القانون الجنائي، يتبين أن المحاولة لا عقاب عليها في المخالفات مطلقا.

وسيرا على نفس التحليل الذي اتبعناه في ما كتب أعلاه، هل تخضع المحاولة في قوانين التعمير للعقوبة أم أنها مستثناة من ذلك باعتبارها مخالفات؟ في تقديرنا الشخصي يبدو من خلال المواد المنظمة للجانب الزجري في قوانين التعمير أن المشرع يجنح إلى عدم المعاقبة على المحاولة في المخالفة كما لو أنه يكيف مخالفات التعمير على أنها مخالفات فقط طبقا للقانون الجنائي. وإن كان الأمر كما نعتقد، فإن المشرع وقع في تناقضات كثيرة مع نفسه إذ تارة يوحي لنا بأن الأمر يتعلق بمخالفات فقط ( غياب النص الصريح على العقاب على المحاولة في مجال التعمير) وتارة يلمح إلى أن الأمر يتعلق بجنح ( العقاب على المشاركة، وتجاوز الحد الأقصى للغرامات والعقوبات السالبة للحرية لما يقرره القانون الجنائي بالنسبة للمخالفات…).

وإضافة إلى النتائج التي أشرنا إليها أعلاه والتي تعد ذات أهمية كبرى من حيث التمييز بين الجنح والمخالفات، هناك حالات أخرى يبرز فيها التمييز المذكور بشكل واضح منها :

  • الأمر بوقف تنفيذ العقوبة في الحكم

حسب الفصل 55 من القانون الجنائي :

“في حالة الحكم بعقوبة الحبس أو الغرامة، في غير مواد المخالفات، إدا لم يكن قد سبق الحكم على المتهم بالحبس من أجل حجناية أو جنحة عادية، يجوز للمحكمة أن تأمر بإيقاف تنفيذ تلك العقوبة على أن تعلل ذلك”. التساؤل المطروح حول هذا النص، هو هل تخضع مخالفات التعمير لهذه المقتضيات، أم ان اعتبارها مجرد مخالفات يبعدها من تطبيق الفصل 55 أعلاه؟ سنرجئ الإجابة حتى ننتهي من عرض باقي النتائج المترتبة على التمييز بين الجنح والمخالفات للتشابه من حيث الخلاصة بين كل ما سلف إيراده وما سيأتي.

  • المصادرة كعقوبة إضافية

ينص الفصل 44 من القانون الجنائي على أنه :

” في حالة الحكم بالمؤاخذة عن أفعال تعد…مخالفات لا يجوز الحكم بالمصادرة المشار إليها في السابق (الفصل 43) إلا في الأحوال التي يوجد فيها نص قانوني صريح”.

  • الإيداع القضائي داخل مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية

طبقا للفصل 75 من القانون الجنائي لا يودع داخل مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية إلا إذا كان متهما بارتكاب جناية أو جنحة أو بالمساهمة أو المشاركة فيها، أما في المخالفات فلا مجال لإعمال هذا الإجراء.

  • التقادم

وفقا للمواد 649 و650 و651 من قانون المسطرة الجنائية الصادر في 03 أكتوبر 2002 كما تم تعديله وتتميمه، تتقادم العقوبات في الجنايات بمرور خمس عشرة سنة، وتتقادم في الجنح بانصرام أربع سنوات، و تتقادم في المخالفات بمرور سنة ميلادية كاملة. فهل تتقادم مخالفات التعمير بمضي أربع سنوات أو بانصرام سنة كاملة؟ الجواب بحسب تكييف المخالفة التعميرية هل هي مخالفات أم جنح.

  • التحقيق الإعدادي

بالرجوع إلى المادة 83 من قانون المسطرة الجنائية يظهر أن التحقيق لا يكون إلزاميا إلا في الجنايات المعاقب عليها بالإعدام أو بالسجن المؤبد أو التي يصل حدها الأقصى 30 سنة والجنايات المرتكبة من طرف الأحداث وفي الجنح بنص خاص.

ويكون اختياريا في باقي الجنايات وفي الجنح المرتكبة من قبل الأحداث و في الجنح التي يكون حدها الأقصى خمس سنوات أو أكثر.

أما بالنسبة للمخالفات فلا تحقيق فيها.

  • الاعتقال الاحتياطي والوضع تحت المراقبة  القضائية

تنص المادة 159 من قانون المسطرة الجنائية على أن :

“الوضع تحت المراقبة القضائية والاعتقال الاحتياطي تدبيران استثنائيان، يعمل بهما في الجنايات أة في الجنح المعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية”. وبمفهوم المخالفة لهذه المادة لا يمكن تطبيق هذين التدبيرين بالنسبة للمخالفات. فهل تدخل مخالفات التعمير ضمن الخانة الأولى أم ضمن فئة المخالفات؟  

  • تطبيق الأمر القضائي

بحسب المادة 383 من قانون المسطرة الجنائية:

“يمكن للقاضي في الجنح التي يعاقب عليها القانون بغرامة فقط لا يتجاوز حدها الأقصى 5000 درهم ويكون ارتكابها مثبتا في محضر أو تقرير ولا يظهر أن فيها متضررا، أن يصدر استنادا على ملتمس كتابي من النيابة العامة أمرا يتضمن المعاقبة بغرامة لا تتجاوز نصف الحد الأقصى المقرر قانونا، وذلك بصرف النظر عن العقوبات الإضافية والمصاريف  ورد ما يلزم رده…”.

بإعمال مفهوم المخالفة لهذه المادة  على غرار المادة السابقة، يتضح أن هذا التدبير لا يمكن سلوكه من قبل القاضي متى تعلق الأمر بمخالفة. وهذا طبعا يحيلنا على نفس الإشكال الذي سبق لنا أن بسطناه في التكييف القانوني لمخالفات التعمير. فإذا اعتبرناها جنحا طبقناه وفق شروط المادة، أما إذا تم تكييفها بأنها مخالفات فلا مجال لإعماله.  

من خلال كل ما سبق، يظهر لنا بكل جلاء أن تحديد طبيعة مخالفات التعمير هو الفيصل والأساس الذي عليه يمكن ترتيب نتائج دون أخرى. وكما سبق وأن بينا، فالمشرع لم يكن واضحا في تكييفه القانوني لمخالفات التعمير، وإنما تارة يشير إلى بعض القواعد التي تطبق على الجنح وتارة يتبنى بطريقة ضمنية القواعد التي تسري على المخالفات.

وفي تقديرنا، نعتبر مخالفات التعمير جنحا لعدة اعتبارات أهمها :

  • الحد الأقصى للعقوبات المقررة لها سواء تعلق الأمر بالجانب المالي أو بالعقوبات السالبة للحرية.
  • التوجه الجديد للمشرع في تعديل 2016 المتعلق بزجر مخالفات التعمير حيث شدد العقوبات وكثف من آلية المراقبة وخلق هيآت جديدة تابعة للولاة أو للعمال أوللإدارة تقوم بالمراقبة ومعاينة المخالفات علما أنه بالمقابل تم تقليص دور رؤساء الجماعات الترابية في هذا المجال مقارنة مع ما كان عليه الأمر قبل التعديل.
  • الخطورة الاجتماعية والاقتصادية والقانونية التي تتمخض عن المخالفات التي ترتكب في مجال التعمير. ولا أدل على ذلك من تفاقم البناء العشوائي و المساس بجمالية مدننا وقرانا والافتقار إلى أبسط حقوق السكن والعيش الكريم بالنسبة لفئات عريضة.
  • الضرب على أيدي المضاربين والسماسرة الذين راكموا الثروات على حساب القوانين الجاري بها العمل وعلى حساب الفئات الهشة والمحتاجة لسكن ملائم.

لكل ما سبق، يتعين جعل مخالفات التعمير جنحا حتى نتمكن من تطبيق كل القواعد المنصوص عليها في القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية. بل يمكن أن نكيفها كجنايات متى كانت الأفعال المرتكبة خطيرة على حياة المواطنين وسلامتهم الجسدية وعلى أموالهم و حقوقهم المالية.

ثانيا : جزاءات التعمير وتشجيع الاستثمار

 بعدما تناولنا في النقطة الأولى من هذا الموضوع العلاقة التي تربط جزاءات التعمير بمبادئ القانون الجنائي، ننتقل في هذه النقطة إلى معالجة الموضوع من زاوية الاستثمار لنطرح تساؤلا في غاية الأهمية يكمن في مدى تشجيع الجزاءات المقررة في قوانين التعمير للاستثمار.

الواقع أن الإجابة على هذا التساؤل يطرح سؤالا استنكاريا مفاده أن لا علاقة بين الجزاءات وتشجيع الاستثمار. لكن مع ذلك يمكننا أن نبحث في الجزاءات والاستثمار من خلال المخالفات ( الجنح) التي قررها المشرع للالتزام بضوابط التعمير العامة والجماعية على حد سواء.

فمن المعلوم أن قانون التعمير 90-12 وقانون التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات وضعا عددا كبيرا من القواعد والضوابط التي يتعين على المواطنين العاديين والمستثمرين والمنعشين العقاريين والإدارات على احترامها تحت طائلة الجزاء المقرر قانونا عند المخالفة.

وكما هو معلوم فالضوابط اللازم احترامها واردة في وثائق التعمير سواء تعلق الأمر بالمخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية، أو بتصميم التنطيق أو بتصميم التهيئة أو بتصميم التنمية الخاص ببعض المناطق القروية الخاصة.[14]

غير أن الضوابط التعميرية الواردة في قوانين التعمير لا ترمي بشكل مباشر إلى تشجيع الاستثمار، ولكن تنظم بصورة عامة وغير مباشرة كل ما من شأنه أن يحقق التنمية المستدامة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية والثقافية والصناعية وغيرها. وهذا على عكس ما نجده بالنسبة للآلية التي تم اعتمادها لتشجيع الاستثمار[15] والمتمثلة في الرخص الاستثنائية التي تمنح لفائدة المشاريع الاستثمارية حسب الدوريات الصادرة عن القطاعات الحكومية صاحبة الاختصاص.[16]

  1. جزاءات مخالفة ضوابط التعمير كأساس لتشجيع للاستثمار

كما مر بنا، أقر المشرع جزاءات كانت مالية، أو إدارية ، أو سالبة للحرية، أو عينية لجعل الكل يحترم ضوابط التعمير. ومن خلال هذه الضوابط يمكن الحديث عن تشجيع الاستثمار سيما بالرجوع إلى القانون 90-25 المتعلق بالتجزئات العقارية المغير والمتمم بمقتضى القانون 12-66 الصادر في غشت 2016.

   فقانون التجزئات فرض عددا من الالتزامات التي يتعين على من شاء إحداث تجزئة عقارية أو مجموعة سكنية أو تقسيم عقار احترامها وإلا تعرض للجزاء ،وهو ما نعتبره مساهمة من القواعد الزجرية في تشجيع الاستثمار،من ذلك على سبيل المثال لا الحصر :

  •  الحصول على الإذن المفروض لإحداث تجزئة عقارية أو مجموعة سكنية أو تقسيم عقار؛
  • احترام مقتضيات الوثائق المكتوبة والمرسومة موضوع الأذون المسلمة في شأنها؛
  • عدم القيام بإنشاء التجزئات العقارية أو المجموعات السكنية أو تقسيم العقارات في مناطق غير قابلة لاستقبالها بموجب النظم المقررة؛
  • عدم القيام بإنشاء التجزئات العقارية أو المجموعات السكنية أو تقسيم العقارات فوق ملك من الأملاك العامة أو الخاصة للدولة والجماعات الترابية والأراضي التابعة للجماعات السلالية ما لم يتم الحصول على الرخص والأذون اللازمة ؛
  • ضرورة الحصول على رخصة السكن أو شهادة المطابقة قبل استعمال البناية طبقا للقانون    90-12 المتعلق بالتعمير.
  • عدم ارتكاب أعمال ممنوعة بموجب الفقرة الثانية من المادة 34 من القانون المذكور؛
  • احترام مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 17-2 الخاصة بمسك دفتر الورش. وهي مقتضيات تم إضافتها بمقتضى القانون 12-66 الصادر في غشت 2016.
  • عدم الإقدام على بيع أو إيجار أو قسمة أو القيام ببيع أو بإيجار بقعة داخل تجزئة أو سكن داخل مجموعة سكنية ما لم تكن التجزئة أو المجموعة السكنية مرخصة أو حرر بشأنها محضر التسلم المؤقت للأشغال مع أخذ أحكام القانون رقم 00-44  المتعلق ببيع العقارات في طور الإنجاز بعين الاعتبار…[17]

وبالفعل، فهذه الضوابط وأخرى وردت في القوانين المنظمة للتعمير تساهم إلى حد كبير في تشجيع الاستثمار ولو أنها تتميز بتعقد مساطرها وتشعب إجراءاتها وتعدد المتدخلين في سيرورتها.[18]

وضمانا لاستثمار ذي منفعة اقتصادية واجتماعية، نص المشرع على معاقبة كل من لم يلتزم بالضوابط المذكورة. وهكذا تم تخصيص عدد من المواد للجانب الزجري سواء في القانون المتعلق بالتعمير أو بالقانون الخاص بالتجزئات العقارية أو بالظهير المتعلق بتوسيع نطاق العمارات القروية الصادر في 25 يونيو 1960.

والذي يزيد في الضمان المومأ إليه أعلاه، أن القانون 66-12 الصادر سنة 2016 شدد من العقوبات الزجرية التي كان منصوصا عليها في القوانين المذكورة كما أحدث جزاءات جديدة تماشيا وانسجاما مع الأحكام الجديدة التي تم إدخالها  مؤخرا على ما كان قائما في السابق.[19]

  • الرخص الاستثنائية وتشجيع الاستثمار

من الآليات التي تم اعتمادها لتشجيع الاستثمار مسطرة الرخص الاستثنائية للمشاريع الاستثمارية التي تنظمها عدد من الدوريات وذلك إيمانا من الجهات المختصة بتعقد المساطر وتشعبها في قوانين التعمير. وهو الأمر الذي يجعل الإقدام على الاستثمار مسألة صعبة إن لم تكن مستحيلة أحيانا.

وبالفعل تم إصدار عدة دوريات تتسم بالمرونة والسرعة في أحكامها منها دورية الوزير المكلف بإعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان والبيئة عدد 254 بتاريخ 12 فبراير 1999 ودوريته عدد 850 بتاريخ 24 ماي 1999 والمعدلة بالدورية رقم 622 الصادرة بتاريخ 8 ماي 2001.

وتنطوي هاتان الدوريتان على بعض المستجدات أهمها:

  • إصدار مذكرة توجيهية بالنسبة للمشاريع الاستثمارية ذات الأهمية الكبرى المزمع إنجازها في مناطق لا تغطيها وثائق التعمير،
  • القيام بدراسة مسبقة للمشاريع الكبرى من قبل الوكالة الحضرية المعنية قبل إيداع الطلب رسميا لدى الجماعة المختصة،
  • الموافقة على المشروع بعد الاستجابة للملاحظات التي يمكن إبداؤها من طرف القطاعات الأخرى دون أن يؤثر ذلك على المشروع برمته.
  • إحداث لجنة مركزية تحت الإشراف المباشر للوزير المكلف بالتعمير للاضطلاع بالنظر في المنازعات المثارة بشأن بعض الطلبات الرامية إلى إنشاء مشاريع استثمارية والتي لم تحصل على التراخيص اللازمة محليا ، أو التي تكون موضوع خلاف في وجهات النظر بين المصالح المكلفة بالتعمير.

وقد حاولت دورية 2001 تجاوز بعض الإشكالات التي تثيرها الدوريتان المشار إليهما أعلاه، فشددت على ضرورة فرز المشاريع  الاستثمارية النوعية  عن المشاريع الكبرى التي لم يتم التوصل إلى التوافق بخصوصها، وعلى تعزيز كل ملف بمذكرة تقنية تتضمن آراء كل الجهات التي تدخلت محليا في الملف، إضافة إلى ضرورة التكييف السليم والنفعي للمشاريع الاستثنمارية المقدمة قصد الموافقة.

وتجدر الإشارة إلى أن النظر محليا في المشاريع الاسثمارية موكول للجنة خاصة يعهد برئاستها إلى  والي الجهة عملا بمضمون الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى الوزير الأول في موضوع التدبير اللاممركز للاستثمار في 9 يناير 2000.

وتتكون اللجنة – حسب هذه الدوريات -إلى جانب والي الجهة من عامل العمالة أو الإقليم المعني، ومدير المركز الجهوي للاستثمار، ورئيس الجماعة المعنية، ومدير الوكالة الحضرية التي تتولى كتابة اللجنة، والمسؤول الجهوي عن القطاع الإداري المعني بالاستثمار. وفي حال عدم وجود وكالة حضرية يقوم بمهمة كتابة اللجنة رئيس المصلحة المكلفة بالتعمير.[20]

وحددت دورية2001 عددا من المعايير التي يمكن بناء عليها منح الاستثناء للمشاريع المقدمة منها:

  • أن يخلق المشروع رواجا اقتصاديا وذلك إحداث مناصب للشغل وجلب الاستثمارات.
  • أن يكون موضوع المشروع إنجاز برامج سكنية اجتماعية أو  تشييد سكن يدخل في إطار محاربة السكن غير اللائق.
  • أن يحدث المشروع فضاءات وبنيات تحتية إلى جانب السكن لإضفاء جمالية عمرانية عليه من جهة، ولتمكين المستفيدين من الترفيه وتحسين جودة حياتهم من جهة أخرى.

وأضافت هذه الدورية إجراء مهما يتمثل في أن الولاة أو العمال أو رؤساء الجماعات هم من يقومون بإيداع المشاريع الاستثمارية لدى الكتابة الجهوية للجنة المكلفة بالبت في هذا النوع من المشاريع والتي تتخذ قراراتها بالموافقة بإجماع أعضائها الحاضرين على منح الاستثناء للمشاريع المستوفية للشرطين اللذين استلزمتهما ويتعلق الأمر بـ :

  • أن تودع الطلبات داخل أجل ستة أشهر تحتسب من تاريخ تبليغهم بموافقة اللجنة، وذلك حتى يتمكن أصحابها من الحصول على الترخيص اللازم الذي تمنحه الجماعة المعنية.
  • أن يتم الشروع في إنجاز المشروع داخل أجل ستة أشهر تحتسب من تاريخ الحصول على الترخيص.

ويمكن لمن لم يحظ مشروعه بالموافقة أن يتقدم بالتماس إعادة النظر إلى والي الجهة قصد النظر فيها أو إلى الوزارة المكلفة بالتعمير والسكنى بهدف إعادة عرضه على اللجنة الجهوية.[21]

وعلى الرغم من الإيجابيات العديدة التي تقدمها المسطرة الاستثنائية للتعمير في تشجيع الاستثمار، فإن المرجعية القانونية والأساس الذي تستند إليه المسطرة المذكورة يثيران أكثر من إشكال.

فالدوريات من الناحية القانونية وبإجماع الفقه والقضاء لا ترقى إلى مصاف القاعدة القانونية من حيث قوتها. ومن ثم لا يمكن من حيث المبدأ الاعتماد عليها لتنظيم مجال ما خاصة حين تتعارض مع القوانين الجاري بها العمل. وبالاطلاع على القواعد والضوابط التي أحدثتها الدوريات الصادرة في إطار المسطرة الاستثنائية، يمكن القول إنها تحيد أحيانا عما جاء في قوانين التعمير. وعليه يبقى السؤال مطروحا حول قانونية هذه الدوريات ومدى قدرتها على مضاهاة القوانين الصادرة في مجال التعمير على مستوى التنظيم ووضع الحلول.

من ناحية أخرى، بالاعتماد على المعايير التي تبنتها الدوريات أعلاه تكون اللجنة الجهوية أحيانا مضطرة إلى منح الاستثناء أو عدم منحه وفق سلطة تقديرية واسعة جدا قد تجانب الصواب في بعض الحالات، وهو ما يصعب الطعن فيه عدا إعادة النظر الذي كما هو معروف، نادرا ما يؤتي أكله حتى بالنسبة للتقاضي وفقا للقواعد المقررة في المسطرة المدنية بالأحرى في مادة التعمير التي ينصب فيها على قرار للجنة إدارية ذات طابع خاص.[22]

يضاف إلى ما سبق، أن ثمة عوامل كثيرة لا تجعل ضوابط التعمير وجزاءاته تحقق التشجيع على الاستثمار بالشكل المطلوب نوجزها في النقاط التالية:

  • تشديد العقوبات التي تم تقريرها لمعاقبة مخالفي ضوابط التعمير وذلك في غشت 2016 رغم إيجابياته إلا أنه قد يجعل البعض يتخوف ويحجم عن الاستثمار سيما وأن الأخطاء تكون واردة في إنجاز المشاريع عامة. لكن هذا لا يعني أننا نشجع على التساهل مع المضاربين في المجال العقاري الذين يتعمدون مخالفة قوانين التعمير أو إنجاز مشاريعهم بطرق ملتوية وغير قانونية تحقيقا لمآرب شخصية.
  • تعدد المساطر والإجراءات التي تفرضها القوانين والنصوص التنظيمية في مجال التعمير، يعد حاجزا أمام النجاعة المطلوبة من الاستثمار في مادة العقار والتعمير.
  • تنوع الأنظمة العقارية عامل يؤثر سلبا على الاستثمار، خاصة بالنسبة لبعضها كما هو الحال بالنسبة لأراضي الجماعات السلالية وأراضي الكيش.
  • تعدد الهيآت والجهات المتدخلة في التعمير عامة وفي معاينة المخالفات التي تقع في هذه المادة بشكل خاص (ضباط الشرطة القضائية، المراقبون التابعون للولايات أو العمالات أو الإدارة) من أسباب عدم فعالية الجزاءات في تشجيع الاستثمار.

الخاتمة

   من خلال هذه المحاولة التي تناولنا فيها دور جزاءات وعقوبات التعمير  في تشجيع الاستثمار، يمكن القول إن المشرع المغربي قام بمجهود كبير في سبيل تنظيم مجال البناء والتعمير والسكن لا سيما وأنه قام بتشديد العقوبات للضرب على أيدي الذين يتعمدون مخالفة ضوابط التعمير. تلك المخالفة التي تكون لها آثار جد وخيمة أحيانا تتسبب في وفاة الأبرياء وتضررهم ماديا وجسديا ومعنويا. إضافة إلى أن هؤلاء المخالفين يكونون من بين الأسباب الكامنة وراء عدم الإقدام على الاستثمار.

   ومع أن المسطرة الاستثنائية ساهمت بشكل هام في تشجيع الاستثمارات ببلادنا، إلا أن الإشكالات التي سبق لنا أن بسطناها سلفا تحد من فعالية ونجاعة هذه الآلية. و  كما هو معلوم، فتنظيم التعمير بواسطة الدوريات كان ذا طابع مؤقت حسب ما تم الإعراب عنه من الجهات المختصة لمعرفتها بالإشكالات التي يطرحها الحياد عن قوانين التعمير لفائدة الدوريات والمذكرات ، لكن الملاحظ أن الطابع المؤقت والاستعجالي للمسطرة الاستثنائية تجاوز طابعه المؤقت  وأضحى أمرا دائما والدليل على ذلك أنه عمر لعدة سنوات قاربت العشرين.

 لذلك نرى أن يتدخل المشرع بواسطة نصوص واضحة لا لبس فيها تربط التعمير والعقار بالاستثمار، وتسهل وتبسط الإجراءات حتى يتم جلب المستثمرين إن على الصعيد الوطني أو الدولي. وهي مناسبة ستتم فيها مراجعة كل النصوص بشكل يجعلها تتلافى الانتقادات والهفوات التي وقعت فيها القوانين الجاري بها العمل حاليا فضلا عن أن ذلك سينهي النقاش المطروح بشأن قانونية الدوريات كأساس يعتمد في منح الاستثناء في مادة التعمير.

   وختاما،نعتقد أن النهوض بالاستثمار في مجال العقار والتعمير يستلزم تظافر الجهود سواء من قبل السلطات والإدارات المعنية أو من طرف المجتمع المدني إلى جانب المواطن،وهذا كله هدفا في تشجيع الاستثمار للرفع من المستوى الاقتصادي لبلادنا ولتعزيز الحقوق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والبيئية لمواطنينا.


[1] – Jacquignon et Y.M Danau ;  Droit de l’urbanisme, éd Eyrolles, Paris 1979.

[2] – M. Auby ; Droit administratif, Précis Dalloz 1973 P 73.

[3]  – لمزيد من المعلومات حول تحديد مفهوم التعمير راجع :     

– الهادي مقداد : السياسة العقارية في ميدان التعمير والسكنى، مطبعة النجاح الجديدة  الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2000 ص 17-18.

 Dryef Mohamed ; Urbanisation et droit de l’urbanisme au Maroc, CNRS, éd la Porte 1993 p 22 et s.-

[4]  – من هذه القوانين :

– القانون 90-12 المتعلق بالتعمير والصادر في 17 يونيو 1992 المغير و المتمم بالقانون 66-12 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء الصادر في 25 غشت 2016.

– القانون 90-25 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتفسيم العقارات الصادر في 17 يونيو 1992 المغير و المتمم بالقانون 66-12 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء الصادر في 25 غشت 2016.

– القانون 89-16 المتعلق بمزاولة مهنة الهندسة المعمارية وإحداث هيأة المهندسين المعماريين الصادر في 10 شتنبر 1993.

– الظهير المحدث للوكالات الحضرية الصادر في 10 شتنبر 1993. هذا بالإضافة إلى عدد من النصوص التنظيمية والتطبيقية التي صدرت في هذا الإطار.

[5]  – لمعلومات أوفى في تقسيم الجرائم إلى جنايات وجنح ومخالفات انظر :

  • عبد الواحد العلمي، المبادئ العامة للقانون الجنائي المغربي، الجزء الثاني 1995.
  • شرح القانون الجنائي المغربي، القسم العام دراسة التي تحكم الجريمة والمجرم والعقوبات والتدبير الوقائي، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الثالثة 2009 ص 238 وما يليها.

[6]– لمزيد من الإيضاح في الجانب الزجري للتعمير راجع :

  • الشريف البقالي، رقابة القاضي الإداري على مشروعية القرارات الصادرة في مجال التعمير، دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع،  الطبعة الثانية 2012 ص 70 وما بعدها.
  • الشريف البقالي، شرطة التعمير بين القانون والممارسة،  دار القلم للطباعة والنشر و التوزيع، الطبعة الأولى 2012 ص 299 و ما يليها.
  • عبد الرحمان البكريوي، التعمير بين المركزية واللامركزية، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، 1993.

[7]– الفصل 159 من القانون الجنائي الذي حدد المدة في اثني عشر شهرا. وهو ما يخالف تماما المدة المقررة بالنسبة للجنح  التي حددها الفصل 157 من القانون الجنائي في خمس سنوات، حيث ينص على أنه :

   ” من سبق الحكم عليه من أجل جنحة بعقوبة حبسية، بحكم حائز لقوة الشيء المحكوم فيه، ثم ارتكب جنحة مماثلة قبل مضي خمس سنوات من تمام تنفيذ تلك العقوبة أو تقادمها، يجب الحكم عليه بعقوبة الحبس الذي لا يتجاوز ضعف الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانونا للجنحة الثانية “.

[8]  – تنص الفقرة الثانية من المادة 71 من القانون 90-12  كما تم تتميمه وتغييره بالقانون 66-12 لسنة 2016 على أنه : ” إذا عاد المخالف إلى اقتراف نفس المخالفة داخل أجل السنة الموالية للتاريخ الذي صار فيه الحكم الصادر في المخالفة الأولى مكتسبا لقوة الشيء المقضي به من شهر واحد إلى ثلاثة أشهر”

وتقضي المادة 80 من نفس القانون بأنه : ” تضاعف العقوبات المنصوص عليها في هذا الفصل إذا عاد مرتكب المخالفة إلى اقتراف مخالفة مماثلة داخل أجل السنة الموالية للتاريخ الذي صار فيه الحكم الصادر في المخالفة الأولى مكتسبا لقوة الشيء المقضي به”.   

وبنفس الصياغة  تقريبا ورد في المادة 71 من القانون 90-25 كما غير وتمم بموجب القانون 66-12 أنه : ” تضاعف العقوبات المنصوص عليها في هذا الفصل إذا عاد مرتكب المخالفة إلى اقتراف مخالفة مماثلة داخل أجل السنة الموالية للتاريخ الذي صار فيه الحكم الصادر في المخالفة الأولى غير قابل لأي طعن “

[9]  – لمزيد من التثبت مما سبق ذكره عد إلى الفصول 157 و158 و159 من القانون الجنائي.  ولمزيد من التوسع في شرح هذه المقتضيات انظر :

  • عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي المغربي م س ص 101 وما بعده.
  • أحمد الخمليشي، شرح القانون الجنائي، القسم العام.
  • أبو المعاطي أبو الفتوح، شرح القانون الجنائي، القسم العام .

[10]  – الفصل 159 من القانون الجنائي، والمادتين 71 و80 من القانون 90-12 الخاص بالتعمير.

[11]  – لمزيد من التوسع في التمييز بين أنواع الأحكام من حيث قوتها التنفيذية راجع :

  • عبد الكريم الطالب، الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية، دراسة في ضوء مستجدات مسودة مشروع 2015، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة 8 / 2016 ص 223 وما بعدها.

[12]  – المادة 78 من القانون 90-12 المتعلق بالتعمير والمادة 71-3 من القانون 90-25 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات كما تم تغييرهما وتتميمهما بالقانون 66-12 الصادر في غشت 2016.

[13]  – ينص الفصل 129 من ق ج على ما يلي :

   ” يعتبر مشاركا في الجناية أو الجنحة من لم يساهم مباشرة في تنفيذها ولكنه أتى أحد الأفعال الآتية :

  1. أمر بارتكاب الفعل أو حرض على ارتكابه، وذلك بهبة أو وعد أو تهديد أو إساءة استغلال سلطة أو ولاية أو تحايل أو تدليس إجرامي.
  2. قدم أسلحة أو أدوات أو أية وسيلة أخرى استعملت في ارتكاب الفعل، مع علمه بأنها ستسعمل لذلك.
  3. ساعد أو أعان الفاعل أو الفاعلين للجريمة في الأعمال التحضيرية أو الأعمال المسهلة لارتكابها، مع علمه بذلك.
  4. تعود على تقديم مسكن أو ملجأ أو مكان للاجتماع، لواحد أو أكثر من الأشرار الذين يمارسون اللصوصية أو العنف ضد أمن الدولة أو الأمن العام أو ضد الأشخاص أو الأموال مع علمهم بسلوكهم الإجرامي…”

[14]  –  للاطلاع على هذه التصاميم راجع المراجع السابق ذكرها في الصفحات السابقة وعد إلى النصوص القانونية الواردة في الموضوع.

[15]  –  والاستثمار في معناه الاقتصادي التضحية بموارد قيمية في الوقت الحاضر لغرض الحصول على أموال وأرباح مستقبلية. أما من الناحية القانونية، فيقصد به مجموع المقتضيات القانونية التي تسمح بخلق رواج اقتصادي خاصة فيما يتعلق بجذب اﻻﺴﺘﺜﻤﺎرات الأﺠﻨﺒﻴﺔ ﻤن ﺨﻼﻝ ﺴنﺘﺸرﻴﻌﺎت مالية وجبائية ﻤﺸﺠﻌﺔ ﻟﻌﻤﻠﻴﺎت اﻻﺴﺘﺜﻤﺎر.

 

[17]  – راجع المادة 63 من القانون 66-12 المغير والمتمم للقانون 90-25 المنظم للتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات .

[18]  –  وقد تم العمل على تشجيع الاستثمار بسن كثير من الأحكام المشجعة من ذلك مثلا:

  • التسهيلات البنكية لفائدة المشاريع الاستثمارية ذات البعد الاجتماعي والمقررة لفائدة الطبقات الهشة والمتوسطة ( السكن الاقتصادي والسكن الاجتماعي).
  • الإعفاءات الجبائية التي قررت لفائدة الاستثمار في العقار وذلك بقوانين الاستثمار.

[19]  – من ذلك المعاقبة على عدم الالتزام بمقتضيات المادة 54-2  من القانون 90-12  والمادة  17-2 من القانون 90-25  والفصل 12-3 من الظهير المتعلق بتوسيع العمارات القروية الخاصة بمسك دفتر الورش. وقد تم التنصيص على جزائها في المادة  76 من القانون 90-12 والمادة 70 من القانون 90-25 والفصل 16 من ظهير توسيع العمارات القروية.

إضافة إلى ذلك ثمة عدد من الجزاءات التي تم التركيز عليها في تعديل 2016 كالمعاقبة على البناء فوق الأملاك التابعة للجماعات السلالية وغيرها والتي تعد في اعتقادنا ضمانة تشريعية تساهم في تشجيع الاستثمارات في المجال العقاري.

[20]  – لمزيد من الإيضاح راجع :

  • البقالي، شرطة التعمير بين القانون والممارسة، م س ص 197 وما بعدها.
  • عبد الجليل بودربالة، التعمير الاستثنائي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في تدبير الشأن العام، كلية الحقوق السويسي الرباط السنة الجامعية 2007-2008 ص 30 وما بعدها.
  • Mohamed Amine Ben Abdellah, De la nature juridique de la circulaire, in REMALD, n° 60, Janvier-Février 2007 p 5 et s.

[21]  – للمزيد من التوسع راجع :

  • البقالي، شرطة التعمير بين القانون والممارسة، م س ص 198-199 وما بعدها.
  • عبد الجليل بودربالة، التعمير الاستثنائي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في تدبير الشأن العام، كلية الحقوق السويسي الرباط السنة الجامعية 2007-2008 ص 45 وما يليها.
  • ] فاطمي (حسن): التعمير الاستثنائي: دراسة مقارنة. رسالة دبلوم الدراسات العليا المعمقة في الحقوق، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – أكدال، الرباط، الموسم الجامعي 2004-2005 .
  • El Idrissi (Omar) : Evaluation des documents d’urbanisme à travers la dérogation : cas de la région Doukkala Abda, DESA en urbanisme et aménagement, université Hassan II- Ain Chok, F.L.S.H- Casablanca, 2004-2005.

وسيرا على نفس النهج تقريبا تم إصدار دوريات مشتركة بين وزارة الداخلية  والوزارة المكلفة بالتعمير  شأن الدورية  رقم 3020/27 الصادرة سنة 2003 والدورية عدد 10098/31 الصادرة بتاريخ 06 يوليوز 2010.

   وتتكون اللجنة  الجهوية من الوالي رئيسا وبحضور كل من :

  •  عامل الإقليم المعني ؛
  •  مدير المركز الجهوي للاستثمار ؛
  •  رئيس الجماعة المعنية ؛
  •  مدير الوكالة الحضرية ؛

بالإضافة إلى مصالح أخرى تستلزم الحضور حسب طبيعة المشاريع ، ويتعلق الامرب:

  •  المدير الجهوي للتجهيز والنقل ؛
  •  المدير الإقليمي للفلاحة ؛
  •  المفتشية الجهوية للتعمير وإعداد التراب الوطني ؛
  •  المصلحة الخاصة بالبيئة ؛
  •  الوكالة المستقلة لوكالة الحوض المائي ؛

   وكما قد يلاحظ فتركيبة اللجنة الجهوية أوسع من حيث أعضاؤها  من التشكيلة التي كانت معتمدة في بدايات العمل بالمسطرة الاسثنائية.

[22]  – للتدقيق في هذه المسألة انظر :

  • عبد الكريم الطالب، الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية، ، م س، ص 266 وما يليها.