مركز إدريس الفاخوري للدراسات والأبحاث في العلوم القانونية وجدة

الأمن القانوني  في المجال العقاري

د.سفيان ادريوش

رئيس المحكمة الابتدائية بوجدة

أستاذ زائر بالكلية المتعددة التخصصات بالناظور

مداخلة ضمن أشغال الندوة الوطنية التي نظمت من طرف المركز يومي 25 و26 نونبر 2016 تحت عنوان :”العقار والتعمير والاستثمار” بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة وذلك بمناسبة تكريم أستاذ التعليم العالي الدكتور الحسين بلحساني.

مقدمة

إن التحولات الاقتصادية والمالية والتكنولوجية أثرت بشكل عميق على الأنظمة القانونية بصفة عامة، إذ أن الوتيرة السريعة ومتعددة الأبعاد لتلك التغيرات استدعت ضرورة المواكبة القانونية المتعاقبة، وهو ما أثر على الخصوصية التقنية للتشريع، فالتقنين انتقل من التجريد والقواعد العامة إلى التنميط وطغيان القواعد الخاصة، فتدبير المشترك بين المؤسسات القانونية بقواعد عامة غدا أمرا صعبا لاتساع دائرة غير المشترك بين تلك المؤسسات لاختلاف الرهانات والأهداف، كل ذلك أدى إلى زعزعة الاستقرار القانوني نتيجة التغير المستمر للقوانين وتنوعها وكثرتها. وإذا كان الإفراط في التقنين وهو نمط السياسات التشريعية المعاصرة لمسايرة وتيرة التطورات المختلفة لمناحي حياة البشرية خاصة في النصف الثاني من القرن العشرين يهدف بالأساس إلى جعل الإطار المنظم واضحا وشاملا إلا أنه غالبا ما يمس مبدأ الثقة المشروعة كما سنر ى في حينه.

 و في هذا السياق العام بزغ مفهوم الأمن القانوني من جديد كمبدإ معياري وضرورة مجتمعية ملحة وكأحد مرتكزات دولة القانون والمؤسسات، وأصبح من المفاهيم الأكثر تداولا في الميدان القانوني والقضائي وموضوع اهتمام واسع من الفقة القانوني، إذ انتقل من مفهوم موضوعاتي تجزيئي إلى مفهوم عام مجرد، وأصبح آلية لتقييم جودة الأنظمة القانونية، فغاية القانون تنظيم الحياة الاجتماعية وفق أهداف محددة تتمثل في  تحقيق الأمن الفردي والاستقرار المعيشي، وأصبح الأمن القانوني في صميم اهتمامات مختلف الدول إيمانا منها أن التنمية الاقتصادية مرتبطة بوجود أمن قانوني. كما أن الكل متفق على أن الأمن القانوني من مرتكزات المجتمعات الديموقراطية ومقومات دولة القانون.  وإذا استحضرنا الأهمية القصوى للعقار في مجال الاستثمار المالي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية يتضح جليا دور تخفيف حدة عدم الأمن القانوني في المجال العقاري في تحفيز الاستثمار وإنعاش الدورة الاقتصادية، فالاستثمار الوطني والأجنبي يستحضر بقوة مؤشر الأمن القانوني في المنظومة التشريعية خاصة العقارية لاتخاذ قرار الاستثمار.

لقد أصبح مبدأ الأمن القانوني مرتكزا لا محيد عنه وأساسا هاما في بناء دولة الحق والقانون التي تخضع فيه جميع سلطات الدولة للقانون، فالتشريع يجب أن يكون معياريا وموافقا للدستور والاتفاقيات الدولية. فصياغة ووضع القوانين، و إن كانت تنظم مجالا أو قطاعا أو فئة ما، يلزم أن ترتبط ببوصلة الأهداف السامية والغايات التي يهدف القانون إلى تحقيقها كمبادئ العدالة والانصاف والمصلحة العامة وحماية الحقوق وضمان الحريات، و لا يخفى على أحد أن محور المنظومة القانونية، تنظيرا و تشريعا، هو المواطن بالدرجة الأولى. فعندما  نتحدث عن التجريد في القاعدة القانونية فهو لا يبدأ مع صدورها، و إنما يلد مع انطلاق أي نقاش عمومي حول المواضيع المشتركة الكبرى.

وتتضمن فكرة مبدأ الأمن القانوني تطبيقات أهمها: وضوح القواعد القانونية وضرورة علم المخاطبين بها بيسر وسهولة، وضمان الثبات النسبي لهذه القواعد واستقرار المراكز القانونية للأفراد[1]

ولمقاربة موضوع الأمن القانوني في المجال العقاري ارتأيت أن أتناول بداية وبإيجاز مفهوم الأمن القانوني من خلال تعريفه وتحديد عناصره ومؤشراته الأساسية، قبل التطرق إلى بعض الحالات التي يمكن أن تشكل تهديدا للأمن القانوني العقاري.

أولا: تعريف الأمن القانوني وعناصره ومؤشراته الأساسية:

إن تعريف مبدأ الأمن القانوني غاية في الصعوبة فهو متعدد المظاهر ومتنوع الدلالات وكثير الأبعاد، وإن كان من الممكن تلمسه من خلال تجلياته والمبادئ التي ينبني عليها، والتشريعات لم تنص على المبدأ صراحة ولم تعرفه واكتفت بتبني تجلياته من خلال إقرار مجموعة من الحقوق والمبادئ الواجب احترامها كما هو الشأن لمبدأ عدم رجعية القوانين واحترام الحقوق المكتسبة وآجال التقادم والسقوط والطعون والقوة الملزمة لاتفاقات الأطراف ونسبية آثارها ومبدأ الثقة المشروعة والتوقع المشروع وقوة الشيء المقضي به ومبدأ المساواة أمام القانون، رغم وجود اهتمام واسع النطاق بالمبدأ كحق من حقوق الإنسان وآلية محورية لتقييم جودة القاعدة القانونية، بل أصبح هناك من يدافع بقوة على ضرورة الارتقاء بالأمن القانوني إلى مبدأ دستوري  ملزم باعتباره من مرتكزات دولة الحق والقانون.

وفي هذا السياق تم إقرار مبدأ الأمن القانوني كمبدأ دستوري من طرف المحكمة الدستورية الفدرالية الألمانية منذ سنة 1961، كما تم إقراره دوليا من طرف محكمة العدل للمجموعة الأوروبية  في قرارها الشهير  bosch الصادر بتاريخ 06/04/1962 والذي جاء فيه أن مبدأ الأمن القانوني قاعدة قانونية يلزم احترامها عند تطبيق الاتفاقيات انطلاقا من مبدأ االثقة المشروعة. ونفس المنحى اتخذته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان منذ سنة   1981 والتي ذهبت إلى أن القانون يجب أن يكون سهل الولوج وتوقعيا. كما أدانت المحكمة المذكورة الحكومة الفرنسية في حكم صادر بتاريخ 24/04/1990 لكون القواعد القانونية المنظمة لمراقبة الهواتف في فرنسا لم تكن واضحة ودقيقة وفي متناول علم الأفراد المخاطبين بها.

وفي محاولة منه لتعريف المبدأ المذكور أكد مجلس الدولة الفرنسي في تقريره لسنة 2006 على أن :

” مبدأ الأمن القانوني يستلزم أن يكون المواطنون ودون مجهودات جبارة في مستوى تحديد ما هو مباح وما هو ممنوع من طرف القانون المطبق وهو ما يقتضي أن تكون القواعد المقررة واضحة ومفهومة وألا تخضع في الزمان إلى تغييرا ت متكررة، خاصة غير متوقعة”. ومجلس الدولة الفرنسي تطرق في عدة مرات إلى الأمن القانوني خاصة في مجال احترام الحقوق المكتسبة.

أما المجلس الدستوري الفرنسي وإن كان لم يعترف بالقيمة الدستورية لمبدأ الأمن القانوني[2]، إلا أنه اعتبر في قرار حديث أن المبدأ المذكور غير متعارض مع الدستور[3] ، وأعاد التأكيد على أهمية الولوجية والوضوح في القواعد القانونية في قرار صادر بتاريخ 29/12/2015.

وبالنسبة للفقه فقد عرفه البعض بأنه ” عملية وليس مجرد فكرة تستهدف توفير حالة من الاستقرار في العلاقات والمراكز القانونية، من خلال إصدار تشريعات متطابقة مع الدستور ومتوافقة مع مبادئ القانون الدولي، غايتها إشاعة الثقة والطمأنينة بين أطراف العلاقات القانونية من أشخاص القانون الخاص وأشخاص القانون العام، بحيث يجب على التشريع أن لا يتسم بالمفاجآت والاضطراب، أو التضخم في النصوص، أو برجعية القوانين والقرارات، الأمر الذي قد يزعزع الثقة في الدولة وقوانينها”.[4]

وعرفه البعض الآخر بأنه”كل ضمانة، وكل نظام قانوني للحماية، يهدف إلى تأمين، ودون مفاجآت، حسن تنفيذ الالتزامات، وتلافي أو على الأقل، الحد من عدم الوثوق في القانون”.[5] 

وبالرجوع إلى التشريع المغربي نجد أنه لم ينص صراحة على مبدأ الأمن القانوني سواء في الدستور أو في القوانين العادية، وإن كان قد كرس بعض تجلياته كمبدأ عدم رجعية القانون ومبدأ المساواة أمام القانون المنصوص عليهما بالفصل 6 من الدستور ومبدأ عدم تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاءالمنصوص عليه بالفصل 118 من الدستور، وهو نفس حال التشريع الفرنسي وإن كان القضاء أقر المبدأ المذكور خاصة قضاء مجلس الدولة الفرنسي.

ويمكن تحديد أهم مؤشرات الأمن القانوني والتي سنعتمدها لتقييم النظام القانوني العقاري بالمغرب في ما يلي:

  1. مؤشر عدم التضخم التشريعي وسهولة الولوج إلى القاعدة القانونية

إن تضخم التشريع من الأمور التي قد تؤثر سلبا على مبدأ الأمن القانوني ومبدأ الثقة المشروعة، فلا يستقيم لضمان جودة القاعدة القانونية أن يكون القانون ثرثارا كما عبر عن ذلك مجلس الدولة الفرنسي في تقريره العام السنوي سنة 1991. 

  • مؤشر وضوح القاعدة القانونية وفهمها واستيعابها بسهولة ومؤشر التوقع

إن القانون يجب أن يكون مصاغا بشكل واضح وأسلوب لا يحتمل التأويل المفرط ويسمح للمواطن بإدراك حقوقه وواجباته. إذ لا بد من صياغة القواعد القانونية بطريقة غير معقدة وأن لا تكون غامضة بشكل يمس الاستقرار القانوني، فضلا على الثبات النسبي للقواعد القانونينة في الزملن واحترام الحقوق المكتسبة.

ثانيا: النظام القانوني العقاري على ضوء المؤشرات الأساسية للأمن القانوني:

إن الحديث عن تقييم النظام القانوني العقاري من حيث أمنه القانوني، لا بد أن يجرنا أولا إلى الوقوف عند التقرير الصادر عن مؤسسة القانون القاري (مؤسسة غير حكومية فرنسية مستقلة عن الدولة وذات منفعة عامة) في ماي 2015، والذي صنف المغرب سادسا من حيث الأمن القانوني في النتائج العامة ورابعا في الميدان العقاري من أصل 13 دولة معتمدة لتقييم أنظمتها القانونية، متفوقا على اليابان والولايات المتحدة الأمركية وكندا وبريطانيا، هذا المعطى الإيجابي للاقتصاد الوطني كان موضوع سؤال شفوي حول الأمن القانوني في المغرب ارتباطا بالتقرير المذكور خلال أشغال جلسة الأسئلة الشفهية الأسبوعية المنعقدة يوم الثلاثاء 3 ماي 2016 بمقر مجلس النواب. وثانيا إلى التذكير أن الأمن القانوني لا يجب في نظرنا أن يكون عائقا أمام التطور القانوني المواكب لحركية الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، فالمقصود في هذه الدراسة الأمن القانوني النسبي وأثره على استقرار المجتمع في مختلف مناحي الحياة وفق رؤية بنيوية و مركبة و شمولية تزاوج بين المصلحة العامة و ضمان الحقوق الفردية، أي الموازنة بين قابلية الحياة القانونية للتطور والتغيير وحق الأفراد في ضمان الثبات والاستقرار لمراكزهم القانونية. ونرى مع من يرى أن الأمن القانوني يجب أن يتوافق مع ضرورة التحول لمواكبة التطورات التي يعرفها المجتمع المعاصر، فالأمن القانوني لا يشكل عائقا للتطور التشريعي، إذ أن استمرار قوانين قديمة وغير متناغمة مع التطورات الاقتصادية والاجتماعية يولد مظهرا من مظاهر عدم الأمن القانوني بما يخلقه من أوضاع شاذة بين قانون غير مطبق وواقع جديد في أمس الحاجة لقاعدة قانونية معاصرة، فالأمن القانوني أيضا يقتضي من زاوية أخرى الملاءمة المستمرة بين القاعدة القانونية واحتياجات المجتمع . إلا أن الانتقال من وضع قانوني إلى وضع آخر يجب أن يواكبه اتخاذ إجراءات إعلام وقائي وتدابير انتقالية تضمن توفير الأمن القانوني[6]. فالمواطن يجب أن يكون على علم بتعديل القاعدة القانونية أو تغييرها من خلال الإعلام والنشر حتى يتصرف على ضوئها. ونثمن في هذا الصدد إطلاق وزارة العدل والحريات لخدمة الكترونية من خلال التطبيق المعلوماتي مكتبة العدالة والذي تنشر من خلاله وباستمرار التعديلات القانونية التي تطال القوانين بصفة عامة والقوانين العقارية بصفة خاصة وهو ما من شأنه التخفيف من حدة تأثيرها السلبي على الأمن القانوني والمساعدة على سهولة الولوج إلى القاعدة القانونية المطبقة.

وقد عمل المشرع المغربي باستمرار على دعم النظام القانوني العقاري بمقتضيات جديدة وإخضاعه للتحيين قصد حماية الحقوق العينية وإرساء الثقة والطمأنينة لدى الأفراد المخاطبين به وتوفير الاستقرار القانوني، وتحقيق الأمن المادي والقانوني والقضائي. ويتجلى تكريس النظام القانوني العقاري لمبدأ الأمن القانوني من خلال تبني آليات ومؤسسات قانونية كمبدأ التطهير في قانون التحفيظ العقاري  وإقرار مبدأ حماية الوضع الظاهر والحيازة وشكلية بعض العقود العقارية ومؤسسة الإشهار العقاري. إلا أن بعض المقتضيات القانونية العقارية تنطوي على مخاطر بالنسبة لمبدأ الأمن القانوني، سواء من حيث تضخمها أو عدم وضوحها وتوقعيتها.

  1. مؤشر عدم التضخم التشريعي وسهولة الولوج إلى القاعدة القانونية

إن ما يميز المنظومة القانونية المنظمة للعقار بالمغرب هو تنوعها وتعقدها كإفراز طبيعي لتعقد وتعدد البنية العقارية الواقعية، مما أثر أحيانا كثيرة على تداول الملكية العقارية ودورها في الاستثمار الاقتصادي، وقصد إيجاد حلول لهذا القطاع تدخل التشريع المغربي لملاءمة النصوص القديمة بتعديلات جزئية زادت من تعقيد الترسانة القانونية العقارية خاصة أنها تعديلات ترتبط إما بمسايرة الاجتهادات القضائية أو بتنظيم حالات معينة مطروحة عمليا وفق مقاربة  منفردة غالبا لكل قطاع على حدة. وإذا كانت المواكبة التشريعية المستمرة تعد أمرا مهما إلا أن كثرة النصوص القانونية وتشتيتها وصياغتها بشكل مطول قد تكون له نتائج سلبية على مستوى الأمن القانوني في هذا المجال، فالتضخم التشريعي  من شأنه المساس بمبدأ المساواة أمام القانون لعدم إمكانية استيعاب ومواكبة التطورات من الجميع ولو في حدها الأدنى. فعندما يتم صياغة القوانين بمنطق أن كل حالة مستجدة تستوجب جوابا تشريعيا فإن ذلك يترتب عنه أولا تضخم القوانين فنصبح أمام قوانين 20 ساعة كما ذهب بعض الفقه الفرنسي[7]وثانيا تعقدها وصعوبة الولوج إليها بسهولة فضلا عن تداخلها أحيانا مما يدخلنا في دوانة النص الوجب التطبيق ومدى مساسه بالمراكز القانونية السابقة خاصة عندما يكون النزاع لا زال مطروحا أمام القضاء.

وبالرجوع إلى النظام القانوني المغربي نجده يتضمن عدة قوانين خاصة متفرقة ومختلفة ومتنوعة نذكر أهمها:

  1. ظهير 02 مارس 1973 المتعلق باسترجاع الدولة لملكية العقارات الفلاحية أوالقابلة للفلاحة؛
  2. ظهير 27/04/1919 المنظم لأراضي الجموع؛
  3.  قانون التعمير رقم 12.90؛
  4.  الظهير الشريف المؤرخ في 30/06/1962 كما تم تتمميه وتغييره بمقتضى ظهير 25/07/1969 بشأن ضم الأراضي الفلاحية بعضها إلى بعض؛
  5. مرسوم 26/07/1962 المتعلق بتطبيق قانون ضم الأراضي؛
  6.  القانون رقم 01.07 القاضي بسن إجراءات متعلقة بالإقامة العقارية بلإنعاش السياحي وبتغيير القانون رقم 61.00 بمثابة النظام  الأساسي للمؤسسات السياحية؛
  7.  ظهير 29/07/1969 المتعلق بميثاق الاستثمارات الفلاحية؛
  8.  ظهير 01/09/1914 المتعلق بالملك العام؛
  9.  ظهير 30/11/1918 المتعلق بالاحتلال المؤقت؛
  10. ظهير 10/10/1917 المتعلق بالمحافظة على الغابات واستغلالها؛
  11. القانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت؛
  12.  ظهير 17/06/1992 المتعلق بتنفيذ القانون رقم 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات؛
  13.  القانون رقم 00.18 المتعلق بنظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية؛
  14. القانون رقم 00.44 المتعلق ببيع العقارات في طور الانجاز؛
  15. القانون رقم 00.51 المتعلق بالإيجار المفضي إلى تملك العقار؛
  16. القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة؛
  17.  القانون رقم32.09 المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق؛
  18.  الظهير الشريف رقم 236.09.1 بتاريخ 23 فبراير 2010 المتعلق بمدونة الأوقاف؛
  19. القانون رقم 14.07 المغير والمتمم لظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري؛
  20. القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية.

إن تعدد النصوص التشريعية ذات الصلة بالمجال العقاري من شأنه أن يؤدي إلى تراجع جودة القاعدة القانونية، إذ يلاحظ تداخل بعض المقتضيات القانونية أو تعارضها والراجع أساسا إلى غياب سياسة تشريعية متكاملة ، إذ غالبا ما يتم صياغة القوانين وفق مقاربة قطاعية ذات أهداف مختلفة مما ولد تضاربا بين بعض القواعد القانونية ووسع مجال التفسير والتأويل وغذى الآراء والاجتهادات المتباينة. فمثلا نجد أنه لا أحد يجبر أحد على بقائه في الشياع  طبقا للفصل978 من ق ل ع في حين أن تقسيم العقارات يستلزم استصدار إذن بذلك طبقا لمقتضيات القانون رقم 25.90، وهي مقتضيات يمكن تجميعها في قاعدة موحدة دون إرهاق قانوني، كما أن بعض العقارات غير منظمة بنصوص خاصة كأراضي الجيش مما ينطوي على غموض تشريعي، وتم الاكتفاء بتعديل القانون المنظم لأراضي الجموع بمقتضى ظهير 19/10/1937 والذي خول سلطة الوصاية على أراضي الجماعات السلالية إمكانية الدفاع على مصالح أراضي الجيش.

هذه الترسانة القانونية المعقدة والمتعددة تجعل مبدأ الأمن القانوني محل تأمل مشروع، وترقى بالقول المأثور: “أنه لا يعذر أحد بجهله للقانون” إلى تحد حقيقي. هذا بالإضافة إلى أن أغلب القواعد المذكورة مترابطة خاصة مع ازدواجية النظام العقاري عقار محفظ/عقار غير محفظ، مما يعقدها بشكل يصعب فهمها على الفئة المعنية، ويرتب نزاعات عقارية كثيرة منها قضايا معقدة موضوعيا وإجرائيا.

ويبدو أن التعقيد فد يكون عاديا في حدود معينة ولكن لا يكون كذلك عندما يكون التضخم التشريعي مرتبط بالتراكمية كتكرار النصوص الممكن تجميعا في نص واحد كما هو شأن مقتضيات تحرير العقود من طرف محامي في القوانين الثلاث: 00.18 – 00.44 – 00.51، أو الإطناب في صياغة بعص النصوص القانونية. فضلا عن أنه يلاحظ كثرة النصوص الخاصة إيمانا من المشرع أن وضع قواعد خاصة يقلص من نسبة عدم الأمن القانوني على اعتبار أن التقنين المفرط والمفصل والخاص من شأنه التقليص من تفسير النصوص القانونية ،  إلا أن التطبيق العملي أبان  عكس هذا التوجه فبدل أن تساهم القواعد الخاصة في وضع إطار للاجتهادات القضائية، فإن كثرة النصوص ولدت كثرة الآراء الفقهية والاجتهادات القضائية والتي تجعل الأفراد أمام عدم قابلية التوقع في الاجتهادات القضائية نتيجة عدم الانسجام بين القواعد القانونية وتضخمها. هذا الوضع جعل أحد الفقهاء الفرنسيين يحن إلى الزمن الذي كان فيه القضاة يشتغلون بقوانين قليلة خاصة القانون المدني[8]، فكلما تعددت القواعد القانونية المكتوبة كلما تعددت التفسيرات والتأويلات، فتبقى تصرفات الفرد في بعض الحالات رهينة من حيث موافقتها للقاعدة المطبقة والتي اعتقد أنه فهمها فهما صحيحا بالتفسيرات القضائية. فقط نشير إلى أن الاجتهاد القضائي هو أمر حتمي لما تطرحه بعض القواعد القانونية من إشكاليات عملية أثناء التطبيق، وأن الذي نقصده في سياق المداخلة هو الاجتهاد القضائي المرتبط بعدم الوضوح المفرط للقاعدة القانونية المطبقة. 

إن  التخفيف من حدة التضخم التشريعي في المجال العقاري  يقتضي الوقوف عن كثب على مكامن الخلل وطرق التدخل لإصلاح الترسانة القانونية العقارية وفق رؤية مركبة و شمولية و مندمجة[9]، و هو ما أكدته الرسالة الملكية السامية إلى المشاركين في المناظرة الوطنية حول السياسة العقارية للدولة ودورها في التنمية الاقصادية والاجتماعية بتاريخ 08/12/2015، إذ جاء فيها: “ويشكل الجانب التشريعي أحد أهم التحديات التي يتعين رفعها لتأهيل قطاع العقار، وذلك لتنوع أنظمته، وغياب أو تجاوز النصوص القانونية المنظمة له، إضافة إلى تعدد الفاعلين المؤسساتيين المشرفين على تدبيره. لذا ندعو للانكباب على مراجعة وتحديث الترسانة القانونية المؤطرة للعقار بشقيه العمومي والخاص، بما يضمن حماية الرصيد العقاري وتثمينه، والرفع من فعالية تنظيمه، وتبسيط مساطر تدبيره، لتمكينه من القيام بدوره في تعزيز الدينامية الاقتصادية والاجتماعية لبلادنا”.

  • مؤشر وضوح القاعدة القانونية وفهمها واستيعابها بسهولة ومؤشر التوقع  la clarté et la prévisibilité des effets de la règle de droit  

يعد مؤشر وضوح القاعدة القانونية وفهمها واستيعابها بسهولة أحد أهم مكونات مبدأ الأمن القانوني فالأمر مرتبط مباشرة بجودة النصوص القانونية والقواعد المعيارية كمدخل لتقييم أي نظام قانوني معين، فالقاعدة القانونية يجب أن تصاغ بشكل واضح ومفهوم وسهل الاستيعاب من طرف أفراد المجتمع الذين يواجهون بمبدأ لا يعذر أحد بجهله للقانون، فهناك فرق بين عدم الاطلاع على القانون المطبق وبين الاطلاع عليه وعدم فهمه وعدم استيعابه بسهولة نتيجة الإفراط في التقنين وتعقده وعدم انسجام بعض مقتضياته، مما يولد كثرة الآراء الفقهية والتوجهات القضائية، وما كثرة المداخلات في هذه الندوة إلا إحدى مظاهر ذلك.

 ولمقاربة النظام القانوني العقاري من زاوية مؤشر الوضوح وقابلية التوقع نورد بعض الحالات التي قد تعكس غموض أوصعوبة استيعاب بعض النصوص القانونية في المجال العقاري على النحو المفصل أدناه:

  • قانون ضم الأراضي:

يثير هذا القانون إشكالات قانونية وعملية منها ما يعود إلى الصياغة غير الواضحة لبعض مقتضياته، فمثلا المادة 18 من الظهير الشريف المؤرخ في 30/06/1962 كما تم تتمميه وتغييره المتعلق بضم الأراضي الفلاحية تنص على أن نشر المرسوم المصادق بموجبه على مشروع الضم بالجريدة الرسمية هو بمثابة نقل ملكية العقارات المضمومة وأنه لا تجري على العقارات المذكورة ابتداء من النشر المذكور إلا الحقوق والدعاوى الناشئة عن الملاك الجديد. فبمجرد نشر مرسوم المصادقة على مشروع الضم بالجريدة الرسمية تنتقل ملكية العقار بقوة القانون لطالب التحفيظ المقيد ؛وبالتالي لا يجوز للمتعرض أن يؤسس تعرضه على سندات تملك سابقة على المصادقة على عملية الضم لإثبات الملكية العقارية ولو كانت صادرة عن طالب التحفيظ، وأن عليه أن يسلك مسطرة الطعن في مشروع الضم الذي أعدته اللجنة المختصة طبقا للفصل 12 من ظهير 30 يونيو 1962 المتعلق بضم الأراضي. فهل معنى ذلك أن نشر مرسوم المصادقة على مشروع الضم يطهر العقارات المضمومة من أية منازعة مبنية على أسباب سابقة. هذا بالإضافة إلى اللبس المثار بشأن إعمال الفصل 18 أعلاه في حالة تقديم التعرض داخل الأجل، وهو ما أثر على مبدأ القانوني والقضائي أيضا فقد ذهبت إحدى محاكم المملكة إلى استبعاد الفصل 18 بعلة أن التعرض المقدم  داخل الأجل المقرر  بمقتضى الفصل 20 من المرسوم المؤرخ في 25 يوليوز 1962 الصادر بتطبيق ظهير ضم الأراضي الفلاحية يسمح بمناقشة موضوعه و لا محل لتطبيق الفصل 18 من ظهير 30 يونيو 1962 المتعلق بضم الأراضي الفلاحية بخصوص أثر نشر مرسوم المصادقة على مشروع الضم إذ نقل الملكية بالنسبة للعقارات المضمومة لا يسري إلا في مواجهة الأغيار الذين لم يقدموا تعرضا صحيحا، أما المتعرض المقدم طبقا للشروط الإجرائية فإنه يتعين الفصل في مضمونه دون مواجهة المتعرض بنص الفصل 18 المذكور[10]، إلا أن نفس المحكمة ذهبت في حكم آخر [11] عكس ذلك تماما إذ جاء في حيثياته: “حيث  إنه بمقتضى الفصل 18 من ظهير 30 يونيو 1962 بشأن ضم الأراضي فإن نشر مرسوم المصادقة على مشروع الضم في الجريدة الرسمية يعتبر بمثابة نقل ملكية العقارات المضمومة ، و لا تجري على هذه العقارات ابتداء من تاريخ النشر المذكور إلا الحقوق و الدعاوي الناشئة عن الملاك الجديد ؛وحيث يتجلى من وثائق الملف أن مطلب التحفيظ رقم : 6174/11 يقع بمنطقة ضم الأراضي المسماة ”  كارت 3 ” ، وقد نشر مرسوم المصادقة على مشروع الضم بالجريدة الرسمية بتاريخ 20/5/1996 بالعدد 4379 ، وبذلك فإن ملكية العقار انتقلت بقوة القانون لطالب التحفيظ المقيد ؛

وحيث إن المتعرض لم يعزز تعرضه بسند صادر عن طالب التحفيظ بعد المصادقة على مشروع الضم طبقا لما يقرره الفصل 18 المذكور و لا يمكن الاستدلال بسندات تملك سابقة على المصادقة على عملية الضم لإثبات الملكية العقارية لعدم الطعن في مشروع الضم الذي أعدته اللجنة المختصة طبقا للفصل 12 من ظهير 30 يونيو 1962 المتعلق بضم الأراضي ، لذلك فإن الطعن غير مرتكز على أساس و يتعين بالتالي الحكم بعدم صحته و تحميل المتعرض المصاريف” .

 وتنص المادة 20 من مرسوم أراضي الضم المؤرخ في 25 يوليوز 1962 على ما يلي:” لا يقبل بعد مضي ستة أشهر تبتدئ من يوم نشر المرسوم الصادر بالمصادقة على تصميم الضم أي تعرض أو طلب تقييد عدا الطلبات المتعلقة بمسائل الضم والمقدمة طبق الكيفيات المنصوص عليها في الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 الموافق ل 12/08/1913 بشأن التحفيظ العقاري”. فهذه المادة مثلا تنطوي على عبارة غامضة تتعلق بماهية الطلبات المتعلقة بمسائل الضم التي يمكن اعتمادها لقبول التعرضات خارج الأجل المنصوص عليه أعلاه، وهو مايفتح المجال لإمكانية التعرض خارج الأجل بناء على سبب غير واضح الدلالة نصا، كما أن تاريخ بدء سريان أجل الستة أشهر غير واضح رغم أهميته في سياق تكريس مبدأ الأمن القانوني، فهل يبدأ من تاريخ النشر كما هو وارد بالنص القانوني أم من تاريخ المطلب كما يقتضي ذلك منطق الأمور مادام لا تعرض دون وجود مطلب تحفيظ هذا من جهة، ومن جهة أخرى يلاحظ أن المحافظات العقارية تحيل التعرضات خارج الأجل على المحاكم للبت فيها وهو ما يمكن تفسيرة بقبول التعرض من طرف المحافظ خارج الأجل، مما يجعل القاعدة القانونية قاصرة حول ما إذا كانت محكمة التحفيظ تراقب قانونية التعرض أم لا ويفتح الباب أمام اجتهادات مختلفة للمحاكم بين من يرى عدم صحة التعرض لتقديمه خارج الأجل وبين من يرى أن قرار المحافظ قابل للطعن أمام المحكمة الإدارية ولا مجال لمراقبة محكمة التحفيظ لقانونية التعرض خارج الأجل، وهو اختلاف نابع من الصياغة القاصرة للمادة المذكورة، فقد قضت المحكمة الابتدائية بالناظور في حكمها الصادر بتاريخ 06/3/2014  في الملف العقاري عدد 169/8/2012 على أنه” إذا كانت محكمة التحفيظ لا تبسط رقابتها على قبول التعرض خارج الأجل طبقا للفصل 29 من ظهير 12/8/1913 المتعلق بالتحفيظ، فإن هذا المنع لا يسري في حالة وجود نص خاص يمنع تقديم التعرض كما هو الحال في قانون ضم الأراضي الفلاحية إذ النص الخاص مقدم على الأحكام العامة و لا يصح مناقشة موضوع تعرض يمنع القانون صراحة تقديمه”،

 هذا بالإضافة إلى الصياغة الركيكة التي طبعت بعض نصوص قانون أراضي الضم كالفصل 22 منه القانون المتعلق بأحكام منع تجزئة الأراضي الواقعة داخل دوائر الضم، وحول ما تثيره نصوص أخرى من إشكالات كالفصل 4 مكرر من ظهير اراضي الضم كما تم تعديله بخصوص طبيعة البطلان وعبارة العقود الاختيارية.

  • تسنيد الديون الرهنية:

جاء قانون تسنيد الديون الرهنية بعدة قواعد ذات نفحة جديدة مقارنة بالقواعد السائدة بنظام التحفيظ العقاري. هذا التغيير على مستوى بعض القواعد العامة كان بهدف تليين صلابة ثوابت نظام الإشهار العقاري لتلك القواعد أو إضافة قواعد أخرى لجعل قانون التحفيظ العقاري أكثر تطابقا و انسجاما مع الطابع الخاص لعملية مالية كعملية تسنيد الديون الرهنية و ملاءمة الوجه المدني للعملية المذكورة مع وجهها المالي[12]. وأهم مظاهر هذا التجديد والتغيير يتمثل في المقتضيات الواردة بقانون 98 – 10 المنظمة للتقييد الاحتياطي لنية تفويت الديون الرهنية.  فقد نصت المادة 24 من قانون تسنيد الديون الرهنية قبل التعديل على أنه: ” يقيد احتياطيا على الرسوم العقارية المثقلة بالرهون عزم المؤسسة المبادرة على تفويت كل دين رهني وارد في المستند المشار إليه في المادة 22 أعلاه عن طريق تسليم ذلك المستند وذلك بواسطة تصريح موقع ومصادق عليه يودعه ممثلو مؤسسة التدبير والإيداع القانونيين لدى المحافظة العقارية لمكان العقار المبني. يجب أن تحدد في التصريح بالعزم لأجل إجراء التقييد الاحتياطي المراجع العقارية للأملاك المعنية والرهون المتصلة بها”. فعلى خلاف القواعد العامة لا ينصب التقييد الاحتياطي على حقوق معينة حال مانع دون تقييدها نهائيا وإنما ينصب على النية والعزم، وهو مقتضى جديد يختلف جذريا عن القواعد المنظمة للتقييد الاحتياطي بصفة عامة، فالنية أو العزم على تفويت دين رهني لا تشكل حقا يحتاج إلى المحافظة على رتبته.

وإذا ما رجعنا إلى الميدان العملي ممثلا في المحافظة العقارية نلاحظ وجود مطبوعات في الرسوم العقارية المعنية بعملية التسنيد لا تتضمن بيانات دقيقة كما هو وارد بالقانون المتعلق بتسنيد الديون الرهنية. وفيما يخص المطبوع المتعلق بالتقييد الاحتياطي لعزم المؤسسة المبادرة على تفويت كل دين رهني وارد في مستند التفويت نجده كالتالي:       

       “رسم عقاري عدد….

كناش الإيداع …..عدد …..

بتاريخ ……

تقييد احتياطي بناء على تصريح بنية تسنيد دين رهني

طبقا للقانون رقم 98-10 المتعلق بتسنيد الديون الرهنية

بناء على تصريح مؤرخ في … صادر عن القرض العقاري والسياحي ومؤسسة مغرب تسنيد يتضمن نية تسنيد الدين الرهني المقيد بالرسم العقاري عدد…. لفائدة القرض العقاري والسياحي تم إيداعه بالمحافظة العقارية يومه فإن تقييدا احتياطيا تم تدوينه لفائدة مؤسسة أصول صندوق التوظيف الجماعي للتسنيد المذكورة للحفاظ المؤقت على الحقوق التي قد تنتج لفائدتها من ذلك التصريح”.

 وبالرجوع إلى المطبوع أعلاه يلاحظ أن المحافظة العقارية لم تضبط بشكل دقيق التقييد الاحتياطي المرتبط بعملية التسنيد، فالتصريح الذي يودع لديها هو تصريح بالتقييد الاحتياطي لنية المؤسسة المبادرة في التفويت وليس تصريحا بنية التسنيد وأيضا لم توضح ماهية واسم صندوق التوظيف الجماعي للتسنيد. ثم أية محافظة مؤقتة للحقوق يقصدها المطبوع الصادر عن المحافظة العقارية؟ ويبدو جليا أن مسطرة التقييد الاحتياطي لنية تفويت الدين الرهني هي مسطرة خاصة تتم بتصريح بتلك النية لدى المحافظة العقارية وذلك خلافا للقواعد العامة المنصوص عليها في قانون التحفيظ العقاري والتي تنصب على وجود حقوق قابلة للتقييد النهائي لكن حال مانع دون ذلك. ونود التأكيد على أن ما يتم تقييده احتياطيا -حسب تعبير المشرع- هو نية تفويت الديون الرهنية عكس الخلط الذي يبدو عند بعض المحافظات العقارية كما رأينا في المطبوع السابق ذكره أعلاه والذي تم إعداده على ضوء دورية لوزير الفلاحة والتنمية القروية والمياه والغابات المتعلقة بتسنيد الديون الرهنية.[13]

ونرى أن تقييد نية المؤسسة المبادرة في تفويت الديون الرهنية المحددة في مستند التفويت هو إجراء متخذ ليس في مواجهة مالك العقار المرهون وإنما في مواجهة المؤسسة المبادرة نفسها، إذ تدخل المشرع ليحث تلك المؤسسة على مطابقة مبادرتها في تفويت الديون الرهنية مع ماهو مدون ومسجل بالرسوم العقارية للأملاك المعنية. لأن الرهن مسجل باسمها ولا يعتد بتفويت ضمانات الديون المفوتة إلا إذا تم تقييد نقل الرهون والضمانات العقارية من المؤسسة المبادرة إلى صندوق التوظيف الجماعي للتسنيد بالرسم العقاري، ونقل الرهن إلى صندوق التوظيف الجماعي للتسنيد هو نقل لضمان تحصيل الدين من طرف هذا الأخير. فالهدف من وراء هذا التقييد في نظرنا ليس تحفظيا ووقائيا وإنما فقط إشهاريا في انتظار نقل الرهون إلى صندوق التوظيف الجماعي للتسنيد بالرسم العقاري، واستكمال الشكليات الضرورية للقيام بذلك فالأمر مختلف عن قواعد التقييد الاحتياطي الواردة بالتحفيظ العقاري، فهو تقييد ذو طبيعة خاصة.

ونرى أن المشرع المغربي أخطأ التعبير عندما اعتبر تقييد نية تفويت الدين الرهني تقييدا احتياطيا. ونفضل تسميته تقييدا أوليا لأن الأمر لا يتعلق فقط باختلاف في القواعد العامة المنظمة للتقييد الاحتياطي وإنما باختلاف جوهري في كنه وطبيعة كل تقييد على حدة هذا من جهة، ومن جهة أخرى فهو تقييد أولي لأنه يسبق التقييد المنشود وهو تقييد نقل الرهون على الرسوم العقارية وذلك للمطابقة بين تاريخ نقل الرهون و تاريخ التفويت المستندي للديون إلى صندوق التوظيف الجماعي للتسنيد ضمانا للحقوق المالية لحاملي الحصص والسندات.  هذه الصياغة ولدت التباسا من شأنه المساس بمبدأ الأمن القانوني، لأن قواعد التسنيد صيغت خدمة لرهانات مالية مبررة مما استلزم إدخال تغيير على مستوى القواعد العامة المنظمة لمسطرة التقييد في السجلات العقارية قصد ملاءمتها مع الطابع الخاص لكيفية تفويت الديون الرهنية التي تتم بإجراء بسيط يتمثل في تسليم مستند التفويت من المؤسسة المبادرة إلى مؤسسة التدبير و الإيداع، فعنصر التغيير الذي تنطوي عليه المادة 24 من قانون تسنيد الديون الرهنية هو عامل من عوامل ملاءمة بعض قواعد قانون التحفيظ العقاري الإجرائية و تليينها و ذلك حتى تتجاوب مع بساطة إجراءات  تفويت الديون في إطار عملية التسنيد لحماية حقوق المستثمرين الماليين،  وهو ما تفاداه القانون رقم 33.06  المتعلق بتسنيد الديون المؤرخ في 20/10/2008 من خلال تعديل عدة مواد من بينها المادة 24 المذكورة أعلاه.

  • حجية التقييد في مواجهة الغير حسن النية:

نصت المادة 2/الفقرة الثانية من مدونة الحقوق العينية على ما يلي:” إن ما يقع على التقييدات من إبطال أوتغيير أو تشطيب من الرسم العقاري لا يمكن التمسك به في مواجهة الغير المقيد عن حسن النية،كما لا يمكن أن يلحق به أي ضرر، إلا إذا كان صاحب الحق قد تضرر بسبب تدليس أو زور أو استعماله شريطة أن يرفع الدعوى للمطالبة بحقه داخل أجل 4 سنوات من تاريخ التقييد المطلوب إبطاله أو تغييره أوالتشطيب عليه”

إن صياغة الفقرة طالها الإطناب مما يفيد أنها تنطوي على محاولة حل إشكال عملي مطروح كان يمس بوضوح عناصر الأمن القانون العقاري نتيجة التفسيرات المختلفة التي طالت موضوع الأثر الإنشائي والقوة الثبوتية للتقييدات بالرسوم العقارية في مواجهة الغير حسن النيةـ فقد تناولت عدة دراسات ورسائل وأطروحات هذا الموضوع من زوايا مختلفة وبآراء متباينة، إلا أن القرارات القضائية المختلفة عجلت بالتأمل في ضرورة تعديل  النص القانوني قصد وضع حد لأي اختلاف من شأنه المساس باستقرار المعاملات العقارية وتهديد الأمن القانوني. فقد ذهبت محكمة النقض في إحدى قراراتها إلى أن الزورية تجعل العقد غير موجود وغير منتج لأي أثر وإن كان مسجلا بالرسم العقاري ولو كان المشتري حسن النية [14]. وعكس هذا المنحى ذهبت محكمة النقض [15]  في قرارها بغرفتين بتاريخ 20/03/2013 إلى أن الغير حسن النية لا يواجه بما يقع من إبطال لاحق لتسجيله ولا يمكن أن يلحق به ضرر، هذا التوجه يكرس مصداقية ومناعة مؤسسة السجل العقاري، لكونه يستند إلى مندرجات الرسم العقاري، إذ لا يستقيم أن يفاجأ الغير حسن النية بوقائع  وتصرفات خارج ما هو مضمن بالسجلات العقارية، فمواجهته بإبطال التقييدات من شأنه حسب رأينا إدخال الشك والريبة لدى أفراد المجتمع في مؤسسة السجل العقاري، وهو أمر لا محالة يمس الأمن القانوني بعدما ترسخت لدى جميع المتعاملين في الميدان العقاري أن التقييدات على الرسوم العقارية وما ضمن بها هو عنوان الحقيقة، وأن لها مناعة ومصداقية تساعد على تداول الملكية العقارية بسهولة وأمان.

هذا التضارب طبعا يولد عدم أمن قضائي وما يترتب عنه من أثر سلبي على مبدأ الأمن القانوني، فبعد الاطمئنان إلى اجتهاد معين يفاجأ المتقاضون بتوجه جديد، فغياب التوقع في الاجتهاد القضائي يؤدي إلى انعدام الأمن القانوني،  خاصة عندما يكون الاختلاف منبعه عدم جودة القواعد القانونية. هذا السياق جعل المشرع يتدخل بمقتضى التعديل المشار إليه أعلاه، وهو ما يعكس الإطناب في صياغة القاعدة المطبقة بخصوص إبطال التقييدات بسبب الزور والتدليس وأثره في مواجهة الغير حسن النية. ونرى مع من يرى[16] وبحق أن المشرع حاول علاج الإشكال العملي بسلوكه حلا وسطا يزاوج بين حماية المالك الحقيقي ضحية التدليس أو التزوير وبين استقرار مؤسسة السجل العقاري عبر حماية الغير حسن النية، فاعتبر مناعة التقييد بالنسبة له نسبية قبل 4 سنوات من تاريخه ومطلقة بعد الأربع سنوات.

لكن الملاحظ أن التعديل التشريعي المذكور على أهميته يطرح تساؤلا له ارتباط وثيق بالأمن القانوني موضوع الدراسة من حيث قابلية القانون للتوقع وجودة القواعد القانونية وانسجامها، إذ أن التعديل المذكور لم يصاحبه تعديل الفقرة الثانية من المادة 66 من قانون التحفيظ العقاري التي تنص على أنه:” لا يمكن في أي حال التمسك بإبطال هذا التقييد في مواجهة الغير ذي النية الحسنة “، فالمستثر العقاري مدعو للاطلاع على نصوص بقوانين مختلفة لمعرفة أثر إبطال التقييدات  في الغير حسن النية، مما ينطوي على إرهاق قانوني، إذ كان من الأجدر دمج مقتضيات النصين القانونين أعلاه في مادة واحدة للتقليص من كثرة النصوص القانونية هذا من جهة، ومن جهة أخرى نتساءل حول أثر التعديل الوارد بالمادة 2/الفقرة الثانية من مدونة الحقوق العينية على مصداقية مؤسسة السجل العقاري بوضعه أجل أربع سنوات الذي يتجاوز حتى أجل دعوى الإبطال نفسها المحدد في سنة بمقتضى الفصل 311 من قانون الالتزامات والعقود، ألا يؤثر على الأمن القانوني في مجال الحقوق العينية الواردة على العقارات المحفظة ويزعزع الاطمئنان  لدى الغير حسن النية على التصرفات التي ترد على العقار المحفظ بسبب إمكانية امتداد إبطال التقييد بين الطرفين إليه في حالة التديلس والتزوير. فالمستثمر العقاري مثلا وبعد تقييد التصرف بالرسم العقاري يبقى تحت وطأة المفاجأة برفع دعوى من أحد الأطراف أو الغير لإبطال التقييد الأول بسبب الزور أو التدليس والذي يدخل دائرة الشك والريبة لكون الدعوى المذكورة قد تعصف بحقه العيني رغم حسن نيته[17]، كما أن وضعا كهذا من شأنه خلق من حالة من التردد في اتخاذ قرار الاستثمار في المجال العقاري. خاصة إذا ما أضفنا أن التعديل المذكور أعلاه لم ينص صراحة ما إذا كان أجل الأربع سنوات هو أجل سقوط أو أجل تقادم مما يؤثر على الطابع التوقعي للقاعدة القانونية.

  إن المساس بحصانة ومناعة السجل العقاري ولو في حالات خاصة قد يؤثر على تداول الملكية العقارية وعلى الأمن القانوني العقاري بسبب صياغة قاعدة قانونية بمنطق الحل الوسط بين مصلحتين متجاذبتين ومختلفتين.

ونشير في الأخير إلى أنه رغم وضوح قاعدة عدم التمسك بإبطال التقييدات في مواجهة الغير حسن النية، فإن الاجتهاد القضائي ذهب في غير حالة التزوير والتدليس إلى أن المشتري الثاني لحصة شائعة لا يمكنه مواجهة الشفيع بحسن النية لرد ممارسته للشفعة [18].

  • تحرير العقود في المجال العقاري من طرف محامي

سيرا على النهج الانكوساكسوني، تم توسيع دائرة مهام المحامي لتطال مجال تحرير العقود، و كانت البداية مع قانون المحاماة المؤرخ في 09/06/1979 و الذي خول للمحامي تحرير كل عقد عرفي كيفما كان نوعه، و هي نفس الصياغة الواردة بالمادة 30 من ظهير 10/09/2013 و تغيرت الصياغة مع القانون رقم 28.08 المؤرخ في 20/10/2008، إذ نصت المادة 30 من بين ما نصت عليه أن مهام المحامي تشمل تحرير العقود بمجموع تراب المملكة، دون وصفها بالحرفية هذه المرة، و أضافت أنه يمنع على المحامي المحرر للعقد أن يمثل أحد طرفيه في حالة نزاع بينهما بسبب هذا العقد.

 إضافة إلى هذا المقتضى العام، نصت بعض القوانين الخاصة على اختصاص المحامي في تحرير العقود و وضعت بعض الشروط و الشكليات لذلك عكس ما هو عليه الوضع بقانون المحاماة، و هذه القوانين هي :

  •  القانون رقم 18.00 المتعلق بالملكية المشتركة للعقارات المبنية
  • القانون رقم 44.00 المتعلق ببيع العقارات في طور الانجاز
  •  القانون رقم 51.00 المتعلق بالإيجار المفضي إلى تملك العقار.

 هذه القوانين الثلاثة توحدها الشروط المطلوبة لتحرير العقد المنصب على موضوعها و هي:

  1. أن يكون المحامي مقبولا للترافع أمام محكمة النقض، وأن يرد اسمه باللائحة السنوية التي يحددها وزير العدل و الحريات والمتعلقة بأسماء المهنيين المقبولين لتحرير هذه العقود.
  2.  أن يتم توقيع العقد و التأشير على جميع صفحاته من الاطراف و من المحامي الذي حرره.
  3.  أن يتم تصحيح الامضاءات بالنسبة للعقود المحررة من المحامي لدى رئيس كتابة الضبط للمحكمة الابتدائية التي يمارس بدائرتها.

 هذا فضلا عن أن القانون رقم 44.00 نص صراحة و وجوبا على بعض البيانات و المرفقات الالزامية (هوية الأطراف-الرسم العقاري أو مراجع ملكية العقار غير المحفظ-ثمن البيع-رخصةالبناء-التصاميم العقارية).

 وأخيرا أضاف المشرع المادة 4 من مدونة الحقوق العينية والتي حددت أيضا شروطا لتحرير العقود العقارية تشبه الواردة بالقوانين الثلاثة الآنف ذكرها أعلاه، لكن كانت أكثر ليونة و وضوحا على مستوى الصياغة، وهي:

  1.  أن يكون المحامي مقبولا للترافع امام محكمة النقض (دون ربط ذلك باللائحة السنوية)
  2.  أن يتم توقيع العقد و التأشير على جميع صفحاته من الأطراف و المحامي المحرر.
  3.  أن يتم تصحيح إمضاءات الأطراف من لدن السلطة المحلية المختصة، و يتم التعريف بإمضاء المحامي المحرر من لدن رئيس مصلحة كتابة الضبط التي يمارس بدائرتها.

 و إذا أردنا إعادة ترتيب الاختصاص رفعا للإرهاق القانوني التي سببه هذا التناثر يتضح أننا أمام إطارين:

 إطار عام : تحرير كل العقود غير الرسمية من طرف كل محام سجل بالجدول

 إطار خاص : تحرير العقود غير الرسمية ذات الصلة بالمجال العقاري من طرف المحامي المقبول للترافع أمام محكمة النقض.

 هذا الوضع التشريعي يطبعه التردد حول تنظيم مهمة تحرير العقود من طرف المحامي بشكل واضح، خاصة مع غياب التكوين المعمق في صياغة العقود وهي مهمة ليست بالهينة و لها آثار هامة على المتعاقدين و الغير.  وبالرجوع إلى القوانين المقارنة (فرنسا-بريطانيا-مصر-تونس) نلاحظ أنها خولت اختصاص تحرير العقود للمحامي دون شكليات و إجراءات مختلفة باختلاف نوع العقد، بل منها من جعل تحرير بعض العقود المتعلقة بتأسيس الشركة أو الرفع من رأسمالها أو التخفيض منه يدخل في دائرة احتكار مهنة المحاماة. فتعليقا على تحرير العقود العقارية من طرف المحامي بالمغرب ذهب البعض إلى أن حصر المؤهلين لتحرير العقود في المجال العقاري له ما يبرره، ذلك أن تحرير هذه العقود يتطلب تجربة مهنية و كفاءة قانونية و ممارسة و التزاما و شعورا بالمسؤولية.

 و رغم وجاهة هذا الرأي إلا أنه لا يتناغم مع النص التشريعي ولا ينسجم معه، فالمادة 30 تخول لكل المحامين تحرير كل العقود دون الشكليات الواردة بالقوانين العقارية، رغم أن هذه العقود قد تنصب على أصول تجارية و سفن و غيرها من المنقولات ذات القيمة المالية العالية والاجراءات القانونية المعقدة. 

 إن توسيع مجال أعمال المحامي ليشمل تحرير العقود يستلزم إعادة النظر في بعض القوانين ذات الصلة وتعديلها، خاصة المدونة العامة للضرائب، و التي حددت في مادتها 137 التزامات الموثقين والعدول و القضاة المكلفين بالتوثيق و كتاب الضبط، و بقيت دون تعديل رغم صلاحية المحامي لتحرير عقود في المجال العقاري.

فمثلا الفقرة 3 من المادة 137 نصت على أنه: يمنع على القضاة المكلفين بالتوثيق الخطاب على عقود خاضعة إجباريا لاجراء التسجيل قبل أداء واجبات التسجيل المستحقة، و يوجهون بعد الخطاب على العقد نسخة منه إلى مكتب التسجيل المختص.

و في الأخير أود التطرق للإشكال الذي أعادته صياغة القوانين الثلاثة ومدونة الحقوق العينية للنقاش حول طبيعة العقد الذي يحرره المحامي فهل هو رسمي أو عرفي أم له نوع خاص؟

وبرجوعنا إلى الصيغة الواردة بالقوانين العقارية الأربعة الآنف ذكرها نلاحظ أنها تتحدث عن المحرر الثابت التاريخ الموقع و المؤشر عليه من طرف المحامي والأطراف والمصادق على إمضاءاتهم.

 إذن فالمحرر الثابت التاريخ الذي يحرره المحامي هو عقد عرفي باجراءات وشكليات خاصة، له قوة ثبوتية تلامس القوة الثبوتية للعقد الرسمي إذ أن إنكار خط اليد لا طائل منه ما دام العقد محرر من طرف محام، و إنكار التوقيع أيضا لا طائل منه ما دامت الامضاءات مصادق على صحتها، وقلنا أنه عقد عرفي لأن ذلك الأقرب إلى الصواب في نظري في القول أنه عقد من نوع خاص لأنه وصف لا معنى له من الناحية العملية.

 و لقد آن الأوان للحسم في التوجه التشريعي بشكل صريح و واضح حول مما إذا كان يود الأخذ بشكل مطلق بالعقود الرسمية في المجال العقاري، و أن يحسم أيضا النقاش حول طبيعة العقد الذي يحرره المحامي في إطار القوانين ذات الصلة بالمجال العقاري خدمة للثقة و دعما للائتمان العقاري.

هـ-تداخل القواعد القانونية وتعارضها:

 إن عدم وضوح القاعدة القانونية غالبا ما يكون بسبب التداخل  إلى حد التعارض أحيانا في النصوص القانونية، فمثلا التصرفات المنجزة بعد  الحجز العقاري باطلة بمقتضى الفصل 453 من قانون المسطرة المدنية، في حين أن الفصل 87 من ظهير التحفيظ العقاري تحدث عن منع التقيدات بعد الحجز التنفيذي دون التحفظي مما خلق نوعا من النقاش بخصوص أثر الحجز التحفظي الوارد على العقار المحفظ، فهل يقيد البيع المنجز بعد الحجز التحفظي أم لا، وهل يستند المحافظ إلى مقتضيات الفصل 453 من ق.م.م أم إلى المادة 87 الآنف ذكرها والتي لا تسعف في ذلك وأي خلاف حول الموضوع يجعلنا أمام حالات متعارضة، ويجعل القاعدة القانونية غير توقعية. أيضا هناك تعارض أثار نقاشا بين المادة 2 مدونة الحقوق العينية و المادة 66 من قانون التحفيظ العقاري وبين المادة 681 من مدونة التجارة التي نصت على البطلان الوجوبي والجوازي لبعض التصرفات النافلة للملكية بعد تاريخ التوقف عن الدفع ولو في مواجهة الغير المقيد ذي النية الحسنة، هذا التعارض يمس عناصر الأمن القانوني نتيجة عدم تلاءم وانسجام القواعد القانونية وكثرة الاستثناءات على القواعد المعيارية.

خاتمة

إن القواعد القانونية كالأدوية، يجب عدم الإكثار منها حتى لا تؤدي إلى آثار عكسية وخيمة، وعدم إساءة استعمالها وتتبع آثارها، وأن لا يتم استعمالها إلا بعد تشخيص دقيق للواقع المراد معالجته. فالقاعدة القانونية بصفة عامة وفي المجال العقاري بصفة خاصة يلزم في نظرنا أن تكون واضحة مفهومة دون عناء من مخاطبيها توقعية ومعيارية كضمانة جوهرية ومنطلق لحماية فعالة للحقوق الأساسية للأفراد والجماعات، فلابد إذن من إعادة النظر في كثرة النصوص القانونية العقارية والعمل على وضع قواعد قانونية معيارية ضرورية واضحة سهلة الفهم وذات صلابة قانونية.


[1] – عامر زغير محيسن، الموازنة بين فكرة الأمن القانوني ومبدأ عدم رجعية أثر الحكم بعدم الدستورية، مجلة مركز دراسات الكوفة، عدد 18،  2010.

[2] – conseil constitutionnel, déc 29/12/1984, numéro 84-184

[3] – conseil constitutionnel, déc 15/02/2007, numéro 2007-547

[4] –  يسري محمد العصار، الحماية الدستورية للأمن القانوني،مجلة الدستورية، القاهرة عدد 3 يوليو 2003

[5] –  عبد المجيد غميجة، مبدأ الأمن القانوني وضرورة الأمن القضائي، مجلة الحقوق المغربية، العدد 7، 2009

[6] – عبد المجيد غميجة، المقال السابق.

[7] – Anne LEVADE, la sécurité juridique, la semaine juridique, édition générale, supplément au numéro 27, 1/7/2013, p8.

[8] – X.Lagarde, jurisprudence et insécurité juridique , D2006, p.648

[9] –  وقد رصدت توصيات المناظرة الوطنية حول السياسة العقارية للدولة ودورها في التنمية الاقصادية والاجتماعية أهم اختلالات الترسانة القانونية المنظمة للعقار فيما يلي:

– غياب منظور شمولي ومتكامل لتحيين وتحديث المنظومة القانونية المؤطرة بما يساير التطورات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة والأدوار المتجددة للعقار في التنمية :

– عدم ملازمة مختلف النصوص القانونية المنظمة للعقار مع باقي القوانين المتعلقة باستعماله، ولا سيما في مجال التعمير والتهيئة المجالية :

– افتقاد السياسة التشريعية للتنسيق والالتقائية المطلوبين، حيث تتم صياغة النصوص التشريعية والتنظيمية وفق مقاربة منفردة لكل قطاع على حدة، مما يؤدي إلى تداخل النصوص في بعض الحالات :

– عدم توفر الكثير من النصوص التشريعية للمراسيم التطبيقية والآليات التنظيمية اللازمة لتنزيلها، بما ينسجم مع التطورات الاقتصادية والاجتماعية.

التقرير التركيبي حول واقع قطاع العقار في المغرب- دجنبر 2015- ص : 4

[10] –  حكم ابتدائية الناظور بتاريـخ 12/3/2015 في الملف العقاري  رقم:145/8/2008، غير منشور

[11] –  حكم ابتدائية الناظور بتاريـخ 23/2/2014 في الملف العقاري  رقم: 8/8/98، غير منشور

[12] –  راجع بتفصيل حول أثر ثوابت نظام الإشهار العقاري على السوق الرهنية الأولية و الثانوية: سفيان ادريوش، تسنيد الديون الرهنية –مقاربة قانونية و مالية- أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية بوجدة، السنة الجامعية 2004/2005، ص: 398 .

[13] – « Aux termes de la loi précitée, seront déposés à la conservation foncière, la déclaration d’intention aux  fins de prénotation et l’extrait du bordereau aux fins de transfert des hypothèques titrisées accompagnées d’une liste regroupant toutes les propriétés concernées par cette opération et relevant de la compétence territoriale de chaque conservation foncière ».

Circulaire n° 334 relative à la titrisation des créances hypothécaires -ministère de l’agriculture, du  développement rural et des eaux et Forêts- du 11 Avril 2002

[14] –  قرار المجلس الأعلى رقم 1107 الصادر بتاريخ 26/03/2008 في الملف المدني عدد 1638/1/2/2006، منشور بمجلة القضاء والقانون عدد 157.

أنظر في نفس الاتجاه: قرار المجلس الأعلى رقم 2854 الصادر بتاريخ 23/07/2008 في الملف المدني عدد 1696/1/1/2006، منشور بمجلة القضاء والقانون عدد 156.

[15] – قرار محكمة النقض بغرفتين رقم 170 الصادر بتاريخ 20/03/2013 في الملف عدد 2820/1/1/2012.

[16] – محمد ناجي شعيب، تعليق على قرار محكمة النقض بغرفتين رقم 170 الصادر بتاريخ 20/03/2013 في الملف عدد 2820/1/1/2012، منشور بمجلة ملفات عقارية عدد 3، ص:259.

[17] – محمد ناجي شعيب، المرجع السابق.

[18] – قرار المجلس الأعلى رقم 694 الصادر بتاريخ 13/04/1983 في الملف المدني عدد 1638/1/2/2006، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 32.