مركز إدريس الفاخوري للدراسات والأبحاث في العلوم القانونية وجدة

تحفيظ الأراضي القروية دعامة أساسية للتنمية الفلاحية “الجهة الشرقية نموذجا”

د.حمداوي رشيـد

باحث في قانون العقود و العقار

مداخلة ضمن أشغال الندوة الوطنية التي نظمت من طرف المركز يومي 25 و26 نونبر 2016 تحت عنوان :”العقار والتعمير والاستثمار” بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بوجدة وذلك بمناسبة تكريم أستاذ التعليم العالي الدكتور الحسين بلحساني.

تقديم

راهن المغرب منذ الاستقلال على القطاع الفلاحي واعتبره العنصر الأساسي في الاقتصاد الوطني، واتخذ خيارا إستراتيجيا لقيادة قاطرة التنمية، فكان لابد من تهييئ المجال العقاري للاستثمار الفلاحي عبر تحديد الأملاك و تحفيظها و تسهيل استغلالها و صيانتها و التداول فيها، فأصدر المشرع عدة قوانين تهتم بالاستثمار الفلاحي[1] وتحفيظ الأراضي القروية[2]، وكان للمحافظة العقارية دورا بارزا في تحديد الملكية وحمايتها وتمكين الفلاحين من الانتفاع بأملاكهم و استثمار عقاراتهم القروية في الميدان الفلاحي، وتم نهج التحفيظ الجماعي للنهوض بالتنمية القروية استنادا إلي الفصل 16 من القانون الأساسي للتحفيظ العقاري الصادر بتاريخ 12 غشت 1913، كما تم تعديله و تغييره بموجب القانون 14.07، مع  اخذ الدولة بزمام المبادرة من اجل تفادي سلبيات الاختيار الفردي للتحفيظ. و كنتيجة طبيعية لنجاح التجارب الأولية للتحفيظ الجماعي تم إعداد مشروع تعديل الفصل 16 المذكور الذي تحولت مسودات تعديله، إلي التفكير في إنشاء ظهير متعلق بالتحفيظ الجماعي و الذي استفادت منه عدة قرى وبوادي على غرار ضم الأراضي الفلاحية بعضها إلي بعض و تم فتح و انجاز عدة قطاعات و مناطق سواء للتحفيظ الجماعي أو لضم الأراضي بالجهة الشرقية. ساهمت بشكل كبير على الرفع من وتيرة تحفيظ الأراضي القروية بالجهة وتنمية الفلاحة وازدهارها .

 وللإحاطة ببعض جوانب هذا موضوع هذه المداخلة قسمته إلي ثلاث مطالب على الشكل التالي :

المطلب الأول : آليات تحفيظ الأراضي القروية.

المطلب الثاني : الإشكالات العملية لتحفيظ الأراضي القروية.

المطلب الثالث : مدى مساهمة تحفيظ الأراضي القروية في تنمية الجهة الشرقية.

المطلب الأول : آليات تحفيظ الأراضي القروية

يعتبر التحفيظ العقاري الجماعي للأملاك القروية، وضم الأراضي الفلاحية بعضها إلي بعض، من أهم وسائل تحفيظ الأراضي القروية، وإنشاء رسوما عقارية لها تساعد المالكين الذين في معظمهم فلاحين صغار، على تدبير أحسن لأوعيتهم العقارية وحسن استغلالها وتداولها والتصرف فيها وإنشاء مشاريع استثمارية عليها.

وتمر مسطرة التحفيظ الجماعي للأملاك القروية بعدة مراحل (الفقرة الأولى)، والتي تتشابه في الكثير منها بمراحل عملية الضم إلا انه توجد اختلافات جوهرية بين المسطرتين (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : مراحل التحفيظ الجماعي للأملاك القروية

تنطلق أعمال التحفيظ الجماعي للأملاك القروية بإجراءات تمهيدية وأبحاث هندسية و تقنية يعهد للقيام بها إلي شركة من القطاع الخاص[3]، تحت إشراف مصلحة المحافظة العقارية و المسح العقاري و الخرائطية، كما تقوم هذه الشركة بأبحاث قانونية في عين المكان تمكن من التعرف المادي على العقارات و التواصل مع مالكيها والمعترضين وتميز العقارات محل النزاعات، لتنجز بعدها محاضر التحديد والتصاميم الطبوغرافية من طرف مصلحة المسح العقاري و الخرائطية.

فمشروع التحفيظ العقاري الجماعي يبدأ بإجراءات أولية تمهد لقرار فتح منطقة التحفيظ صادر عن وزير الفلاحة و الصيد البحري، تقوم على دراسة يشارك في إعدادها اطر المركب العقاري[4] بتشاور مع المجلس الجماعي التابع له منطقة التحفيظ المقترحة، و السلطة المحلية بتنسيق مع عمالة الإقليم ومختلف المصالح الخارجية[5]، لتأكيد الرغبة الجماعية في هذا المشروع، و التي تصدر في شكل مقرر عن المجلس الجماعي إما في دورة عادية أو استثنائية، ثم تبدأ تعبئة السكان انطلاقا من شرح مزايا هذا التحفيظ من طرف أطر المركب العقاري لممثلي المجلس الجماعي ومستشاريه، وتشكل هذه الإجراءات التمهيدية  أرضية الانطلاقة التي تهيئ لإصدار قرار وزير الفلاحة و الصيد البحري الذي نشر في الجريدة الرسمية، وبعد هذا القرار تبدأ أعمال البحث التجزيئي في عين المكان والذي يشكل الانطلاقة الفعلية للأوراش، وضبط المجال الجغرافي لمنطقة التحفيظ الجماعي، وغرس الأنصاب، و التعرف على السكان وتمييز طلاب التحفيظ عن باقي المتدخلين في حالة وجودهم مثل المتعرضين، حيث تسلم لكلا الطرفين بطائق مختلفة اللون تحتوي على معلومات تتعلق بالقطعة الأرضية وكذا بهوية الشخص وصفته هل هو متعرض أو طالب تحفيظ أو مستغل لحق عيني إن اقتضى الحال…

وبعد الانتهاء من البحث التجزيئي تبدأ أعمال  البحث القانوني و الذي يشارك فيها اطر مصلحة المحافظة ويراقبون عن كثب سير الأعمال في عين المكان، فيتم إخبار السلطة المحلية ودعوة الخصوم للحضور إلي جلسات أبحاث قانونية علنية، ويتم تعبئة مطالب التحفيظ مصحوبة بالوثائق اللازمة التي تفيد التملك، وتحرر شواهد خاصة بالملك للملاكين الذين لا يتوفرون على الوثائق وهم الأغلبية ، ثم ينجز بيان تجزيئي أو لائحة تضم جميع طلاب التحفيظ و الملاحظات، توضع رهن إشارة العموم لإبداء ملاحظاتهم لدى مصلحة المحافظة أو السلطة المحلية.

وفي الأخير يتوج هذا العمل الذي يجب أن يتم في مدة سنة قابلة للتجديد مرة واحدة، بإنجاز محاضر التحديد والتصاميم الطبوغرافية، ثم يتم إيداع مطالب التحفيظ بشكل رسمي لدى مصلحة المحافظة العقارية لتبدأ المرحلة الإدارية للتحفيظ[6].

وتجدر الإشارة الى أن جميع الأعمال المتعلقة بمسطرة التحفيظ الجماعي تنجز بدون مصاريف[7]. اللهم ما يتعلق بالتعرضات حيث تؤدى عنها المصاريف القضائية وحقوق المرافعة. حيث أن المطالب المثقلة بالتعرضات تنتقل إلي مسطرة أخرى وهي المسطرة القضائية بعد إحالة ملفات هذه المطالب الى المحكمة المختصة.

ويمكن أن تنجز بيانات ولوائح تعديله لاحقة للبيان الأصلي من طرف المحافظ إذا ظهر هناك أخطاء في المساحة مثلا بين المصرح بها و المذكورة في الشهادة الخاصة بالملك، و بين المساحة الحقيقية التي أظهرها التصميم، ويودع هذا البيان لدى السلطة المحلية و تطبق في شأنه نفس قواعد الإشهار و الإعلان و النشر بالجريدة الرسمية[8].

وإذا كانت هذه أهم المراحل التي تسير بها المسطرة الخاصة للتحفيظ العقاري الجماعي، فان مسطرة ضم الأراضي تشهد نفس الإجراءات و المراحل تقريبا مع وجود اختلافات أساسية سأتعرض لها في الفقرة الموالية.

الفقرة الثانية : مراحل ضم الأراضي الفلاحية

على غرار التحفيظ الجماعي الذي تسبقه إجراءات تمهيدية، نجد نفس هذه الإجراءات أيضا في ضم الأراضي الفلاحية بعضها إلي بعض، مع فارق أساسي وهو تدخل المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي في هذه الإجراءات[9] ، حيث يتم دراسة مشروع الضم من مختلف الجوانب و الجدوى منه، و النتائج المتوخاة تحقيقها، ويستشار في ذلك المجلس الجماعي التابع له النفوذ الترابي لمنطقة الضم.

ويتم إعداد الوسائل اللوجيستيكية من طرف المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي، وكذا انخراط مصلحة المحافظة العقارية و المسح العقاري في هذه العملية بالإضافة إلي السلطة المحلية، وأيضا السلطة القضائية إن اقتضى الحال، حيث تفرز عملية ضم الأراضي لجنة لتتبع الأشغال و السهر عليه تسمى لجنة الضم.

ويصدر في شأن افتتاح منطقة الضم قرار لوزير الفلاحة و الصيد البحري يتبع نفس الإجراءات المتعلقة بالتحفيظ الجماعي السابق الإشارة إليه و المتعلقة أساسا على الإعلان بالجريدة الرسمية و النشر و غيرها… .

  • ويمكن إجمال أهم هذه المراحل في :
  • المرحلة التمهيدية.
  • مرحلة انجاز المشروع وإعداد اللوائح التجزئية إلي غاية انجاز اللائحة رقم 6. المصادق عليها، و التي تعتبر السند الأساسي لنقل الملكية.
  • مرحلة إيداع المطالب و محاضر التحديد و التصاميم الطبوغرافية و التي تليها بعد انتهاء اجل التعرضات الذي يمتد إلي ستة أشهر بعد الإعلان عن إنهاء التحديد، مرحلة اتخاذ قرارات التحفيظ أو الإحالة على المحكمة المختصة بالنسبة للمطالب المثقلة بالتعرضات[10].

وإذا كانت بعض هذه المراحل المشتركة بين التحفيظ العقاري الجماعي و ضم الأراضي إلا انه هناك عدة اختلافات فيما بينهم، سألخص أهم نقاط الاختلاف و التشارك بين المسطرتين في الجدول التالي :

العناصر التي ينفرد بها التحفيظ الجماعي فقطالعناصر التي ينفرد بها ضم الأراضي فقطالعناصر المشتركة بين ضم الأراضي و التحفيظ الجماعي
ينضمه ظهير 25 يوليوز 1969.تحفيظ اختياري.قد تخضع بعض المطالب في إطاره للرفض أو الإلغاء.يتضمنه ظهير 3 يونيو 1962 كما تم تعديله بموجب ظهير 25 يوليوز 1969. تحفيظ إجباري.لا يمكن إلغاء أو رفض المطالب المودعة في إطار الضم .يمكن ان نجد الشهادة الخاصة ايضا لدى طلاب التحفيظ الذين لا يتوفرون على وثائق تفيد التملك، إلا أنها لا تعتبر سندا أساسيا لاتخاذ قرار التحفيظ، بل يتم الاعتماد على اللائحة التجزئية المصادق عليها رقم6.كلا المسطرتين مجانيتين.يهدفان معا إلي تحفيظ الأراضي القروية والمساهمة في التنمية الفلاحية و الاستثمار الفلاحي.كلا المسطرتين تسبقهما مراحل تمهيدية وإجراءات لتعبئة السكان للانخراط في إنجاح المشروع و يصدر في شأنهما قرار عن وزير الفلاحة و الصيد البحري.كلا المسطرتين جماعيتان تتمان في شكل جماعي .كلاهما يتمان بمبادرة من الدولة وهياكلها ذات الارتباط بالمجال الفلاحي.كلاهما يتم إيداع المطالب المنجزة في إطارها لدى مصلحة المحافظة العقارية والمسح العقاري و الخرائطية في إطار المساطر الخاصة.كلاهما قد يعرفان المرحلة الإدارية للتحفيظ أو المرحلة القضائية في حالة ظهور تعرضات على مسطرة التحفيظ وإحالة المطالب المتعرض عليها على المحكمة المختصة.
تعتبر الشهادة الخاصة بالملك من الوثائق الأساسية التي يعتمد عليها طلاب التحفيظ الذين لا يتوفرون على وثائق وتعتبر هذه الشهادة سندا لاتخاذ قرار التحفيظ.
اللوائح أو البيانات التجزئية تعتبر مجرد بيانات لإشهار الملاك لدى السلطات المحلية أو المحافظة ولا تعتبر سند لنقل الملكية عكس اللوائح التجزئية في إطار الضم.تعتبر اللائحة التجزئية المصادق عليها النهائية و المعروفة باللائحة رقم 6 سندا رسميا لنقل الملكية إلي طلاب التحفيظ المذكورين فيها.
أجال التعرض خاضع للقواعد العامة و هي شهرين ابتداء من تاريخ الإعلان عن إنتهاء التحديد.اجل التعرض خاضع للقواعد الخاصة المنصوص عليها في ظهير 30 يونيو 1962 وهي ستة أشهر بداية من تاريخ الإعلان عن إنتهاء التحديد.
تقوم شركة خاصة بانجاز مشروع التحفيظ الجماعي و القيام بالأشغال الهندسية و الأبحاث القانونية تحت إشراف المركب العقاري.تقوم لجنة الضم بالإشراف على كل أشغال و مراحل مسطرة ضم الأراضي و قراراتها نهائية غير قابلة للطعن إلا أمام الغرفة الإدارية بمحكمة النقض.
غياب ممثلين عن السلطة القضائية في جميع مراحل التحفيظ الجماعي.وجود ممثل السلطة القضائية (قاض من المحكمة الابتدائية) كطرف أساسي في لجنة الضم.
الحدود تبقى على حالها بدون احداثات جديدة .إتلاف الحدود وضم الأراضي بعضها إلي بعض و إعادة توزيعها و تقطيعها من جديد بعد إحداث الطرقات و المسالك الفلاحية و قنوات الري.
لا يتغير الوعاء العقاري للملاكين وكل مالك يبقى في أرضه.قد يتغير الوعاء العقاري للملاكين بين ماقبل الضم و بعده، حيث قد يكون لمالك قطعة ذات تربة خصبة بمساحة صغيرة قبل الضم، وتسلم له بعد الضم قطعة اقل خصوبة وذات مساحة اكبر و العكس صحيح.
تخضع التصرفات الناقلة للملكية والتفويتات لنفس الشروط الواردة في القواعد العامة.يمكن للمحافظ أثناء مراقبة لعملية التفويتات  والتصرفات الناقلة للملكية أن يطلب شهادة إدارية مسلمة من المكتب الجهوي للاستثمار ألفلاحي للمساهمة المباشرة في الاستثمار ألفلاحي
تخضع عملية التقسيم لمراقبة المجلس الجماعي و الوكالة الحضرية وان لا تخالف قوانين التعمير المنصوص عليها في القانون 25.90 و 12.90 و أن تكون منسجمة مع وثائق التعمير خاصة تصميم التنمية إذا كان يخص الجماعة الواقع في نطاقها مشروع التحفيظ الجماعي.تخضع أعمال التقسيم لمراقبة لجنة الضم وترخيصها مع شرط أن لا تتجاوز الأملاك المقسمة خمس هكتارات حسب مقتضيات القانون رقم 34.94.
النطاق الزمني للتحفيظ الجماعي يمتد لمدة سنة قابلة للتجديد  مرة واحدة لمدة ستة أشهر بقرار صادر عن وزير الفلاحة و الصيد البحري و ينشر في الجريدة الرسمية. مدة ضم الأراضي قد تمتد لعدة سنوات نظرا لأشغال شق الطرق و المسالك ودوائر الري وقنوات نقل الماء ومختلف الأعمال المتعلقة بإصلاح الأراضي و إعداد الوثائق و اللوائح و التصاميم.

وإذا كانت هذه أهم المراحل و نقط الاختلاف و الاتفاق بين هاتين المسطرتين الخاصتين للتحفيظ العقاري فما هي الإشكالات العملية التي تعترضهما؟

المطلب الثاني : الإشكالات العملية لتحفيظ الأراضي القروية

قد تتعرض مسطرة التحفيظ الجماعي وضم الأراضي إلي عدة إشكالات متشابهة على ارض الواقع، أبرزها حالة التوجس و الانتظار التي تبدو على السكان القرويين و الفلاحين عند خروج الأجهزة الإدارية المكلفة بعملية التحفيظ إلى القرى و البوادي، بحيث تثير هذه التحركات على ارض الواقع حفيظة السكان ويجعلهم يتسألون عن طبيعة هذه الأعمال وهل تؤثر على أملاكهم، لذلك فان التعبئة الغير الناجحة قد تؤدي إلى التصادم مع الساكنة و التي قد تؤثر سلبا على نجاح مشروع التحفيظ برمته..

وتبدو بعض الإشكاليات العملية أثناء بداية انتقال أشغال التحفيظ الجماعي و الضم أو عند انتهائه.

وعليه سأتطرق لبعض هذه الإشكالات في فقرتين، أخصص الأولى لنماذج من الإشكالات الواقعة في التحفيظ الجماعي، والثانية لنماذج من الإشكالات المرتبطة بضم الأراضي.

الفقرة الأولى : الإشكالات المرتبطة بالتحفيظ الجماعي

عند بداية أشغال التحفيظ الجماعي في عين المكان تبدأ بعض الإشكالات في الظهور، ويتم التعرف على طلاب التحفيظ، والملاكين، والمعترضين، والعقارات محل النزاعات ويسلم لكل فئة بيان خاص من طرف ممثلي الشركة المكلفة بالمشروع، حيث يسلم إلى طلاب التحفيظ بطائق ذات لون أخضر عادة تضمن فيها تحديد هوية طالب التحفيظ وكذا علامات القطعة ورقمها الترتيبي باللائحة التجزئية في حين يسلم إلى المتعرضين بطائق ذات لون احمر تتضمن نفس المعلومات، ويكتب عليها صفة متعرض.

وعند انجاز الشواهد الخاصة بالملك[11]، و التي توقعها السلطة المحلية ممثلة في القائد أو الخليفة. يشهد من خلالها 12 شاهد من الحضور أو السكان المحليين للقرية موضوع عملية التحفيظ بتصرف طالب التحفيظ في القطعة الأرضية المتداولة بالتحفيظ، ورغم أن هذه الشهادة الخاصة بالملك تساهم بشكل كبير في تسوية النزاعات وإنجاح مشروع التحفيظ الجماعي إلا أنها تصطدم بعدة معوقات أذكر منها :

  • عدم استفادة المتعرضين من هذه الشهادة واقتصارها على طلاب التحفيظ فقط، خاصة إذا كان المتعرض صاحب حق حيث سيكون مضطرا للبحث عن وثائق أخرى لتدعيم تعرضه باعتباره ملزما بالإثبات لصفته كمدعي، خاصة أمام عدم وجود وثائق لأغلب الأراضي القروية التي يشملها التحفيظ الجماعي.
  • عدم إمكانية تعديل هذه الشهادة بإضافة مالكين آخرين تم إغفالهم، بحيث في هذه الحالة يضطر طلاب التحفيظ إلى انجاز عقد ناقل للحظوظ المشاعة إذا اغفلوا أحد الورثة مثلا.
  • المساحات المضمنة في هذه الشهادة مصرح بها وتقريبية و التي تختلف عادة مع المساحات التي سيظهرها التصميم، مما يكون معها المحافظ مضطرا إلى إلغاء المطالب التي تعرف خلافا شاسعا في المساحة.
  • بعض الشواهد تحمل التوقيعات بالبصمة وليس بخط اليد فهل يتم مراقبة تذييل القائد للشهادة بالتوقيع وغض النضر عن شكل الشهود أم أن مراقبة الشهادة الخاصة بالملك يجب أن تشمل جميع الشكليات؟

وإذا كانت هذه بعض الإشكالات التي تظهر أثناء أعمال التحفيظ العقاري للأملاك القروية، فما هي الإشكالات ذات العلاقة بضم الأراضي الفلاحية؟

الفقرة الثانية: الإشكالات المرتبطة بضم الأراضي الفلاحية.

على غرار التحفيظ الجماعي يعفى الحائزون للعقارات التي تشملها عملية التحفيظ في إطار الضم من إثبات ملكيتهم بالعقود و السندات إذ لم يتوفروا عليها وتنجز لهم شواهد خاصة بالملك، شبيهة بالشهادة التي تنجز في إطار التحفيظ الجماعي، إلا أنها لا تعتبر سندا لإتخاذ التحفيظ، بل أن هذه القرارات تتخذ بناء على اللائحة التجزيئية رقم6 المصادق عليها. والتي تعتبر في حد ذاتها ناقلة للملكية.

وتعتبر التصرفات التي تمت أثناء أشغال الضم وهي في الأصل ممنوعة[12] ، من أهم الإشكالات التي نلاحظها حيث أن الحائزين و المستغلين الفعليين و الذين يمتلكون عقدا ناقلا للملكية يختلفون عن المالكين القانونيين المذكورين في سجلات المحافظة العقارية[13]. بالإضافة القيود القانونية التي تنضم العمليات العقارية بدوائر السقي التي تتمتع القسمة والبناء إلا بشروط. أهمها ضرورة أن تكون الملكية المراد تقسيمها لا تقل عن خمس هكتارات…[14]

وتعتبر إشكالية التعرضات الجزئية التي لم يتم تحديدها أثناء عملية الضم، وأحيلت على المحكمة المختصة والتي قضت بصحة التعرض الجزئي غير المحدد ثم أعيد ملف المطلب إلى المحافظة العقارية قصد العمل بمنطوق الحكم النهائي من أهم إشكالات صعوبة تطبيق الأحكام المرتبطة بضم الأراضي، وهنا نطرح العديد من التساؤلات منها:

  • هل يتم تحديد وعاء التعرض الجزئي المحكوم بصحته من جديد، وهنا نصطدم بإمكانية تعرض طالب التحفيظ على موقع التعرض، إذ قد يعترف بالحكم النهائي ولكن يختلف مع المتعرض عند تحديد وعاء التعرض، وحتى في حالة اتفاق طالب التحفيظ والمتعرض على تحديد وعاء التعرض وكانت مساحته أقل من خمس هكتارات فان لجنة الضم أو المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لايسلم الترخيص بالتقسيم لمخالفته للقانون 34.94؟
  • وهل يمكن تحويل التعرض الجزئي المحكوم بصحته إلى حقوق على الشياع ونشر خلاصة إصلاحية بين طالب التحفيظ والمتعرض وتتابع مسطرة التحفيظ من جديد في اسمه مع نشر إعلان جديد عن إنهاء التحديد في هذه الحالة.
  • أم أنه يعاد الملف إلى القضاء للعمل على تحديد وعاء التعرض المحكوم بصحته من طرف مهندس طبوغرافي محلف؟

ويلاحظ انه ليس هناك توحد بين المحافظات العقارية في اتخاذ الحل المناسب لتجاوز هذا الإشكال إلا انه في كل الحالات السابقة ليس هناك ما يمنع من اتخاذ أي منها مادام أنها لا تؤثر على الحق العيني في مجمله إذ أن حق المتعرض محفوظ في كل الحالات السابقة، وإذا ظهر نزاع جديد سواء عند رفض تحديد وعاء التعرض وغيره فيمكن إعادة الملف من جديد إلى القضاء على ضوء الأسباب الجديدة.

ورغم الإشكالات المرصودة أعلاه في كل من التحفيظ الجماعي وضم الأراضي إلا أنها شكلت رافعة أساسية لتنمية مجموعة من القرى بالجهة الشرقية.

المطلب الثالث : مدى مساهمة تحفيظ الأراضي القروية في تنمية الجهة الشرقية.

حقق كل من التحفيظ الجماعي للأملاك القروية وضم الأراضي بعضها إلي بعض، نتائج جد مهمة بالجهة الشرقية ساهمت فيها بشكل كبير الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية و المسح العقاري والتي عملت على فتح عدة ورشات للتحفيظ القروي حققت نتائج جد مهمة .

  • فماهي مظاهر مساهمة التحفيظ الجماعي وضم الاراضي في تنمية القرى بالجهة الشرقية؟
  • فما هي إذن مظاهر ماهية التحفيظ الجماعي وضم الأراضي في تنمية القرى والفلاحة بالجهة الشرقية؟

سأحاول الإجابة عن هذا السؤال في الفقرتين المواليتين.

الفقرة الأولى : مدى مساهمة  التحفيظ الجماعي في التنمية القروية بالجهة الشرقية.

إن اغلب الملكيات الكبيرة و المتوسطة في العالم القروي محفظة[15]. وقد وضعت الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية و المسح العقاري المعهود له تحفيظ العقارات آليات لتسريع وتيرة التحفيظ ليشمل كافة الأراضي القروية بالمملكة، وكان للجهة الشرقية نصيب منها، حيث فتحت منذ نهاية التسعينيات من القرن العشرين عدة ورشات للتحفيظ العقاري الجماعي في كل من أقاليم الناظور، الدريوش، وجدة أنكاد، كرسيف، تاوريرت، بركان،…

وحققت نتائج جد مشجعة استفاد منها الفلاحون الصغار حيث تم تحفيظ عقاراتهم وإنشاء رسوما عقارية لهم، ساهمت بشكل كبير  في تشجيعهم على الاستثمار وتداول العقارات، حيث أصبحت هذه العقارات منتجة ومشاركة في الدورة الاقتصادية بعدما كانت جامدة، كما تم تصفية مجمل النزاعات والتعرضات التي كان تعرفها هذه الأوعية العقارية حيث أحيلت المطالب الواقعة في نطاق التحفيظ الجماعي على المسطرة القضائية للتحفيظ، وصدرت في معظمها أحكاما قضائية نهائية، إما بصحة التعرضات لتتابع بالتالي مسطرة التحفيظ من جديد في اسم المتعرضين السابقين، أو عدم صحة هذه التعرضات حيث تتخذ قرارات بالتحفيظ في اسم طلاب التحفيظ بعد شطب التعرضات المذكورة.

وعليه أصبحت معظم العقارات التي شملتها عملية التحفيظ العقاري الجماعي محفظة وخالية من أي نزاعات وهو ما يمنح دون شك الاطمئنان و الاستقرار للمتعاملين في المادة العقارية والمؤسسات المالية التي تمنح قروضا للمالكين.

وإذا كانت الجماعات القروية وخاصة في الأراضي البورية الفلاحية قد استفادت من مشاريع التحفيظ الجماعي، فان الجهة الشرقية قد سبق لها أن استفادت منذ بداية الستينيات من القرن العشرين من مشاريع الضم في إطار مشاريع الاستثمار الفلاحي.

الفقرة الثانية : مدى مساهمة ضم الأراضي على التنمية القروية بالجهة الشرقية.

إن تحقيق التنمية الفلاحية وإنعاش الاستثمار في القطاع الفلاحي يتطلب مجموعة من العوامل تتمثل أساسا في العقار، ماء السقي، التقنيات الزراعية، والإرشادات الفلاحية، التمويل وغيره، وقد حاول المغرب منذ بداية الاستقلال الإهتمام بالقطاع الفلاحي واعتباره قطب الاقتصاد المغربي، وقد استفادت الجهة الشرقية من مبادرات الدولة في القطاع الفلاحي، حيث شهدت عدة أقاليم عملية ضم الأراضي الفلاحية و الاستثمار فيها مثل إقليم الناظوروإقليم بركان ووجدة أنكاد،… حيث تم إصلاح الأراضي وتزويدها بشبكة الري بربطها بنهر ملوية وسد محمد الخامس، ومشرع حمادي، وتدعيم عدة منتجات فلاحيه نجحت زراعتها بشكل كبير في الجهة الشرقية مثل الحوامض و البطاطس والخضروات بجهة مداغ و أكليم إقليم بركان، وقصب السكر والشمندر السكري بجهة صبرة زايو وبوعرك وتزطوطين إقليم الناظور.

وقد استفاد الفلاحين بالجهة الشرقية بمشاريع الضم حيث أصبحت الأراضي الفلاحية المسقية الواقعة داخل دوائر الري أرضية مهمة للاستثمار و الإنتاج، وتحسن المنتوج الفلاحي بالجهة الشرقية بشكل كبير وأصبحت بعض هذه المنتجات موجهة للتصدير خارج ارض الوطن مثل الحوامض، كما نلاحظ وفرة الخضراوات والفواكه المحلية، بالرغم من فترة الجفاف وانحصار التساقطات المطرية وبعض الصعوبات اللوجستيكية المتعلقة بتسويق المنتوج الفلاحي بالجهة الشرقية.

خاتمة

من خلال هذه المداخلة التي شاركت بها في الندوة الوطنية المنظمة من طرف ماستر العقود و العقار بوجدة في موضوع العقار والتعمير والاستثمار والتي أقيمت تكريما لأستاذنا الدكتور “الحسين بالحساني” في موضوع “تحفيظ الأراضي القروية دعامة أساسية للتنمية الفلاحية، الجهة الشرقية نموذجا”. والذي تطرقت من خلالها إلى ثلاث محاور أساسية كما هو مبين أعلاه، تناولت فيها مدى مساهمة كل من التحفيظ الجماعي للأملاك القروية وضم الأراضي الفلاحية في تنمية المجال الفلاحي و القروي، عبر المرور بداية بالمراحل التي تمر بها كلا من المسطرتين الخاصتين للتحفيظ وبعض الإشكالات العملية التي تعترض إنزالهما على ارض الواقع، لأخلص في الأخير إلي بعض النتائج التي حققتها هذه المساطر الخاصة بالجهة الشرقية ومدى استفادة الفلاحين منها.


[1] – سن المشرع المغربي قانون الاستثمار الفلاحي بموجب ظهير 25-69-1. بتاريخ 25 يوليو 1969، الجريدة الرسمية عدد 2960، و الذي بموجبه تم تعديل وتنظيم الظهير الشريف الصادر بتاريخ 30 يونيو 1962 المتعلق بضم الأراضي الفلاحية بعضها إلي بعض المنشور بالجريدة الرسمية عدد 2595 بتاريخ 20/07/1962، و بنفس الجريدة الرسمية عدد 2960 تم إصدار الظهير المتعلق بالتحفيظ الجماعي للأملاك القروية.

[2]  – ظهير شريف رقم 105-62-1، بتاريخ 25/07/1969 المتعلق بالتحفيظ الجماعي للأملاك القروية، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 2960 مكرر بتاريخ 25 يوليوز 1969 صفحة 2042.

[3]  – تم تنظيم و إشراك القطاع الخاص منه 1998 لانجاز مهام التحفيظ الجماعي للأملاك القروية في إطار صفقات عمومية وفق دفتر التحملات ينفذ تحت الإشراف المباشر لمسؤولية المركب العقاري من جهة ومسؤولية المصالح المعنية للإدارة المركزية للوكالة الوطنية للمحافظة العقارية و المسح العقاري و الخرائطية، راجع في هذا الصدد. حميد الربيعي الندوة الوطنية في موضوع الأمن العقاري. دفاتر محاكم النقض، العدد 26 الصفحة 41.

[4]  – يقصد بالمركب العقاري، مصلحة المحافظة العقارية ومصلحة المسح العقاري و الخرائطية.

[5]  – مثل إدارة المياه و الغابات، إدارة أملاك الدولة، إدارة التجهيز، إدارة الأوقاف…

[6]  –  للمزيد من التفاصيل حول هذه المراحل راجع :

  • حميد الربيعي، مرجع سابق.
  • حليمة قليش، “المساطر الجماعية للتحفيظ ودورها في تعميم نظام التحفيظ العقاري”، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، وحدة التكوين و البحث في قانون العقود و العقار، كلية الحقوق، جامعة محمد الأول، الموسم الجامعي 2006/2007 الصفحة 7.

[7]  – للمزيد من التفاصيل راجع : إبراهيم بحماني، “التحفيظ الجماعي للأملاك القروية و إشكالاته” مقال منشور في مجلة “العقار و التنمية المجالية بمدينة تزنيت، أشغال اليوم الدراسي الذي نضمه المجلس البلدي لمدينة تزنيت ومركز الدراسات القانونية المدنية و العقارية بكلية الحقوق بمراكش، يوم السبت 13 مايو 2006، منشورات الطبعة و الوراقة الوطنية الدوديات.مراكش، الصفحة 53.

[8]  – راجع المادة الرابعة من ظهير 25 يوليوز 1969 المتعلق بالتحفيظ الجماعي للأملاك القروية.

[9]  – راجع في هذا الصدد إبراهيم بحماني، مرجع سابق.

[10]  – للمزيد من التفاصيل حول مراحل ضم الأراضي و الإشكالات المرتبطة به راجع “محمد الزخوني” ضم الأراضي الفلاحية بين إصلاح الهياكل العقارية و متطلبات التنمية” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص، وحدة التكوين و البحث في قانون العقود و العقار بكلية الحقوق، جامعة محمد الأول، وجدة. السنة الجامعية 2004/2005.

[11]  – تعتبر الدورية الصادرة عن وزير الداخلية لـ 15 مارس 1958 عدد 828 المصدر الرئيسي لهذه الشهادة، وبعدها صدرت دورية أخرى تتحدث عن هذه الشهادة عن وزير الداخلية بتاريخ 18/12/2013 عدد 11735.

و أول نص تشريعي يتطرق بشكل صريح لهذه الشهادة هو الفصل 51 الفقرة من القانون 14.07 المتعلق بتغيير و تتميم ظهير التحفيظ العقاري لـ 12 غشت 1913. وان كان المشرع هنا يتحدث عن التحفيظ الإجباري وليس التحفيظ الجماعي الذي يتميز بطابع الاختيارية.

[12]  – يمنع كذلك على الملاك إجراء تصرفات في العقارات التي صدر قرار بضمها كما يمنع عليهم إحداث بنايات أو أغراس في الأراضي المقرر عليها أو تعتبر حالتها حسب مقتضيات ظهير الضم ليونيو 1962.

[13] – أشغال اليوم الدراسي المنظم من طرف جمعية بوعرك للبيئة و التنمية منتدى بوعرك الثاني، جماعة بوعرك وأفاق التنمية المستدامة” 18 مارس 2016.غير منشور.

[14]  – للمزيد من التفاصيل راجع محمد الزخوني. مرجع سابق.

[15]  – احمد الربيعي، مرجع سابق، صفحة 43.