مركز إدريس الفاخوري للدراسات والأبحاث في العلوم القانونية وجدة

الإشكالات القانونية والعملية لتوزيع الأراضي الفلاحية المتأتية من الملك الخاص للدولة

د. عبد العالي دقوقي

أستاذ باحث بكلية الحقوق بمكناس

محافظ سابق على الملكية العقارية

مداخلة ضمن أشغال الندوة الوطنية التي نظمت من طرف المركز يومي 25 و26 نونبر 2016 تحت عنوان :”العقار والتعمير والاستثمار” بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة وذلك بمناسبة تكريم أستاذ التعليم العالي الدكتور الحسين بلحساني.

تقديم 

بعد حصوله على الإستقلال باشر المغرب سياسة الإصلاح الزراعي لتجاوز مخلفات عهد الحماية، وذلك عن طريق إعادة هيكلة المشهد الفلاحي، فصدرت بذلك مجموعة من النصوص القانونية تروم في نهاية المطاف، بسط الدولة سيادتها على القطاع الفلاحي، وسيطرتها على أهم وأجود الأراضي الفلاحية.

لقد بدأت سياسة الإصلاح الزراعي منذ نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، خاصة بصدور ظهير  رقم 1-59-287 بتاريخ 17 نونبر 1959[1] المنظم لمراقبة العمليات العقارية، إلا أن تفعيلها بشكل واضح كان بواسطة الخطاب الملكي المؤرخ في 20أبريل 1965، الذي وضع ثلاثة مبادئ أساسية يقوم عليها هذا الإصلاح تتمثل في:

  • خلق بنية عقارية تضم خاصة أراضي الدولة، أراضي الجموع، أراضي الكيش، أراضي الأحباس، الأراضي المسترجعة أو في طور الإسترجاع.
  • توزيع هذه الأراضي بكيفية عادلة على الطبقات الفقيرة بالعالم القروي.
  • إلزامية تنمية جميع الاستغلاليات الفلاحية كيفما كان أصلها أو مالكها بمساعدة الدولة[2].

إن هذا الأمر لا يعني أنه قبل هذا التاريخ لم يكن هناك تفكير في إصلاح الهياكل العقارية، بل إن الإرهاصات الأولى لذلك تمت مباشرة بعد الإستقلال، سيما في إطار ما يسمى بنظام المجزءات، حيث عملت الدولة على توزيع مجموعة من الأراضي الفلاحية بعد الإستقلال مباشرة بهواجس أمنية وسياسية قبل أن تكون هواجس اقتصادية واجتماعية[3]، ولذلك فلقد تم على سبيل المثال توزيع ما يناهز 1700هكتار خلال الفترة 1956 – 1961[4].

إن توزيع الأراضي الذي تم في هذه الظرفية كان غير مهيكل، مما جعل هذه الاستغلاليات الموزعة تعاني من سوء الإستغلال بل انعدام المردودية في جل الأحيان، على الرغم من تمديد مقتضيات ظهير 29 دجنبر  1972بمنح  بعض الفلاحين أراضي فلاحية أو قابلة للفلاحة من ملك الدولة الخاص على هذه العقارات بواسطة ظهير صادر في 17  دجنبر 1976.

وقد تنبهت الدولة المغربية إلى هذا الوضع، فحاولت من خلال المخطط الخماسي 1960 – 1964 إعادة  تعبئة العقار، خاصة أراضي الدولة وأراضي الإستعمار، وأيضا الأملاك المصادرة، بقصد توزيعها في إطار استغلاليات ذات مساحات متوسطة، إلا أن كل هذه المجهودات لم تفلح في إيجاد الصيغة الملائمة لإصلاح زراعي لمغرب ما بعد الإستقلال لاعتبارات اجتماعية، اقتصادية بل وسياسية أيضا.

وعلى هذا الأساس فإن صدور النصوص القانونية المنظمة لاسترجاع الأراضي الفلاحية، وأيضا المنظمة لمراقبة العمليات العقارية تشكل فعلا البداية الحقيقية لسياسة إصلاح زراعي شامل، تركز بدرجة أولى على صغار الفلاحين وبدرجة ثانية على متوسطي الفلاحين.

وعلى هذا الأساس تم التأسيس التشريعي لعملية توزيع الأراضي الفلاحية من خلال المرسوم الملكي رقم 66-267 الصادر بتاريخ 4 يوليوز 1966، والذي تم إلغاؤه بمقتضى الظهير رقم 1.72.277 بتاريخ 29 دجنبر 1972[5]  بمثابة قانون يتعلق بمنح بعض الفلاحين أراضي فلاحية أو قابلة للفلاحة من ملك الدولة الخاص وذلك في إطار ما يسمى ب ” تعاونيات الإصلاح الزراعي” التي نشأت برعاية من الدولة قصد التحكم في توزيع الأراضي الفلاحية، وفي طرق استغلالها، وعليه فإن سياسة توزيع الأراضي الفلاحية على صغار الفلاحين في إطار نظام تعاونيات الإصلاح الزراعي، تعكس في حقيقة الأمر تلك التغيرات التي تمس البنية العقارية بالمغرب.

المبحث الأول: الإطار القانوني المنظم لتوزيع الأراضي الفلاحية

في سياق النصوص الصادرة عقب الحصول على الإستقلال والرامية إلى إعادة هيكلة القطاع الزراعي، صدر  المرسوم الملكي المؤرخ في 4 يوليوز 1966 يرمي إلى توزيع العقارات الفلاحية على صغار الفلاحين، كما أبان على مجموعة من النقائص دفعت المشرع إلى إنهائه وتعويضه بواسطة ظهير 29 دجنبر 1972 الذي وضع شروط ومساطر للتوزيع والإستغلال.

المطلب الأول: النظام القانوني لتوزيع الأراضي الفلاحية

الفقرة الأولى: الإطار القانوني لتوزيع الأراضي الفلاحية

إن البوادر الأولى لسياسة الإصلاح الزراعي بالمغرب انطلقت مع صدور القانون 1.63.289 الصادر بتاريخ 26 شتنبر 1963 بتحديد الشروط التي تسترجع الدولة بموجبها أراضي الإستعمار بحيث شكل هذا الظهير آلية من الآليات التي من شأنها أن تمكن  مغرب الإستقلال من تبني سياسة عقارية فاعلة عبر تكوين احتياط عقاري مناسب يساعد الدولة على إنجاز مخططاتها الزراعية، ولذلك فإن الدولة تمكنت فعلا عقب الإستقلال من الإستفادة من رصيد عقاري مهم، من خلال عملية الإسترجاع في نطاق الظهير السابق، وكذلك من خلال عمليات المصادرة التي تمت أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات من القرن الماضي[6].

إن الهدف من وراء كل ذلك تكوين رصيد عقاري فلاحي قادر على مساعدة الدولة على سن سياسة فلاحية فاعلة.

وعلى هذا الأساس صدر المرسوم الملكي المؤرخ في 4 يوليوز 1966 الذي يعتبر الإطار القانوني الذي تبناه المشرع بداية لإعادة توزيع الأراضي المصادرة وخاصة المسترجعة في إطار ظهير 1963، كما يستفاد ذلك من الفصل الأول من المرسوم الملكي المشار إليه، هذا الأخير الذي حدد شروط الإستفادة من هذه العقارات  في فصله الثالث إلى الفصل السادس، وأيضا الإلتزامات التي يتحملها  المستفيد، والنظام القانوني الذي تخضع له العقارات الموزعة، وذلك في الفصل السابع وما يليه من النص المذكور[7].

إن ما يميز المرسوم الملكي لسنة 1966 أنه استقر على خيارين اثنين لاستغلال العقارات” بحيث إن ذلك يتم إما في إطار استغلاليات عائلية مندمجة، أو في إطار الإستغلال الفردي المستقل مع التزام الفلاح بالاندماج في تعاونيات فلاحية[8].

إن ما ميز المرسوم الملكي المؤرخ في 4 يوليوز 1966 أنه لم يوفر الإطار الأمثل لاستغلال الأراضي الموزعة، ذلك أن الدولة لم تواكب هذه العملية بما يكفي من وسائل تقنية ومادية، مما استحال معه استغلال بعض العقارات أحيانا، إذ الدولة ظل دورها سلبيا اقتصر على التوزيع وفرض بعض الشروط دون أن تكون فاعلة في المجال، سيما وأن الفئة المستهدفة من التوزيع كانت تفتقر غداة الإستقلال للتجربة الكافية، والإمكانيات المادية اللازمة لاستغلال واستثمار هذه العقارات[9].

على هذا الأساس حاول المشرع تجاوز هذه الهفوات بإلغاء هذا النص القانوني وتعويضه بالظهير رقم 1.72.277 بتاريخ 29  دجنبر 1972 كما تم تعديله وتتميمه بواسطة القانون 06.01 الصادر بشأن تنفيذه ظهير 7 يناير 2005.[10]

على أنه ولتجاوز مخلفات المرسوم الملكي السالف الذكر فلقد صدر القانون 05.01 الصادر بشأن تنفيذه ظهير 7 يناير 2005 يتعلق بتفويت القطع الأرضية التي تم توزيعها في إطار مرسوم 1966، حيث عمل القانون 05.01 على تحديد شروط التفويت سواء بالنسبة للمستفيد الأصلي من القطعة الأرضية أو ذوي حقوقه الحائزين لوثائق إثبات الإستفادة أو الحائز للقطعة الأرضية بموجب عقد مبرم مع المستفيد الأصلي أو ذوي حقوقه.

وهكذا فإن القطع الأرضية الفلاحيةأو ذات الصبغة الفلاحية التي تم توزيعها في ظل المرسوم الملكي، وذلك قبل تاريخ 9 يوليوز 1966، (وهو تاريخ نشر المرسوم بالجريدة الرسمية)، يتم تفويتها باقتراح من لجنة إقليمية يترأسها العامل وبعضوية رئيس المجلس الجهوي، رئيس مجلس العمالة أو الإقليم، رئيس المجلس الجماعي، رئيس الغرفة الفلاحية، ويمثل الإدارة في عضوية اللجنة المذكورة القائد المعني بالأمر، قابض التسجيل والتمييز، المحافظ على الأملاك العقارية رئيس مصلحة المسح العقاري، المدير الإقليمي للفلاحة أو مدير المكتب الجهوي للإستثمار الفلاحي، رئيس مصلحة أملاك الدولة[11]، بحيث إن هذه اللجنة هي التي تسهر على دراسة الطلبات المقدمة وفي حالة الموافقة، فإن إدارة أملاك الدولة هي الجهة التي تتولى إبرام عقود التفويت مع المستفيد، وهي عقود يجب تقييدها على الرسوم العقارية المتعلقة بهذه العقارات إذا كانت محفظة، وفي هذه الحالة،  وخلافا لمقتضيات ظهير التحفيظ العقاري يعمل المحافظ على الملكية العقارية على التشطيب على التحملات والحقوق العينية المقيدة على الرسوم العقارية، كما أن العقارات المعنية بالتفويت في إطار هذا القانون لا تخضع لمقتضيات القانون 34.94 الصادر بتاريخ 11  غشت 1995 المتعلق بالحد من تقسيم الأراضي الفلاحية الواقعة داخل دوائر الري.

الفقرة الثانية: مسطرة توزيع الأراضي الفلاحية في إطار ظهير 29 دجنبر 1972

إن صدور ظهير 29 دجنبر 1972 جاء كنتيجة منطقية لمسلسل من الإصلاحات القانونية المرتبطة بالإصلاح الزراعي، كما يستفاد ذلك من الفصل الأول من هذا الظهير، حيث أنه وتطبيقا لمجموعة من الإصلاحات التي كان الميدان الزراعي في صلبها أصبحت الدولة تتوفر على احتياطات عقارية هامة،  فبالإضافة إلى ظهير 26 شتنبر 1963 الذي استرجعت بموجبه الدولة أراضي الإستعمار والذي سبقت الإشارة إليه صدر الظهير الشريف رقم 1.69.27 بتاريخ 25 يوليوز 1969 بالإعلان أنه من المصلحة العمومية تهيئة الأوضاع العقارية وإحداث تجزئات فلاحية في دوائر الري ووضع مسطرة خاصة لنزع ملكية الأراضي اللازمة كهذا الغرض، وأيضا الظهير الشريف 1.69.28 بتاريخ 25 يوليوز 1969 المنقولة بموجبه إلى الدولة ملكية الأراضي الفلاحية أو القابلة للفلاحة المعتبرة أوقافا عمومية، كما صدر لاحقا ظهير 2 مارس 1973 المتعلق باسترجاع الأراضي الفلاحية من يد المعمرين والذي شكل آلية من الآليات التي لجأت إليها الدولة لدعم وتقوية احتياطها العقاري بقصد تبني سياسة إصلاح زراعي فاعلة.

وبالرجوع إلى ظهير 29 دجنبر 1972 الذي تم تعديله وتتميمه بواسطة القانون 06.01 الصادر بشأن تنفيذه ظهير 7 يناير 2005 نلاحظ أن المشرع قلص من شروط الإستفادة من توزيع الأراضي الفلاحية المتأتية من الملك الخاص للدولة، حيث قبل التعديل المذكور كان النص يشترط أن يكون المستفيد من العملة الدائمين أو المستغلين للأرض، أو عضوا في مجموعة سلالية مستقرة في تراب إحدى الجماعات التي يعتبر اختيار الأفراد الموزعة عليهم الأراضي من بين سكانها، أو ملاكين مستغلين لأرض فلاحية ذات مساحة ضيقة، أما بعد التعديل المذكور ولتوسيع دائرة المستفيدين، وكذلك لاستثمار هذه العقارات على أفضل وجه فإن المشرع المغربي، نص في الفصل الخامس على إمكانية الإستفادة من هذه العقارات ما قبل الأطر والتقنيين الحاصلين على شواهد في الميدان الفلاحي، أو حاملي شهادة بيطري، والهدف من وراء ذلك يتمثل في الإستغلال الأمثل لهذه العقارات خاصة في ظل الإلتزامات التي تلتزم بها الدولة تجاه المستفيد، وإذا لم يكن الشخص المستفيد كذلك يجب أن يكون من المزاولين بصفة رئيسية وعادية نشاطا فلاحيا مؤدى عنه، هذا كله فضلا عن شروط أخرى نص عليها المشرع أهمها: أن يكون المستفيد قادرا على استغلال الأرض الممنوحة له، أن يكون بالغا من العمر أقل من 50سنة، وأن يكون من سكان الناحية أو مقيما على الأقل منذ خمس سنوات في إحدى الجماعات التي يقع اختيار الأفراد الموزعة عليهم الأراضي من بين سكانها، وإن كانت لنا ملاحظة بخصوص شرط الإقامة، إذكان على المشرع أن يفتح المجال للمهندسين والتقنيين الفلاحية للاستفادة من هذه العقارات الموزعة بصرف النظر عن شرط الإقامة لاستثمار الخبرة التي راكمها هؤلاء في هذا المجال شريطة عدم تملكهم لعقارات فلاحية أو ذات صبغة فلاحية.

على أن الدولة، وفي ظل النص المذكور تلعب دورا أساسيا في عملية التوزيع هاته، خلافا لما كان عليه الأمر سابقا في ظل المرسوم الملكي المؤرخ في 4 يوليوز 1966، إذ القطعة الأرضية يجب أن تكون جاهزة للاستغلال، كما يجب عليها أن تقدم مساعدتها التقنية بالمجان، لكنها غير ملزمة بأن تسهل على المستفيد وسائل الإستغلال بما في ذلك التمويل.

كل ذلك مقابل أن يتخلى المستفيد عن الأراضي الفلاحية التي يكون مالكا لها، أو الحقوق المشاعة التي يتوفر عليها، أو التنازل عن حقوقه في أرض الجماعة التي ينتمي إليها.

لهذا كله يمكن القول أن الدولة أصبحت شريكا أساسيا في عملية الإصلاح الزراعي، تسهر من خلال الأجهزة والمؤسسات التابعة لها على مواكبة  مباشرة لتفعيل هذه السياسة على أرض الواقع.

أما بالنسبة للجنة التي تسهر على دراسة طلبات التوزيع فبالرجوع إلى الفصل السابع من ظهير 29 دجنبر 1972 الذي تم تعديله بواسطة القانون 06.01 وأيضا الفصل الثالث من المرسوم التطبيقي المؤرخ في 25 يوليوز 2006، فإن مطبوعات طلبات نيل الأرض تسلم من قبل المصالح الجهوية لوزارة الفلاحة والتنمية القروية والتي توجه إلى عامل الإقليم، حيث يعرضها هذا الأخير على اللجنة الإقليمية المكلفة بقطاع الإصلاح الزراعي.

وتتكون لجنة الإصلاح الزراعي حسب مقتضيات الفصل السابع المذكور من رئيس المجلس الجهوي أو من يمثله، رئيس مجلس العمالة أو الإقليم أو من يمثله، رئيس الغرفة الفلاحية أو من يمثله، رئيس المجلس الجماعي المعني بالأمر أو من يمثله، ممثل واحد عن الفلاحين المنتمين للمنطقة المعنية يعينه رئيس الغرفة الفلاحية من بين أعضائها، هذا بالإضافة إلى الأعضاء المنصوص علهم في الفصل الرابع من المرسوم المشار إليه، وهم: القائد المعني بالأمر، المدير الإقليمي للفلاحة، مدير المكتب الجهوي للإستثمار الفلاحي أو من ينوب عنهما، رئيس المصالح الإقليمية للأملاك المخزنية، مفتش القوانين الإجتماعية في الفلاحة أو من ينوب عنه.

 وهكذا نلاحظ أن المشرع حاول من خلال تركيبة اللجنة توسيع دائرة ممثلي الإدارات المتدخلة في عملية التوزيع من جهة، ومن جهة ثانية فإن النص القانوني خول لممثلي الإدارات المعنية انتداب من يمثلهم في اجتماع هذه اللجنة، وهو من شأنه أن يرفع من وتيرة الإجتماعاتوالتسريع بتسوية  الحالات العالقة، حيث يتم تعيين المستفيدين بمرسوم يوقعه بالعطف وزير الفلاحة والتنمية القروية، وزير الداخلية ووزير المالية بدلا عن مرسوم يتخذ في المجلس الوزاري، كما كان ينص على ذلك الفصل الثامن من ظهير 1972 قبل التعديل. وعلى إثر تحديد لائحة المستفيدين يتم إعداد مشاريع عقود البيع من قبل مصالح وزارة الفلاحة التي تحيلها على ممثل إدارة أملاك الدولة مصحوبة بنسخ من المرسوم المشار إليه، ومحضر اللجنة الإقليمية ومحضر الخبرة المنجزة وطلب الإستفادة من البقعة، وعندما يتم توقيع العقود يجب العمل على تسجيلها لدى المصالح المختصة، وإذا كان العقار محفظا يجب طلب تقييدها على الرسم العقاري للبقعة المعنية، إما إذا كان العقار في طور التحفيظ فيجب إيداع العقود طبقا لمقتضيات الفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري، أما بالنسبة للعقود التي تم التوقيع عليها من قبل المستفيدين قبل تاريخ 10 غشت 2006، وهو تاريخ نشر المرسوم التطبيقي للقانون 06.01، فإنها تخضع للمسطرة التي كان معمولا بها في السابق، إذ يتم التوقيع عليها من طرف وزارة الفلاحة، وزارة الداخلية ووزارة المالية، أما عن الدور الذي تلعبه الدولة بخصوص العقارات موضوع التوزيع فإن الفصل السادس بعد تعديله بواسطة القانون 06.01  جعل دورا لدولة يقتصر على تسليم القطع الأرضية جاهزة للاستغلال، وتقديم مساعدتها التقنية بالمجان دون أن تتجاوز هذا الدور إلى توفير وسائل الإستغلال والتمويل، حيث يتحملها المستفيد و الهيآت التعاونية المنضوي تحت لوائها، أما بالنسبة للدولة فلم يبق من بين أدوارها تسهيل الحصول على هذه الوسائل أو التمويل كما كان ينص عليه الفصل 11 في السابق قبل التعديل.

ومقابل كل ذلك فإن المستفيد من العقار تقع عليه مجموعة من الإلتزامات أهمها استغلال القطعة شخصيا وبكيفية فعلية ومستقرة.

  • الإمتناع عن مزاولة كل نشاط آخر تؤدي عنه أجرة إلا في حالة عرضية؛
  • الإقامة بالمكان المحدد بكناش التحملات الموضوع عند تسليم البقعة؛
  • الإنخراط في التعاونية المؤسسة بين الأفراد الموزعة عليهم الأراضي لتسهيل استغلال القطع وتسويق المنتجات؛
  • تسديد أقساط الثمن  والسلفات المحصل عليها من مؤسسات القرض عند حلول آجال أدائها.

وإذا لم يتم احترام الإلتزامات الملقاة على عاتق المستفيد يمكن إنذاره من قبل العامل بعد استشارة أعضاء اللجنة المشار إليها في السابق، بطلب من مدير المكتب الجهوي للإستثمار الفلاحي، كما يمكن إسقاط الحق من الإستفادة في حالة الحصول على إنذارين، أو حالة ارتكاب مخالفات من شأنها إلحاق أضرار جسيمة باستثمار القطعة.

الفقرة الثالثة: الوضع القانوني للعقارات موضوع التوزيع

إن العقارات التي تم توزيعها في إطار ظهير 29 دجنبر 1972 كما تم تعديله وتغييره بواسطة القانون 06.01، تكون مثقلة بمجموعة من التحملات يفرضها وضعها القانوني  الجديد.

تأسيسا على ذلك فإن هذه العقارات تبقى مرهونة لفائدة الدولة رهنا رسميا لضمان الأداء الكامل لثمن التفويت، على أنه إذا كان الفصل13 من  ظهير 1972 يؤكد أن الدولة يمكن  أن تتخلى عن أسبقيتها في الرهن لتمكن المستفيدين من إنجاز قروض لتجهيز واستثمار قطعهم، فاعتقد أنه في ظل هذا الظهير وقبل تعديله لم يكن ممكنا تفعيل هذا المقتضى ما دام أن هاته العقارات لم تكن قابلة للتفويت، ونفس الشيء ينطبق على الحجوز العقارية إذ أنه في ظل ظهير 1972 قبل التعديل كانت هذه العقارات لا تقبل الحجز، بل إن محافظي الأملاك العقارية، في حالة إصدار أوامر بالحجز تتعلق بهذه العقارات، كانوا يرفضون تقييدها إذا ثبت أن العقار يخضع لمقتضيات ظهير 29 دجنبر 1972 استنادا إلى الفصل 14 الذي يجعل هاته العقارات غير قابلة للتفويت أو القسمة أو الحجز وهو موقف أيده الاجتهاد القضائي المغربي في مناسبات متعددة[12].

أما بعد التعديل المذكور بواسطة القانون 01-06 فلقد أصبحت العقارات الخاضعة لظهير 29 دجنبر 1972 قابلة للتفويت بمقتضى الفصل 22 مكرر بعد الحصول على شهادة رفع اليد، حيث يمكن للمستفيد التصرف في عقاره بعد الحصول على هذه الشهادة  ومن تم تصبح هذه العقارات قابلة لإيقاع الرهن أو الحجز.

على أنه ما يلاحظ بهذا الخصوص أن بعض رؤساء المحاكم الابتدائية وتفعيلا لمقتضيات الفصل 22 مكرر السالف ذكره، اصدروا أوامر بحجز  هذه العقارات ولو لم يتم الحصول على شهادات  رفع اليد هاته، وهو ما سيعيق تقييدها على السجلات العقارات [13]، لهذا فالاتجاه الأسلم في اعتقادي يتمثل في عدم إصدار مثل هذه الأوامر إلا بعد الحصول على شهادة رفع اليد عن جميع التحملات التي يتحمل بها العقار، وهو ما كرسته  في الآن ذاته أوامر قضائية أخرى[14].

وعلى هذا الأساس إذن وطبقا لمقتضيات الفصل 22 مكرر من القانون 01-06 فإن القيود التي وضعها المشرع في إطار ظهير 29 دجنبر 1972 بالنسبة للعقارات الموزعة والمتمثلة خاصة في عدم إمكانية تفويتها، لم تبق قائمة بشكل مطلق، ذلك أنه بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 22 المذكور  فإن القطع الموزعة في إطار الإصلاح الزراعي، والتي تم إدماجها كليا أو جزئيا في المدار الحضري لبلدية أو مركز محدد تبعا لتوسيع هذا المدار تصبح غير خاضعة للموانع المنصوص عليها في الفصل 14 بحيث يتحرر المستفيد من جميع الالتزامات الملقاة على عاتقه، بموجب الفصل 22، كما يتحرر كذلك من الالتزامات الواردة في عقد البيع وكناش التحملات الملحق به، إذ يتصرف في البقعة مثل أي مالك للعقار شريطة أدائه مجمل ثمن القطعة والديون المستحقة للحصول على شهادة رفع اليد.

أما بخصوص القطع الموزعة الواقعة خارج المدار الحضري فإن حصول المستفيدين منها على شهادة رفع اليد لا يغير من صبغتها الفلاحية مع الأخذ بعين الاعتبار مقتضيات المادتين الخامسة والعاشرة من مرسوم 29 دجنبر 2014 بشأن اللجن الجهوية المكلفة ببعض العمليات العقارية خاصة ما يتعلق بشروط تسليم شواهد عدم الصبغة الفلاحية.

وعليه فإن جميع الالتزامات والموانع المنصوص عليها في ظهير 29 دجنبر 1972 يتم رفعها بعد الحصول على شهادة رفع اليد، والمشرع المغربي كان يرمي من وراء كل ذلك إدخال هذه العقارات في دائرة التداول، لكن مقابل ذلك لم يتخذ المشرع إجراءات موازية لمحاربة المضاربة على هذه العقارات خاصة تلك المدمجة في المدار الحضري وهو ما ترتبت عنه إن صح القول “فوضى عقارية”، ولذلك اعتقد أن شهادة رفع اليد التي تحدث عنها القانون 01-06 لا يجب تسليمها إلا بعد الحصول على ضمانات حقيقية للحفاظ على الأمن العقاري، وهو ما لا تضمنه النصوص الحالية، مادام أن الحصول على شهادة رفع اليد يستلزم الإدلاء لدى المصالح الإقليمية لوزارة الفلاحة بشهادة القابض المختص تثبت أداء ثمن القطعة، شهادة مسلمة من قبل المجلس الإداري للتعاونية تثبت الوفاء بالديون الموجودة في ذمة المستفيد، وأيضا بكل ما يفيد إخلاء الذمة تجاه المؤسسات البنكية الدائنة، ثم نسخة من بطاقة التعريف الوطنية وشهاد الحياة، حيث تتم دراسة هذه الوثائق من قبل مصالح وزارة الفلاحة وإدارة أملاك الدولة، ويتم إعداد مشروع شهادة رفع اليد ترفع إلى المصالح المركزية لوزارة الفلاحة ووزارة المالية قصد التوقيع .

ولذلك فالملاحظ أن شواهد رفع اليد تعتبر الوسيلة الوحيدة التي كان من اللازم توظيفها من طرف المشرع لضبط المعاملات العقارية والحد من المضاربات التي تكون موضوعا لها.

المبحث الثاني: آليات حماية المستفيد وذوي الحقوق في ضوء القانون 01-06

لقد ابتدع  القانون 01-06 مجموعة من الآليات لحماية المستفيدين من العقارات الموزعة في إطار ظهير 1972 (المطلب الأول)، وفي مقابل ذلك فإن ذوي الحقوق لم يمتعهم  المشرع بالحماية اللازمة لحقوقهم (المطلب الثاني).

المطلب الأول: الآليات القانونية المعتمدة لحماية حقوق المستفيد

عمل المشرع المغربي على سن مجموعة من الآليات القانونية التي تشكل استثناء على القواعد العامة في مادة التحفيظ العقاري بغرض حماية المستفيد من العقارات الموزعة في إطار الظهير السالف الذكر.

الفقرة الأولى: التقييد المؤقت لحق المستفيد

بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 11 مكرر من القانون 01-06، نجد أن المشرع ابتكر نوعا جديدا من التقييدات الاحتياطية لحق المستفيد،ذلك أنه في انتظار إبرام عقد البيع النهائي يكون لمندوب إدارة أملاك الدولة استنادا إلى المرسوم  القاضي بتعيين لائحة الأفراد المستفيدين من توزيع أراضي فلاحية في ظل هذا الظهير، أن يطلب إجراء تقييد احتياطي لفائدتهم على السجلات العقارية إذا كانت العقارات المحفظة، حيث يبقى ساري المفعول إلى حين تقييد العقد النهائي، ولذلك نلاحظ أن المشرع ابتدع تقييدا احتياطيا جديدا يختلف ذلك المنظم بمقتضى المادتين 85 و86 من ظهير التحفيظ العقاري حيث لا يتم اللجوء إلى القضاء، سواء في شخص رئيس المحكمة الابتدائية أو قضاء الموضوع لإنجاز هذا التقييد الاحتياطي، وعندما يتعلق الأمر بعقارات في طور التحفيظ يمكن إيداع المرسوم المشار إليه أعلاه طبقا لمقتضيات الفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري، على أن السؤال يبقى مطروحا حول مدى استيعاب مقتضيات الفصل 84 لمثل هذه التقييدات المؤقتة وهو ما يفتح النقاش حول الطبيعة القانونية لهذه الإيداعات[15].

الفقرة الثانية: إقرار مبدأ عدم التراجع عن عملية التوزيع

بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 11 مكرر مرتين فلقد تم ابتداع مبدأ آخر يمكن أن نطلق عليه ” مبدأ عدم التراجع عن عملية التوزيع”، ذلك أنه في حالة ثبوت حقوق للأغيار في مرحلة لاحقة على عملية توزيع القطع  على الفلاحين فإنه يتم تعويض أصحاب هذه الحقوق إما عينا أو نقدا.

وفي هذا الإطار فإن المصالح الإقليمية لوزارة الفلاحة تقوم بالبحث عن أراضي تابعة للملك الخاص الدولة كتعويض عن الأراضي الموزعة، وإذا لم يتم العثور على ذلك فيتم التعويض إما بشكل رضائي بين المعني بالأمر ووزارة المالية ممثلة في إدارة أملاك الدولة، بناء على الخبرة المنجزة من قبل اللجنة الإدارية للخبرة، وإذا تعذر ذلك فإن التعويض يتم تحديده من طرف المحاكم الإدارية.

لكنألا يعتبر هذا ضربا لحق من الحقوق الأساسية للفرد والمتمثل في حق الملكية؟

إن الأمر في نهاية المطاف لا يعتبر نزعا للملكية لأجل المنفعة العامة، بمفهومه الضيق المتعارف عليه حيث تنزع الملكية لفائدة الدولة أو مؤسسة عمومية أو جماعة محلية، لكن وكيفما كان الحال فإنه عندما يتعلق الأمر بعقارات محفظة حيث إن العبرة بالتقييد على الرسوم العقارية، فإن الغير الذي تكون حقوقه غير مقيدة على الرسم العقاري لا تكون له الصفة للمطالبة بحق وقع الإضرار به إلا إذا ثبت أن هناك زور أو تدليس مورسعليه حسب ما ينص عليه الفصل الثاني من مدونة الحقوق العينية، وهذا الأمر يكون مستبعدا في هذا الإطار الذي نحن بصدد الحديث عنه والمتمثل في توزيع أراضي الملك الخاص للدولة على الفلاحين في إطار ظهير 29 دجنبر 1972.

الفقرة الثالثة: التشطيب التلقائي على التحملات من الرسوم العقارية

بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 11 من القانون 01-06 فإن المحافظ على الملكية العقارية يتعين عليه التشطيب تلقائيا على جميع التحملات والحقوق العينية التي تثقل العقارات الموزعة، حيث أنها تحول إلى حقوق دينية يتم الوفاء بها على شكل تعويض يحدد بالتراضي بين الدولة والمستفيدين، وفي حالة عدم حصول الاتفاق تتولى المحاكم الإدارية تقدير قيمة التعويض، وبالتالي فإن النص جاء صريحا بشأن إلزامية التشطيب التلقائي إثر تقييد عقد البيع النهائي المبرم بين الدولة والمستفيد فنكون بذلك أمام نوع جديد من التشطيبات التي تتم بقوة القانون، مما يشكل حماية أكبر للمستفيد وهذا ينسجم مع المنحى الذي تبناه المشرع في الفصل 11 مكرر مرتين بشأن عدم إمكانية التراجع في عملية التوزيع.

وفي الحقيقة فإنه قبل صدور القانون 01-06 في ظل غياب نص قانوني صريح يمنح المحافظ الحق في التشطيب، فإن العقارات الموزعة في إطار ظهير 1972 كانت تظل مثقلة بمثل هذه التحملات، وهو ما كان يطرح نقاشا على مستوى رؤساء المحاكم الابتدائية حول حدود صلاحياتهم في إصدار أوامر بالتشطيب خاصة على التقييدات الاحتياطية قبل صدور القانون 14.07[16]، هذا وإن كان الفصل 11 قبل التعديل يؤكد أنه لا تدرج في الرسوم العقارية الموضوعة في أسماء الأفراد الموزعة  عليهم القطع الأرضية التحملات والحقوق العينية المقيدة في رسوم الأملاك المفصولة عنها القطع الموزعة باستثناء الحرمات.

تأسيسا على ما سبق، فإنه وفي ظل غياب شهادة رفع اليد، فإن جميع الطلبات الرامية إلى إجراء تقييد احتياطي على عقارات تخضع لهذا النظام لا يمكن قبولها، وهو ما أكدته أكثر من رسالة صادرة عن المحافظ العامللملكية [17].

الفقرة الرابعة: الانخراط في نظام التعاونيات الفلاحية

إن الفلاحين المستفيدين من الأراضي الموزعة في إطار مقتضيات ظهير 29دجنبر 1972 ملزمون بالانخراط في تعاونيات فلاحية مؤسسة بين الأفراد المسلمة إليهم أراضي الدولة ، والتي تخضع لمقتضيات الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.72.278 الصادر بتاريخ 29 دجنبر 1972 والذي تم تعديله بمقتضى القانون 01-07 المؤرخ  في 7 يناير 2005[18]، ذلك أن هذا التأسيس يتم بقوة القانون كما يؤكد ذلك الفصلان 3 و22 من ظهير 1.72.277 المؤرخ في 29 دجنبر 1972 المتعلق بتوزيع الأراضي الفلاحية على الفلاحين والمتأتية من الملك الخاص للدولة.

إن الهدف من تأسيس هذه التعاونيات والانخراط بها يتمثل أساسا، وكما يؤكد ذلك الفصل الثالث من القانون 1.72.278 في تسهيل العلاقات بين أعضاء التعاونيات وبين مؤسسات الاستثمار الفلاحي، والسهر على حسن تنفيذ واجبات الاستثمار الملقاة على عائق أعضائها.

  •  تنظيم توزيع المياه المعدة للري؛
  •  تسهيل جميع العمليات المتعلقة بالإنتاج الفلاحي؛
  •  مباشرة أو تنظيم جميع العمليات المتعلقة ببيع المنتوجات النباتية أو الحيوانية؛
  •  منح أعضاء التعاونية سلفات عند الاقتضاء قصد استغلال أراضيهم واستثمارها وإبرام قروض لهذا الغرض؛
  •  الاشتراك في شراء المنتوجات الضرورية لمؤسسات الاستغلال الفلاحية  الخاصة بأعضاء التعاونية.

كما ترمي هذه التعاونيات إلى استغلال القطع الجماعية وتسويق المنتوجات المتحصلة منها.

 وما يلاحظ بخصوص القانون 01-07 أن المشرع حاول التخفيف من حدة الرقابة التي تمارسها الدولة على هذه التعاونيات الفلاحية، إذ أن المشرع نسخ الفصل 10 من الظهير رقم 1.72.278 الذي كان يؤكد أن وزير الفلاحة يعين لدى كل تعاونية فلاحية مندوبا للحكومة يحضر  بهذه الصفة اجتماعات الجمعية العامة والمجلس الإداري، بل إن تنفيذ مجموعة من المقررات التي تتخذها الجمعية العامة  لم يكن من الممكن تنفيذها إلا بموافقة مندوب الحكومة من قبيل الإندماج في تعاونيات أخرى، أو تحديد المبلغ الأقصى للتسبيقات أو القروض التي يمكن أن تمنحها التعاونية لأعضائها.

كما تم نسخ الفصل 11 من نفس القانون السابق والذي كان يجعل أمر بيع أو شراء أراضي قابلة للفلاحة متوقفا على موافقة وزير الفلاحة، وهو ما لم يبق قائما الآن كل ذلك لأجل أن تمارس هاته التعاونيات الفلاحية من خلال الأجهزة المكونة لها اختصاصاتها بنوع من الاستقلالية بعيدا عن تلك الرقابة الصارمة التي تمارسها خاصة وزارة الفلاحة.

هذا وإذا كان الفصل 17 من القانون المنظم للتعاونيات الفلاحية يمكن هذه التعاونيات من إنشاء اتحادات على شكل شركات خفية الاسم ذات رأس مال وعدد من الأعضاء قابلين للتغيير، فإن القانون 01-07 أضاف الفصل 17 مكررا لتوسيع وتقوية صلاحيات اتحاد التعاونيات الفلاحية فيما يتعلق خاصة بتأطير الأعضاء والرفع من حجم الاستثمار، وايضا الرفع من قيمة المنتجات عن طريق مد التعاونيات الأعضاء بعوامل الإنتاج وبالمستلزمات الضرورية لسير التعاونيات وكذلك من خلال عمليات تسويق المنتوجات، وحفظها وتحويلها.

إن هذه المقتضيات كلها كان الهدف من ورائها تدعيم الأدوار التي تضطلع بها هذه التعاونيات الفلاحية لتقوية ما يسمى بالاقتصاد التضامني.

المطلب الثاني: حماية ذوي الحقوق في ضوء القانون 01-06

إن مسألة حماية ذوي الحقوق تطرح بشكل ملح في سياق النظام الخاص الذي تخضع له العقارات الموزعة على الفلاحين طبقا لمقتضيات الظهير 1.72.277 بتاريخ 29 دجنبر 972، والمتأتية من الملك الخاص للدولة.

إن أصل الإشكال هو ما ينص عليه الفصلان 15 و16 من الظهير المذكور، ذلك أنه في حالة وفاة الشخص  المسلمة إليه القطعة، فإن هذه القطعة وأموال التجهيز اللازمة لاستغلالها حسب مقتضيات الفصل 15 تسلم لوارث واحد من ورثته ما عدا إذا استرجعت الدولة القطعة طبق للشروط المحددة في هذا القانون، ويلزم الوارث  المسلمة له البقعة بأن يؤدي لباقي الورثة قيمة حقوقهم.

ويضيف الفصل 16 أنه لا يمكن أن تسلم القطعة لفائدة أحد الورثة إلا إذا كان هذا الأخير يساهم بصفة مباشرة وفعلية  في استغلال القطعة ويتوفر على شروط الجنسية  والقدرة البدنية والمروءة والدخل.

فطبقا لهذين الفصلين تبقى العقارات الموزعة في إطار الظهير السابق غير قابلة للإرث، أو أنها لا تخضع للقواعد العامة للإرث، بل تمنح لوارث واحد تتوفر فيه شروط محددة، ويتعين عليه أن يؤدي لباقي الورثة قيمة حقوقهم، ليبقى التعديل الوحيد الذي خضع له هذا المقتضى هو أنه تم حذف شرط السن إثر تعديل الفصل 16 بواسطة القانون 01-06 وذلك بالنسبة لورثة المستفيد المتوفى لفتح المجال أمام جميع الورثة لتقديم طلبات الاستفادة من القطعة المعنية دون اعتبار لحاجز السن.

إن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح بهذا الخصوص، ما هي آليات حماية ذوي الحقوق في حالة رفض المستفيد تمكينهم من حقوقهم، وفي انتظار تعيين الوارث المستفيد، هل يمكن للورثة المطالبة بتعويضهم عن واجب الاستغلال إذا حرموا من ذلك؟

بالنسبة لمسألة الاستغلال يبدو من خلال الفقرة الثالثة من الفصل 15 أن  الورثة ملزمون على وجه التضامن باستثمار القطعة الأرضية والمحافظة على عناصر استغلالها إلى أن يتقرر تسليمها أو استرجاعها، لكن الواقع يبرز أن أحد الورثة  في الغالب الأعم يكون الابنالأكبر، هو من يستغل لفائدته البقعة ويتم حرمان باقي الورثة.

ففيما يتعلق بحق الورثة في المطالبة بالتعويض عن الاستغلال خلال الفترة الفاصلة بين تاريخ وفاة المستفيد وتاريخ تعيين المستفيد والتي تمتد لسنوات تضاربت بشأنها الاجتهادات القضائية.

ففي حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بفاس ذهبت من خلاله إلى أن الفصل 18 من ظهير 29 دجنبر 1972 لا يقصد منه تسليم الورثة واجب الاستغلال عن كل سنة، ولذلك فإن الطلب الرامي إلى أداء واجب الاستغلال غير مؤسس ويتعين رفضه[19]، لكن ما لبثت المحكمة الابتدائية بفاس أن تراجعت عن توجهها السابق، ذلك أنه بمقتضى حكم صادر عنها بتاريخ 27/5/2010 وبعد أن ثبت أمامها أن المستفيد توفي في 2/6/1998 وتاريخ تسليم البقعة للمدعى عليه كان بتاريخ 29/11/2002، وطبقا للفقرة الأخيرة من الفصل 15 أكدت أنه يستحق جميع ورثة المستفيد الأصلي بقوة القانون من الاستغلال المشترك كلما ثبت حرمانهم من ذلك خلال هذه الفترة[20]، وهو نفس التوجه الذي كرسته المحكمة الابتدائية بمكناس في حكم صادر عنها بتاريخ 6/1/2015 حيث قضت أن طلب واجب الاستغلال مناطه إثبات المنع والاستثمار، وبعدما تبين للمحكمة أن المدعى عليه استأثر باستغلال القطعة المدعى فيها منذ وفاة الهالك بتاريخ 19/1/2005 إلى غاية 21/3/2012 تاريخ تسليمها لأحد الورثة” فإن هذا ما يجعل المطالبة بالتعويض عن الحق في الاستغلال ثابت ومؤسس[21].

وفي الحقيقة فإن هذا الموقف الأخير الذي تبناه القضاء المغربي، يعتبر قراءة  سليمة لمقتضيات الفقرة الثالثة من الفصل 15 من ظهير 1972 الذي يؤكد أن الورثة يكونون ملزمين على وجه التضامن باستثمار القطعة والمحافظة على عناصر استغلالها إلى أن يتقرر تسليمها أو استرجاعها، وبتعيين المستفيد من القطعة، فإنه يتعين عليه أن يدفع للورثة نصيبهم من قيمة  الأراضي حسب الفريضة الشرعية كما أكدت ذلك عدة اجتهادات قضائية[22]،ومع ذلك يبقى السؤال مطروحا حول الآليات القانونية التي يمكن اللجوء إليها من قبل باقي ذوي الحقوق في حالة امتناع الشخص المسلمة إليه البقعة من دفع قيمة الأرض للورثة؟.

قبل تعديل ظهير 29/12/1972 بواسطة القانون 01-06 لم تكن هناك إجراءات حمائية حقيقية للورثة إثر امتناع الشخص المسلمة  إليه القطعة دفع الواجبات المستحقة للورثة، بحكم أن العقار لم يكن قابلا للحجز ولا للتفويت طبقا لمقتضيات الفصل 14 من الظهير المذكور، وهذا يعني البحث عن أموال أخرى يملكها المستفيد لإخضاعها لمسطرة الحجز وهو أمر يكون مستعصيا في عدة أحيان، وبعد دخول القانون 01-06 حيز التطبيق، فإن العقارات المعنية لا يمكن أن تشكل ضمانا حقيقيا لإستخلاص المبالغ المستحقة على المستفيد قبل الحصول على شهادة رفع اليد، حيث تظل هذه العقارات غير قابلة للتفويت أو الحجز، أما بعد الحصول على شهادة رفع اليد فالمستفيد يمكنه التصرف في عقاره كأي مالك أنداك يمكن أن يشكل العقار ضمانا لأداء هذه المبالغ[23]، على أنه وكيفما كان الأمر ونظرا للمشاكل التي ترتبت على سياسة الإصلاح الزراعي في الشق المتعلق بتوزيع الأراضي الفلاحية المتأتية من الملك الخاص للدولة، فإن وزارة الفلاحية تقدمت بمشروع قانون رقم 14 -13 يقضي بتسوية وضعية الفلاحين المستفيدين من أراضي فلاحية أو قابلة للفلاحة المتأتية من الملك الخاص للدولة، وأبرز المستجدات التي جاء بها هذا المشروع ما نص عليه الفصل 13 الذي فتح المجال أمام الورثة ليحلوا محل مورثهم المستفيد من التوزيع وفق قواعد الإرث بدل اقتصار الاستفادة على وارث واحد يقوم بتعويض باقي الورثة نقدا شعورا من المشرع بحجم الضرر الذي يلحق بورثة المستفيد.

وإذا كان هذا التوجه يبدو ضروريا، فاعتقد أنه موازاة مع ذلك يجب اتخاذ الإجراءات القانونية الموازية والتي من شأنها أن تمنع تفتيت الملكية العقارية، كما هو الشأن بالنسبة للمقتضيات المعمولبها في إطار المناطق الخاضعة لضم الأراضي الفلاحية.

وتبقى أيضا من أهم المستجدات التي جاء بها المشروع تتمثل في تسوية وضعية الفلاحين الذين سبق اقتراح اسقاط حقهم، أو إعادة منحهم قطعا أرضية شاغرة على إثر إسقاط الحق أو التخلي أو الوفاة، والتي لم يتم تفعيل الإجراءات المتعلقة بها بسبب عدم التوقيع على عقد التخلي أو عدم التوقيع على محضر لجنة العمالة أو الإقليم من قبل جميع أعضائها أو عدم بيان أسباب اسقاط حق بعض المستفيدين من طرف اللجنة المذكورة.

إن الهدف الذي جاءت من أجله هذه المقتضيات يتمثل في تصفية بعض الأوضاع التي ظلت عالقة إثر عملية التوزيع التي تمت في ظل ظهير 1972، حيث تم حصر عمل اللجنة الإقليمية في دراسة الحالات العالقة للمستفيدين الذين سبق اقتراح اسقاط حقهم أو إعادة منحهم قطعا أرضية شاغرة على إثر إسقاط الحق أو التخلي أو الوفاة.

وعلى هذا الأساس جاء الفصل السادس من المشروع ليحسم في بعض الملفات العالقة عندما أكد على أن مسطرة اسقاط الحق طبقا للفصلين 24 و25 من ظهير 1972 تباشر في مواجهة المستفيدين الأصليين الذين سبقوا لهم أن تخلوا بصفة فعلية عن القطع الممنوحة لهم، دون أن يكونوا قد وقعوا على عقود التخلي والتي قدم الفلاحون الذين يستغلون فعليا تلك القطع طلبات للاستفادة التي تم توجيهها إلى اللجنة التي تسهر على عملية التوزيع طبقا للفصل 7 من ظهير 1972، حيث تكون هذه الأخيرة أبدت رأيها بالموافقة أو  لم يتم البت فيها لعدم التوقيع على عقود التخلي من طرف المستفيدين الأصليين.

 أما بالنسبة للقطع التي لم يسبق تقديم أي طلب للاستفادة، أو كان الطلب  غير مستوف لشروط الاستفادة المنصوص عليها في الفصل الخامس من ظهير 1972، فإن الدولة تسترجع هاته القطع وأموال التجهيز اللازمة لاستغلالها وتصبح غير خاضعة لهذا القانون.


[1]–  الجريدة الرسمية رقم 2456 بتاريخ 20 نونبر 1959

[2]– خليفة الوهابي: المشكل الزراعي وسياسة توزيع الأراضي الفلاحية بالمغرب رسالة لنيل دبلوم السلك العالي للمدرسة الوطنية للإدارة العمومية 1975، ص: 105.

[3]– محمد زعاج : آثار تعدد التشريعات والأنظمة العقارية و التوثيقية على السياسة العقارية بالمغرب، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص وجدة،2016، ص: 172.

[4]– محمد زعاج: أطروحته، ص: 173.

[5]– الجريدة الرسمية عدد 3178 بتاريخ 26 شتنبر 1973، كما تم تغييره وتتميمه بواسطة القانون 06.01، الصادر بشأنه الظهير رقم 1.04.252 بتاريخ 7 يناير 2005. الجريدة الرسمية 5282 بتاريخ 13 يناير 2005.

[6]– لقد تبنت الدولة استراتيجية هامة  لتوفير الاحتياطيات العقارية اللازمة خاصة عبر إنشاء الصندوق الوطني لشراء وتجهيز الأراضي، تبسيط مسطرة نزع  الملكية، وسن نظام الشفعة لفائدة الدولة والجماعات المحلية راجع، محمد الوكاري، ص: 339.

[7]– راجع المرسوم الملكي المؤرخ في 4 يوليوز 1966  بتطبيق القانون 267-66 ج ر 2801 مكرر بتاريخ 9 يوليوز 1966.

[8]– محمد زعاج: أطروحة، ص: 187.

[9]– محمد زعاج: أطروحة، ص: 187.

[10]– يتعلق الأمر بالظهير 1.04.252 الصادر بتاريخ 7 يناير 2005 بتنفيذ القانون  06.01، ج ر 5282 بتاريخ 13 يناير 2005.

[11]– راجع الفصل الأول من المرسوم رقم 107-01-2 الصادر بتاريخ 25 يوليوز 2006 بتطبيق القانون 05.01 المتعلق بتفويت بعض القطع الأرضية الفلاحية أو القابلة للفلاحة من ملك الدولة الخاص، ج ر عدد 5446 بتاريخ 10 غشت 2006.

[12]– انظر الحكم رقم 1115/1912/2013 مكرر الصادر عن المحكمة الإدارية بمكناس بتاريخ 10/10/2013، (غير منشور).

الحكم رقم 512/1912/2013 الصادر في المحكمة الإدارية بمكناس بتاريخ 10/12/2013، (غير منشور)

[13]– الأمر رقم 3571-9-13 الصادر عن رئيس المحكمة الإبتدائية بمكناس بتاريخ 12/9/2013.

[14]– الأمر رقم 646-9-13 الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بتاريخ 14/2/2013.

[15]– راجع عبد العالي دقوقي: التقييدات الواردة على مطلب التحفيظ في إطار الفصل 84 من ظهير التحفيظ العقاري، المنازعات العقارية، سلسلة  دراسات وأبحاث، العدد -، 2015، ص 125.

[16]– نشير إلى أنه بمقتضى القانون 14.07 وطبقا للفقرة الأخيرة من الفصل 86 أصبح من اختصاص رؤساء المحاكم الابتدائية إصدار أوامر بالتشطيب على التقييدات الاحتياطية بشكل عام

[17]– رسالة المحافظ العام رقم 437 بتاريخ 26/1/2007  موجهة إلى المحافظ على الأملاك العقارية بفاس

– رسالة المحافظ العام رقم 3580 بتاريخ 29/6/2006  موجهة إلى المحافظ على الأملاك العقارية بزواغة–مولاي عقوب-

[18]– يتعلق الأمر بالظهير الشريف 1.04.253 الصادر بتاريخ 7 يناير 2005 بتنفيذ القانون 01-07 القاضي بتغيير وتتميم الظهير 1.72.278 بتاريخ 29 دجنبر 1972 بمثابة قانون يتعلق بالتعاونيات الفلاحية ( ج ر 5282 بتاريخ 13 يناير 2005)

[19]– الحكم رقم 398 الصادر عن المحكمة الابتدائية بفاس بتاريخ 11/10/2007 ملف عقاري 403/2006 (غير منشور).

[20]– الحكم رقم 398 الصادر عن المحكمة الابتدائية بفاس بتاريخ 27/05/2010 ملف  رقم  209-1402-09  (غير منشور).

[21]– الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بمكناس بتاريخ 6/1/2015، ملف رقم 27/5 ج/2013 (غير منشور).

[22]– القرار رقم 1031 الصادر عن محكمة الاستئناف بتاريخ 16/6/2010 ملف 3178/2009/1201 (غير منشور)

[23]– نلاحظ عمليا أن الشخص المسلمة إليه البقعة يلجأ أحيانا إلى إبرام اتفاق عدلي مع باقي الورثة يشهد من خلاله أنه فور تسلم البقعة سيعمل على تقييد باقي الورثة على الرسم العقاري وفق الفريضة الشرعية، وفي هذا الإطار أكدت مجموعة من الأحكام القضائية بطلان جميع الالتزامات التي تقضي باستحقاق حق عيني على هذه العقارات مادام أنها تخالف مقتضيات ظهير 1972 الذي جاء بنظام جديد لمليكة الأراضي الفلاحية  في إطار سياسة الإصلاح الزراعي: انظر على سبيل المثال : الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بمكناس في الملف 2589/2015 بتاريخ 24/11/2015 (غير منشور).