مركز إدريس الفاخوري للدراسات والأبحاث في العلوم القانونية وجدة

مظاهر الحماية القانونية لأملاك الجماعات السلالية في ضوء المستجدات التشريعية

د. أحمد الساخي

قاضي بالمحكمة الابتدائية بتزنيت

منشور في العدد 4 من مجلة فضاء المعرفة القانونية التي تصدر عن المركز.

المقدمة

يشكل العقار المحور الاساسي في انجاز المشاريع المنتجة للثروة، وهو بذلك يعتبر دائما رافعة هامة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية داخل المجتمعات الحديثة، لذلك تسعى مختلف التشريعات الى خلق نظام عقاري متكامل في أحكامه ومتجانس في قواعده، بما من شانه استيعاب الحاجيات المجتمعية ومتطلبات التنمية، إلا أن هذا العقار يعرف تعددا على مستوى نظمه القانونية

وتحتل أراضي الجماعات السلالية[1]، أو ما يعرف في الأوساط العامة بـ «أراضي الجموع” مكانة هامة ضمن النسيج العقاري الوطني، بحيث تقدر مساحتها بحوالي 15 مليون هكتار موزعة على 60 عمالة وإقليم، وتستفيد منها ساكنة تقدر بحوالي 10 ملايين نسمة، موزعة على 4560 جماعة سلالية يمثلها 7812 نائبا ونائبة[2]. وقد جرى تعريفها على انها أراضي تملكها بصفة جماعية مجموعة من السكان المنتمين لأصل واحد أو سلالة واحدة، تخصص منفعتها لهذه المجموعة للتصرف فيها بالحرث أو الرعي أو الكراء للغير بواسطة مندوبيها تحت وصاية وزارة الداخلية تبعا للأعراف المحلية وعادات القبائل الموجودة بها[3].

ويتم تصنيف هذه الأراضي بالنظر الى طبيعة استغلالها، إلى ثلاثة أنواع أساسيه، تتمثل في مناطق التخييم والمرافق التابعة لها وهي مناطق مخصصة لسكنى افراد الجماعة السلالية جزء منها اضحى ضمن المجالات الحضرية والضاحوية والمراكز القروية، وأراضي فلاحية أو قابلة للفلاحة وأراضي رعوية وهي التي تشكل النسبة الكبيرة وبتم استغلالها بصفة مشتركة.

ولا شكل أن المتأمل في تلك المقتضيات الجديدة الناظمة لأملاك الجماعات السلالية يتلمس الرغبة الاكيدة من المشرع في تجاوز النواقص التي اعترت المنظومة القانونية السابقة بوضع نظام قانوني متكامل لآليات تدبير شؤون الجماعات السلالية، يمنح حماية مشابهة للملك العمومي لأملاك الجماعات السلالية من خلال إقرار عدم قابليتها للتملك عن طريق التقادم ومنع تفويتها والحجز عليها، لكن مع كل ذلك فان المقتضيات القانونية لم تعاجل  عديد الاشكالات التي افرزتها الممارسة العملية سيما إشكالية تداخل الاختصاصات بين الوصاية والقضاء بشأن الفصل في النزاعات المرتبطة بأراضي الجماعات السلالي، وعدم الحسم في طبيعة الاذن بالتقاضي.

ومحاولة منا في استجلاء مظاهر الحماية القانونية على مستوى قواعد الموضوع وعلى مستوى قواعد، سنعمل مقاربة الموضوع من خلال تقسيمه الى عنصرين أساسيين وذلك على النحو التالي:

المطلب الأول: مظاهر الحماية القانونية الموضوعية لأملاك الجماعات السلالية

حماية للأملاك الجماعات السلالية من الترامي غير القانوني، أقر المشرع مبدأ عدم قابليتها للتقادم والحياز والتفويت والحجز وذلك حتى يضمن استمرارية وبقاء هذا الرصيد العقاري العريق، وضمان استقرار الجماعات السلالية في الأراضي التي تستغلها تفاديا للهجرة والنزوح، وهي قواعد استقر عليها العمل القضائي والبعض الأخر اجتهد في تقريرها ذلك ما سنتناوله تباعا في ثلاث فقرات كالتالي:

الفقرة الأولي: عدم قابلية أملاك الجماعات السلالية للتقادم والحيازة

عمل المشرع على إقرار مبدأ عدم قابلية أراضي الجماعات السلالية للتقادم والحيازة من خلال مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 15 من القانون رقم 62.17 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية[4] والتي جاء فيها على أنه :” لا تكتسب أملام الجماعات السلالية بالحيازة ولا بالتقادم ولا يمكن أن تكون موضوع حجز، وقد تم تأكيد هذا المنحى ضمن مقتضيات المادة 261 من مدونة الحقوق العينية[5] صراحة بإقرار مبدأ عدم قابلية الأملاك الجماعية للاكتساب بالحيازة مهما طالت مدتها على غرار الأملاك العامة وغيرها، وقد نصت المادة أعلاه على أنه: ” لا تكتسب بالحيازة: – ..أملاك الجماعات السلالية.”

وبنفس القدر من الحماية المقررة للملكية اقر المشرع كذلك عدم قابلية حق الانتفاع المقرر لفائدة أعضاء الجماعة السلالية للتقادم والحجز وفق تضمنته الفقرة الثانية من المادة 16 من ذات القانون أعلاه والتي نصت على ما يلي: “يعتبر حق الانتفاع حق شخصيا. غير قابل للتقادم ولا للحجز، ولا يمكن التنازل عنه إلا لفائدة الجماعة السلالية المعنية.”

ومؤدى قاعدة عدم قابلية أملاك الجماعات السلالية وكذا حق الانتفاع للتقادم عدم جواز اكتساب ملكية تلك الأراضي بالتقادم المكسب[6] مهما طالت مدة الحيازة ولا يمكن الاحتجاج في مواجهة الجماعة السلالية بذلك، خروجا عن القواعد العامة المقررة في باب الحيازة المكسبة للملك، والتي تعتبر الحيازة عنوان الملكية الظاهر، وجعل منها القضاء أهم قرينة عليها، إلا إذا اعترفت الجماعة السلالية للفرد الحائز بحيازته المستوفية للشروط وعدم اعتراضها عليها خلال ممارسته لها.

وفي ذات المنحى جاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي[7]:”ولذلك ولما للمحكمة من سلطة في تقدير الأدلة، واستخلاص قضائها منها، فإنها حيث عللت قضاءها بأنها “استجلاء منها لحقيقة النزاع وتحقيق العدالة بين الخصوم، عملت على الوقوف على عين المكان رفقة خبير قصد تطبيق وقائعها على أرض النزاع، وتبين لها أن أرض النزاع تدخل ضمن رسم الملكية المدلى به من طرف الجماعة السلالية المضمن أصله في كناش الأملاك 48 ص 476 ع 643 و تاريخ 11/01/1965،وأنه بمجرد ثبوت الملك للجماعة، فإن جميع الحجج والرسوم المستدل بها من طرف الخصم مجردة من القوة الثبوتية، على اعتبار أن الأرض الجماعية تكتسي حصانة خاصة لعدم سريان التقادم عليها وعدم قابليتها للتفويت، الأمر الذي يكون معه القرار معللا بما فيه الكفاية، وما بالوسيلة بالتالي غير جدير بالاعتبار.”

وترتيبا على كل ذلك، فإنه سواء تم استغلال تلك الأراضي بصورة جماعية تمكن كل أفراد الجماعة من استغلال العقار الجماعي في الرعي والحطب، أو تم استغلاله عن طريق تخصيصه لفرد من أفراد الجماعة ليستغله في الفلاحة، فإن الجماعة تبقى هي المالكة والحائزة للعقار الجماعي، وعليه ومهما طالت مدة استغلال أعضاء الجماعات للأراضي الجماعية، ومهما أنشئت من رسوم استمرار في شأن هذه الأراضي من طرف الأعضاء، أو غير الأعضاء المنتسبين للجماعة السلالية، فإن كل ذلك لا ينفي عنها الصبغة الجماعية، ولا يفقد الجماعات المالكة ملكيتها.

الفقرة الثانية: عدم قابلية أملاك الجماعات السلالية للتفويت والحجز

إن لحق الملكية خصائص تجعل منه حقا مانعا، جامعا، استئثاريا، يخول صاحبه جميع المزايا والمكنات الممكن ورودها على الشيء الذي هو وعاء هذا الحق، فالمالك نتيجة لذلك يستطيع أن يمارس بشأن ملكه جميع ما يوفره له حق الملكية في مفهومه العام والشامل من استعمال واستغلال وتصرف قانوني ومادي[8].

إلا أن من خصوصيات أراضي الجماعات السلالية أو حق الانتفاع المقرر لأعضائها هو عدم قابليتهما للتصرف فيهما عن طريق التفويت، وهي خاصية وميزة تم التشديد عليها منذ أول منشور أقره الصدر الأعظم بتاريخ 12 نونبر [9]1912، وذلك بإدراج أملاك الجماعات السلالية في عداد الأموال غير القابلة للتفويت، وتكرس هذا المبدأ في مجموع النصوص التنظيمية اللاحقة لهذا المنشور، وكان أخرها ما تضمنته الفقرة الثانية من مقتضيات المادة 15 من القانون رقم 62.17 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها والتي جاء فيها بأنه ولا يمكن تفويت أملاك الجماعات السلالية إلا في الحالات ووفق الشروط الواردة في هذا القانون ونصوصه التطبيقية، وذلك تحت طائلة بطلان التفويت، ونفس المنحى ذهب إليه المشرع بالنسبة لحق الانتفاع، حينما ضمن مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 16 من ذات القانون حق الانتفاع يعتبر حق شخصيا. لا يمكن التنازل عنه إلا لفائدة الجماعة السلالية المعنية، وقد توخى المشرع من تكريس هذا المبدأ كفالة حماية فعالة وناجعة لتلك الأملاك والحيلولة دون التهافت على هذا الرصيد العقاري وإهداره.

ومؤدى مبدأ عدم قابلية أراضي الجماعات السلالية أو حق الانتفاع الشخصي للتفويت، هو عدم قابلية نقل ملكيتها إلى الغير أو بين ذوي أعضاء الجماعة السلالية نفسها، إما بصفة مباشرة ببيعها، أو بكل عقد آخر قد يؤدي في النتيجة إلى نقل ملكيتها إلى الغير كالرهن أو التنازل عن منفعة أو تسليم.

وفي سياق الحماية القانونية لأملاك الجماعات السلالية أو حق الانتفاع من التفويت، ذهبت محكمة النقض إلى أن التصرفات الناقلة للملكية في هذه الأراضي، والعقود المبرمة خلافا للمنع التشريعي من التصرف المقررة بموجب المادة 15  أعلاه تكون باطلة، ولا ترتب أي أثار قانونية، وهكذا نقرأ في أحد القرارات الصادرة عنها ما يلي: “حيث صح ما عابته الطاعنة على القرار، ذلك أن أراضي الجموع لا تباع ولا تشترى بين الخواص ولا تملك بالتقادم، وإنما تخضع لظهير 27 أبريل [10]1919 وأدلت بشهادة إدارية من الكاتب العام لعمالة إقليم طاطا تفيد أن الأرض جماعية، وأدلى المطلوب بشهادة أخرى تفيد أن أرض النزاع لا تنتمي إلى أراضي الجموع، فإن ذلك لا يعني أن هناك نزاعا حول الصبغة الجماعية للأرض ولا يمكن للمحكمة اللجوء بشأنها إلى الترجيح بين ملكيتي الطرفين وتطبيق قواعد الترجيح إلا بعد التأكد من أن الأرض ليست جماعية، وأنها غير معدة للاستغلال الجماعي الذي من بين مظاهره الرعي وجمع الحطب أو الاستغلال الجماعي في أي نشاط آخر، فإن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما عمدت في إطار الفصل في النزاع إلى الترجيح وتطبيق قواعد الترجيح بين الملكيتين قبل التأكد من انتفاء الصبغة الجماعية للأرض المدعى فيها ولو أدى الأمر إلى إجراء معاينة للوقوف على حقيقة النزاع والفصل في الشهادتين الإداريتين المتعارضتين الصادرتين معا عن سلطة الوصاية المستدل بهما من الطرفين المتنازعين، فإنها خرقت الظهائر المنظمة لأراضي الجموع، فجاء قرارها غير مرتكز على أساس مما يعرضها للنقض”.[11]

وفي نفس المنحى ذهبت محكمة النقض في قرار آخر صادر عنها  جاء فيه ما يلي[12]:”ولما كان الثابت من أن الطالب تمسك بملكية الأرض والأشجار القائمة فيها، وأدلى بعقد البيع، وبأن عقده أسبق في التاريخ من عقد المطلوب, وأنه في جميع مراحل النزاع دافع عن استحقاقه للقطعة الأرضية، وأن المناقشات أمام محكمة الموضوع لم تخرج عن هذا الإطار إلى دعاوى الحيازة من طرف الطالب والمطلوب، وأن العقد المدلى به معنون بعقد بيع أرض، ونص على أن (ع.أ) باع جميع البلاد الفلاحية البورية مساحتها خمسة هكتارات، والمحكمة لما استخلصت مما راج أمامها أن الأمر يتعلق بعقد بيع، وأنه تعلق بأرض جماعية لا يمكن تفويتها طبقا لظهير 27 أبريل 1919، وأنه لا يمكن للمحكمة أن ترتب آثارا قانونية على عقود أبرمت مخالفة للقانون، تكون قد ركزت قضاءها على أساس.”

وجاء في قرار أخر يؤكد على منع تفويت حق الانتفاع أو التنازل عنه حتى بين ذوي الحقوق أنفسهم ما يلي[13]: “لكن حيث إن تفويت أراضي الجموع استنادا الى الفصل الرابع من ظهير 27 أبريل 1919 لا يتم انجازه إلا لفائدة الجماعة ووفق مساطر خاصة، وهذا يعني أن الأفراد ولو كانوا ينتمون إلى الجماعة لا يحق لهم تفويت حقوق الانتفاع فيما بينهم، لذلك فإن محكمة الاستئناف بتنصيصها على مقتضيات الفصل المذكور لرد طلب الطاعن الرامي الى اتمام عقد البيع بما جاء في عللها “….. وأنه بمقتضى ذات الفصل فإن الحق في الانتفاع غير قابل للتقادم ولا يمكن تفويته أو حجزه إلا لفائدة الجماعة نفسها.” تكون قد اعتبر ان التفويت المتمسك به مخالفا للمقتضيات المذكورة واستبعدت ضمنيا شهادة الازدياد التي أدلى بها الطاعن لإثبات أنه فرد من جماعة مجاط واعتبرتها غير مؤثرة في الدعوى وكان قضاؤها سليما ومعللا تعليلا كافيا، ومسايرا للمقتضى المحتج بخرقه وما أشير إليه في الوسيلة من علة متناقضة في القرار تناولت وجود شرط واقف في التعاقد يهم موافقة “أخ3 المطلوب فيبقى من قبيل التزيد الذي يستقيم القرار بدونه، وبذلك فالوسيلة على غير أساس.”

  غير أن تقرير مبدأ عدم حوز الحجز على أملاك الجماعات السلالية وكذا حقوق الانتفاع المقررة لفائدة أعضاء الجماعات السلالية، يصطدم في كثير من الاحيان مع بعض القواعد المقررة لفائدة الديون العمومية خاصة تلك المتعلقة منها بالحجز كما هو الحال بالنسبة للضرائب والرسوم المفروضة على الأراضي غير المبنية.

الفقرة الثالثة: بطلان عقود تفويت أملاك الجماعات السلالية المشمولة بعملية التحديد الاداري.

تنص المادة الرابعة من القانون 63.17 المتعلق بالتحديد الإداري لأراضي الجماعات السلالية على ما يلي[14]: ” ابتداء من تاريخ نشر المرسوم المشار إليه في المادة 2 أعلاه وإلى غاية تاريخ نشر المرسوم المتعلق بالمصادقة على عملية التحديد الاداري، المشار إليه في المادة 12 من هذا القانون، يمنع تحت طائلة البطلان إبرام أي اتصرف يتعلق بالأراضي موضوع التحديد، باستثناء الحالات المنصوص عليها في المواد 16 و17 و19 و20 و21 من القانون 62.17 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها.[15]

كما لا يمكن، داخل نفس الفترة، قبول أي مطلب تحفيظ مقدم من طرف الغير، يتعلق بالأراضي موضوع التحديد الإداري، ما لم يكن هذا المطلب تأكيدا لتعرض مقدم وفقا لأحكام المادتين 6 و9 من بعده.”

فمن خلال المادة أعلاه يلاحظ أن المشرع قرر جزاء البطلان على كافة التصرفات التي تجري خلال الفترة الفاصلة بين نشر مرسوم التحديد  الإداري والمصادقة عليه، وهذا الحكم يطبق بشأن كافة التصرفات سواء كانت بمقابل أو على سبيل التبرع، بحيث لا يعتد بكل عقد ناقل لمنفعة العقار منجز بعد نشر مرسوم التحديد، لأن المشرع رتب البطلان كجزاء على إبرام التصرف في هذه الحالة، ومن المعلوم طبقا للفصل 306 من قانون الالتزامات والعقود أن الالتزام الباطل بقوة القانون لا يمكن أن ينتج أي أثر، إلا استرداد ما دفع بغير حق تنفيذا له، وقد بين المشرع حالات البطلان بقوة القانون في الحالة التي  يقرر فيها القانون في حالة خاصة بطلانه، وفي حالتنا فنحن أمام نص خاص يقرر البطلان، مما يجرد العقود المبرمة مع هذا المنع وهذا الجزاء من كل أثر قانوني.

وفي هذا السياق جاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي[16]: “لا يجوز تفويت العقار سواء تعلق بحق الملكية أو التصرف إذا كان داخلا في دائرة العقارات الجاري عليها أعمال التحديد الإداري، منذ انطلاقها وإلا عد التفويت بقوة القانون باطلا ولا يعمل به حتى بين المتعاقدين.”

 ويبقى من المهم أن نشير هنا إلى أن مفهوم التفويت ـ المشمول بجزاء البطلان ـ ينحصر في التصرفات الناقلة للملكية، وبالتالي فالمنع لا يشمل إقامة البينات المعتمدة في الإثبات، إذ أن رسوم الاستمرار المنجزة بعد نشر مرسوم التحديد تنتج آثارها في إثبات التملك على اعتبار أنها ليست وثيقة مثبتة للتفويت الحاصل وقت إنجازها  بل هي وسيلة لإثبات التملك وكاشفة له لا منشئة له، وهو الأمر الذي أكدته محكمة النقض في قرار لها صادر بتاريخ 11/09/2012[17] ، جاء فيه ما يلي :”كون ملكية المطلوب في النقض أقيمت بعد انطلاق مسطرة التحديد الإداري لا يجعلها باطلة لأن الفصل 3 من ظهير 18/02/1924 المستدل به إنما يقتصر المنع فيه على عقود التفويت”

وفي نفس السياق نقرأ في تعليل قرار آخر لمحكمة النقض ما يلي[18]:”حيث صح ما عابته الطاعنة على القرار ذلك أنه اقتصر في تعليله على “أن المتعرض على التحديد الإداري عزز مطلبه برسمي شراء أولهما مضمن بعدد 95 والثاني بعدد 197 وكلاهما استند فيهما البائع ابعاج احساين في ملكية المبيع على رسم الشراء المنجز بتاريخ 09/11/1992 المضمن نظيره تحت عدد 694/93 والذي اشتراه بدوره من البائع له موحى بن ابراهيم الذي كان يستند في تملكه للمبيع على رسم الملكية عدد 146 وهما الرسمان اللذان أدلى بهما المستأنف كذلك وكلها رسوم تؤكد حيازة كل مشتر لمشتراه، وأنه بغض النظر عن رسمي الشراء عدد 95 و179 وتاريخ عقدهما فإن رسم الملكية عدد 146/69 المستوفي لشروط الملك المعتبرة شرعا تفيد أن المدعى فيه لا يدخل ضمن الأراضي الجماعية وإنما في ملك موحى بن إبراهيم وانتقل إلى خلفه الخاص”. في حين أن المطلوب في النقض يستند في مطلبه على عقدي الشراء المنجزين بتاريخ 18 و31 ماي 2005 في وقت لاحق عن تاريخ انطلاق عملية التحديد الإداري رقم 430 التي ابتدأت بتاريخ 21/02/2002 وذلك بمقتضى المرسوم الصادر عن الوزير الأول رقم 546-02-2 بتاريخ 23 يوليوز 2002 وأن عقود التفويت المبرمة بعد انطلاق عملية التحديد الإداري تكون باطلة حتى بين المتعاقدين وأن القرار المطعون فيه لما تجاهل ذلك يكون قد خرق مقتضيات الفصل المذكور مما عرضه للنقض والإبطال.”

في هذا الإطار وتجاوزا للإشكال المطروح نص المشرع المغربي في المادة 14 من القانون أنفا على أن جميع المقتضيات القانونية والنظامية المتعلقة بأملاك الجماعات السلالية يجري تطبيقها على القطع المتنازع فيها من ذلك العقار إلى نهاية الفصل في النزاع بشأنها، ومن تم رتب المشرع أثر المنع بشأن القطع المتنازع بشأنها إلى نهاية النزاع فقط حسب هذا الفصل.

لكن هذا الفصل يحمل في طياته تناقضا وتعارضا مع مقتضيات المادة الثانية السالف ذكرها الذي ينسحب فيها أثر المنع والبطلان إلى حين صدور مرسوم المصادقة على عمليات التحديد الإداري، وخصوصا إذا علمنا أن مرسوم المصادقة لا يتم اتخاذه إلا بعد الفصل النهائي من طرف القضاء في جميع التعرضات المقدمة بخصوص هذا العقار، وخاصة أن مسطرة إحالة ملفات التعرضات المتعلق بنفس التحديد الإداري لا تتم دفعة واحدة بل تحال بشكل منفرد من حيث الزمان.

لهذا يبقى السؤال ما الحل القانوني بخصوص المطالب التي تم الفصل فيها بصفة نهائية من طرف القضاء وتم الحكم بعدم طبيعتها الجماعية، هل يشملها المنع والبطلان من إجراء التصرفات بشأنها إلى حين الفصل في جميع المطالب وصدور المرسوم المصادق تطبيقا للفصل 3 من ظهير 18 فبراير 1924، أم فقط إلى حين الفصل في شأنها من طرف القضاء تطبيقا للفصل 11 من نفس الظهير.

المطلب الأول: مظاهر الحماية القانونية المسطرية لأملاك الجماعات السلالية

أفرد المشرع المنازعات القضائية المنصبة على أملاك الجماعات السلالية بعديد الخصوصيات المسطرية ارتبط بعضها بأطراف المنازعة والبعض الاخر، بعدم سريان بعض النصوص القانونية الخاصة على منازعاتها، فيما ارتبط جزء كبير منها بقواعد التقاضي وخاصة منها إشكالية الإذن بالتقاضي، وسيرا على نفس المنوال المتبع بشأن المطلب الأول، سنعمل على مقاربة هذا المطلب بنفس المنهجية شكلا ومضمونا باستحضار العمل القضائي لمحكمة النقض، وذلك من خلال ثلاث فقرات أساسية.

الفقرة الأولى: خصوصية المسطرة من حيث أطراف المنازعة القضائية

تنص مقتضيات الفقرة الثانية من المادة الخامسة من القانون 62.17 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها، على ما يلي:” تبلغ وجوبا إلى سلطة الوصاية جميع الدعاوى والإجراءات القضائية التي تتم مباشرتها من طرف الجماعات السلالية أو ضدها، تحت طائلة عدم القبول، دون مساس بأحكام قانون المسطرة المدنية.”

نظم المشرع المغربي في قانون المسطرة المدنية وبعض النصوص الخاصة مسطرة إجراءات التقاضي وكذا تبليغ الأحكام من أجل ممارسة طرق الطعن فيها، وذلك من خلال الفصول 36 و37 و38 و39 و 50 و54 و134 و349 و358 من قانون المسطرة المدنية والفصول 40 و41 و47 من ظهير التحفيظ العقاري الصادر بتاريخ 12 غشت 1913 كما تم تعديله وتتميمه بالقانون 07-14. [19]

ولما كان الهدف الأسمى الذي ترمي إليه جل التشريعات والقوانين هو تحقيق العدالة والإنصاف وضمان احترام المتقاضين لمؤسسة القضاء، فإن المشرع المغربي وعلى غرار باقي التشريعات الحديثة أوجد عدة وسائل كفيلة بتحقيق هذا الهدف، ومن الوسائل طبعا حق التقاضي.

ولأن النصوص المنظمة للتبليغ إما ناقصة وإما غير واضحة بما فيه الكفاية، فقد كان من الطبيعي أن تتولد عنها إشكالات قانونية وقضائية بالنسبة للجماعات السلالية لا حصر لها، بشكل قد يؤدي إلى ضياع حقوقها وبالتالي زوال الرصيد العقاري الجماعي وتملكه على وجه الانفراد، مما يدفعنا إلى التساؤل عن أهم الإشكالات العملية التي تواجهها عملية التبليغ خاصة الأحكام القضائية لفائدة الجماعات السلالية أمام ضعف مؤسسة نائب الجماعة في الدفاع عن مصالحها، والتهاون والإهمال والتواطؤ الذي يطبع عمل هذه المؤسسة في أحيان أخرى.

إن اقرار الزامية تبليغ سلطة الوصاية بجميع الدعاوى والاجراءات القضائية سواء التي تباشرها الجماعة السلالية أو في مواجهتها عن فلسفة المشرع في الحرص الشديد على حماية ممتلكات الجماعات السلالية، التي قد تضيع بسبب ضعف ممثليها أو تواطئهم في بعض الحالات مع ذوي النوايا السيئة بغية الاستيلاء على تلك العقارات، بل أن المشرع وتكريسا لهذا المقتضى، خول لوزير الداخلية الحق في الدفاع عن ممتلكات الجماعات السلالية لوحده دون الاستعانة بنوابها.

ولقد كشفت الممارسة القضائية اختلافا كبيرا بين المحاكم المغربية في التعامل مع إشكالية تبليغ الأحكام الصادرة ضد الجماعات السلالية في قضايا التحفيظ العقاري والاستحقاق، فمنهم من يكتفي بتبليغ نواب الجماعة السلالية مع ما يطرحه ذلك من صعوبات قانونية قد يترتب عنها فوات آجال الاستئناف أو النقض ضد هذه الجماعات، ومن المحاكم من تقوم بتبليغ قسم الشؤون القروية بالعمالة التابع لها العقار المدعى فيه، ومنها من يستلزم تبليغ وزير الداخلية بصفته الوصي القانوني عن الجماعات السلالية.

في هذا السياق، ذهبت محكمة النقض إلى أن تبليغ الحكم القضائي لنائب الجماعة السلالية وعدم ممارسة هذا الأخير للطعن بالطرق المقررة قانونا، لا عبرة به طالما ثبت أن نيابة هذا الأخير محل منازعة، ومما جاء في القرار المذكور ما يلي: “فيما يتعلق بالدفع بعدم قبول الطلب، حيث أثار المطلوب في النقض في مذكرة الجواب المشار إليها أعلاه عدم قبول طلب النقض لتقديمه خارج الأجل القانوني ذاكرا بأن الجماعة قد بلغت بالقرار المطعون فيه حسب شهادة التبليغ المدلى بها بتاريخ 24/09/2009 ولم يتقدم بطلب النقض  إلا بتاريخ 2/11/2009.

لكن حيث يتجلى من شهادة التبليغ المدلى بها أن الجماعة السلالية قد بلغت بواسطة نائبها أحمد(ش) المنازع في نيابته، وبالتالي لا تواجه الطاعنة بالتبليغ المذكور مما يبقى معه الدفع بدون اعتبار.”[20]

يبدو من خلال القرار أعلاه أن القضاء استحضر ما قد تتعرض له ممتلكات الجماعات السلالية من ضياع بسبب عدم ممارسة طرق الطعن في الأحكام من نواب للجماعات قد تكون لهم نزاعات مع الجماعة التي يمثلونها، وبالتالي تفويت فرصة حماية رصيدها العقاري.

لكن، تبقى هذه الحماية متوقفة دائما على إثبات سوء نية نواب الجماعات السلالية، وهو أمر غير متحقق دائما فكثير من الحالات التي كشفها الواقع العملي يبلغ فيها نائب أو برفض التبليغ اعتقادا منه أن ذلك الرفض لا يترتب عنه أي أثر قانوني، والحال أنه خلافا ذلك فتضيع بذلك ممتلكات الجماعات السلالية.

وفي هذا السياق جاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي: «وحيث صح ما تمسك به المطلوب المذكور، ذلك أنه بمقتضى الفصل 358 من قانون المسطرة المدنية المحال عليه بموجب الفصل 47 من قانون التحفيظ العقاري كما نسخ وعدل بالقانون 07-14 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف المؤرخ في 22/11/2011 والمنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 24/11/2011، فإن أجل رفع الدعوى إلى محكمة النقض يحدد في ثلاثين يوما من تاريخ تبليغ الحكم المطعون فيه إلى الشخص نفسه أو إلى موطنه الحقيقي، وأنه يتجلى من شهادة التسليم المدلى بها أن الجماعة السلالية بلغت بالقرار المطعون فيه بتاريخ 14/03/2014، وأن ما تمسك به السيد وزير الداخلية من أن طعنه مقدم داخل الأجل مادام أن القرار لم يبلغ إليه باعتباره هو الوصي عن الجماعات السلالية، فإن ذلك لا يستند على أساس قانوني، إذ أنه بالرجوع إلى مقتضيات ظهير 27/04/1919 بشأن تنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وضبط شؤون أملاكها يتبين أن الفصل 2 من نفس الظهير يعطي بصفة صريحة لهذه الجماعات الحق تحت وصاية الداخلية في تقديم جميع الدعاوي لدى المحاكم لتدبير أملاكها والمحافظة على مصالحها، وأن القانون بتخويلها حق التقاضي، فإن تبليغ إجراءات الدعوى يتعين أن يتم للجماعة السلالية باعتبارها هي الطرف الأصيل في النزاع، وأن تبيلغها بالأحكام ينتج أثره تجاهها بما في ذلك انصرام آجال الطعن، وأنه مادام القرار قد بلغ للجماعة السلالية الطرف الأصيل في النزاع بتاريخ 14/03/2014 فإن تقديم السيد وزير الداخلية باعتباره وصيا فقط مقال الطعن بعد انصرام الأجل ابتداء من تاريخ تبليغ الجماعة السلالية يجعل الطلب غير مقبول”.

واعتبرت محكمة النقض في قرار آخر لها أن التبليغ المنجز للوصي بدلا عن الجماعة السلالية لا يعتد به ولا تواجه به هذه الأخيرة وأجاز لها احقية الطعن طالما أن الحكم لم يبلغ لها شخصيا، حيث جاء في قرارها ما يلي: «إذا كان الفصل الخامس من ظهير 27 أبريل 1919 يخول للجماعة حق التعرض على مطلب التحفيظ دون ترخيص من الجهة الوصية، فإن من حقها أن تتمسك بأن القرار الاستئنافي الصادر ضدها في تعرضها على المطلب المذكور يجب أن يبلغ إليها شخصيا لكي يسري في مواجهتها النقض، وأن وزير الداخلية إنما ينوب عن الجماعة عند الاقتضاء، ولا شيء يمنعها من أن تمارس التقاضي بنفسها.”[21]

وغني عن الايضاح، فإن وجوب تبليغ سلطة الوصاية بجميع الدعاوى والمنازعات المرتبطة بأملاك الجماعات السلالية كيفما كانت طبيعتها مدنية أو جنائية وسواء كانت تهدف الى تحقيق حماية موضوعية أو وقتية، ويستتبع بالمال اعتبارها طرفا أصليا في المنازعة القضائية لها ما الخصوم وعليها ما عليهم، إذ لها أن تتقدم بكافة الطلبات التي ترى انها مجدية في الدعوى، كما لها حق ممارسة طرق الطعن، وان عدم ادخالها في الدعوى يجعل الدعوى على حالتها معيبة شكلا ويتعين لذلك التصريح بعدم قبولها.

والى جانب ما سبق ذكره أوجبت مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل التاسع من قانون المسطرة المدنية ضرورة تبليغ الدعاوى التي تكون الجماعات السلالية طرفا فيها، إلى النيابة العامة، تحت طائلة بطلان الحكم أو القرار القضائي الصادر دون احترام هذا المقتضى الإجرائي.

وذهبت محكمة النقض إلى التأكيد على ضرورة احترام مقتضيات الفصل التاسع من قانون المسطرة المدنية تحت طائلة تقرير جزاء البطلان القانوني المنصوص عليه في الفصل المذكور بالنسبة للحكم القضائي الصادر خلافا له، حيث ورد في قرار صادر عنها على أنه: “حيث صح ما عابه الطاعن على القرار ذلك أنه بمقتضى الفصل 9 من ق.م.م فإنه يجب أن تبلغ إلى النيابة العامة القضايا المتعلقة بالنظام العام والدولة والجماعات المحلية والأراضي الجماعية، ويشار في الحكم إلى إيداع مستنتجات النيابة العامة أو تلاوتها بالجلسة وإلا كان باطلا، ولما كان الثابت أن النزاع يتعلق بالأراضي الجماعية لجماعتي لدوار ايت عثمان ايوسف وايت واعراب امغران وأن ملق القضية لم يبلغ إلى النيابة العامة لتقديم مستنتجاتها في الموضوع ولم تقم هذه الأخيرة بإيداع مستنتجاتها الكتابية ولم يشر في القرار إلى إيداعها أو تلاوتها بالجلسة فجاء بذلك خارقا للفصل أعلاه ومعرضا للنقض”.[22]

يتضح مما سبق أهمية القضايا المدنية التي يكون الرصيد العقاري للجماعات السلالية محلا لها، وهي أهمية استرعت انتباه المشرع إلى حد أنه أوجب تبليغها للنيابة العامة وفرض بالمقابل على هذه الأخيرة تقديم مستنتجاتها حماية لهذه الأراضي.

الفقرة الثانية: اشكالية الإذن بالتقاضي في منازعات أملاك الجماعات السلالية

يقضي الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية بأنه: “لا يصح التقاضي إلا ممن له الصفة، والأهلية، والمصلحة، لإثبات حقوقه، يثير القاضي تلقائيا انعدام الصفة أو الأهلية أو المصلحة أو الإذن بالتقاضي إن كان ضروريا وينذر الطرف بتصحيح المسطرة داخل أجل يحدده.

إذا تم تصحيح المسطرة اعتبرت الدعوى كأنها أقيمت بصفة صحيحة. وإلا صرح القاضي بعدم قبول الدعوى”.

وتنص مقتضيات الفقرة الأولى من المادة الخامسة على أنه:” يمكن للجماعات السلالية بعد إذن من سلطة الوصاية، أن تباشر جميع الدعاوى أمام جميع محاكم المملكة، من أجل الدفاع عن حقوقها والمحافظة على مصالحها.” وفي ذات المنحى تقضي الفقرة الأولى من المادة 18 من نفس القانون على ما يلي:” يمكن للجماعة السلالية، بعد إذن سلطة الوصاية، ان تطلب تحفيظ أملاكها العقارية وتتبع جميع مراحل مسطرة التحفيظ العقاري بواسطة جماعة النواب، كما يمكنها أن تتعرض على مطالب التحفيظ التي يتقدم بها الغير، إلا أن رفع التعرض، كليا أو جزئيا، لا يمكن أن يتم إلا بإذن من مجلس الوصاية المركزي.”

إن المقتضيات أعلاه تدفعنا إلى التساؤل، حول الطبيعة القانونية للإذن بالتقاضي وشكلياته ونطاقه ومدى تعلقه بالنظام العام من عدمه من جهة؟ وماهية القضايا التي تستلزمه من غيرها من جهة أخرى؟ وأخيرا الآثار المترتبة على تخلفه؟ وأخيرا ما إذا كان المنتفع من ذوي الحقوق هو الآخر ملزم بالحصول عليه للدفاع عن حقه في الانتفاع؟

يستنتج من خلال المقتضيات  القانونية أعلاه أن ممارسة حق التقاضي بالنسبة للجماعات السلالية يستلزم إلى جانب توافر الشروط العامة من صفة ومصلحة وأهلية، ضرورة حصول هذه الأخيرة على إذن مسبق من سلطة الوصاية ، لإقامة الدعاوى الرامية للدفاع عن حقوقها أمام القضاء في جميع المنازعات دون استثناء مدنية كانت أو جنائية،  كما أن هذا الإذن لا يمكن أن يقدم إلا لفائدة نائب أو نواب الجماعة السلالية، مع ملاحظة أساسية مؤداها أن المشرع أوكل لمجلس الوصاية المركزي وحده صلاحية منح الإذن بالتقاضي متى تعلق الأمر بالتحفيظ أو التنازل عن التعرضات في مواجهة مطالب التحفيظ التي يتقدم بها الأغيار على خلاف الوضع متى تعلق الأمر بباقي الدعاوى والتي أسندها لسلطة الوصاية والتي يمكن ان ثملثها السلطة المحلية المتواجدة بدائرتها المنازعة القضائية، في رغبة منه لتفادي الاشكالات العملية التي تعيق الحصول على هذا الاذن.

وقد أثير التساؤل حول ما إذا كان الإذن في التنازل عن التعرض الذي تتقدم به الجماعة السلالية في مواجهة الغير يشمل فقط المرحلة الإدارية للتحفيظ أو التحديد أم تسري عليه أحكام الفصل الخامس حتى خلال المرحلة القضائية؟

جوابا عن هذا الإشكال ذهبت محكمة النقض إلى أن الإذن لازم في جميع مراحل مسطرة التعرض الإدارية والقضائية، وقد جاء في أحد قراراتها ما يلي: «حيث صح ما عابته الطاعنة على القرار المطعون فيه، ذلك أنه علل قضاءه:” بأن الفصل الخامس المذكور يتحدث عن رفع التعرضات أثناء جريان المسطرة الإدارية الواجب إتباعها أمام المحافظ على الأملاك العقارية، هي مرحلة تختلف عن مرحلة عرض النزاع أمام القضاء التي يحكمها الفصل 37 من ظهير التحفيظ العقاري الذي ينص على أنه “‘إذا قبل طالب التحفيظ التعرض أثناء جريان الدعوى أو تنازل المتعرض عن تعرضه، فإن المحكمة المعروض عليها النزاع تقتصر على الإشهاد بذلك القبول أو التنازل وتحيل الملف على المحافظ الذي يقوم عند الاقتضاء بالتحفيظ مع اعتبار اتفاقات الأفراد أو مصالحهم”. في حين أن مقتضيات الفصل الخامس من ظهير 27 أبريل 1919 تنص على: “أن رفع هذا التعرض كلا أو بعضا لا يمكن أن يقع إلا بإذن من الوصي”، وأن الفصل المذكور ليس فيه ما يدل على أن الإذن من الوصي يقتصر على المسطرة أمام المحافظ فقط، الأمر الذي يكون معه القرار المطعون فيه عندما علل بما ذكر غير مرتكز على أساس قانوني سليم ومعرضا للنقض”.[23]

ويستنتج بإعمال مفهوم العموم التي جاءت به مقتضيات المادة الخامسة أعلاه المخالفة ، أن جميع الدعاوى الشخصية والتي ترمي إلى حماية حق شخصي، أو اتخاذ اجراء من اجراءات الوقتية الرامية الى حماية الملك الجماعي من قبيل طلبات الاستعجالية بإيقاف أشغال البناء فوق الملك الجماعي او غيرها من اوصاف المنازعات  يلزم لقبولها ضرورة ارفاقها بإذن بالتقاضي. وعليه فإن ما تضمنته مقتضيات المادة أعلاه من أحكام يفضي إلى نتيجة مؤداها أن الإذن بالتقاضي لممارسة الجماعات السلالية للحق في التقاضي من زاوية الادعاء، يبقى متعلقا بالنظام العام، وبالنتيجة، فإن الدعوى التي لم تعزز به، تبقى معيبة ومختلة شكلا، ويبقى مآلها عدم القبول وفق ما تضمنته أحكام الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية.

وفي هذا السياق، ذهبت محكمة النقض، إلى تكريس ذات المنحى حيث ورد في إحدى قراراتها ما يلي: “يجب على المحكمة إثارة الإذن بالتقاضي تلقائيا إذا كان ضروريا والقاضي يثيره تلقائيا انعدام الصفة والأهلية أو عدم الإذن إذا كان هذا الأخير ضروريا، ولهذا فالمحكمة تكون قد خالفت هذا النص الآمر عندما قبلت دعوى الجماعة الرامية إلى المحافظة على مصالح الجماعة في العقار المتنازع في شأنه دون أن تثير عدم الإذن في إقامتها من طرف الوصي على الجماعات”.[24]

الفقرة الثالثة: استثناء كراء أملاك الجماعات السلالية من القانون 16.49

يؤدي الرصيد العقاري الذي تتوفر عليه الجماعات السلالية، دورا فعالا في تحريك وتيرة الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، حيث أصبحت هذه الأراضي محل اهتمام العديد من المستثمرين الذين يرغبون في كراء هذه العقارات. وفي هذا الصدد تعمل مصالح الوصاية بتنسيق مع السلطات الإقليمية والمحلية ونواب الجماعات السلالية، على عرض هذا الرصيد المهم للكراء لفائدة الأشخاص الذاتيين والمعنويين وفق شروط تهدف إلى تشجيع الاستثمار وخلق فرص الشغل في إطار علاقات تعاقدية.

ولعل من جملة عقود الأكرية المبرمة بين مصالح الوصاية والغير، تلك التي تخصص للاستغلاليات الصناعية والمقالع والأنشطة الفلاحية، والبحث عن المعادن، والزراعات تحت البيوت المغطاة، والاستغلالات في الميادين السياحية والخدماتية، وهي كلها عقود يتم إبرامها لمدد طويلة، لا تقل عن ….. سنوات بنص المادة…..  من المرسوم التطبيقي وقد تصل في بعض الأحيان 30 سنة في حال تجديدها، كما هو الشأن بالنسبة للمقالع وأشجار النخيل. 

ولما كانت أراضي الجماعات السلالية قد تكون موضوع عقود للكراء مخصصة للاستعمالات التجارية والحرفية والصناعية والخدماتية وغيرها والتي تتجاوز مددها في كثيرا من الأحيان المدد المقررة لاكتساب الحق في الكراء كان من حقنا التساؤل حول ما إذا كانت هذه العقود تخضع بالتالي لمقتضيات القانون الجديد رقم 16.49 المتعلق بكراء العقارات والمحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي، من عدمه؟ وبالتالي ما إذا كان المكتري بإمكانه الاحتجاج بمقتضياته أمام الجماعة السلالية وتبعا لذلك المطالبة بالتعويض عن فقدانه لأصله التجاري في حالة مطالبته للإفراغ؟

بالرجوع إلى مقتضيات المادة الثانية من القانون 16.49 نجد أن المشرع أورد تعدادا بعقود الأكرية التجارية والصناعية والحرفية التي تستثنى من الخضوع لمقتضياته، حيث نصت مقتضياتها على ما يلي: “لا تخضع لمقتضيات هذا القانون:

  1. عقود كراء العقارات أو المحلات التي تدخل في نطاق الملك العام للدولة أو في ملك الجماعات الترابية أو المؤسسات العمومية،
  2. عقود كراء العقارات أو المحلات التي تدخل في نطاق الملك الخاص للدولة أو في ملك الجماعات الترابية أو المؤسسات العمومية حينما تكون تلك الأملاك مرصودة لمنفعة عامة،
  3. عقود كراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي التي تدخل في نطاق الأوقاف[25]….”

والمتأمل في هذه المادة يتضح له أن المشرع المغربي لم يستن عقود كراء العقارات أو المحلات التي تدخل في ملك الجماعات السلالية من نطاق تطبيق مقتضيات القانون رقم 16.49، علما أنه في محطات تشريعية أخرى منح لأملاك الجماعات السلالية نفس الحماية المقررة لمثيلاتها من أملاك الدولة العامة والخاصة والجماعات الترابية والأوقاف وعلى قدر من المساواة كما هو الأمر بالنسبة لإقرار مبدإ عدم اكتساب تلك الأراضي عن طريق الحيازة، وهو ما حدا بالمشرع الى تجاوز هذا النقص بإقرار مبدأ عدم سريان مقتضيات القانون أعلاه على الاكرية التي تبرمها الجماعات السلالية، حيث نصت مقتضيات المادة 19 من القانون رقم 62.17 بشأن الوصاية على الجماعات السلالية في فقرتها الثانية على أنه ” لا تسري أحكام القانون رقم 49.16 المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي على عقود كراء عقارات الجماعات السلالية.”

الفقرة الرابعة: القواعد المسطرية التي اقرتها محكمة النقض

إن محكمة النقض باعتبار ومن موقعها الريادي كسلطة قضائية في حماية حقوق الأفراد والجماعات وفق ما نصت عليه مقتضيات الفصل 117 من دستور المملكة، ومن منطلق واجبها في التطبيق العادل للقانون وفق ما جاء في الفصل 110 من ذات الوثيقة الدستورية دأبت على استحضار هذه المقتضيات في تكريس الطابع الحمائي لأملاك الجماعات السلالية أمام تراجع وضعف فعالية مؤسسة نائب الجماعة السلالية في أداء الأدوار المنوطة بها كأدوات للتمثيل والدفاع عن مصالح تلك الجماعات وهو ما من شأنه أن تيصف وينهي مع نظام أراضي الجماعات السلالية الذي يشكل ثروة وطنية لأجيال المستقبل يتعين صيانتها من الاندثار، وفي هذا السياق يمكننا الوقوف عند بعض القواعد التي اقرتها محكمة النقض في تدبير المنازعات القضائية التي تكون الجماعة السلالية طرفا فيها:

أولا: رسم الجماعة لا يشترط فيه شروط الملك

مدلول القاعدة: ان الأهمية القانونية للرسوم بالنسبة للملك الجماعي لا يتعدى أن تكون معلنة لطابعها الجماعي وليست منشئة له، بعكس الرسوم المتعلقة بالأشخاص الطبيعيين فهي منشأة للحق ومعلنة له، وعليه فان الرسوم الخاصة بالأملاك الجماعية  تختلف في شروطها  على رسوم الملكية الخاصة، بحيث لا يشترط فيها توفر الشروط المقررة في الرسوم العادية المتعلقة بالملكية الخاصة المنصوص عليها في مدونة الحقوق العينية [26]

التأكيد القضائي : لقد أكدت محكمة النقض في عديد القرارات الصادرة عنها على هذه الخاصية منها على سبيل المثال لا الحصر [27]، حيث جاء في احدها ما يلي : ” حيث صح ما عابته الطاعنة على القرار، ذلك انه استبعد حجتها بعلة أنها ناقضة على درجة الاعتبار لما اكتنفتها من قوادح تتمثل في ان شهودها لم يشهدوا بالنسبة مع انه من بين شروط الملك لملكية النسبة، في حين ان البينة التي تشهد بالصفة الجماعية لا يشترط فيها وبالضرورة ان تتوفر على جميع شروط الملك المعمول بها في باقي الملكيات، إذ يكفي ان يشهد شهودها بالصبغة الجماعية وعلى المحكمة، فيما إذا رأت بخلاف ذلك، ان تتخذ التدابير التكميلية للتحقيق المنصوص عليها في قانون التحفيظ العقاري للتأكد من الصفة الجماعية المشهود بها أو عدمها ثم ترتب الأثر القانوني على النزاع سلبا أو إيجابا وهو ما لم تقم به، فجاء قرارها غير مرتكز على أساس قانوني، ومعرضا للنقض والإبطال “.

وفي نفس المنحى ذهب قرار اخر لمحكمة النقض والذي جاء فيه ما يلي : ” ان البينة التي تشهد بالصبغة الجماعية لعقار معين لا يشترط فيها بالضرورة ما يشترط في الملكيات الخاصة ، اذ يكفي فيها ان يشهد شهودها بان العقار ملك لجماعة سلالية او قبيلة او عشيرة تتصرف فيه بشكل جماعي وفق عوائد وأعراف الجماعة .”

القاعدة الثانية: جواز الاستماع لأهل الجماعة في شأن الطابع الجماعي:

إن المبدأ يقضي ألا يستفيد الخصم من حجة صنعها لنفسه ليلزم بها غيره ، غير ان اعمال هذا المبدأ في نطاق الاملاك الجماعية فيه خرق للقانون ولوسائل إثبات الطابع الجماعي للعقار، لكون هذا المنطق يجرد شهادة أفراد الجماعة من كل حجية قانونية في إثبات الطابع الجماعي، مما سيؤدي إلى انهيار مفهوم أراضي الجماعات السلالية والقضاء عليها نهائيا من خريطة العقارات بالمغرب ،لأن الشهود المقيمون في الجماعة وفقا لهذا التصور الخاطئ لا يحق لهم الشهادة بشأن طبيعة الأرض وخصائصها ومميزاتها لأنهم يشهدون لأنفسهم ،كما أن الشهود المقيمين خارج الجماعة لا يحق لهم الشهادة بشأنها لأنهم غريبين عنها ولا يعرفون لا أحوالها و لا أصلها ولا فصلها، وهذا المنطق فيه ما ينبئ عن قصور واضح في التفسير وجهل بأحكام القانون ، والحال إنه ليس في القانون ولا في الفقه ولا في القضاء من جعل من موانع الشهادة ومبطلاتها في الأراضي الجماعية ركن الانتماء لها أو الإقامة فيها ،لأن الشهود هنا لا يشهدون لأنفسهم ،وإنما يشهدون للجماعات السلالية التي لها شخصية مستقلة عن ذويها بما فيهم نائبها أو نوابها ، و خصها المشرع بمركز قانوني مستقل، عن ذاتية مكونيه من ذوي حقوق الجماعة ،  وتتمتع بشخصية معنوية وحقوقية مستقلة عنهم استقلالا كليا ، وقد خصها المشرع بترسانة من القوانين من اجل تنظيم تدبير ممتلكاتها والحفاظ عليها كما فرض عليها بالمقابل وصاية على كل تصرفاتها عهد بها إلى مجلس الوصاية الذي اسند رئاسته  للسيد وزير الداخلية [28]، كل ذلك في إطار أحكام ظهير 27 ابريل 1919 كما وقع تعديله وتتميمه .

التأكيد القضائي: ذهبت محكمة  في عديد القرارات الحديثة الصادر عنها هذا المنحى و من ذلك على سبيل المثال لا الحصر ما تضمنه القرار الاتي والذي جاء فيه ما يلي: ” إن انتماء بعض شهود الاستمرار أو ممن تم الاستماع إليهم خلال المعاينة للجماعة السلالية أو كونهم من المستفيدين من أرض الجموع لا يضير في شهادتهم بالصبغة الجماعية لأرض النزاع ،لأنهم من جهة لم يشهدوا لأنفسهم وإنما شهدوا للجماعة ،ومن جهة أخرى فهم أكثر اطلاعا على واقع الأرض وطبيعة التصرف فيها من غيرهم “

القاعدة الثالثة: عدم اعتبار إقرار نائب الجماعة السلالية بنفي الصبغة الجماعية عن ارض النزاع

مدلول القاعدة: الأصل أن الإقرار حجة قاطعة ليس فقط على صاحبه و إنما حتى على خلف وورثته من بعده وفق ما تنص عليه أحكام الفصل 410 من قانون الالتزامات و العقود ، و بصدره عن احد أطراف النزاع تكون الخصومة القضائية منتهية و يتعين الحكم لفائدة من صدر لمصلحته ، غير أن هذا الأصل يجد له استثناء في مجال نزاعات أراضي الجموع .

كثيرة هي الحالات التي يحضر فيها نائب الجماعة السلالية إلى إجراءات التحقيق التي تأمر ربها محاكم الموضوع وخاصة المعاينات القضائية، و أثناء إجراءات البحث يقر النائب الحاضر بكون ارض النزاع لا تدخل ضمن الوعاء العقاري للجماعة السلالية المتعرضة او يقبل التعرض المنصب على مطلب التحفيظ او التحديد الإداري الخاص بها فما هو يا ترى التكييف الصحيح لما يصدر عن النائب من تصريحات نافية للصيغة الجماعية ؟

التأكيد القضائي: لقد اشترط القضاء لإعمال الإقرار الصادر عن نائب الجماعة السلالية بنفي الصبغة الجماعية عن ارض النزاع أو قبول التعرض المنصب على مطلب التحفيظ او التحديد الإداري صدور إذن من الجهة الوصية على تلك الأملاك و في غيبها يبقى الإقرار في حكم العدم لا عبرة به ، و في هذا الإطار جاء في قرار لمحكمة النقض [29]ما يلي : “حيث ان تصريح نائب الجماعة، وان كان يخضع في تقديره لسلطة المحكمة، فان ذلك لا يبرر صرف النظر عن تطبيق رسم الاستمرار سند المتعرضة في التعرض على المدعى فيه، واتخاذ كافة التدابير التكميلية للتحقيق بشان هذا الانطباق عملا بحكام الفصل 43 من ظهير التحفيظ العقاري كما عدل و تمم بالقانون 07-14 وان تصريح نائب الجماعة بكون الأرض ليست جماعة او ان الرسم المعتمد في التعرض لا يتعلق باي ارض جماعية، وتأكيد ذلك بشهود عمل على إحضارهم و بمبادرة منه، يعد بمثابة تنازل عن التعرض على مطلب التحفيظ يقتضي الاذن من وزير الداخية عملا بالفصل 5 من ظهير 27/04/1919، الأمر الذي يكون معه القرار المطعون فيه غير مرتكز على أساس قانوني ..

القاعدة الرابعة: التصرف في الأرض الجماعية بالغرس والبناء لا ينفي عنها صبغتها الجماعية لأن التحقيق يجب أن يشمل وضعها الأصلي  

مدلول القاعدة: كثيرا ما تتعرض الأملاك الجماعية لعملية تغيير كلي أو شبه كلي تشمل وضعيتها المادية بسبب أعمال التصرف المادي الذي يباشرها الحائز المادي للعقار الجماعي و ذلك بتشييد بناءات او أغراس او غيرها من المظاهر العامة للعيش ، بشكل يترتب عنه إزالة معالمها الطبيعية مما يطرح التساؤل حول تأثير ذلك على الملك الجماعي ، نقول في هذا الإطار  ان تلك البناءات و الاغراس ومهما طالت وكيفما كانت لا تنتج أي أثر على الملك الجماعي كما هو ثابت قانونا وفقا لأحكام المادة 261 من مدونة الحقوق العينية المادة 15 من القانون 62.17، مما يجعل من أعمال البناء غير ذي عبرة و لا يمكن ان تعد سندا قانونيا لنفي الصبغة الجماعية .

التأكيد القضائي: جاء في قرار حديث صادر عن محكمة النقض[30] في نازلة مماثلة احتج صاحبها بالبناء على الأرض الجماعية، ما يلي:” في حين أن انطباق رسم ملكية المطلوب على المدعى فيه، ووجود أبنية به وعدم إدلاء الجماعة برسم ملكيتها لا تكفي لرد دفع الجماعة السلالية بكون الأرض جماعية، وإنما يجب البحث في بعين المكان عن طبيعة الأرض، وما يجاورها من أراضي والاستماع للشهود بخصوص وجه الاستعمال، وكيفيته ماضيا وهو ما لم تحققه المعاينة الابتدائية المعتمدة في القرار، التي اكتفت بالاستماع للطرفين، وبتطبيق رسم ملكية المطلوب، والإشهاد بوجود مباني في الملك، والحال أن رسم الملكية المعتمد في التحفيظ لم يرفق بما يفيد أن الأرض غير جماعية، فكان تعليل القرار ناقصا مما يعرضه للنقض والإبطال.”

وبالنتيجة:

 فان استغلال الأملاك الجماعية  ليس من الضروري ان يكون دائما بالرعي والحرث، وهو وضع يفرض على القضاء عند انجازه المعاينات القضائية كما أسلفنا القول، ان لا يهتم بالاستغلاليات المنجز على الأملاك الجماعية من خصوم الجماعات أو الغير أو من ذوي حقوقها بالغرس والبناء وحفر الآبار والتسييج وغير ذلك من أعمال التصرف المادي، عليه ان يكون حذرا ويعمل كما أسلفنا القول على البحث عن أصل العقار وحالته الطبيعية قبل تغيير حالته، إعمالا للمادة 261 من مدونة الحقوق العينية والمادة 15 من القانون 62.17 ، ذلك ان القانون الأخير انما شرعت لحماية الأملاك الجماعية و ليس لإثباتها ، ولذلك يجب البحث في واقع الحيازة عن طريق الاستماع الى الشهود قبل صدور الظهير المذكور لكون الواقع العملي اثبت وجود ملكيات انجزت قبل صدور الظهير.     

   خاتمة

من خلال هذه المتواضعة التي ارتأينا الوقوف عن خصوصيات القواعد الموضوعية والمسطرية التي تطبع المنازعات القضائية لأملاك الجماعات السلالية في ضوء المستجدات القانونية وما استقر عليه محكمة النقض من قواعد في تدبير المنازعات القضائية التي تكون الجماعة السلالية طرفا فيها، ويتضح بجلاء رغبة المشرع الكبيرة في تكريس الطابع الحمائي لتلك الأملاك من منطلق أهميتها الإستراتيجية باعتبارها تشكل رصيدا عقاريا لازما لتنزيل كافة المخططات الاستراتيجية للدولة حالا ومستقبل من جهة وارثا حضاريا عريقا يختزل عادات وتقاليد الجماعات السلالية وموروثا ثقافيا يقتضي حماية وتطويره.

   انتهى بحمد الله وقوته وهو المستعان


[1]  – ورد اصطلاح “الجماعات السلالية” لأول مرة على المستوى التشريعي ضمن مقتضيات المادة 261 من مدونة الحقوق العينية، حيث تضمنت مقتضيات المادة المذكورة مبدأ قانونيا أصيلا مؤداه أن أملاك الجماعات السلالية لا تكتسب بالحيازة، وكذا ضمن مقتضيات المادتين 64 و 70 من القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير كما تم تعديله بموجب القانون 12.66 المتعلق بمراقبة وزجر المخالفات في مجال التعمير والبناء الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.124 بتاريخ 21 ذي القعدة 1437 (25 اغسطس 2016) المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6501 بتاريخ 17 ذو الحجة 1437 الموافق ل 19 شتنبر 2016، ص 6630 .

    هذا، إضافة إلى بعض القرارات الوزيرية، من قبيل القرار الصادر عن وزير الداخلية تحت رقم 707.17 بتاريخ 20 من رجب 1438 (18 ابريل 2017) بتعيين رئيس دورات مجلس الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية، حيث جاء في المادة الأولى منه ما يلي: “يعين السيد عبد المجيد الحنكاري، العامل مدير الشؤون القروية، رئيسا لدورات مجلس الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية المنصوص عليه في الظهير الشريف المشار إليه أعلاه وذلك نيابة عن وزير الداخلية الوصي عن الجماعات السلالية”.

– قرار منشور بالجريدة الرسمية عدد 6568 بتاريخ 14 شعبان 1438 (11 ماي 2017).

[2] – على سبيل البيان، فإن المساحة الاجمالية لأراضي الجموع بالمغرب تبلغ حوالي 14651714 هكتار تكاد تغطي مختلف جهات المملكة الشريفة، بحيث تشمل 60 إقليما وعمالة من أصل 75 إقليم وعمالة، وتأتي جهة الشرق في صدارة الجهات الأكثر مساحة بحوالي 4943363 هكتارا، تليها في المرتبة الثانية جهة درعة – تافيلالت بحوالي 4656083 هكتارا ، وتبقى جهة كلميم واد نون اقل الجهات شمولية لهذا الصنف من الأملاك العقارية بمساحة إجمالية لا تتعدى 10000.00 هكتار تقريبا، وتنتفع من تلك الاملاك ساكنة تقدر حوالي 10 ملايين نسمة، موزعة على 4600 جماعة سلالية يمثلها 8000 نائب ونائبة سلالية وهي أراضي يستغل الجزء الكبير منها في النشاط الفلاحي، اذ تمثل حوالي 46.1% من مجموع الأراضي الفلاحية بالمغرب، في حين يبقى الجزء الأخر مخصص للرعي، أو للاستثمار، بنسب قليلة وهي موجهة أساسا للتنمية الاقتصادية وعلى الخصوص لاستغلال المقالع والمعادن والاستغلال الفلاحي للمساهمة في انجاز مشاريع تدخل ضمن مخطط المغرب الأخضر أو الاستغلال الغابوي والنباتات العطرية أو الاستغلال لأغراض تجارية أو صناعية أو سياحية ، وبذلك أصبحت تشكل في عديد من المناطق المغربية ، القاطرة الاساسية لتحقيق النمو ، وتوسيع وعاء المراكز الحضرية ، والقروية ، وتوطيد الاستثمارات ، والمشاريع التنموية.

– للمزيد من التفصيل يراجع موقع مديرية الشؤون القروية بوزارة الداخلية على الانترنيت.

[3]  – أحمد الساخي، تدبير أراضي اجماعات السلالية، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه، شعبة القانون الخاص، مختبر قانون الراسات القانونية المدنية والعقارية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة القاضي عياض، مراكش، السنة الجامعية 2018- 2019، ص، 356 وما يليها.

2– القانون رقم 17.62 المتعلق بالوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.19.15 الصادر في 7 ذي الحجة الموافق ل 9 غشت 2019 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6807 بتاريخ 24 ذي الحجة 1440 الموافق ل 26 غشت 2019، ص، 5887.

   وقد تضمن مقتضيات القانون المذكور مستجدات جوهرية تخص تحيين المفاهيم والمصلحات المتعلقة بالجماعات السلالية وأعضائها ونوابها، فضلا عن أحكام تنظم تلك الجماعات وتحدد اختصاصات نوابها وكيفية تدبير مواردها المالية وأجهزة الوصاية الإدارية عليها، من خلال إحداث مجالس للوصاية على الصعيد الإقليمي، إلى جانب مجلس الوصاية المركزي، كما تولى نفس القانون تنظيم كيفية استغلال أملاك الجماعات السلالية بما يضمن توزيع الانتفاع بالأراضي السلالية للذكور والانات تكريسا لمبدأ المساواة بين الجنسين طبقا لأحكام دستور المملكة.

     وفي هذا السياق تم نشر المرسوم التطبيقي رقم 2.19.973 الصادر بتاريخ 13 جمادى الأولى 1441 الموافق ل 09/01/2020 بتطبيق أحكام القانون رقم 62.17 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6849 بتاريخ 24 جمادى الأولى 1441 بتاريخ 20 يناير 2020، ص، 321.

 وبناء على ذلك تم استبدال اصطلاح ” الجماعة النيابة ” باصطلاح “نواب الجماعة السلالية” كما تم استبدال اصطلاح مفهوم ” ذوي الحقوق ” بإصلاح أعضاء الجماعة السلالية بموجب القانون 62.17، مع الاحتفاظ بهذا الاصلاح في الظهير شريف رقم 30-69-1 صادر بتاريخ 10 جمادى الاولى 1389 الموافق ل 25 يوليوز 1969 المتعلق بالأراضي الجماعية الواقعة في دوائر الري، منشور بالجريدة الرسمية عدد 2960 مكرر بتاريخ 13 جمادى الاولى 1389 الموافق ل 29 يوليوز 1969، ص، 2960، كما وقع تغييره وتممه بموجب القانون رقم 64.17 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.19.117 لصادر بتاريخ 7 ذي الحجة 1440 الموافق ل 9 غشت 2019 والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 6807 بتاريخ 26 غشت 2019 ص، 5887.

[5] – القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.178 صادر في 25 من ذي الحجة 1432 (22 نوفمبر 2011) المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 27 ذو الحجة 1432 (24 نوفمبر 2011)، ص 5587 كما تتميمه بالقانون رقم 22.13؛ المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6208 بتاريخ 24 محرم 1435 (28 نوفمبر 2013)، ص 7328.

[6] – تنص المادة 239 من مدونة الحقوق العينية على ما يلي: “تقوم الحيازة الاستحقاقية على السيطرة الفعلية على الملك بنية اكتسابه.

ولا تقوم هذه الحيازة لغير المغاربة مهما طال أمدها.”

[7] – قرار عدد القرار عدد 1642 المؤرخ في 3/4/2012 ملف مدني عدد 2297/1/8/2011 غير منشور.

[8] – تنص المادة 14 من مدونة الحقوق العينية على ما يلي: “يخول حق الملكية مالك العقار دون غيره سلطة استعماله واستغلاله والتصرف فيه، ولا يقيده في ذلك إلا القانون أو الاتفاق.”

[9] – منشور بالجريدة الرسمية العدد الأول بتاريخ 01 فبراير 1913، ص، 3.

[10] -ظهير شريف مؤرخ في 26 رجب 1337 الموافق ل 27 أبريل 1919 بشأن تنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات وضبط تدبير شؤون الأملاك الجماعية وتفويتها المنشور بالجريدة الرسمية عدد 329 بتاريخ 18 غشت 1919، ص، 410.

[11]  – قرار محكمة النقض عدد 198 صادر بتاريخ 10 مارس 2015، في الملف المدني عدد 2679/1/3/2014، غير منشور.

[12]  – قرار عدد 176 صادر بتاريخ 01/03/2010 في الملف المدني عدد 3/1/4605/2008، غير منشور.

[13]  – قرار عدد 51/7 صادر بتاريخ 28/01/2014 في الملف المدني عدد 4259/1/7/2013 غير منشور.

[14] – القانون رقم 17.63 المتعلق بالتحديد الإداري لأراضي الجماعات السلالية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.19.15 الصادر في 7 ذي الحجة الموافق ل 9 غشت 2019 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6807 بتاريخ 24 ذي الحجة 1440 الموافق ل 26 غشت 2019، ص، 58897.

[15] – انظر للطلاع على تفاصيل تنزيل مقتضيات المواد 16 و17 و19 و20 و21 من القانون 62.17 المرسوم التطبيقي رقم 2.19.973 الصادر بتاريخ 13 جمادى الأولى 1441 الموافق ل 09/01/2020 بتطبيق أحكام القانون رقم 62.17 بشأن الوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6849 بتاريخ 24 جمادى الأولى 1441 بتاريخ 20 يناير 2020، ص، 321.

[16]  – قرار عدد 4363 صادر بتاريخ 2 أكتوبر 2011، في الملف المدني عدد 133/1/1/2010، منشور بمجلة ملفات عقارية، منشورات محكمة النقض، مطبعة الأمنية بالرباط، العدد 2، السنة 2012، ص، 92.

[17] ـ قرار محكمة النقض بتاريخ 11/09/2012 تحت عدد 3906 في الملف المدني عدد 1064/1/8/2011 منشور بمجلة سلسة الاجتهاد القضائي عدد 5، ص، 68.

[18]  – قرار عدد 4635 صادر بتاريخ 25/10/2011 في الملف المدني عدد 3300/1/1/2010، غير منشور.

[19] – الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 (12 أغسطس 1913) المتعلق بالتحفيظ العقاري كما وقع تغييره وتتميمه بالقانون رقم 14.07 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.177 في 25 من ذي الحجة 1432 (22 نوفمبر 2011) المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 24 نونبر 2011، ص 5575.

[20]  – قرار عدد 4503 صادر بتاريخ 18/10/2011 في الملف المدني عدد 44/1/1/2010، منشور بمجلة ملفات عقارية العدد 2، مرجع سابق، ص، 105.

[21]  – قرار عدد 997 صادر بغرفتين بتاريخ 29/09/2004 في الملف الإداري عدد 225/1998، منشور بمجلة المجلس الأعلى عدد 63، ص، 359.

[22]  – قرار محكمة النقض عدد 631/3 صادر بتاريخ 24/12/2013 في الملف المدني عدد 3792/1/3/2012، غير منشور.

[23]  – قرار عدد 4503 صادر بتاريخ 18/10/2011 في الملف المدني عدد 44/1/1/2010، منشور بمجلة ملفات عقارية عدد 2، مرجع سابق، ص 105.

[24]  – قرار محكمة النقض عدد 179، صادر بتاريخ 1 ابريل 1970، أورده سعيد زياد، مرجع سابق، ص، 57.

[25] – تنص الفقرة الثانية من المادة 90 من مدونة الأوقاف على أنه: “لا حق للمكتري في كتساب الحق في الكراء على المحلات الموقوفة والمخصصة للاستعمال التجاري أو الحرفي”.

[26] تنص المادة 240 من مدونة الحقوق العينية على انه:

يشترط لصحة حيازة الحائز:

  1. أن يكون واضعا يده على الملك؛
  2. أن يتصرف فيه تصرف المالك في ملكه؛
  3. أن ينسب الملك لنفسه، والناس ينسبونه إليه كذلك؛
  4. ألا ينازعه في ذلك منازع؛
  5. أن تستمر الحيازة طول المدة المقررة في القانون؛
  6. وفي حالة وفاة الحائز يشترط بالإضافة إلى ذلك عدم العلم بالتفويت.

[27] -القرار تحت عدد 5775 الصادر تاريخ 27 دجنبر 2012 في الملف المدني عدد 319 – 1- 1- 2010 غير منشور.

[28] – تم إسناد الوصاية على الجماعات السلالية إلى السيد وزير الداخلي بعد تديل مقتضيات ظهير 27 أبريل 1919 بتاريخ 28 يوليوز 1956.

[29]  – قرار عدد 412/8 بتاريخ 30/06/2015 في الملف المدني رقم 6352/1/8/2014 قرار غير منشور.

انظر في نفس المنحى القرار عدد 687/1 بتاريخ 29/12/2015 في الملف المدني 5825/1/1/2014 قرار غير منشور.

 [30] – قرار عدد 326/1 صادر بتاريخ 10/06/2014 في الملف عدد 886/1/7/ 2013 غير منشور.