مركز إدريس الفاخوري للدراسات والأبحاث في العلوم القانونية وجدة

تأملات في مقاصد الصياغة التشريعية الجديدة للقانون رقم (107.12)  الرامي لإصلاح القانون رقم (44.00)  المتعلق ببيع العقارات في طور الإنجاز

د. عبد القادر العرعاري

 أستاذ التعليم العالي

كلية الحقوق أكدال الرباط

مداخلة ضمن أشغال الندوة الوطنية التي نظمت من طرف المركز يومي 25 و26 نونبر 2016 تحت عنوان :”العقار والتعمير والاستثمار” بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة وذلك بمناسبة تكريم أستاذ التعليم العالي الدكتور الحسين بلحساني.

1– يندرج بيع العقار في طور الإنجاز[1] ضمن نماذج العقود التمهيدية التي تسبق إبرام البيع النهائي[2]، وبالرغم من تأخر صدور القانون المنظم لهذا البيع الذي يحمل رقم (00-44) الصادر بتاريخ (3/10/2002)[3] وذلك بعد مرور أزيد من ثلاثين سنة على صدور القانون المتعلق بهذا البيع في فرنسا بتاريخ (3/1/1967) إلا أنه عند التعمق في الفلسفة والجدوى القانونية التي ينبني عليها القانون (00-44) فإننا نلاحظ أن هذا الإصلاح لا يحمل في واقع الأمر من عناصر الجدة إلا الاسم لا غير إذ أنه  في جوهره ما هو إلا تطبيق من تطبيقات بيع الأشياء المستقبلة التي أقر المشرع العمل بها منذ بداية القرن العشرين عندما أكد في الفصل 61 من قانون الالتزامات والعقود قاعدة جواز التعامل في الشيء المستقبلي غير الموجود أثناء إبرام العقد سواء تعلق الأمر ببيع المنقول أو العقار على حد سواء.

2-ونظرا للأهمية التي كان يكتسيها بيع المنقول أثناء وضع قانون الالتزامات والعقود فإننا نلاحظ أن اهتمام المشرع كان منصبا على بيع السّلم[4] كصورة من الصور البارزة للتصرف  في الأشياء المنقولة غير الموجودة أثناء فترة التعاقد ومجمل الأحكام الواردة في الفصول المنظمة لهذا البيع مستقاة في الأصل من الفقه المالكي الذي يرجع له الفضل في بيان شروط بيع السلم وآثاره القانونية المترتبة عنه، وهكذا بقي البيع الوارد على العقار في طور الإنجاز من غير تنظيم بالرغم من تزايد أهميته مع توالي الأيام، إلا أن ذلك لم يكن حائلا دون إقبال الأطراف المعنية به على التعاقد الاختياري على بيع أشياء عقارية مستقبلية وذلك وفقا للقواعد العامة المنصوص عليها في (قانون الالتزامات والعقود) التي تجيز التعامل بهذا النمط التعاقدي[5].

3-وبموافقة البرلمان المغربي على القانون رقم (00-44) بتاريخ (3 أكتوبر 2002) اعتقدنا واعتقد الجميع معنا بأن هذا القانون سيشكل الحد الفاصل بين الانضباط والعشوائية والتنظيم وسوء التنظيم الذي كان يطبع تدوين وتحرير العقود غير الرسمية التي كان يتم بها توثيق البيوع الواردة على العقارات غير الجاهزة أثناء إبرام هذه العقود[6].

إلا أن المسألة التي لم يأخذها المشرع بالحسبان أثناء إصداره لهذا القانون في أواخر سنة 2002 هو أنه في الواقع كان بصدد تحرير شهادة ميلاد لقانون ميت قبل دخوله حيز التطبيق، وبالإضافة لذلك فإن الرقم الذي لم يؤخذ في التوقع لا من طرف المشرع ولا من طرف الخبراء الذين أسندت لهم مهمة تزكية هذا النظام التعاقدي هو عدم تقديرهم لكلفة التقبل الطوعي لهذا النموذج من البيوع المستقبلية، المحاط بالكثير من الضمانات والقيود التي تكشف في واقع الأمر عورات المقاولين والمنعشين العقاريين[7] والباعة المحترفين أمام السلطات الضريبية والمؤسسات الائتمانية الأمر الذي يتعارض طبعا مع مصالح الفآت المتحكمة في سوق العقار سواء كان جاهزا أو في طور الإنجاز.

4-ونتيجة لثقل الأعباء والتحملات التي قد ترهق كاهل المهنيين تجاه زبنائهم من المشترين لمحلاتهم المستقبلية فإن هؤلاء المهنيين فضلوا الرجوع إلى الوراء والاستمرار في توثيق عقود البيع الواردة على العقارات في طور الإنجاز وفقا لأنماط التعاقد التقليدية[8] التي تعفيهم من تحمل الواجبات الضرورية والكفالات والتأمينات البنكية وذلك عملا بالقاعدة المتحكمة في مجال المضاربات العقارية التي يُستفاد منها بأن الربح يتزايد بتزايد وتيرة الإقبال على الاتفاقات والعقود الصورية أو العرفية التي تظل في مجملها بعيدة كل البعد عن المراقبة القانونية والمالية.

-5فما هي الأسباب الحقيقية الكامنة وراء فشل أو عدم تفعيل القانون (00-44)؟ وما هي مقاصد المشروع رقم (12-107) الرامي لإصلاح وتعديل القانون المشار إليه أعلاه الذي أسفر في نهاية المطاف على خلق إطار قانوني جديد ينظم بيع العقار في طور الإنجاز الصادر بتاريخ (3 فبراير 2016)[9]؟ وهل يمكن اعتبار هذه المناورة التشريعية ضمانة كافية على صدق نوايا الأطراف التي ساهمت في إخراج هذا النص الجديد لحيز الوجود؟ أم أن عدم تقبله من طرف المهنيين قد يفضي به إلى انتكاسة تشريعية جديدة أو فشل ثاني قد يتطلب إصلاحا تشريعيا ثالثا وهو لازال لم يدخل حيز التنفيذ بعد الأمر الذي نعتبره بمثابة الاحتمال الأسوأ الذي لا نتمناه لمشرعنا أبدا؟

6-ولتكوين نظرة عامة وشاملة عن هذا الماراطون التشريعي المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز وحتى نضع القارئ أمام الصورة الحقيقية للتطورات التشريعية والفقهية المتعلقة بهذا النمط التعاقدي فإننا ارتأينا التمهيد لذلك بوقفة قانونية في شكل تأملات عند مقاصد المشروع رقم (12-107) الرامي لإصلاح القانون رقم (00-44) وذلك في (مبحث أول) على أن نتناول بعد ذلك مجموع المستجدات الواردة في القانون الجديد الصادر بتاريخ (3 فبراير 2016) والذي يعتبر بمثابة النص الرسمي الحالي المنظم لبيع العقار في طور البناء والإنجاز وذلك في (مبحث ثاني).

المبحث الأول: تأملات في مقاصد المشروع رقم (12-107) الرامي لإصلاح القانون (00-44) المتعلق ببيع العقارات في طور الإنجاز.

7- يمكن القول على أن الاختيار الذي سلكته وزارة السكنى وسياسة المدينة عند إعدادها للمشروع رقم (12-107) كان مجرد واحدٍ من بين الاختيارات الكثيرة التي كان يمكن الإقبال عليها لتفعيل وتقويم مسار القانون (00-44) الذي ظل لفترة زمنية تفوق العشر سنوات من غير تطبيق، فهل يعد هذا النمط من الإصلاح الجزئي[10] لمضامين القانون (00-44) هو أفضل الاختيارات على الإطلاق؟ وما هي فرص نجاحه مقارنة بباقي الاختيارات الممكنة الأخرى التي استبعدتها الجهة الوصية التي تبنت هذا المشروع[11]؟

8-ولفهم هذه الألغاز وإيجاد الأجوبة المقنعة للتساؤلات المطروحة سابقا فإنه ارتأيت الوقوف عند المحاور البارزة التي استهدفها مشروع الإصلاح على اعتقادٍ من الوزارة الوصية بأنها هي التي كانت عائقا أمام تطبيق مقتضيات القانون (00-44) وأن النجاح رهين بتفادي الأسباب التي كانت وراء إخفاق سريان مفعول القانون المشار إليه أعلاه.

وللإحاطة بهذه الإشكالية فإننا سنعرض في (مطلب أول) لأهم التوجهات التي تبنتها وزارة الإسكان وسياسة المدينة كأساس لإعداد المشروع التمهيدي لبيع العقارات في طور الإنجاز على أن نتناول بعد ذلك الفتوى السحرية التي تقدم بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بخصوص هذا الموضوع والتي كان لها دورها البارز في تحسين مستوى جودة محاور المشروع شكلا ومضمونا وسيكون ذلك موضوعا للدراسة في (مطلب ثاني).

المطلب الأول: التوجهات المتحكمة في المشروع الإصلاحي المنظم لبيع العقار في طور الإنجاز

9-بالرجوع إلى نص المشروع رقم (12-107) الذي أعدته وزارة السكنى وسياسة المدينة الرامي لتعديل بنود القانون رقم (00-44) المنظم لبيع العقار في طور الإنجاز فإننا نلاحظ أن هذا النمط من الإصلاح يندرج ضمن سياق التعديلات الجزئية المحدودة التي تستهدف في العمق ترقيع وتلحيم النص الأصلي للقانون المشار إليه أعلاه وذلك بإضافة فقرات جديدة للمواد الأصلية أو إلغاء لبعضها الآخر التي كان يعتقد بأنها هي السبب وراء فشل هذا القانون.

وبلغة الأرقام فإن التعديل يكون قد استهدف 17 نصا من أصل 20 فصلا الواردة في الصياغة الأصلية للقانون رقم (00-44) بينما بقيت ثلاثة فصول أصلية على حالها بالرغم من أنها كانت بدورها مثارا للكثير من الجدل والخلاف على مستوى كل من الفقه والقضاء بخصوص مضامينها القانونية[12].

10-أما بخصوص التوجه المتحكم في الناحية التقنية لنمط الإصلاح فإن المشرع اضطر لتبني سياسة الإصلاح الموضعي المتعلق بكل فصل على حدة وذلك محافظة منه على نفس الترقيم الوارد في النص الأصلي للمشروع الإصلاحي لبيع العقار في طور الإنجاز الأمر الذي دفع بالمشرع في نهاية المناقشات التصحيحية لمضمون المشروع إلى إضافة ثلاث فصول فرعية منشقة عن الفصل الأصلي رقم (618/3) وإعمالا لهذه الضرورة التقنية فإن المشرع اضطر بدوره إلى تكرار الفصل المشار إليه أعلاه ثلاث مرات وذلك بهدف الحفاظ على السقف الإجمالي لعدد النصوص الأصلية الواردة في القانون (00-44) التي كانت في حدود العشرين فصلا المقحمة بدورها ضمن رحم الفصل الأصلي رقم 618 من قانون الالتزامات والعقود.

11-وبالتمعن في طبيعة التعديلات الواردة في المشروع الإصلاحي رقم (12-107) الرامية لتقويم البناء الهيكلي للفصول المستهدفة بالإصلاح فإننا نؤكد بأن غاية الوزارة الوصية من طرح هذا المشروع على أنظار البرلمان كان يهدف بالدرجة الأولى إلى رفع حالة الاحتقان التشريعي التي تخص القانون رقم (00-44) وذلك بتطعيمه بروح الواقعية وإعادة النظر في أصل المعادلة القانونية التي تربط المهنيين بالمشترين للعقارات في طور البناء وتأسيسها على ضوابط جديدة من شأنها أن تعيد التوازن والثقة لهذه العلاقة العقدية المحفوفة بالكثير من المخاطر.

12 ولقد سبق وقلنا بأن القانون رقم (00-44) يعد في الواقع من تشريعات الضرورة الذي يندرج ضمن السياسة التشريعية الهادفة للرفع من قيمة ترسانتنا القانونية لتتقارب مع ما هو متعارف عليه داخل منظومة الاتحاد الأوروبي، ويأتي القانون المشار إليه أعلاه ضمن حزمة أولية من القوانين التي صدرت في بداية الألفية الثالثة كعربون من المشرع المغربي على صدق نواياه والتزامه بالتوجهات الرامية لتفعيل هذا التقارب التشريعي.

ورغم هذا الطموح المبالغ فيه الذي ينبني في عمقه على تحسين صورة المغرب تشريعيا من منظور دول الاتحاد الأوروبي التي نتعامل معها إلا أن المهنيين الذين يسوقون المنتوج العقاري كانت لهم حساباتهم الخاصة بهم التي تنبني على المنفعة الاقتصادية وتحقيق التوازنات المالية لمشاريعهم المرتبطة بالاستثمار في قطاع البناء المخصص للبيع الفوري أو المستقبلي[13].

13-ورغم تعدد الأسباب الكامنة وراء تعثر القانون (00-44) المنظم لبيع العقار في طور الإنجاز إلا أنه يمكن القول بأن التوجهات العامة المتحكمة في المشروع الإصلاحي المنظم لبيع العقار في طور الإنجاز كانت في واقع الأمر هي الوجه المقابل لأسباب فشل أو تعثر القانون المشار إليه أعلاه والتي يمكن اختزالها فيما يلي:

  • تعدد الجهات المعنية بتطبيق هذا القانون؛
  • تعدد الأنظمة العقارية المستهدفة بمقتضى القانون (00-44)؛
  • إحاطة الباعة المهنيين بسياج من الضمانات والتأمينات غير الكافية وغير الفعالة؛
  • رغبة الجهة الوصية على إعداد مشروع الإصلاح في تصحيح وضع قانوني شاذ؛
  • إعادة النظر في أشطر الأداءات الملقاة على عاتق المشتري
  • التخفيف من حدة الأحكام المتعلقة بحق المشتري في التخلي عن حقوقه الشخصية والعقارية.
  • المستقبلية، للغير بشروط مغايرة لما كان منصوصا عليه في القانون الأصلي؛
  • تكريس الطابع الشكلي لعقد البيع الابتدائي.

14-إلا أنه أمام محدودية الإصلاحات المشار إليها أعلاه التي كان يتضمنها المشروع التمهيدي لبيع العقار في طور الإنجاز والتي لا ترقى إلى مستوى الطموحات التي كان يتطلع إليها فرقاء المعاملات العقارية الواردة على المنتوج المستقبلي فإنه تقرر عقد يوم دراسي بمجلس النواب بتاريخ (6 يناير 2014) لمناقشة عناصر وبنود المشروع المشار إليه أعلاه وإثر تباين المواقف بخصوص العناصر التي يتضمنها المشروع وتعارض مصالح المهنيين بخصوصها فقد تقرر عرض المشروع التمهيدي على المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لإغناءه بالأفكار الملائمة قبل عرضه على غرفتي البرلمان للحسم فيه وفقا للمساطر التشريعية المتعارف عليها في هذا الباب

فما هو مضمون هذه الفتوى؟ وما هو تأثيرها على مسار المناقشات بين فرق الأغلبية والمعارضة داخل غرفتي البرلمان.

المطلب الثاني: مضمون الفتوى السحرية التي تقدم بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بخصوص مشروع القانون رقم (12-107)

15-لقد توصل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بتاريخ (29 أبريل 2014) بطلب إبداء الرأي في مشروع القانون المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز وتم إحالة هذه المهمة على اللجنة المكلفة بالقضايا الاقتصادية والمشاريع الاستراتيجية وبعد إنجاز هذه اللجنة للمهمة الموكولة لها تمت المصادقة النهائية على هذه الفتوى خلال الدورة العادية التاسعة والثلاثين للجمعية العامة للمجلس التي انعقدت بتاريخ (26 يونيو 2014).

فقد اعتبر المجلس بأنه رغم كل المؤاخذات التي أثيرت حول القانون رقم (00-44) إلا أنه يعتبر مع ذلك نصا إيجابيا إلا أن هذا النص غير كافٍ حسب الصيغة الأصلية التي وضع بها لمواجهة المشاكل المطروحة بحيث لا يقدر على امتصاص الطلب المتزايد على السكن خصوصا النوعية الاجتماعية منه.

16-وللتحكم في هذا الموضوع فإن المجلس المشار إليه أعلاه بما يملكه من إمكانيات لوجستيكية واسعة، فإنه قام بعقد عدة لقاءت تقنية استشارية متخصصة مع مختلف الجهات المعنية بمقتضيات هذا المشروع بما في ذلك الهيآت الرسمية الوصية على قطاع السكن كوزارة السكنى وسياسة المدينة ووزارة العدل والحريات والوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح الطبوغرافي والخرائطي، وللإحاطة بمختلف جوانب هذه الإشكالية فإنه اضطر إلى تقصي مواقف الأطراف المهنية التي لها ارتباط وثيق بسُوق العقار كالمنعشون العقاريون والوسطاء بين أطراف العقد من بنوك وموثقين ومروجي المنتوج العقار، وبما أن نسبة مهمة من هذه المنتوجات عادة ما تكون موجهة للفئات الاستهلاكية لذلك اضطر المجلس للاستعانة بالمواقف الحمائية التي تناضل من أجلها الجمعيات الاستهلاكية الوطنية لتكريس المزيد من الحماية لفئة المشترين الذين تنطبق عليهم مواصفات المتعاقدين الاستهلاكيين للمنتوجات العقارية.

17- وبالرجوع للخلاصات والتوصيات التي توصل إليها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بخصوص الموضوع الذي طلب منه إبداء الرأي فيه فإنه يمكن القول على أن هذه الفتوى كانت تتضمن توصيات ذات بعد عام[14] وأخرى ذات أهداف خاصة ودقيقة ونظرا لأهمية التوصيات الخاصة التي قدمها المجلس المذكور لمجلس المستشارين بشأن مشروع القانون (12-107) فإننا ارتأينا الوقوف عند مضامينها حتى يتمكن المهتم بموضوع بيع العقار في طور الإنجاز من تتبع آثارها في الصيغة النهائية التي توصل إليها المشرع بتاريخ 3 فبراير 2016.

أولا: دخول عقد التخصيص على الخط للتشويش على العقد الابتدائي لبيع العقار في طور الإنجاز.

ثانيا: ربط حق المشتري في التراجع عن المشروع التعاقدي بمرحلة إبرام عقد التخصيص.

ثالثا: إيصاء المجلس بإحداث ضمانة جديدة لصالح المشتري لتمكينه من تسلم أشغال البناء في الوقت المحدد لذلك.

رابعا: تمكين المشتري من تقييد حقوقه احتياطيا دون حاجة للحصول على موافقة البائع.

خامسا: اقتراح التحكيم كآلية إضافية جديدة للفصل في المنازعات الحاصلة بين البائع والمشتري.

18- وحسب ما هو منصوص عليه في الوثيقة الرسمية للفتوى الصادرة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي فإن التوصيات المشار إليها أعلاه ستساهم حتما في تحقيق الأهداف الآتية:

)أ(المساهمة في إنعاش المشروع العقاري المتعلق بالأبنية غير الجاهزة أثناء إبرام العقد مع تحقيق الإنصاف والعدالة لأطراف هذه العلاقة.

)ب(تبسيط وتوضيح المحاور المشكلة لبيع العقار في طور الإنجاز وتحديد حقوق والتزامات كل المتدخلين في هذا المشروع العقاري الذي تتجاذبه الكثير من المصالح المتعارضة.

)ج(جعل الإطار القانوني لبيع العقار في طور الإنجاز بمثابة الآلية الوحيدة الفعالة التي تضمن حقوق والتزامات المتدخلين في هذه العملية التعاقدية بدءا من المشتري والبائع كأطراف أساسية في هذا البيع مرورا بمؤسسات التمويل وباقي المهنيين الذين لهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة بإنجاز أو توثيق المشروع التعاقدي.

)د(فتح المجال أمام المتعاقدين لاختيار الطريق أو الوسيلة المناسبة لفض المنازعات قضائيا أو عن طريق شرط التحكيم المدرج في عقد البيع الابتدائي.

وبعد تناولنا لهذا المبحث الاول الذي كان لابد منه باعتباره جسرا يربط بين القانونين القديم والجديد فإنه يتعين علينا تناول أهم المستجدات الواردة في الإصلاح التشريعي الحالي الذي يتضمنه القانون رقم (12-107) في صيغته النهائية المصادق عليها بتاريخ 3/2/2016.

المبحث الثاني: القيمة المضافة للقانون (00-44) بمقتضى القانون الجديد رقم (12-107) المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز

19-يمكن القول منذ البداية بأن نمط الإصلاح الذي أقدم عليه المشرع بخصوص القانون الجديد رقم (12-107) يندرج ضمن خانة الإصلاحات الجزئية المحدودة[15] التي استهدف بها المشرع تقويم مسار القانون رقم (12-107) المنظم لبيع العقار في طور الإنجاز، وقد كانت الغاية من وراء هذا التدخل التشريعي الاستعجالي هو معالجة وضع قانوني شاذ يرمي إلى تفادي الأسباب التي كانت وراء فشل وإخفاق القانون القديم وذلك ببث الروح فيه وتفعيله على النحو الذي يضمن ترويج وتسويق المنتوج العقاري غير الجاهز أثناء إبرام العقد الابتدائي.

20-وعند التمعن في طبيعة الإصلاحات التي أدخلها المشرع بمقتضى القانون الجديد رقم (12-107) على مضامين القانون القديم المنظم لبيع العقار في طور الإنجاز فإننا نلاحظ بأن المشرع قد توخى من خلال هذه التعديلات أن يكون الإصلاح شاملا للمستويين الآتيين:

المستوى الأول: بإعادة النظر في جل القواعد والأحكام الأصلية الواردة في القانون (00-44) وذلك بتعديل مضامينها وتحسين وتحيين مردوديتها التشريعية بما يتناسب مع الطموحات والأصداف الاقتصادية والاجتماعية المتوخاة من هذا النظام التعاقدي.

المستوى الثاني: بإضافة بعض القواعد والمبادئ الجديدة للقانون المنظم لبيع العقار في طور الإنجاز والتي أفرزتها وتيرة الإصلاحات المتتالية التي عرفتها المنظومة التشريعية المغربية بفعل تنامي ثقافة حماية المستهلك كحق المشتري في التراجع عن المشروع التعاقدي وحصوله على ضمانة لإنهاء الأشغال في وقتها المتفق عليه، وذلك بالإضافة لتعزيز الضمانات التقليدية، بضمانات جديدة سواء تعلقت بموضوع العقد أو بالإجراءات المفضية للبت في المنازعات العقارية قضائيا أو عن طريق التحكيم.

ونظرا لأهمية هذه المستجدات الواردة في القانون المشار إليه سابقا فإننا سنتناولها بشيء من التفصيل في المطلبين الآتيين:

المطلب الأول: التعديلات الواردة في القانون رقم (12-107) التي كان لها أصل ثابت في القانون القديم رقم (00-44).

21-نتيجة لغموض أو عدم وضوح الكثير من المفاهيم القانونية التي كان منصوصا عليها في القانون رقم (00-44)[16] والتي كانت سببا في تعطيل العمل بمقتضيات هذا القانون لما يفوق العشر سنوات من إصداره في بداية الألفية الثالثة فإن المشرع اضطر لإعادة النظر في جل المفاهيم القانونية وفقا لمنظور جديد توخى من خلاله تقريب الهوة  بين المصالح المتعارضة لطرفي عقد بيع العقار في طور الإنجاز وذلك لتحفيزالباعة المهنيين والمشترين للمنتوجات العقارية على بناء الثقة فيما بينهم كشرط أساسي لتفعيل المقتضيات الجديدة بما يتلاءم مع الأهداف المتوخاة من هذا النموذج التعاقدي.

22-ويمكن لنا الاستدلال على هذا النوع من التعديلات التي حسن بها المشرع مضامين النصوص الأصلية التي وردت في القانون القديم بما يلي:

  • إضفاء المزيد من القوة والمصداقية على مضامين العقود الابتدائية؛
  • ضبط حدود التقييدات الاحتياطية التي تضمن للمشتري حقوقه العقارية المؤقتة.
  • الترخيص للمشتري في التخلي عن حقوقه للغير دون ضرورة للحصول على موافقة البائع؛
  • إعادة النظر في جدولة وأنماط الدفعات التي يتعين على المشتري الوفاء بها لصالح البائع؛
  • الرفع من سقف التعويضات المستحقة للطرف المتضرر سواءً كان مشتريا أو بائعا عند الإخلال بالالتزامات العقدية، فما هو مضمون هذه التعديلات الجديدة؟ وما هي القيمة التي أضافها المشرع للبنود الأصلية بمقتضى هذه الإصلاحات.

أولا: إضفاء المزيد من القوة والمصداقية على مضامين العقود الابتدائية لبيع العقار في طور الإنجاز[17].

23-نظرا لهشاشة مضمون الالتزامات والبيانات التي اشترطها المشرع لإبرام العقد الابتدائي وفقا لما كان منصوصا عليه في الفصل (618/3) من القانون (00-44)[18] فإن نية المشرع انصرفت هذه المرة إلى تقوية هذه المضامين والتشدد في البيانات الواجب إقحامها في صلب العقد الابتدائي الذي يعد مرحلة مفصلية هامة في هذا النموذج العقدي الوارد على العقارات غير الجاهزة أثناء إبرام هذه العقود التمهيدية.

وبإجراء مقارنة بين النصين القديم والجديد المنظمين لهذا البيع العقاري المستقبلي فإننا نستخلص ما يلي:

(أ) تكريس القانون الجديد لمبدأ الطابع الشكلي لعقد البيع الابتدائي.

24-مراعاة لأهمية الالتزامات التي يتضمنها العقد الابتدائي لبيع العقار في طور الإنجاز فإن القانون الجديد رقم (12-107) سار على نفس نهج القانون القديم (00-44) عندما أكد هذا الطابع الشكلي في المادة (618/3) التي أوجبت إبرام عقد البيع الابتدائي في محرر رسمي أو محرر ثابت التاريخ[19] يتم توثيقه من طرف شخص ينتمي لمهنة قانونية منظمة[20] وإذا كانت الأمور واضحة بالنسبة لشريحة المحامين المقبولين للترافع أمام محكمة النقض فإن باقي الشرائح الأخرى التي يحق لها تولي هذه المهام التوثيقية تتوقف على ضرورة استصدار نص تنظيمي[21] يحدد شروط تقييد هؤلاء المهنيين ضمن اللائحة السنوية المشار إليها سابقا.

)ب(تكثيف القانون الجديد لحجم البيانات الإلزامية التي تعزز مصداقية وقوة العقد الابتدائي.

25– رغم طابعه المؤقت فإن العقد الابتدائي الذي يبرم لغاية محددة ينتهي بانتهائها فقد يتحول إلى بيع نهائي مكسب للملكية لمشتري المستقبل، وقد ينتهي قبل هذا التاريخ بتدخل من المحكمة أو مؤسسات التحكيم في الحالات التي يحق فيها لهذه الجهات إنهاء العقد الابتدائي بطلب من أحد الأطراف أو هما معا.

إلا أنه رغم طابعه الانتقالي فإن التشريعات المعاصرة التي نظمت أحكام هذا العقد نلاحظ أنها قد أولته عناية خاصة ولم يخرج القانون المغربي الجديد عن هذه القاعدة إذ أنه أحاطه بالكثير من الاهتمام وألزم المتعاقدين بتحري الدقة في إدراج البيانات التفصيلية التي تحدد التزامات وحقوق المتعاقدين فقد توخى القانون الجديد تفادي النقص الذي كان يشوب الصيغة الأصلية لمضمون الفقرة السابقة من الفصل (618/3) في القانون (00-44) التي حدد فيها المشرع مجموع البيانات الإلزامية التي يتعين إدراجها في صلب العقد الابتدائي إلا أنه نظرا للخلل الواضح في تركيبة ومضمون هذه العناصر فإن القانون الجديد اضطر إلى مراجعة هذه البيانات وإعادة ترتيبها بنوع من الدقة في الفصل (618/3مكرر).

26-فبالإضافة للبيان المتعلق بهوية الأطراف وتحديد محل المخابرة معهم فإنه يتعين ذكر رقم الرسم العقاري الأصلي إذا تعلق الأمر بعقار محفظ أو الإشارة لمراجع ملكية العقار غير المحفظ وذلك كله مع تحديد الحقوق العينية والتحملات والارتفاقات المتعلقة بهذه العقارات.

وفضلا عن البيانات الأخرى التي كان منصوصا عليها في القانون (00-44) كتاريخ ورقم رخصة البناء وتحديد موقع العقار محل البيع مع ما يتطلبه ذلك من ذكر لمراجع الضمانات والكفالات البنكية والتأمينات المخصصة لاسترجاع الأقساط المؤاداة من طرف المشتري في حالة عدم تنفيذ البائع لالتزاماته العقدية فإن القانون الجديد (12-107) حاول إثقال العقد الابتدائي ببيانات إضافية جديدة لهذا العقد من ذلك على وجه الخصوص ما يلي:

  • ضرورة تحديد ثمن البيع النهائي للمتر المربع وكيفية الأداء وعندما يتعلق الأمر باقتناء عقار من صنف السكن الاجتماعي فإنه يتعين ذكر الثمن الإجمالي للوحدة حسب ما تحدده التشريعات الجاري بها العمل بخصوص بيع هذا المنتوج العقاري؛
  • ضرورة الإشارة لمراجع ضمانات استرجاع الأقساط المؤداة في حالة إخلال البائع بالتزاماته القانونية أو تقديم ضمانة إنهاء الأشغال أو التأمين المخصص لتغطية هذه المخاطر.
  • ضرورة الإشارة لهوية العقار من حيث الخصوصيات الذاتية والموقع والمساحة التقريبية له، غير أننا نعتقد بأن استعمال المشرع لمثل هذا المصطلح العام المتعلق بالمساحة التقريبية للعقار محل البيع سيؤدي حتما لنشوب الكثير من الخصومات  حول مضمون هذه المساحة التي عادة ما يحصل التلاعب بها لخدمة مصالح المهنيين والباعة المحترفين لذلك فإننا نتوقع أن يكون هذا البيان مثارا للكثير من الجدل والاختلاف بين طرفي العلاقة العقدية مستقبلا.

ثانيا:-إدخال المشرع لنوع من المرونة على حق المشتري في تقييد حقوقه المؤقتة احتياطيا[22].

27-لقد كان ولا يزال موضوع التقييد الاحتياطي المرتبط ببيع عقار في طور الإنجاز من الموضوعات التي أسالت الكثير من الحبر بخصوص أساس مشروعية نطاق هذا التقييد ومداه، ومن الأمور التي ساهمت في تعقيد وغموض مبدأ التقييد الاحتياطي الذي خوله المشرع للمشتري في الفصل (618/10) من الصياغة الأصلية للقانون (00-44) هو ضرورة حصوله على موافقة مسبقة من البائع كشرط أساسي للاستفادة من مضمون هذا التقييد الاحتياطي لحقوقه المهددة بالضياع، ونتيجة للصعوبات التي كانت تعترض المشتري في انتزاعه لهذه الموافقة الصريحة أو الضمنية فإن مضمون الفصل المشار إليه أعلاه كان بمثابة حق أريد به باطل لاستناد هذا الحق لمحظ اختيار وموافقة البائع[23]، وقد ساهم هذا الوضع الشاذ إلى حد كبير في تعطيل العمل بمقتضيات مؤسسة التقييد الاحتياطي وفقا للأهداف المتعارف عليها في الفصل 85 من ظهير التحفظ العقاري المعدل بمقتضى القانون (07-14).

28-ولإيجاد مخرج قانوني لهذه المشكلة فإن القانون الجديد المنظم لبيع العقار في طور الإنجاز رقم (107,12) أوجد حلا توافقيا يُرضي الطرفين البائع والمشتري على حد سواء وذلك باستبعاد هذا القانون في الفصل (618/10) للشرط المتعلق بضرورة موافقة البائع على إجراء التقييد الاحتياطي، إلا أن استفادة المشتري بهذا الحق تظل مرهونة بتجاوز سقف التسبيقات التي قدمها المشتري للبائع حدود (50%) من ثمن البيع الإجمالي وذلك بهدف قطع الطريق أمام المشترين الذين لا تتجاوز دفعاتهم الحد المشار إليه أعلاه، وبناء على مضمون هذا الفصل فإن مفعول التقييد الاحتياطي الذي تم فيه احترام الشرط المشار إليه في الفصل (618/10) يظل ساريا إلى غاية تقييد عقد البيع النهائي في العقار باسم المالك الجديد وذلك بهدف الحفاظ المؤقت على حقوق المشتري حسن النية، وكل شرط مخالف لذلك إلا ويكون باطلا.

ثالثا:-التلطيف من حدة الفصل (618/13) المتضمن لحق المشتري في التخلي عن حقوقه للغير.

29-يمكن القول على أن الجهة الوصية على وضع مشروع القانون (12-107) استعملت الحق المنصوص عليه في الفصل (618/13) كورقة للضغط على المشرع لجس نبضه بخصوص سقف الرهان والطموح الذي كانت تهدف إليه عندما اشترطت موافقة البائع كأساس قانوني لجواز تخلي المشتري عن حقوقه للغير، وبذلك تكون الجهة الوصية عن قطاع التعمير وسياسة المدينة قد تراجعت عن مستوى الحد الأدنى من الحماية الذي كان مقررا في إطار الصياغة الأصلية لنص الفصل (618/13) من القانون القديم (00-44).

30-ويرجع الفضل لفرق المعارضة التي استطاعت التحكم في منحنى النقاش وتوجيهه في الاتجاه الذي يخدم مصلحة المشتري، وبذلك تم الاعتراف له ضمن هذا الفصل بحقه في التخلي عن حقوقه للغير بمقابل أو بدون مقابل[24]، غير أن مفعول هذا التخلي لا يسري في مواجهة البائع إلا بتبليغه وإخباره بإحدى الطرق المعتمدة قانونا[25]وللاعتداد بمفعول هذا التخلي فإنه يتعين أن يرد في الشكل والكيفية الذين يتم بهما إبرام عقد التخصيص أو العقد الابتدائي المشار إليهما في الفصول (618/3) (618/3 مكرر مرتين)، وباستكمال هذا التخلي لشروطه الشكلية والموضوعية فإن حقوق والتزامات البائع تنتقل بقوة القانون إلى المشتري الجديد باعتباره خلفا خاصا للمشتري القديم وذلك إعمالا للقواعد العامة المستخلصة من نص (الفصلين 189 و229) من قانون الالتزامات والعقود الذين يؤكدان سريان آثار العقد في حق الخلف الخاص لا فرق في ذلك بين الحالات التي يكون فيها مصدر الاستخلاف حوالة أو غيرها من التصرفات الأخرى الناقلة للحقوق والديون للغير بمقابل أو بالمجان.

رابعا: إعادة النظر في نمط وشكل الدفعات التي يتعين على المشتري أداءها للبائع:

31-يمكن الجزم على أن طريقة أداء الثمن الإجمالي لبيع العقار في طور الإنجاز الملقاة على عاتق المشتري تجاه البائع كانت محطة للكثير من الاختلافات وتعدد الآراء بين نواب الأمة معارضة وموالاة، ولم يحصل بخصوصها التقيد بتوجيهات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المتعلقة بمضمون الفصل (618/6) إلا في جزء بسيط من هذه الجدولة الجديدة ويرجع السبب في ذلك إلى تضارب المصالح المتعلقة بأداء واستخلاص هذه المبالغ وفقا لهذه الجدولة أو تلك، فبعد أن عمد المشرع سابقا إلى تبسيط طرق هذا الأداء في إطار الصياغة الأصلية لنص الفصل (618/6) من القانون (00-44) مخيرا أطراف العقد بين تحديد هذا الأداء بالتراضي أو الاحتكام إلى قاعدة الأداء الثلاثي حسب نسب تقديم الأشغال على مستوى أساسات الطابق الأرضي أو إنجاز الأشغال الكبرى لمجموع العقار على أن تكون الدفعة الأخيرة عند الانتهاء من إنجاز البناء وتسلم المفاتيح.

32-وبالرجوع لصيغة المشروع الذي أعدته وزارة السكنى وسياسة المدينة فإننا نلاحظ بأن هامش حرية الأطراف في تحديد طرق الأداء أصبحت ضيقة جدا لا تتجاوز نسبة (75%) من الثمن الإجمالي التي يحق لأطراف العقد الاتفاق فيما بينهم على كيفية أدائها أما الربع الباقي فهو موزع بين ضرورة أداء المشتري لنسبة (5%) كدفعة أولى عند إبرام العقد الابتدائي وأداءه لنسبة (20) عند تسلم المفاتيح. أما المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في إطار الاستشارة التي طلبت منه فقد كان له رأي آخر بخصوص هذه الدفعات حيث رفع من حجم النسبة التي يحق فيها للأطراف الاتفاق فيما بينهم على طرق تحديدها إلى (80%) من الثمن الإجمالي للبيع وإلزام المشتري بأداء نسبة (5%) عند إبرام عقد التخصيص و(15%) عند إبرام العقد الابتدائي.

33-وأمام هذا التباين في الآراء المتعلقة بطرق أداء الثمن الإجمالي لعقد بيع العقار في طور الإنجاز واحتكاما لقاعدة التوافقات داخل قبة البرلمان فإن المشرع تبنى في نهاية المطاف اقتراح الأغلبية بما يشبه الإجماع كأساس جديد لصياغة مضمون الفصل (618/6) من القانون (12-107) الذي يلتزم المشتري بمقتضاه بأداء النسب الآتية:

  • (5%) عند إبرام عقد التخصيص
  • (5%) عند إبرام العقد الابتدائي أو (10%) عند عدم وجود عقد للتخصيص[26]
  • (10%) عند بداية الأشغال
  • (60%) مقسمة على ثلاث مراحل تؤدى حسب اتفاق الاطراف عند الانتهاء من إنجاز أشغال كل مرحلة على حدة، وترتبط هذه الأداءات الاتفاقية تقليديا بالمراحل الثلاثة الآتية:
  • مرحلة إنجاز الأشغال على مُستوى الطابق الأرضي
  • مرحلة إنجاز الأشغال الكبرى لمجموع العقار
  • مرحلة إنهاء أشغال البناء والحصول على رخصة السكن أو شهادة المطابقة
  • (20%) عند إبرام البيع النهائي وتسلم المفاتيح.

خامسا: مراجعة القانون الجديد لنِسب التعويضات القانونية المستحقة للطرف المتضرر بسبب الفسخ.

34-يعتبر موضوع التعويض المستحق للطرف المتضرر من عقود البيع الواردة على عقار في طور الإنجاز من الموضوعات الدقيقة والشائكة التي احتد الخلاف بخصوصها بين فرق الأغلبية المعارضة[27] وذلك لارتباط هذا الموضوع بمصالح الطرفين معا، ودفعا لكل مزايدة أو مساومة تشريعية فإن مختلف الأطياف السياسية اتفقت على ضرورة تحديد هذا التعويض تشريعيا وعدم ترك هذا التحديد بين يدي السلط التقديرية لقضاة الموضوع التي تختلف باختلاف الأشخاص وما يملكونه من قناعات بخصوص حجم ونسب هذه التعويضات.

ورغم تركيز اهتمام المشرع على مراجعة مضمون الفصل (618/14) المتعلق بالتعويض المستحق للطرف المتضرر من الفسخ إلا أن فهم مضمون هذا الفصل يحتاج في واقع الأمر إلى فهم الكثير من الفصول الأخرى المكملة له التي أحالنا عليها المشرع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

ولفهم الفلسفة التشريعية التي يقوم عليها إصلاح موضوع التعويضات المستحقة للطرف المتضرر، بسبب الفسخ فإنه ارتأينا توضيح ما يلي:

(أ) اقتصار التدخل التشريعي على إصلاح نظام التعويضات المستحقة للطرف المتضرر بسبب الفسخ دون غيرها من التعويضات الأخرى.

35-هناك الكثير من التعويضات القانونية التي ورد النص عليها في القانون المنظم لبيع العقار في طور الإنجاز، وبعض هذه التعويضات له ارتباط بواقعة التأخر في تنفيذ الالتزامات المتقابلة لكل من البائع أو المشتري أو هما معا، أما البعض الآخر فله ارتباط بفسخ عقود البيع التمهيدية أو الإبتدائية وقد اقتصر الإصلاح على النوع الثاني من التعويضات دون النوع الأول الذي سيظل خاضعا لأحكام الفصل (618/12) من القانون (00-44) الذي بقي على حاله دون مراجعة[28].

(ب) الرفع من حجم التعويضات المستحقة عن الفسخ للطرف المتضرر:

36-بعد أن كان حجم هذا التعويض القانوني وفقا لمضمون الفصل (618/14) من القانون القديم منحصرا في حدود نسبة (10%) من ثمن البيع الإجمالي فإن القانون الجديد رفع من حجم هذه النسبة وجعلها ترتبط بالمرحلة التي وصل إليها إنجاز مشروع البناء وذلك على التفصيل التالي:

  • (15%) من المبالغ المؤداة إلى حين الانتهاء من الأشغال الكبرى لمجموع العقار[29]
  • (20%) من المبالغ المؤداة إلى حين الانتهاء من الأشغال النهائية والحصول على رخصة السكن أو شهادة المطابقة.

ولفهم مضمون الفصل (618/14) في صيغته الحالية فإنه يتعين الإدلاء بالملاحظات الآتية:

37-الملاحظة الأولى: أن عملية ربط المشرع بين حالة الفسخ المترتبة عن إبرام عقد التخصيص يتعين فيهما في إطار خصوصية الأحكام المنظمة لهذا العقد التمهيدي الذي يخول للمستفيد منه إمكانية ممارسة حق التراجع عن المشروع التعاقدي داخل الأجل المخصص لذلك دون تحميل المتراجع عن هذا العقد لأي تعويض وهذا ما أشار إليه المشرع في نهاية نص الفصل (618/14) عندما أكد بأن المشتري يعفي من أداء التعويض إذا تم الفسخ[30] قبل انتهاء أجل الثلاثين يوما الموالية لتاريخ إبرام عقد التخصيص، لذلك يتعين فهم عقد التخصيص المشار إليه في بداية الفصل المنصوص عليه أعلاه بأنه العقد الذي استنفذ فيه المشتري حقه في التراجع ولا يكون الأمر كذلك إلا بعد انصرام أجل الثلاثين يوما على إبرام هذا العقد.

38-الملاحظة الثانية: أن نسب التعويض الجديدة المشار إليها في الفصل (618/14) التي تتراوح بين (15%) و(20%) تختلف باختلاف مراحل إنجاز مشروع البناء، وكلما حصل التقدم بخصوص هذا الإنجاز إلا وكانت الأضرار مرتفعة بالنسبة للطرف المُتضرر لذلك ميز المشرع بين مرحلتي الانتهاء من إنجاز الأشغال الكبرى ويكون التعويض المستحق للمتضرر محددا في نسبة (15%) من المبالغ المؤاداة إلى غاية هذه المرحلة من مراحل البناء، أما إذا تم الانتهاء من تشييد البناء كليا وحصل البائع على رخصة السكن أو شهادة المطابقة فإن فسخ العقد في ظل هذه المرحلة يستوجب أداء المخل بالعقد لنسبة (20%) من المبالغ المؤداة لغاية هذه المرحلة النهائية.

وبذلك يكون المشرع قد تجاوز عقبة الصياغة القديمة لنص الفصل المشار إليه أعلاه التي كانت تربط نسبة (10%) من التعويض بالثمن الإجمالي للعقد النهائي، إذ لا تخفى المخاطر التي كانت تهدد الطرف المخل بالالتزام التعاقدي عندما يحصل هذا الإخلال في المراحل التمهيدية لإنجاز مشروع البناء.

39-الملاحظة الثالثة: هناك الكثير من الركاكة المخلة بالمعنى التي وقع فيها المشرع أثناء صياغته للفقرة الثانية من الفصل (618/14) التي خول بمقتضاها للمشتري إمكانية المطالبة بفسخ عقد البيع الابتدائي أو عقد التخصيص في سياق هذا النص التشريعي إذا تجاوز البائع الأجل المتفق عليه لتسليم العقار للمشتري وفي هذه الحالة يستحق المشتري تعويضا محددا في (20%) من المبالغ المؤداة فهذه الحالة مجرد واحدة من الحالات التي ينطبق عليها الحكم العام الوارد في الفقرة الأولى من نص الفصل (618/14) باعتبار أن التأخر غير المبرر في إنجاز أشغال البناء ما هو إلا مظهر من مظاهر إخلال البائع بالتزاماته العقدية، وبالتالي فهو ينطبق عليه ما ينطبق على غيره من الحالات المشابهة من أحكام، غير أن المشرع عبر عن هذه الغاية بصياغة ركيكة وضعيفة ولا فائدة منها عندما أشار في صدر هذه الفقرة إلى أحقية المشتري في المطالبة بفسخ العقد “دون التحمل بأي تعويض” ليأتي في نهاية هذه الفقرة فيؤكد لنا بأن المشتري “له الحق في المطالبة باستحقاق التعويض” المحدد في (20%) من المبالغ المؤداة، وفي اعتقادنا المتواضع فإن الفقرة الثانية من الفصل المذكور أعلاه كان يتعين الاقتصار فيها على ذكر الحالة الاستثنائية التي يتأخر فيها البائع عن إنجاز المشروع لأسباب وجيهة وفقا لمضمون الاستثناء الذي قرره المشرع في المادة (618/7) من نفس القانون ولا شيء غير ذلك.

40-الملاحظة الرابعة: مراعاة لبعض الحالات الاستثنائية غير الخاضعة لأحكام الفصل (618/14) فإن المشرع اضطر للإحالة على بعض الأحكام الخاصة الواردة في القانون الجديد والتي لا تخضع لنسب التعويض المنصوص عليها في الفصل السابق ويتعلق الأمر بالحالتين الآتيتين:

 41-الحالة المذكورة في الفقرة الثانية من الفصل (618/7) من القانون الجديد التي خول فيها المشرع للبائع إمكانية الاستفادة –عند الاقتضاء[31]– من أجل إضافي لإتمام أشغال البناء لا تتجاوز مدته ستة أشهر مع إخبار المشتري بذلك قبل انصرام أجل إتمام هذه الأشغال بشهر واحد[32].

ففي مثل هذه الحالة التي يتأخر فيها البائع عن إنجاز مشروعه لأسباب مبررة اقتضت منحه أجلا إضافيا لإتمام أشغال البناء فإنه لا مجال لاستحقاق المشتري للتعويض المنصوص عليه في الفصل (618/14) المذكور سابقا.

42- الحالة الواردة في الفصل (618/19) من نفس القانون المتعلقة برفض أحد طرفي العقد إتمام البيع داخل أجل الستين (60) يوما الموالية لتاريخ التوصل بإشعار المشتري بانتهاء الأشغال فإنه يحق للطرف المتضرر سواءً كان بائعا أو مشتريا المطالبة بفسخ العقد بقوة القانون تطبيقا لأحكام الفصل 260 من قانون الالتزامات والعقود مع حفظ حقه في المطالبة بالتعويض المنصوص عليه في الفصل (618/14) أو المطالبة بإتمام البيع مع التعويض إن كان له موجب وذلك وفقا لمضمون الفصل المشار إليه أعلاه، ويمكن البت في مصير هذه الطلبات عن طريق المحكمة أو الجهة التي تم تحكيمها بالاتفاق بين البائع والمشتري في جوهر النزاع.

ويعتبر الحكم النهائي القاضي بإتمام البيع بمثابة عقد بيع نهائي قابل للتنفيذ في التسجيل العقاري إذا كان العقار محفظا أو إيداعه بمطلب التحفيظ إذا كان العقار في طور التحفيظ. (الفصل 618/19 من القانون الجديد).

43-غير أن ما يعاب على الصياغة النهائية لنص الفصل (618/19) المتعلقة برفض أحد الطرفين لإتمام البيع داخل الأجل القانوني المنصوص عليه في هذا الفصل هو أن المشرع أعاد النظر في تراتبية الحكم الذي كان منصوصا عليه في نفس الفصل من الصياغة القديمة والمستمدة في عمقها من نص الفصل 259 من قانون الالتزامات والعقود التي تخول للدائن عندما يكون المدين في حال مطل إمكانية إجباره على تنفيذ الالتزام أولا مادام تنفيذه ممكنا، فإن لم يكن ممكنا جاز للدائن أن يطلب فسخ العقد ثانيا وله الحق في التعويض في الحالتين.

وفي الوقت الذي تبنى فيه المشروع المقدم من وزارة الإسكان هذا الحل العادل الذي يستند لمنطق الفصل 259 من قانون الالتزامات والعقود فإن فرق الأغلبية تمكنت في نهاية المطاف من تمرير اقتراحها بذكاء فائق الدقة بالشكل الذي يخدم مصلحة الباعة المهنيين ذوي الاختصاص في ميدان ترويج المنتوج العقاري وذلك بإرغام الفرقاء الآخرين باعتماد موقفها الرامي إلى تطبيق متقضيات الفصل 260 من قانون الالتزامات والعقود الذي يتعلق بحالة الاتفاق المسبق بين المتعاقدين على سريان أحكام الفسخ بقوة القانون عند عدم الوفاء بالالتزامات العقدية وبذلك تمكنت فرق الأغلبية من فرض جدولة جديدة بخصوص الحكم الذي يتعين تطبيقه في حالة الإخلال بمضمون الفصل (618/19) الذي أصبح على الترتيب التالي:

  • المطالبة بفسخ العقد بقوة القانون كاختيار أساسي للمتضرر
  • أو المطالبة بإتمام البيع كاختيار ثانوي له.

 44 -وهذا الترتيب الجديد في الاختيارات المتاحة أمام المتضرر سيعجل لا محالة بنسف العقد وهدمه في الوقت الذي كان يتعين فيه الإبقاء على هذه النواة العقدية بإلزام الطرف المماطل في التنفيذ على إتمام العقد مادام ذلك ممكنا ولا يمكن الانتقال إلى المستوى الثاني من الجزاء إلا إذا تعذر هذا الإنقاذ وذلك كله مع حفظ حق المتضرر في استحقاق التعويض عن الخسائر والأضرار[33]، غير ان هذا الترتيب الجديد لأولويات الأحكام الواردة في الفصل (618/19) في صيغته الجديدة لا تترك أي مجال للعمل بقاعدة “إعمال الكلام خير من إهماله”التي ناضل الفقه والقضاء قديما وحديثا من أجل تثبيتها وغرسها في جسم القانون الوضعي المعاصر.

المطلب الثاني: الإضافات الجديدة الواردة في القانون رقم (107.12) التي ليس لها أصل في القانون القديم.

45-في مقابل المستجدات التي حسّن بها المشرع مستوى حمولة النصوص القديمة التي وردت في النسخة الأصلية للقانون رقم (00-44) المنظم لبيع العقار في طور الإنجاز فإن المشرع حاول انتهاز الفرصة التي أتيحت له لإغناء المشروع المعروض عليه من طرف الجهة الوصية على قطاع السكنى وسياسة المدينة بأفكار جديدة لم تكن معروفة من قبل وقد استوحى المشرع معظم هذه الأفكار من الفتوى التي صدرت عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في هذا الخصوص والتي استمدها بدوره عن الجهات الرسمية التي استشار معها بشأن نمط الإصلاح الملائم للظرفية الحالية.

46-ويعد عقد التخصيص وممارسة المشتري لحقه في التراجع عن مشروع التعاقد فضلا عن تحميل البائع لضمانة إنهاء الأشغال ضمن حدود الأجل والكيفية التي تم الاتفاق عليهما بين الطرفين وفتح المجال أمام المتعاقدين لاختيار الوسيلة المناسبة لفض المنازعات بينهما قضائيا أو عن طريق شرط التحكيم المدرج في عقد البيع الابتدائي من أهم المستجدات التي أضاف بها المشرع قيمة جديدة لصرح المشروع الذي تقدمت به الجهة الوصية على قطاع السكنى.

ونظرا لأهمية هذه المستجدات من الناحية القانونية فإننا سنتناولها بشيء من التفصيل.

أولا: دخول عقد التخصيص على الخط للتشويش على العقد الابتدائي لبيع العقار في طور الإنجاز:

47-يعتبر عقد التخصيص[34] من بنات أفكار المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي التي احتضنها المشرع وأحاطها بالكثير من العناية[35] رغم الطابع الاختياري لإبرام هذا العقد، ولإقحام أحكام هذا العقد في الهيكل العام للقانون الجديد فإن المشرع اضطر لتكرار الفصل 618/3 ثلاث مرات ليتسع لاستيعاب مضامين المستجدات المتعلقة بهذا الإطار الأولي لمشروع ما قبل التعاقد[36].

ولفهم مضمون هذا العقد فإنه يتعين الرجوع لمختلف الإشارات التي وردت في فصول القانون الجديد التي لها علاقة بأحكام هذا العقد، وأول إشارة من المشرع وردت في الفصل (618/3 مكرر مرتين) التي جاء فيها بأنه “يمكن للبائع والمشتري قبل تحرير العقد الابتدائي إبرام عقد تخصيص من أجل اقتناء عقار في طور الإنجاز يحرر إما في محرر رسمي أو في محرر عرفي ثابت التاريخ وفقا للشكل المتفق عليه من الأطراف.

لا يجوز إبرام عقد تخصيص العقار في طور الإنجاز تحت طائلة البطلان، إلا بعد الحصول على رخصة البناء.

يتضمن عقد التخصيص البيانات الواردة في البنود 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7 المنصوص عليها في الفصل 618/3 مكرر أعلاه”.

48-ورغم الطابع الاختياري لعقد التخصيص إلا أن المشرع رتب عليه جملة من الآثار القانونية الهامة التي يمكن إجمالها فيما يلي:

(أ) تبسيط أسلوب إبرام عقد التخصيص وذلك بتمكين الأطراف من الاختيار بين التوثيق الرسمي أو العرفي كأساس لتحرير هذا العقد[37] وذلك خلافا لعقد البيع الابتدائي الذي اشترط فيه المشرع ضرورة تحريره بمقتضى عقد رسمي أو محرر ثابت التاريخ يتم توثيقه من طرف شخص ينتمي لمهنة قانونية منظمة يخول لها قانونها تحرير هذه العقود وذلك تحت طائلة البطلان[38].

(ب) لايمكن إبرام عقد التخصيص إلا بعد حصول البائع على رخصة البناء كشرط أساسي لإبرام هذا العقد والواقع أن المشرع قد تطلب هذا الشرط لإبرام كل العقود التمهيدية سواء تعلق الأمر بعقود التخصيص أو العقود الابتدائية لبيع العقار في طور الإنجاز.

(ج) أنه مراعاة من المشرع لأهمية عقد التخصيص فإنه تطلب فيه أن يكون متوفرا على نفس البيانات الأساسية التي تطلبها لإبرام عقد البيع الابتدائي لعقار في طور البناء عدا البيان المتعلق بتجديد مراجع الضمانات البنكية أو ضمانة إنهاء الأشغال أو التأمين الذي يغطي المخاطر التي تهدد المشتري (الفصل 618/3 مكرر مرتين)

(د) يعتبر عقد التخصيص بمثابة منطلق لأول دفعة ملقاة على عاتق المشتري تجاه البائع وذلك في حدود نسبة (5%) من ثمن البيع الإجمالي، وكل أداء حاصل قبل إبرام هذا العقد إلا ويكون باطلا (الفصلين 618/6 و618/8) من القانون الجديد.

(ه) تمكين المشتري من ممارسة حقه في التراجع عن المشروع التعاقدي داخل مهلة الثلاثين يوما الموالية لإبرام عقد التخصيص (الفصل 618/3 مكرر ثلاث مرات) وبمرور هذه المدة فإن المشتري سيُرغم على احترام المهلة المتبقية من عمر عقد التخصيص التي تفضي لزوما إلى إبرام عقد البيع الابتئدائي[39].

(و) استحقاق الطرف المتضرر سواءً كان بائعاً أو مشتريا للتعويض المترتب عن عدم احترام بنود عقد التخصيص الذي استنفذ فيه المشتري حقه في التراجع داخل مدة الثلاثين يوما المشار إليها أعلاه.

وخارج هذه الفترة الزمنية من عمر عقد التخصيص فإن أحكام التعويض المستحقة عن الإخلال ببنود هذا العقد الموجبة للفسخ تكون في نفس مستوى ونسب حجم التعويض المستحقة عن الإخلال ببنود العقد الابتدائي المنصوص عليها في الفصل (618/14) من القانون الجديد.

ثانيا: ربط حق المشتري في التراجع عن المشروع التعاقدي بمرحلة إبرام عقد التخصيص:

49-نتيجة للضغوطات التي مارستها جمعيات حماية المستهلكين بصورة مباشرة او غير مباشرة على التوجه العام للمشرع المغربي فإن هذا الأخير اضطر إلى إرضاء الفئات الاستهلاكية للمنتوج العقاري بالتنصيص على حقها في التراجع عن مشروع التعاقد وبذلك يكون المشرع قد استجاب لهذا المطلب الذي ناضلت من أجله الجمعيات والهيآت الاستهلاكية الذي أصبح يشكل دعامة من الدعامات الأساسية لحماية حقوق المستهلكين[40].

واقتناعا منه بأهمية الدور الذي لعبته هذه الجهات بخصوص موضوع التراجع وطنيا ودوليا فإن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أوصى بدوره في إطار الفتوى الصادرة عنه بتاريخ (26/6/2014) بضرورة التنصيص على هذا الحق وإدراجه ضمن محاور القانون الجديد المنظم لبيع العقار في طور الإنجاز.

50-وإذا كانت مسألة التنصيص على استفادة المشتري من حقه في التراجع تعد خطوة إيجابية في حد ذاتها على اعتبار أن هذا الحق يندرج ضمن المكتسبات الجديدة التي لم يكن لها أصل في القانون القديم (00-44) إلا أننا نعتقد بأن طريقة إدماج هذا الحق في القانون الجديد (12-107) جاءت ملغومة من الناحية التشريعية وسوف تتسبب لا محالة في إثارة الكثير من الجدل الفقهي والقضائي على حد سواء، لعدم وضوح رؤيا المشرع بخصوص هذا الحق الذي ربطه بمرحلة إبرام عقد التخصيص الذي يمتاز بطابعه الاختياري حسب الصيغة التي استعملها المشرع في الفصل 618/3 مكرر مرتين) الأمر الذي يعني أنه بإمكان الأطراف تجاوز هذه المرحلة والانتقال لإبرام العقد الابتدائي مباشرة دون حاجة لأخذ مهلة للتفكير في إطار الفلسفة التي ينبني عليها عقد التخصيص، ففي مثل هذا الوضع لا يكون بمقدور المشتري الاستفادة من حق التراجع عن العقد الابتدائي لعدم وجود أي مقتضى قانوني في باقي الفصول الأخرى يقطع بأحقية المشتري في التراجع عن هذا العقد.

51-وانطلاقا مما ورد في الفصل 618/3 مكرر ثلاث مرات) من أن حق التراجع عن عقد التخصيص يعد من الحقوق الثابتة للمشتري دون البائع الأمر الذي يعني أن الفرضية التي انطلق منها المشرع أثناء صياغته لهذا الفصل هي فرضية المشتري المستهلك الذي تنطبق عليه مواصفات الطرف الضعيف الذي يعد أولى بالحماية من غيره في مجال إبرام العقود الاستهلاكية، إلا أن هذه الفرضية تعد في الواقع مجرد واحدة من الفرضيات الكثيرة التي يمكن أن نصادفها في مجال بيع العقارات المستقبلية غير الجاهزة أثناء إبرام العقد الابتدائي، فالمشتري قد يكون في نفس مستوى تخصص البائع كأن يكون منعشا عقاريا أو وسيطا في عمليات إعادة بيع المنتوجات العقارية، ففي مثل هذه الأحوال التي يتم فيها التعاقد على هذا المستوى من التخصص والخبرة والمعرفة بموضوع التعاقد فإن المشتري قد يفقد خصوصيات المستهلك التي تمكنه من الاستفادة من حقه في التراجع عن عقد البيع وآنذاك يتعين الاحتكام للقواعد العامة التي تكون قابلة للتطبيق على مثل هذه التعاقدات.

ثالثا-تعزيز الضمانات الملقاة على عاتق البائع بضمانة جديدة تستهدف إنهاء الأشغال.

52-يمكن القول على أن موضوع الضمانات والكفالات البنكية الملقاة على عاتق الباعة المهنيين التي لها علاقة ببيوع العقارات في طور الإنجاز يعد في عمقه من الموضوعات التي كان لها دور بارز في تعطيل العمل بمقتضيات القانون القديم (00-44) ويرجع السبب في اعتقادنا إلى انعدام الثقة المتبادلة بين طرفي هذه العلاقة العقدية، ففي الوقت الذي يعتبر فيه هؤلاء الباعة المهنيون بأنهم محاصرون بسياج من الضمانات والكفالات البنكية المبالغ فيها، فإن الفآت المشترية على عكس ذلك تدعي عدم كفاية بعض هذه الضمانات وغموض بعضها الآخر. فالصيغة التي استعملها المشرع في أطار مقتضيات الفصل 618/9 من القانون القديم كانت تخول للبائع إمكانية اختيار نوعية الضمانة التي يتعين عليه تقديمها لتأمين حقوق المشتري عند عدم وفاء الطرف الأول بالالتزامات التي تعهد بها تجاه الطرف الثاني، وقد كان بمقدور البائع أن يختار نوعية الضمانة التي يراها مناسبة لتحقيق هذه الغاية والتي كانت تتراوح بين اختياره:

  • للضمانة البنكية
  • أو أية ضمانة أخرى مماثلة
  • أو التأمين عند الاقتضاء.

وعند اختياره لنوع معين من هذه الضمانات المشار إليها أعلاه فإنه يتوجب عليه أن يُدرجها ضمن محاور العقد الابتدائي الذي يُعتبر خطوة إيجابية نحو تنفيذ مشروع بيع العقار في طور الإنجاز.

غير أن غموض مصطلح “الضمانات الأخرى المماثلة للضمانة البنكية” كان مثارا للكثير من التساؤلات بخصوص المقصود من هذا المصطلح العام هل هو الضمان العيني أم الضمان الشخصي (الكفالة) أم غير ذلك من الضمانات الأخرى[41] وبالإضافة للغموض الذي يكتنف هذه المصطلحات القانونية فإن الهدف من إنشاء البائع لواحد من هذه الضمانات الملقاة على عاتقه كان يقتصر على حفظ حق المشتري في استرداد الأقساط المدفوعة للبائع لا غير بحيث لا تشمل تغطية باقي المخاطر الأخرى التي قد تلحق المشتري بسبب عدم تنفيذ البائع لالتزاماته العقدية التي تعهد بها.

53-ونظرا لمحدودية مفعول الضمانات المشار إليها أعلاه وفقا للصياغة القديمة لنص الفصل (618/9) فإن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بادر إلى اقتراح خلق ضمانة جديدة تكون مخصصة لخدمة مصالح الفآت المشترية ويتعلق الأمر” بضمانة إنهاء الأشغال” التي يتطلع إليها المشتري والمتمثلة في حصوله على العقار الذي اقتناه مع احترام الآجال المحددة للتسليم ومراعاة لأهمية هذه الضمانة فإن المشرع لم يتردد في أخذ هذه الفكرة بعين الاعتبار أثناء صياغته لمضمون الفصل المشار إليه أعلاه الذي أصبح ينص على ما يلي: “يتعين على البائع بعد توقيع عقد البيع الابتدائي أن يُقدم لفائدة المشتري إما ضمانة إنهاء الأشغال أو ضمانة استرجاع الأقساط المؤداة في حالة عدم تنفيذ العقد.

تحدد شروط وكيفيات تطبيق هذا الفصل بنص تنظيمي يتحلل البائع بقوة القانون من الالتزام بالضمانة بمجرد تقييد عقد البيع النهائي أو الحكم القضائي النهائي بالتسجيل العقاري إذا كان العقار محفظا أو إيداعه بمطلب التحفيظ إذا كان العقار في طور التحفيظ أو بمجرد إبرام العقد وصدور الحكم القضائي النهائي إذا كان العقار غير محفظ.

ويتحلل البائع من الالتزام بالضمانة بمجرد صدور حكم نهائي بالفسخ ناتج عن رفض المشتري تنفيذ التزاماته المنصوص عليها في عقد البيع الابتدائي أو إتمام البيع بعد استيفاء الإجراءات المنصوص عليها في الفصل 618/18″.

54-وبالتمعن في مضمون الفصل (618/9) من القانون الجديد فإنه يتبين لنا بأن المشرع تأثر إلى حد بعيد بفكرة ضمانة إنهاء الأشغال عندما أدرجها ضمن قائمة الضمانات الملقاة على عاتق البائع التي يتعين عليه تقديمها أثناء إبرام العقد الابتدائي[42] غير أننا إذا كنا لا نمانع في تقبل هذه الضمانة الجديدة التي تهدف إلى رفع مستوى الثقة المتبادلة بين طرفي العقد باعتبار أن تشريعات وضعية كثيرة قد تبنت هذه الفكرة قبلنا[43] إلا أن لدينا ما يشبه الاعتراض على المنهجية التشريعية التي تم بها إقحام هذه الضمانة في رحم الفصل (618/9) من القانون المشار إليه أعلاه.

فما المقصود بهذه الضمانة (أولا)؟ وما هو موقعها ضمن قائمة الضمانات المالية الأخرى التي يلزم البائع بتقديمها فيما إذا كانت مكملة لضمانة استرجاع الأقساط أم أنها مستقلة عنها (ثانيا)؟

وإذا كانت بعض عناصر الجواب تكمن في النص التنظيمي المنتظر الصدور مستقبلا الذي أحالنا عليها المشرع لفهم مضمون وشروط وكيفية تطبيق أحكام هذه الضمانات إلا أننا نعتقد بأن الأيام المقبلة ستمكننا من الوقوف على المشاكل الفعلية المرتبطة بهذا التطبيق.

وفي انتظار صدور هذا النص التنظيمي فإننا نود الإدلاء ببعض الملاحظات المتعلقة بالضمانات المشار إليها في الفصل (618/9) من القانون الجديد:

الملاحظة الأولى:

55-يمكن القول على أن المشرع المغربي سلك سياسة التدرج في استعماله للمصطلحات الغامضة التي حملت كلا من الفقه والقضاء الكثير من الجهد لمحاولة فهم قصد المشرع، فبعد أن استعمل مصطلح “الضمانات الأخرى المماثلة” فإن المشرع الحالي حاول التلطيف من حدة هذا الغموض عندما استبدل هذه الصيغة بمصطلح “ضمانة إنهاء الأشغال” التي تعد في العمق من المصطلحات الواسعة جدا التي يتعين فهمها في إطار معناها العام الذي يتمثل في تقديم البائع للضمانة المالية التي تؤمن للمشتري حصوله على العقار المتعاقد عليه، وبذلك فإن الالتزام الملقى على عاتق البائع في هذا الخصوص يندرج ضمن قائمة الالتزامات بغاية التي لن يقبل المشتري بديلا عنها ألا وهي نتيجة إنهاء أشغال البناء وتسليمه للمشتري في الوقت المتفق عليه في العقد الابتدائي.

الملاحظة الثانية:

56-وفقا للمعنى العام المشار إليه أعلاه فإن »ضمانة إنهاء الأشغال «  تختلف اختلافا كليا عن “ضمانة استرجاع الأقساط” التي يتم رصدها لمواجهة المخاطر المتوقعة الناجمة عن احتمال عدم تنفيذ البائع لالتزاماته العقدية التي يتم بها ضمان استرجاع المشتري للأقساط التي قدمها للبائع المخطئ لغاية تحقق السبب الموجب لسريان أحكام هذه الضمانة، أما بخصوص مصطلح “التأمين” الذي اختتم به المشرع هذه القائمة من الضمانات فإنه يمكن القول على أنه بمثابة وسيلة احتياطية لتأكيد هذا الضمان في حالة عدم تقديم البائع لواحد من الضمانات المشار إليها في الفصل (618/3 مكرر).

ليبقى التساؤل مطروحا من الناحية اللغوية بخصوص حرف “أو” الذي خول المشرع بموجبه للبائع إمكانية الاختيار بين هذه الأنواع الثلاثة من الضمانات الواردة في الفصل المذكور، والحال أن اختيار البائع لواحد منها قد لا تتحقق به الغاية المرجوة، فضمانة إنهاء الأشغال لا تعتبر بديلا لضمانة استرجاع الأقساط باعتبار أن لكل ضمانة من هذه الضمانات غاية مستقلة تختلف عن الأخرى لذلك كان يتعين إلزام البائع بتقديمهما معا ولن يتحقق ذلك إلا باستعمال “واو العطف” بدل “أو” التي تفيد الخيار بين أمرين لا يغني أحدهما عن تخلف الآخر.

الملاحظة الثالثة:

57-حسب تجارب الدول التي سبقتنا في مجال بيع العقارات غير الجاهزة أثناء إبرام العقد الابتدائي فإن ضمانة إنهاء الأشغال عادة ما يتم إنشاؤها في إطار عمل تعاقدي يربط البائع بإحدى المؤسسات البنكية أو مقاولة من مقاولات التأمين الموثوق بها المتخصصة في مجال تأمين المخاطر المعمارية[44] غير أن الذي يتعين الإشارة إليه هو أن ضمانة إنهاء الأشغال المعنية في إطار مقتضيات الفصل (618/9) التي يلتزم البائع بالإشارة لمراجعها في عقد البيع الابتدائي لبيع العقار في طور الإنجاز تختلف اختلافا كليا عن ضمانة إنهاء الأشغال (garantie de parfait achèvement) الملقاة على عاتق المقاول تجاه رب العمل الذي عادة ما يكون هو بائع العقار سواءً جاهزا أو في طور الإنجاز، وتتحدد مدة هذه الضمانة في مهلة السنة الموالية لتسلم (رب العمل) لأشغال البناء، وبمقتضى هذه الضمانة يتعهد المقاول بإصلاح كل العيوب والإعوجاجات التي قد تظهر بالبناء داخل هذه المدة[45].

الملاحظة الرابعة:

58-نظرا للطابع الاستثنائي للتعاقدات التي تكون فيها المؤسسات والشركات التي يعود رأسمالها للدولة طرفا بائعا للمنتوجات العقارية المستقبلية فإنها تكون معفاة من تقديم الضمانات والكفالات المشار إليها سابقا وهذا ما ورد النص عليه في الفصل (618/11) الذي لازال محتفظا بصيغته الأصلية التي تم بها تحرير هذا الفصل، وقد ورد هذا الاستثناء على أساس افتراض الملاءة المسبقة للذمة المالية للدولة والهيآت التابعة لها، غير أن الواقع برهن في الكثير من المناسبات على عدم صحة هذا الافتراض عندما تمتنع هذه المؤسسات عن الوفاء بالتزاماتها التعاقدية حتى ولو حصل الدائن على أحكام قضائية حائزة على حجية الأمر المقضي فيه[46] الأمر الذي كان يتعين معه إلغاء مضمون الفصل (618/11) لما يشكله من عرقلة حقيقية في وجه الأجهزة المكلفة بتنفيذ الالتزامات الناشئة عن إخلال الدولة والمؤسسات التابعة لها بتعهداتها العقدية تجاه الخواص[47].

رابعا: فتح المجال أمام المتعاقدين لاختيار الوسيلة المناسبة لفض المنازعات قضائيا أو عن طريق التحكيم:

59-رغم رداءة صياغة الفصل (618/19) شكلا ومضمونا إلا أنه يتضمن الإشارة إلى مؤسسة التحكيم كوسيلة اتفاقية لتسوية المنازعات بين أطراف هذه العلاقة العقدية، وبذلك يكون المشرع قد فتح الباب أمام المتعاقدين لاختيار الوسيلة المناسبة لفض المنازعات بينهما قضائيا أو حبيا عن طريق إدراج شرط التحكيم في صلب العقد الابتدائي، وتعتبر هذه الفكرة من المستجدات التي حسن بها المشرع مضمون الفصل (618/19) من القانون الجديد رقم (12-107) التي استهدف من خلالها تحسين فعالية وسائل اللجوء إلى القضاء، وتندرج هذه الفكرة في أصلها ضمن قائمة الاقتراحات والتوصيات التي قدمها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي للهيئة البرلمانية بتاريخ (26 يونيو 2014).

60-غير أننا نعتقد بأن اختيار المتعاقدين للوسائل البديلة لإنهاء المنازعات بينهما عن طريق الوساطة أو التحكيم ليس بالأمر الجديد على أساس أن القواعد المسطرية العامة كانت تسمح للأطراف اختيار الوسيلة المناسبة للدفاع عن حقوقها حبيا أو قضائيا وهذه الإشارة اليتيمة التي وردت في الفصل المشار إليه أعلاه ما هي إلا من قبيل تأكيد هذا الحق لا غير، أما بخصوص مدى نجاعة أو عدم نجاعة أسلوب التحكيم في مجال المنازعات المتعلقة ببيع العقارات في طور الإنجاز فإننا نعتقد أيضا بأن طبيعة العلاقة العقدية التي تربط بين طرفي هذا البيع هي التي ستتحكم في نهاية المطاف في اختيار الطرق المناسبة لفض المنازعات المتوقعة بين البائع والمشتري وباعتبار أن جل التعاملات المرتبطة بهذا القطاع عادة ما تندرج ضمن نوعية عقود البيع التي يكون السكن الاجتماعي هدفا لها، لذلك فإننا نتوقع أن تكون وتيرة انتشار شروط التحكيم المدرجة في عقود البيع الابتدائية بطيئة جدا، وقد يقتصر الأمر في البداية على التعامل بها في مجال عقود بيع الأبنية المخصصة لأغراض مهنية أو تجارية أو صناعية والتي يكون فيها المشتري متوفرا على نفس الإمكانيات المادية والتقنية التي يتوفر عليها البائع المهني.


[1]– يمكن القول على أن بيع العقار في طور الإنجاز قد حظي باهتمام الفقه أكثر من غيره من البيوع الخاصة الأخرى وهذا ما تؤكده الدراسات القانونية المعمقة التالية:

– ALARY ROGER « La vente d’immeuble à construire et l’obligation de garantie à raison des vices de construction » (J.C.P) 1986. DOC N° 2146 et S.

– MEYSSON« les ventes d’immeuble à construire» (JCP) 1986- I– 2132.

– DAGOT « Formules de vente en état future d’achèvement et de contrat Préliminaire » Reg- Défendit. 1968.

– عبد الرزاق أيوب “مظاهر حماية المستهلك في بيع العقار في طور الإنجاز” سلسلة دراسات وأبحاث المنازعات العقارية- الجزء الأول من منشورات مجلة القانون المدني طبعة 2014 ص 15 وما يليها.

– صافي عبد الحق “بيع العقار في طور الإنجاز” طبعة 2011.

عبد الحفيظ مشماشي »بيع العقار في طور الإنجاز-دراسة مقارنة على ضوء القانون المغربي والمقارن « طبعة 2012

– علي الرام “البيع الابتدائي للعقار في طور الإنجاز” المجلة المغربية للقانون والسياسة والاقتصاد العدد 41- 2008، ص: 35

– جيلالي بوحبص “الإشكاليات القانونية المتعلقة ببيع العقارات في طور الإنجاز”مجلة القانون المغربي العدد 9-2005ص11  

[2] – بخصوص العقود والاتفاقات التمهيدية التي تسبق إبرام البيع النهائي انظرما يلي:

– عبد القادر العرعاري”علاقة بيع العقار في طور الإنجاز بالعقود التمهيدية العقارية – دراسة مقارنة” الندوة الوطنية التي نظمها المركز المغربي للدراسات القانونية حول القانون (44.00 ) طبعة 2004  ص 3 وما بعدها

– جمال فاخر النكاس “العقود والاتفاقات الممهدة للتعاقد في المرحلة السابقة على إبرام العقد”مجلة الحقوق الكويتية العدد الأول 1996 ص 133 وما بعدها

   .- collart (f) « les contarts préparatoires à la vente d’immeuble à construire (thèse) Tours 1988

[3]– القانون منشور في الجريدة الرسمية عدد 5054.

4- لقد ورد النص على أحكام “بيع السلم” في الفصول من (613 إلى 618) من قانون الالتزامات والعقود) حيث عرف المشرع هذا البيع في الفصل 613 بانه “عقد بمقتضاه يعجل أحد المتعاقدين مبلغا محددا للمتعاقد الآخر الذي يلتزم من جانبه بتسليم مقدار معين من الأطعمة أو غيرها من الأشياء المنقولة في أجل متفق عليه، ولا يجوز إثبات بيع السلم إلا بالكتابة” وقد عرفه الإمام أبو بكر الجزائري بأنه “بيع موصوف في الذمة وذلك بأن يشتري المسلم السلعة المضبوطة بالوصف من طعام أو حيوان أو غيرهما إلى أجل معين فيدفع الثمن وينتظر الأجل المجد ليتسلم السلعة” منهاج المسلم لأبي بكر الجزائري طبعة رابعة ص: 294 وقد أورد البخاري في الصحيح ج4 ص 434 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من أسلم في شيء فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم وأنه صلى الله عليه وسلم “نهى عن  بيع ما ليس عند الإنسان ورخص في السلم”.

للتفاصيل حول هذا البيع في إطار الفقه المالكي أنظر:

– بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد القرطبي المجلد الثاني ص: 201 وما بعدها طبعة 1381.

– القوانين  الفقهية لابن جزي الغرناطي ص: 177 طبعة 1977.5

[5]– بخصوص ربط قواعد هذا البيع الخاص بالقواعد العامة الواردة في قانون الإلتزامات  والعقود أنظر:

– ZEROUAL(A) «  la loi :n° (00-44) relative à la vente d’immeuble en l’état future d’achèvement (VEFA) et le  doit Commun desobligations et contrats » centre Marocain des étude  juridiques le (25/03/2003)  Edition Al MAARIF AL JADIDA Rabat 2003 P :17 et S

6- لقد استبشر المهتمون بهذا القانون خيرا واحتفلنا به منذ الساعات الأولى لإصداره في إطار الأنشطة الثقافية للمركز المغربي للدراسات القانونية بشراكة مع الكنفدرالية العامة لمقاولات المغرب بتاريخ (25/03/2003)، للإطلاع على مجموع المداخلات العلمية المتعلقة بهذا اليوم الدراسي حول بيع العقارات في طور الإنجاز يمكن الرجوع إلى المؤلف المشترك المتعلق بهذه التظاهرة الصادر عن المركز المشار إليه أعلاه طبعة 2003.

[7] – محمد الوكاري “الوضعية القانونية للمنعش العقاري” مجلة القضاء المدني –العدد الخامس- 2012 ص: 90 الذي يؤكد بأن القانون (00-44) رغم طابعه الآمر لم يتم تطبيق أحكامه إلا في حالات نادرة ولا زلنا نشهد بيوعات على التصميم تحت غطاء آخر بالإضافة لذلك تقوم السلطة الحكومية المختصة حاليا تحت ضغط مهنيي العقار بتهييء مشروع لتعديل مقتضيات هذا القانون”.

[8] – لبنى الوزاني “التزامات الموثف من خلال عقد الوعد ببيع عقار محفظ على ضوء الاجتهاد القضائي” طبعة أولى مكتبة دار السلام 2010.

[9] – يتعلق الأمر بالقانون رقم (12-107) المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6440 الصادرة بتاريخ (18 فبراير 2016).

[10] – للتعمق في موضوع أنماط الإصلاحات الممكنة لقانون الالتزامات والعقود يمكن الرجوع إلى مداخلتنا حول “قانون الالتزامات والعقود بين منظور الإصلاح الشامل والتعديلات الجزئية المحدودة” المنشورة في المؤلف المشترك المخصص لأشغال اللقاءات التحضيرية المتعلقة بالذكرى المائوية لقانون الالتزامات والعقود المنظمة من طرف مختبر القانون الخاص –أكدال-الرباط- طبعة 2012 ص: 75 وما يليها.

[11] – لقد تم تقديم المشروع رقم (12-107) إلى البرلمان عن طريق الأمانة العامة للحكومة بتاريخ 24 دجنبر 2013.

[12] – يتعلق الأمر هنا بالفصول الثلاثة الأصلية الآتية:

أ-الفصل (618/11) الذي أعفى المشرع بموجبه السلطات العمومية والشركات التابعة للدولة أو أي شخص معنوي آخر خاضع للقانون العام من التحمل بالضمانات والكفالات المنصوص عليها في الفصل (618/9).

ب-الفصل (618/12) الذي حدد فيه المشرع سقف التعويضات القانونية المستحقة لكل من البائع أو المشتري في حالة تأخرهما عن الوفاء بالتزاماتهما العقدية في وقتها المحدد تجاه بعضهما البعض والتي جعلها المشرع تتراوح بين (1%)عن كل شهر من المبلغ الواجب دفعه على أن لا يتجاوز النعويض الإجمالي (10%)في السنة الواحدة.

ج-الفصل (618/17) ويتعلق بتعريفة إبرام المحررات والعقود الهادفة لتوثيق البيوع الابتدائية والنهائية التي علقها المشرع على ضرورة استصدار نص تنظيمي يحدد مقابل هذه التعريفات.

[13] – إبراهيم أحطاب “جبائية العقود بين مقتضيات قانون التسجيل وأحكام القانون الخاص” منشور في العدد الخاص بندوة الأنظمة العقارية في المغرب” مراكش يومي 5 و6 أبريل 2002 طبعة: 2003 ص: 171.

أيضا:

-EL YAZIDI (KHALID) «  L’inscription  des conventions  relatives aux vente d’immeuble à construire » (R.M.D.E.D) n° 12-1986  P 23 et S

[14] – يمكن القول على أن التوصيات العامة التي توصل إليها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بخصوص بيع العقار في طور الإنجاز كانت بمثابة أفكار عامة بعيدة كل البعد عن جوهر الإشكاليات القانونية المرتبطة بواقع هذا النموذج العقدي.

فتوصية المجلس بوضع إطار قانوني خاص لهذا البيع مستقل عن قانون الالتزامات والعقود لمنحه قوة تشريعية أكبر تعد من الأفكار التي نادى بها المحافظ العام الحاج محمد السلمي سنة 2003 بمناسبة صدور القانون (00-44) ولا نعتقد بأن سلوك المشرع لهذا النهج التشريعي هو الذي يضمن حسن تطبيق هذا القانون من عدمه (للتفاصيل بخصوص هذه النقطة أنظر مداخلة محمد ابن الحاج السلمي حول ملاحظاته الأولية بخصوص القانون رقم (00-44) المتعلقة ببيع العقار في طور الإنجاز وهي منشورة في المؤلف المشترك الصادر عن المركز المغربي للدراسات القانونية طبعة 2003، ص: 19 وما بعدها).

 أما بخصوص التوصية المتعلقة بوضع حد للمضاربات والتجاوزات المتعلقة باقتناء الوحدات السكنية الاجتماعية ممن لا تتوفر فيه شروط الاستفادة من هذا المنتوج العقاري فالأمر يتعلق في نظرنا باقتراح عام يندرج ضمن السياسة العادية للدولة في مجال تخليق السلوك البشري ولا يقتصر الأمر على قطاع اقتناء المباني الجاهزة أو غير الجاهزة وإنما يشمل كل القطاعات الحيوية داخل التراب الوطني.

أما بخصوص التوصية العامة الثالثة الرامية لتوسيع دائرة الضمان الملقى على عاتق البائع المهني ليكون في مستوى حجم الضمان العشري الذي يتحمله المقاول تجاه رب العمل فإننا نعتقد بأن الضمان الملقى على عاتق البائع سواء كان قانونيا أو اتفاقيا ليس هو نفس الضمان الذي يتحمله المقاول ومن في حكمه تجاه رب العمل لذلك يتعين عدم الخلط بين أحكام هذه الضمانات التي حددت لها التشريعات الوضعية آجالا دقيقة جدا ولا مجال لتحميل البائع المهني أكثر مما يحتمل بمقتضى عقد البيع في باب الضمان للعيب أو عدم المطابقة، ونظرا لعمومية هذه التوصيات وعدم فعاليتها فإن الهيأة البرلمانية بغرفتيها لم تعرها أي اهتمام يذكر أثناء مناقشة المشروع رقم 12-107 وجاء النص النهائي لهذا القانون خاليا من أي إشارة لهذه التوصيات العامة.

[15] – لأخذ فكرة معمقة عن هذا النموذج من الإصلاح التشريعي يمكن الرجوع لمداخلتنا في الذكرى المائوية لقانون الالتزامات والعقود حول موضوع “قانون الالتزامات والعقود بين منظور الإصلاح الشامل والتعديلات الجزئية المحدودة” وهي مداخلة منشورة ضمن محاور اللقاء التحضيري الأول لتخليد الذكرى المائوية لقانون الالتزامات والعقود طبعة 2012 ص: 75 وما يليها.

[16] – للإطلاع على جانب من المشاكل القانونية التي عطلت العمل بهذا القانون أنظر:

-جيلالي بوحبص “الإشكاليات القانونية المتعلقة ببيع العقارات في طور الإنجاز” منشور في مجلة القانون المغربي عدد 9-2005. ص 11 وما بعدها

-عبد الرزاق أيوب “مظاهر حماية المستهلك في بيع العقار في طور الإنجاز” سلسلة، دراسات وأبحاث المنازعات العقارية العدد الخامس الجزء الأول من منشورات مجلة القانون المدني طبعة 2014 ص: 15.

[17] – لأخذ فكرة معمقة عن البيع الابتدائي للعقار في طور الإنجاز يمكن الرجوع لما يلي:

-BERGEL (j) « les contrats Préliminaires de Réservation dans les ventes d’immeubles à construire –Unité au dualisme ? (JCP) 1974-I-2969 n°13 et S.

-Malinvaud et JESTAZ « le contrat Préliminaire à la vente d’immeuble à construire » (JCP) 1976-I-2790.

– علي الرام “البيع الابتدائي للعقار في طور الإنجاز” المجلة المغربية للقانون والسياسة والاقتصاد العدد 41، 2008، ص: 35.

[18] – يمكن الرجوع بخصوص هذه الهشاشة إلى مداخلتنا حول “علاقة بيع العقار في طور الإنجاز بالعقود التمهيدية العقارية” منشورة في المؤلف الجماعي المخلد لندوة (25 مارس 2003) حول بيع العقار في طور الإنجاز رقم (00-44) المشار إليه سابقا ص: 3 وما بعدها.

[19] – لفهم الفوارق المميزة للمحررات الرسمية عن الوثائق العرفية يمكن الرجوع إلى:

– عبد المجيد بوكير “بنية الوثيقة العدلية الدالة على بيع العقارات في طور الإنجاز” دراسة تطبيقية مجلة الملف العدد 17-2010، ص: 46.

-إبراهيم قادم “رسمية العقود في التصرفات العقارية ودورها في تكريس الأمن القانوني” مجلة الحقوق العدد 7-2013، ص: 307.

– الطيب لمنور “التوثيق العدلي بين إكراهات الحاضر وتحديات المستقبل” مجلة الحقوق عدد (16/17)، 2014، ص: 243.

-محمد الربيعي: “محررات الموثقين وحجيتها في الإثبات في التشريع المغربي” رسالة دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، كلية الحقوق –البيضاء- 1988-1989.

– الخضراوي محمد” شرط الكتابة في بيع العقار في طور الإنجاز بين غايات التشريع وإكراهات الواقع” منشور في أشغال الندوة المنعقدة بمراكش حول توثيق التصرفات العقارية يومي (11و12) فبراير 2005ص 159

[20] – لقد خول القانون رقم (12-107) في المادة المشار إليها أعلاه لوزير العدل تحديد اللائحة السنوية التي تتضمن أسماء المهنيين المقبولين لتحرير هذه العقود بما في ذلك المحامون المقبولون للترافع أمام محكمة النقض طبقا للقانون المنظم لمهنة المحاماة.

[21] – أنظر الفقرة الرابعة من القانونين القديم والجديد المنظمين لبيع العقار في طور الإنجاز.

[22] – لأخذ فكرة معمقة عن هذه المؤسسة في القانون المغربي يمكن الرجوع إلى ما يلي:

– محمد ابن الحاج السلمي “التقييد الاحتياطي في التشريع المغربي” طبعة 1984.

– إدريس الفاخوري “نظام التحفيظ العقاري وفق مستجدات القانون (07-14) –منشورات مجلة الحقوق طبعة 2013. ص: 161 وما بعدها.

– محمد العلمي “التقييد الاحتياطي في التشريع العقاري والقوانين الخاصة” رسالة دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص وحدة التكوين والبحث في قانون العقود والعقار كلية الحقوق جامعة محمد الأول- وجدة (2004-2005).

[23] – هناك الكثير من الآراء التي حاولت التخفيف من حدة مضمون الفصل (618/10/ ومعظمها كان بعيدا كل البعد عن القصد الذي استهدفه المشرع اثناء وضعه للفصل المذكور وفي سياق منطق التلطيف يؤكد الأستاذ محمد شيلح بأن سلطة البائع في هذا السياق ليست مطلقة فعندما يتخذ البائع موقفا سلبيا من الطلب الذي تقدم به المشتري بخصوص التقييد الاحتياطي لبعض حقوقه فإنه يتعين تبرير هذا الموقف تحت طائلة المراقبة القضائية (أنظر مداخلته بخصوص بيع العقار في طور الإنجاز الملقاة على طلبة الفصل الخامس إجازة مادة قانون العقود (2005-2006)، ص 24 وما بعدها).

غير أن جل من اهتم بتفسير مضمون الفصل (618/10) من القانون (00-44) لم يكن متحمسا لتأييد هذا الانطباع البعيد عن روح وفلسفة الفصل المذكور. للتعمق أنظر:

– علي الرام المرجع المشار إليه سابقا بخصوص البيع الابتدائي للعقار في طور الإنجاز ص 58 وما يليها.

[24] – يمكن استخلاص هذا الحكم من مضمون الفصل 193 (قانون الالتزامات والعقود).

[25] – تعتبر وسيلة التبليغ التي يتعين سُلوكها لإخبار البائع بموضوع التخلي من قبل المشتري من الموضوعات الشائكة التي احتد الخلاف حولها، فبعد أن كان المشرع في إطار الصياغة القديمة لنص الفصل (618/13) من القانون (00-44) يكتفي بضرورة إعلام البائع برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل وهو من المستويات الضعيفة في الإعلام مقارنة بما تطلبه الفصل 195 من قانون الالتزامات والعقود بخصوص تبليغ الحوالة للمدين تبليغا رسميا أو بقبوله إياها في محرر ثابت التاريخ.

وتفاديا لهذا النقص فإن القانون الجديد رفع من مستوى هذا الإخبار عندما اشترط المشرع ضرورة تبليغ البائع بموضوع التخلي بإحدى الطرق المعتمدة قانونا في مجال التبليغ، غير أننا نعتقد بأن تحديد هذه الوسائل من الناحية الواقعية والفعلية سيثير الكثير من المشاكل القانونية مستقبلا بخصوص ما إذا كان الأمر يقتصر على وسائل التبليغ الرسمية المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية؟ أم أنها تشمل غيرها من الوسائل الأخرى التي تحقق نفس الغاية بما في ذلك الرسائل المضمونة مع الإشعار بالتوصل؟

[26] – حسب صيغة الفصل (618/3 مكرر مرتين) فإن عقد التخصيص كمرحلة تعاقدية تمهيدية تعد من المراحل الاختيارية التي يمكن للمتعاقدين تجاوزها مباشرة إلى إبرام العقد الابتدائي وفي مثل هذه الحالة فإن المشتري يلزم بأداء نسبة (10%) من الثمن الإجمالي لعقد البيع.

[27] – مما زاد في تعميق هذا الخلاف هو خلو الفتوى الصادرة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي من الإشارة لمضوع التعويض المستحق للطرف المتضرر سواء كان بائعا أو مشتريا وقد ساهم هذا الفراغ في إذكاء المزيد من الخلاف بين فرق الأغلبية والمعارضة استمر إلى فترة ما قبل التصويت على الصيغة النهائية  لمشروع القانون رقم (12-107) برمته ليتم الاحتكام لصيغة توفيقية تجمع بين اقتراحات هذه الفرق بخصوص مضمون الفصل (618/14) الذي كان موضوعا للاختلاف.

[28] – يعتبر الفصل (618/12) واحدا من الفصول الثلاثة الأصلية الواردة في القانون (00-44) التي احتفظ فيها القانون الجديد رقم (12-107) بمضامينها على حالتها الأصلية وذلك، إلى جانب الفصلين (618/11) و(618/17) من نفس القانون.

ويتعلق الفصل الأول منها بتحديد نسب التعويضات المستحقة للطرف المتضرر بسبب تأخر المشتري عن أداء الدفعات الملزم بها وفقا للجدولة المنصوص عليها في الفصل (618/6) من القانون الجديد أو تأخر البائع عن إنجاز أشغال البناء في وقتها المحدد لها حيث يتحمل الطرف المخل بهذه الالتزامات بأداء تعويض للطرف المتضرر لا يتجاوز (1%) عن كل شهر من المبلغ الواجب أداؤه من قبل المشتري وبنفس النسبة من المبلغ الذي تسلمه البائع إن كان هو المخطئ على أن لا يتجاوز مجموع التعويضات عن هذه التأخرات نسبة (10%) في السنة الواحدة.

[29] – يقصد بالأشغال الكبرى (gros oeuvres) مجموع الأشغال المنجزة على مستوى الأساسات والدعائم والأسقف الحاملة لهيكل البناء لغاية تلبيس الجدران وجمع شتات البناء، وهذه المرحلة، عادة ما تمهد الطريق للانتقال للمرحلة النهائية لإنجاز المهام الدقيقة التي يتم فيها التركيز على الناحية الجمالية للبناء وعادة ما تكون نفقات هذه المرحلة  مكلفة جدا لارتفاع قيمة المواد والخدمات المتطلبة لإنجاز هذه المرحلة النهائية للبناء.

[30] – يمكن القول على أن مصطلح الفسخ الذي استعمله المشرع في نهاية الفصل (618/14) المتعلق بممارسة المشتري لحقه في التراجع عن المشروع التعاقدي داخل مهلة الثلاثين يوما الموالية لإبرام عقد التخصيص كان مجانبا للصواب.

فالمصطلح الدقيق الذي كان يتعين على المشرع استعماله هو مصطلح “التراجع” وليس الفسخ، وباستعمال المشرع لهذا المصطلح يكون قد استهدف في واقع الأمر الإشارة لحق المشتري في التراجع عن عقد التخصيص في الأجل المحدد لذلك ولا داعي لاستصدار حكم قضائي بالفسخ في ظل هذه المرحلة لتأكيد هذه النتيجة.

[31] – يعتبر مصطلح “عند الاقتضاء” من المصطلحات الواسعة والفضفاضة التي ترتبط بوقائع وظروف مادية ملموسة لذلك فإنه يتعين عرضها على محاكم الموضوع لتفصل فيها على ضوء ما تملكه من سلطة تقديرية في هذا المجال.

[32] – لقد كان المشروع الذي تقدمت به وزارة السكنى وسياسة المدينة بخصوص الفقرة الثانية من الفصل (618/7) يهدف إلى تكريس نفس القاعدة التي كان منصوصا عليها في القانون القديم التي تستوجب استصدار موافقة صريحة أو ضمنية من المشتري لتمكين البائع من أجل إضافي لإتمام إنجاز أشغال البناء المتعثرة، ونظرا للصعوبات التي كانت تعترض تطبيق هذا الفصل بسبب عدم تحديد المشرع لسقف هذا الأجل الإضافي أولا ولاحتمال عدم موافقة المشتري على الطلب الذي يتقدم به البائع بخصوص هذا التمديد ثانيا فإن الفقرة الثانية من الفصل (618/7) كانت مثارا للكثير من الجدل بين الفرق البرلمانية وقد تم الحسم في هذا الخلاف باعتماد الحل الذي تقدمت به فرق الأغلبية الرامي إلى تحديد شرط المدة القصوى لاستفادة البائع من التمديد في ستة (6) أشهر بشرط أن يخبر المشتري برغبته في هذا التمديد قبل انصرام الأجل القانوني لإتمام أشغال البناء بشهر واحد (30 يوما).

وبذلك لم تعد موافقة المشتري ضرورية لتمكين البائع من الاستفادة من الأجل الإضافي الذي يحتاج إليه، إلا أننا لا نرى مانعا من إشراك المحكمة في تقدير مدى جدية الأسباب التي يدعيها البائع كأساس لهذا التمديد وذلك توقيا وتفاديا لكل المراوغات التي يمكن أن تُعطل إنجاز مشروع البناء في وقته المحدد له.

[33] – للتعمق بخصوص الاختيارات المتاحة أمام الدائن في إطار مقتضيات الفصل 259 من قانون الالتزامات والعقود يمكن الرجوع إلى مداخلتنا حول “مشكلة الخيار بين الفسخ والتنفيذ على ضوء مقتضيات الفصلين (234 و259) من قانون الالتزامات والعقود وهي منشورة في المؤلف المشترك المخلد للذكرى الأربعين لتأسيس المجلس الأعلى على ضوء التحولات الاقتصادية والاجتماعية طبعة 1999، ص: 51 وما يليها.

[34]– يندرج عقد التخصيص ضمن لائحة الاتفاقات التمهيدية التي تسبق إبرام العقد الابتدائي ويعرف في إطار التجربة الفرنسية بعقد التخصيص أو الحجز الأولي (Contrat de Réservation) التي يتمكن فيها الأطراف من مهلة للتفكير قبل اتخاذ القرار المناسب ورغم عدم تنظيم أحكامه في ظل هذا القانون إلا أن المحاكم لم تعترض عليه وظل خاضعا للقواعد العامة الواردة في القانون المدني الفرنسي وفي ذلك يقول (مالوري) و(آين) في مؤلفهما المشترك حول العقود الخاصة طبعة رابعة 2009 ص: 88 فقرة 139 ما يلي:

« comme la plupart des contrats, le contrat de Réservation vient de la pratique, il peut aussi  avoir pour objet d’aut res contrats, l’article 261/15 du (CCH) soustrait cet avant contrat au droit commun).

[35]– ما يؤكد هذا الاهتمام هو وقوفنا على سبع إشارات وردت في فصول متفرقة من القانون الجديد (12-107) التي تناول فيها المشرع أحكام هذا العقد وقد وردت هذه الإشارات في الفصول التالية: (618/3 مكرر مرتين) (618/3 مكرر ثلاث مرات) (618/6) (618/8) (618/13) (618/14) (618/18).

[36]– لأخذ فكرة معمقة عن هذا النمط التعاقدي يمكن الرجوع إلى:

PICARD (J) « Avant contrat en Matière de vente immobilière (J.C.P) 1977 i. Doc P : 333 et S.

أنظر أيضا:

-Viatte « les conventions relatives aux ventes d’immeuble » GAZ- PAL 1977 DOC 203 et S.

-BERGEL (J) « les contrats préliminaires de Réservation dans les ventes d’immeuble à construire –Unité ou dualité » (JCP) 1974 269 n° 13 et S.

-GRILLET (P) « le contrat de Réservation » D 1991 CHRO  P 26 et S

[37]– أنظر الفقرة الأولى من نص الفصل (618/3 مكرر مرتين)

[38]– أنظر الفقرة الأولى من نص الفصل (618/3).

[39]– حسب مضمون الفقرة الثالثة من الفصل (618/3 مكرر ثلاث مرات) فإن صلاحية عقد التخصيص تتحدد في مدة لا تتجاوز ستة أشهر غير قابلة للتجديد تؤدي لزوما إلى إبرام عقد البيع الابتدائي وذلك ما لم يتراجع المشتري عن هذا العقد داخل مدة الثلاثين يوما الموالية لإبرامه، وفي هذه الحالة الأخيرة فإن البائع يلزم بإرجاع  المبالغ التي تسلمها من المشتري وذلك داخل أجل السبعة أيام الموالية لممارسة المشتري لحقه في التراجع.

[40]– يعتبر الحق في التراجع (Droit de Rétractation) واحدا من الحقوق الستة الأساسية التي ورد النص عليها في ديباجة القانون رقم (08-31) المتعلق بحماية المستهلك إلى جانب حقه في الإعلام والتمثيلية والحق في الاختيار والإصغاء إليه وحماية حقوقه الاقتصادية.

[41]– للتفاصيل يرجى الإطلاع على ما يلي:

– مصطفى سهل “الضمانات البنكية –الكفالة نموذجا” رسالة ماستر في القانون الخاص –كلية الحقوق أكدال- الرباط- 2011.

– جيلالي بوحبص “الإشكاليات القانونية المتعلقة ببيع العقارات في طور الإنجاز” مجلة القانون المغربي العدد 9- 2005 ص: 17.

CHARQUI : (MIMOUN) « Signification des suretés prévues à l’occasion de la vente d’immeuble en l’état futur d’achèvement » Centre Marocains des Etudes Juridique édition 2003 P : 144 et S.

– عبد الرزاق أيوب- المرجع المشار إليه سابقا ص37

– عبد الحق صافي المرجع السابق ص 214 و ما بعدها

[42]– يُعتبر البيان الثامن الوارد في الفصل (618/3 مكرر) المتعلق بتقديم البائع لمراجع ضمانة استرجاع الأقساط أو ضمانة إنهاء الأشغال أو التأمين من بين البيانات الإلزامية الثابتة بقوة القانون التي يتعين على البائع إدراجها ضمن محاور العقد الابتدائي لبيع العقار المستقبلي.

[43]– بالرجوع للقانون الفرنسي الذي يعد مصدرا تاريخيا وماديا بالنسبة لتشريعنا الوطني فإننا نجده قد أشار لهذه الضمانات منذ إصداره للقانون المنظم لبيع العقار في طور الإنجاز في (3 يناير 1967) وقد أتيحت له الكثير من المناسبات التي عدل فيها أحكام هذه الضمانات بما فيها ضمانة إنهاء الأشغال (garantie de l’achèvement des travaux) التي حظيت بمراجعات استثنائية خاصة بمقتضى القوانين الصادرة على التوالي في: (12 أبريل 1980) و(13 يوليوز 2006) و(5 يوليوز 2007) و(27 شتنبر 2010).

[44]– لقد عبر المشرع الفرنسي عن هذا العمل التعاقدي في المادة (R 261-17) من مدونة البناء والسكنى (CCH ) المعدلة بتاريخ 22 أبريل 1980 بما يلي:

« la garantie de l’achèvement de l’immeuble résulte soit de l’existence de conditions propres, soit de l’intervention dans les conditions prévues ci-après  d’une banque, d’une Entreprise d’assurance agrée à cet effet ou d’une société de caution mutuelle.

[45]– لقد ورد النص على هذه الضمانة في المادة (1792/6) من القانون المدني الفرنسي التي جاء فيها ما يلي:

 « La garantie de parfait achèvement à laquelle l’entrepreneur est tenu pendant un délai d’un an à compter de la Réception, s’étend à la Réparation de tous les désordres signalés par le maître de l’ouvrage ».

[46]– يرجىالإطلاع على أطروحة الأستاذ جمال الطاهري حول “حجية الأمر المقضي في المادة المدنية –محاولة حد وتحديد” الطبعة الأولى 2011.

[47]– أنظر بخصوص تأكيد هذه الفكرة:

– جيلالي بوحبص–المرجع المشار إليه سابقا ص: 18. حيث يقول: “وأن القول بكون المؤسسات العمومية تتمتع بنوع من المصداقية يخالفه الواقع الذي يؤكد تملص هذه المؤسسات من مسؤولياتها تجاه المتعاقدين معها”.

أنظر أيضا في هذا السياق:

– إبراهيم بحماني في التقرير الذي قدمه في اليوم الدراسي حول مشروع بيع العقار في طور الإنجاز بتاريخ (6/1/2014) المنعقد داخل قبة البرلمان، وفي سياق تعليقه على مضمون الفصل (618/11) فإنه يعتقد بأن “هذا الاستثناء ليس له مبرر قانوني لأن بعض المسؤولين عن هذه المؤسسات والشركات قد تسببوا في نزاعات لازالت معروضة على المحاكم، لذلك ينبغي أن تلزم هذه الشركات والمؤسسات العمومية بما يلزم به باقي الأطراف لتكون حريصة على التسيير الجيد واختيار الكفاءات المؤهلة لذلك”.