مركز إدريس الفاخوري للدراسات والأبحاث في العلوم القانونية وجدة

الشهادة الإدارية النافية للصبغة الجماعية عن العقارات غير المحفظة بين القصور التشريعي والممارسة العملية.

ذ. عصام عطياوي

عضو نادي قضاة المغرب

باحث بسلك الدكتوراه – كلية الحقوق بوجدة –

منشور في العدد 4 من مجلة فضاء المعرفة القانونية التي تصدر عن المركز.

تباشر السلطة المحلية مجموعة من الاختصاصات في تدبير وحماية أراضي الجماعات السلالية تستمدها من الوصاية الإدارية للدولة على الجماعات السلالية التي يمارسها وزير الداخلية أو من يفوض له ذلك، ومن أهم هذه الاختصاصات نذكر تسليم شواهد إدارية تنفي الصبغة الجماعية عن العقارات غير المحفظة موضوع تأسيس رسوم الملكية أو التفويت وهو موضوع طالما أثار الكثير من الاختلاف والنقاش، سواء على مستوى العمل الإداري أو القضائي، والسبب الرئيس في ذلك هو تعدد النصوص القانونية والدوريات والمذكرات التنظيمية الضابطة لهذه الشواهد الإدارية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى وضع رجل السلطة في بعض اللحظات في حيرة من أمره، أي هذه النصوص يطبق؟ سيما إذا كان هناك اختلاف وتناقض بين بعضها، ونفس الأمر بالنسبة للقاضي وأخص هنا القاضي الإداري عندما تعرض أمامه منازعة لها علاقة بهذا الموضوع، كالطعن بالإلغاء ضد قرار السلطة المحلية القاضي برفض تسليم هذه الشهادة الإدارية، وسأحاول في هذه المداخلة أن أستعرض بعض الجوانب التي يثيرها هذا الموضوع سواء من حيث التأطير القانوني والتنظيمي أو على مستوى الممارسة العملية.

المطلب الأول: الإطار المرجعي والمسطرة المتبعة في تسليم الشهادة الإدارية التي تنفي الصبغة الجماعية عن العقارات غير المحفظة.

الفقرة الأولى: الإطار المرجعي.

أولا: هناك شح في النصوص القانونية المنظمة لهذه الشهادة الإدارية، إذ إنه مباشرة بعد الحديث عنها يتبادر إلى ذهننا نص يتيم هو الفقرة الثانية من المادة 18 من المرسوم رقم 2.08.378 الصادر في 28 من شوال 1429 {28 أكتوبر 2008} بتطبيق أحكام القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.06.56 بتاريخ 15 من محرم 1427 {14 فبراير 2006}. وهو نص عام ينطبق على الشواهد الإدارية التي تنفي كون العقار جماعي أو حبسي أو من أملاك الدولة وغيرها كأملاك الجماعات الترابية.

ثانيا: إلى جانب النص القانوني أعلاه هناك دوريات ومذكرات مختلفة لها علاقة بالموضوع نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

  • الدورية عدد 123/ م.ش.ق وتاريخ 10 نونبر 2006 بخصوص إعداد مسطرة الشواهد الإدارية التي تنفي الصبغة الجماعية على العقارات.
  • دورية مشتركة حول تطبيق مقتضيات المادة 18 من المرسوم الصادر في 28 أكتوبر 2008 بتطبيق أحكام القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة الصادرة بتاريخ 17 دجنبر 2012.
  • كتاب السيد وزير الداخلية عدد 7415 وتاريخ 18 دجنبر 2012 إلى السادة ولاة الجهات والعمالات والأقاليم وعمال عمالات المقاطعات حول تطبيق مقتضيات المادة 18 من المرسوم الصادر بتطبيق أحكام القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة.
  • دورية السيد وزير الداخلية عدد 14/م.ش.ق وتاريخ 07 فبراير 2013 بخصوص تفعيل الدورية الوزارية المشتركة عدد 50/س2 الصادرة بتاريخ 17 دجنبر 2012 المتعلقة بتسليم الشهادة الإدارية الخاصة بالعقار غير المحفظ.
  • مذكرة تكميلية للسيد وزير الداخلية رقم 0112 وتاريخ 05 يناير 2017 للدورية الوزارية المشتركة رقم 50/س الصادرة بتاريخ 17-12-2012 ودورية السيد وزير الداخلية عدد 14 بتاريخ 07-02-2013 في شأن توحيد المساطر المعمول بها في تسليم شواهد إدارية موضوعها عقارات غير محفظة.


الفقرة الثانية: المسطرة المتبعة في تسليم الشهادة الإدارية التي تنفي الصبغة الجماعية عن العقارات غير المحفظة.

أولا: الإجراءات المنصوص عليها في الدورية المشتركة.

تنص الفقرة الثانية من المادة 18 من المرسوم رقم 2.08.378 المشار إليه أعلاه على ما يلي: “إذا تعلق الأمر بعقار غير محفظ وجب على العدل التأكد بواسطة شهادة صادرة عن السلطة المحلية من كونه ليس ملكا جماعيا أو حبسيا وليس من أملاك الدولة وغيرها؛” والهدف من سن هذا المقتضى التشريعي هو حماية هذه الأملاك وتحصينها ضد أي تلاعب أو استيلاء قد يطالها باستعمال وسائل غير مشروعة، لكن لما ثبت من خلال التطبيق العملي لمقتضيات هذه المادة وجود اختلاف في كيفية تفعيلها أدى إلى عدم الاستجابة لبعض طلبات المواطنين الرامية إلى الحصول على الشهادة الإدارية المذكورة، ومن أجل توحيد إجراءات تسليم هذه الشهادة، وتفاديا للأعباء المادية والمعنوية التي قد يتكبدها المواطنون المعنيون، وإعمالا لمقتضيات المادة 18 المذكورة على وجه سليم، فقد جاءت الدورية المشتركة الصادرة بتاريخ 17 دجنبر 2012 بمجموعة من الإجراءات على الشكل التالي:

  • تقديم الراغب في الشهادة الإدارية طلبه إلى السلطة المحلية التي يوجد بدائرة نفوذها الترابي العقار غير المحفظ مرفق ببطاقة معلومات حول العقار وفق النموذج الملحق بالدورية، وبرسم بياني يبين فيه حدود ومجاوري العقار موضوع الطلب، وبنسخة من بطاقته الوطنية للتعريف، وبتصريح بالشرف مصادق عليه وفق النموذج الملحق بالدورية مع ست نسخ من كل وثيقة.
  • على السلطة المحلية داخل أجل سبعة أيام من تاريخ توصلها بالطلب توجيه نسخ منه ومرفقاته إلى الجهات الإدارية المعنية لموافاتها كتابة بما إذا كان العقار مدرجا أو غير مدرج ضمن الأملاك التابعة لها، وعلى هذه الجهات إجابة السلطة المحلية داخل أجل ستين يوما من تاريخ التوصل.
  • إذا أجابت إحدى الجهات بأن العقار موضوع الطلب مدرج ضمن الأملاك التابعة لها؛ فإن السلطة المحلية تجيب صاحب الطلب بذلك وترسل نسخا من الجواب إلى كل الجهات الإدارية الأخرى ويحفظ الملف.
  • إذا لم تجب إحدى الجهات داخل أجل ستين يوما فإن السلطة المحلية تعقد معها اجتماعا داخل خمسة عشر يوما من مرور الأجل المذكور، وذلك للقيام ببحث في عين المكان أو مطالبة الراغب في الشهادة الإدارية –عند الاقتضاء – بالإدلاء بتصميم طوبوغرافي للعقار موضوع الطلب منجز من طرف مهندس مساح طوبوغرافي، وفي هذه الحالة يتعين على الجهة الإدارية المعنية أن تجيب السلطة المحلية خلال ثلاثين يوما من تاريخ إجراء البحث الميداني أو تاريخ توصلها بالتصميم الطبوغرافي من السلطة المحلية.
  • تقوم السلطة المحلية بتضمين الشهادة الإدارية بأن العقار موضوع الطلب غير مدرج ضمن الأملاك المنصوص عليها في المادة 18 أعلاه، ثم تسلم هذه الشهادة لصاحبها وترسل نسخا منها إلى كل الجهات الإدارية المعنية.

ثانيا: إجراءات إضافية خاصة بالعقارات الجماعية غير المحفظة:

رغم صدور الدورية المشتركة أعلاه وتوقيعها من طرف السادة: وزير الداخلية ووزير العدل والحريات ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ووزير الاقتصاد والمالية ووزير التجهيز والنقل ووزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة والمندوب السامي للمياه والغابات ومحاربة التصحر، فإن السيد وزير الداخلية أصدر دورية خاصة بتسليم الشهادة الإدارية المتعلقة بالعقارات الجماعية غير المحفظة هي الدورية عدد 14/م ش ق وتاريخ 07 فبراير 2013 تضمنت بعض الإجراءات الإضافية وجاء في هذه الدورية بأن: “الوزارة الوصية وفي إطار الحفاظ على الرصيد العقاري الجماعي خاصة عندما تكون الشهادة الإدارية موضوع الطلب تخص نفي الصبغة الجماعية على العقار المراد تحفيظه، أقدمت على وضع مجموعة من الإجراءات الاحترازية يجب على السلطة المحلية التقيد بها وهي كما يلي:

  • يعمل السيد القائد على إحالة نسخة من طلب الشهادة الإدارية بمجرد التوصل به، على مصالح العمالة أو الإقليم التابع لنفوذه الترابي قصد الإخبار، ويقوم مباشرة بإجراء بحث ميداني داخل الآجال المحددة بالدورية الوزارية المشتركة الجديدة؛
  • يستدعي السيد القائد اللجنة المحلية المكونة من السلطة المحلية، ونائب أو نواب الجماعة السلالية المعنية أو الجماعات السلالية المجاورة ل:
  • دراسة محتويات الملف؛
  • معاينة العقار موضوع الطلب ومدى مطابقته بالرسم البياني المدلى به.
  • تحرير محضر معاينة؛
  • إرفاق هذا المحضر بتصريح كتابي من لدن نائب الجماعة أو الجماعات السلالية المعنية يوضح فيه موقفهم حول طبيعة العقار {جماعي أو لا } مرفوقا بتقرير السلطة المحلية في هذا الشأن.
  • يرفع الملف برمته إلى السلطة الولائية أو الإقليمية للاطلاع عليه قصد إبداء رأيها الصريح بخصوص منح شهادة نفي الصبغة الجماعية أم لا داخل الآجال المحددة بالدورية المشتركة. كما يمكن لهذه السلطة استشارة سلطة الوصاية عند الاقتضاء أثناء أية مرحلة وقبل إجابة صاحب الطلب؛
  • عند توصل السيد القائد بالرأي الكتابي لكل من السلطة الولائية أو الإقليمية والإدارية المعنية بخصوص طلب الشهادة الإدارية، يقوم بسلك أحد الإجراءين المبينين بالدورية الوزارية المشتركة والمتمثلين في:
  • إما إشعار صاحب الطلب بأن العقار موضوع الشهادة الإدارية مدرج ضمن الأملاك المنصوص عليها في المادة 18 من المرسوم رقم 2.08.378 بتطبيق أحكام القانون رقم 16.03 المتعلقة بخطة العدالة؛
  • أو تسليم الشهادة الإدارية لصاحبها بتضمينها بأن العقار موضوع الطلب غير مدرج ضمن الأملاك المنصوص عليها في المادة 18 السالفة الذكر.”

ثالثا: أوجه التناقض والاختلاف بين الدورية المشتركة والدورية الصادرة عن السيد وزير الداخلية عدد 14/م ش ق وتاريخ 07 فبراير 2013.

  • دراسة طلبات الشواهد الإدارية التي تنفي الصبغة الجماعية: بالرجوع إلى مضمون الدورية المشتركة أعلاه لا نجد فيها ما يفيد وجود لجنة محلية تقوم بدراسة طلبات الشواهد الإدارية. فهذه الدورية أوكلت هذا الأمر للسلطة المحلية، وهذه الأخيرة هي المعنية أولا وأخيرا بجميع الإجراءات التي يتم اتخاذها وفق ما أشارت له الدورية المذكورة، لكن الدورية الصادرة عن السيد وزير الداخلية عدد 14 /م ش ق وتاريخ 07 فبراير 2013 أشارت إلى أن السيد القائد يقوم باستدعاء اللجنة المحلية المكونة من السلطة المحلية، ونائب أو نواب الجماعة السلالية المعنية أو الجماعات السلالية المجاورة ل: 1- دراسة محتويات الملف 2- معاينة العقار موضوع الطلب ومدى مطابقته بالرسم البياني المدلى به.3- تحرير محضر معاينة 4- إرفاق هذا المحضر بتصريح كتابي من لدن نائب الجماعة أو الجماعات السلالية المعنية يوضح فيه موقفهم حول طبيعة العقار (جماعي أو غير جماعي ) مرفوقا بتقرير السلطة المحلية في هذا الشأن.

وتجدر الإشارة إلى أن دورية السيد وزير الداخلية عدد 14 / م ش ق وتاريخ 07 فبراير 2013 صدرت بعد الدورية المشتركة التي كانت في 17 دجنبر 2012 لكنها حافظت على ما سبق أن أقرته الدورية عدد 123/ م ش ق وتاريخ 10 نونبر 2006 التي منحت للجنة المحلية المكونة من السلطة المحلية، ونائب أو نواب الجماعة أو الجماعات السلالية صلاحية دراسة طلبات الشواهد الإدارية التي تنفي الصبغة الجماعية، وهذا التناقض والاختلاف بين هذه الدوريات انعكس على عمل رجل السلطة في دراسة هذه الطلبات منها ما يمنحه الحق وحده في دراستها، وأخرى تمنح الحق للجنة المحلية المكونة من السلطة المحلية والأطراف المشار إليها أعلاه، مما أدى في الكثير من الحالات إلى عدم الاستجابة لطلبات المواطنين الرامية إلى الحصول على الشهادة الإدارية المذكورة.

  • الجهة المؤهلة قانونا لتسليم الشهادة الإدارية: تنص الفقرة الثانية من المادة 18 من المرسوم رقم 2.08.378 المشار إليه أعلاه على ما يلي: ” إذا تعلق الأمر بعقار غير محفظ وجب على العدل التأكد بواسطة شهادة صادرة عن السلطة المحلية من كونه ليس ملكا جماعيا أو حبسيا وليس من أملاك الدولة وغيرها؛” فحسب هذه المادة فإن السلطة المحلية ممثلة في السيد القائد أو الباشا هي المختصة وحدها دون غيرها بإصدار هذه الشهادة الإدارية، وهو ما أكدته الدورية المشتركة الصادرة بتاريخ 17 دجنبر 2012 حول تطبيق مقتضيات المادة 18 من المرسوم الصادر في 28 أكتوبر 2008 التي اعتبرت أن السلطة المحلية هي الجهة المؤهلة قانونا لتسليم هذه الشهادة الإدارية ولا يتوقف قرارها على رأي أو إذن مسبق صادر عن جهة أخرى. فالدورية المذكورة خاطبت السلطة المحلية فقط وجاء فيها بأن هذه السلطة تقوم بتضمين الشهادة الإدارية بأن العقار موضوع الطلب غير مدرج ضمن الأملاك المنصوص عليها في المادة 18 أعلاه ثم تسلم هذه الشهادة لصاحبها وترسل نسخا منها إلى كل الجهات الإدارية المعنية.

لكن إذا ما اطلعنا على دورية السيد وزير الداخلية عدد 14/م ش ق وتاريخ 07 فبراير 2013 نجدها تشير إلى أن السيد القائد يعمل على إحالة نسخة من طلب الشهادة الإدارية بمجرد التوصل به على مصالح العمالة أو الإقليم التابع لنفوذه الترابي، قصد الإخبار وبعد دراسة الملف من طرف اللجنة المحلية يتم رفعه إلى السلطة الولائية أو الإقليمية للاطلاع عليه، قصد إبداء رأيها الصريح بخصوص منح شهادة نفي الصبغة الجماعية أم لا داخل الآجال المحددة بالدورية المشتركة. كما يمكن لهذه السلطة استشارة سلطة الوصاية عند الاقتضاء أثناء أي مرحلة وقبل إجابة صاحب الطلب، وعند توصل السيد القائد بالرأي الكتابي لكل من السلطة الولائية أو الإقليمية والإدارية المعنية بخصوص طلب الشهادة الإدارية أنداك يمكنه إما إشعار صاحب الطلب بأن العقار موضوع الشهادة الإدارية مدرج ضمن الأملاك المنصوص عليها في المادة 18 من المرسوم رقم 378.08.2 أو تسليم الشهادة الإدارية لصاحبها بتضمينها بأن العقار موضوع الطلب غير مدرج ضمن هذه الأملاك.

  • وهذه المقتضيات تتعارض مع ما جاءت به الدورية المشتركة التي لم تتضمن سواء بشكل صريح أو ضمني ما يستفاد منه أن السلطة المحلية تحيل نسخة من طلب الشهادة الإدارية على مصالح العمالة أو الإقليم قصد الإخبار، أو رفع الملف بعد دراسته إلى السلطة الولائية أو الإقليمية للاطلاع عليه، قصد إبداء رأيها الصريح بخصوص منح الشهادة المذكورة، وربط القرار النهائي للسلطة المحلية بتوصلها بالرأي الكتابي لكل من السلطة الولائية أو الإقليمية والإدارية المعنية بخصوص طلب الشهادة الإدارية. فالدورية المشتركة المذكورة خاطبت السلطة المحلية لكونها الجهة المؤهلة قانونا بتسليم الشهادة الإدارية بصريح المادة 18 من المرسوم الصادر في 28 أكتوبر 2008 وإن كانت الإجراءات الإضافية التي تضمنتها دورية السيد وزير الداخلية عدد 14/م ش ق وتاريخ 07 فبراير 2013 تبقى إجراءات تنظيمية باعتبار أن السيد وزير الداخلية أو من يفوض إليه ذلك هو من يمارس الوصاية الإدارية للدولة على الجماعات السلالية، فإن ربط القرار النهائي للسيد القائد بخصوص الشهادة الإدارية المذكورة بإبداء السلطة الولائية أو الإقليمية لرأيها حول منح هذه الشهادة من عدمه يخالف المادة 18 من المرسوم رقم 2.08.378 المشار إليه أعلاه والدوريات والمذكرات السابق ذكرها.

وفي جميع الأحوال، فإن المتفق عليه من خلال مقتضيات المادة 18 أعلاه والدورية المشتركة ودورية السيد وزير الداخلية عدد 14/م ش ق وتاريخ 07 فبراير 2013 أن السلطة المحلية {القائد أو الباشا} هي المؤهلة قانونا في إصدار الشهادة الإدارية المذكورة.

  • لكن بمراجعتنا للمذكرة التكميلية للسيد وزير الداخلية رقم 0112 وتاريخ 05 يناير 2017 نجدها احتفظت في بندها الأول بالمقتضيات الواردة بالدورية عدد 123 بتاريخ 10 نونبر 2006 المتعلقة بمسطرة منح شهادة إدارية تنفي الصبغة الجماعية عن العقار أي تطبيق مقتضيات سابقة على صدور المادة 18 والدورية المشتركة وهذا من شأنه أن يعيدنا لطرح بعض الإشكالات والصعوبات التي اعتقد الجميع أنه تم تجاوزها بعد صدور المرسوم رقم 2.08.378 والدوريات والمذكرات اللاحقة على صدور الدورية عدد 123 لأن هذه الدورية كانت تعطي للجنة المحلية صلاحية دراسة محتويات الملف، ومعاينة العقار، وتحرير محضر بشأن ذلك… ثم تحيل الملف على اللجنة الإقليمية المكلفة بدراسة طلبات الحصول على هذه الشواهد. وكانت هذه اللجنة تتألف من السيد العامل أو من ينوب عنه، وممثل عن مصلحة المحافظة العقارية، وممثل عن مصلحة المسح العقاري، ورئيس قسم الشؤون القروية بالعمالة، وهي التي تملك اتخاذ القرار النهائي إزاء منح الشهادة الإدارية المرغوب الحصول عليها، وهو ما تم تجاوزه حاليا سواء على المستوى القانوني والإداري أو على المستوى العملي.

المطلب الثاني: رقابة قاضي الإلغاء على القرار القاضي برفض منح الشهادة الإدارية.

لن نستعرض في هذا المطلب جميع أوجه الرقابة القضائية على القرار الإداري الصادر عن السلطة المحلية القاضي برفض منح الشهادة الإدارية التي تنفي الصبغة الجماعية عن العقارات غير المحفظة، ولكن سنقتصر على إثارة بعض الإشكالات العملية التي يصادفها القاضي الإداري وهو بصدد بحث مشروعية هذه القرارات وفق القانون رقم 41.90 المحدثة بموجبه محاكم إدارية.

الفقرة الأولى: الرقابة الشكلية.

  • وجود القرار الإداري المطعون فيه: عندما تعرض هذه الطعون على قاضي الإلغاء فإنه يراقب أولا وجود القرار المطعون فيه سواء كان صريحا أو ضمنيا تطبيقا لأحكام المادة 21 من القانون المذكور التي تنص على أنه: ” يجب أن يكون طلب الإلغاء بسبب تجاوز السلطة مصحوبا بنسخة من القرار الإداري المطلوب إلغاؤه، وإذا سبقه تقديم تظلم إداري يتعين أن يصحب طلب الإلغاء أيضا بنسخة من القرار الصادر برفض التظلم أو بنسخة من وثيقة تشهد بإيداع التظلم إن كان رفضه ضمنيا.”
  • أجل الطعن بالإلغاء: تنص الفقرة الأولى من المادة 23 من القانون أعلاه على أنه: ” يجب أن تقدم طلبات إلغاء القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة داخل أجل ستين يوما يبتدئ من نشر أو تبليغ القرار المطلوب إلغاؤه إلى المعني بالأمر.” وبخصوص القرارات الإدارية الصادرة عن السلطة المحلية حول رفض تسليم الطاعنين شواهد إدارية تنفي الصبغة الجماعية وفق مقتضيات المادة 18 من المرسوم أعلاه والدورية المشتركة، فإنه غالبا لا يتم تبليغها للمعنيين بها، وهذا ما أبانت عنه الممارسة العملية، وفي بعض الأحيان تدفع الإدارة بعلم الطاعنين بها بشكل يقيني، وتلتمس عدم قبول الطعن لهذا السبب، لكون العلم اليقيني بفحوى القرار وأسبابه والجهة الصادر عنها يقوم مقام التبليغ حسب ما تواترت عليه قرارات وأحكام القضاء الإداري، وفي هذا الإطار جاء في حكم صادر عن المحكمة الإدارية بوجدة تحت عدد 773 وتاريخ 27-09-2017 ملف عدد 107-7110-2017 ما يلي: ” حيث استمسك الوكيل القضائي للمملكة بكون الطاعنين تقدموا بتظلم إلى عامل إقليم فجيج بعد علمهم بقرار رفض منحهم الشهادة الإدارية المطلوبة بتاريخ 26/06/2016، ولم يتقدموا بطعنهم إلا بتاريخ 02/06/2017، أي خارج أجل ستين يوما المنصوص عليه ضمن مقتضيات المادة 23 من القانون رقم 90/41 المحدث للمحاكم الإدارية، و التمس تبعا لذلك الحكم بعدم قبول الطعن.

لكن، حيث لما كان الأصل هو تبليغ القرار الإداري لانطلاق أجل الطعن القضائي، و لما كان العلم اليقيني بفحوى القرار مجرد استثناء للقاعدة المذكورة، فإن عبء إثبات العلم بفحوى القرار ومراجعه وأسبابه و الشخص الصادر عنه يقع على عاتق الإدارة وفق ما أكدته محكمة النقض في قرارها عدد 691 الصادر بتاريخ 30/09/2010 في الملف الإداري عدد 415/4/1/2010، و في النازلة الماثلة فإن الجهة المطلوبة في الطعن لم تدل بأي بيان دال على تبليغ القرار محل الطعن الصادر بتاريخ 24/ 06/2016، إلى الطاعنين أو علمهم به على النحو المذكور، وأنه لما كان الثابت أن الطاعنين تقدموا بتظلم بتاريخ 02/03/2017 بشأن القرار المطعون فيه إلى عامل إقليم فجيج باعتباره جهة رئاسية للجهة المصدرة للقرار أرسل إليه عبر البريد المضمون بنفس التاريخ، و تقدموا بدعواهم بتاريخ 02/05/2017 فإن طعنهم يبقى مقدما خلال الأجل القانوني، و يبقى ما أثير بخصوصه مفتقدا للوجاهة القانونية اللازمة و يتعين رده.”

  • طبيعة القرار القاضي برفض منح الشهادة الإدارية التي تنفي الصبغة الجماعية عن العقارات غير المحفظة: هو بطبيعة الحال قرار سلبي صادر لغير فائدة المعني بالأمر، كما أنه من القرارات المستمرة لأنه يقوم على حالة قانونية وواقعية مستمرة في آثارها ومؤثرة في المركز القانوني للطاعن ما دامت حالة الامتناع من جانب الإدارة المصدرة له مستمرة. وهذا النوع من القرارات درج الفقه والقضاء على عدم إخضاعها لأجل الطعن بالإلغاء مع مراعاة المراكز القانونية الثابتة والحقوق المكتسبة.وفي هذا الإطار قضت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط في قرارها عدد 703 وتاريخ 28-05-2008 ملف رقم 171/07/5 بأن: ” القرار الإداري السلبي هو القرار الذي لا يتضمن القيام بأي إجراء تنفيذي فهو ينفذ بنفسه وينتج آثاره عند صدوره في الحال. وهو بذلك لا يتقيد بأجل الستين يوما للطعن بالإلغاء على اعتبار أنه قرار مستمرفي آثاره وأن الطعن فيه يظل مفتوحا طالما تستمر حالة الامتناع من جانب الإدارة المصدرة له سواء كان قرارا صريحا أو قرارا ضمنيا بالرفض.”
  • الجهة المصدرة للقرار القاضي برفض منح الشهادة الإدارية التي تنفي الصبغة الجماعية عن العقارات غير المحفظة.

كما سبق وأن أوضحنا في المطلب الأول؛ فإن السلطة المحلية ممثلة في السيد القائد أو الباشا هي المؤهلة قانونا لمنح الشهادة الإدارية التي تنفي الصبغة الجماعية عن العقارات غير المحفظة. لكن قد يحدث في بعض الحالات بأن تدفع السلطة المحلية بعدم قبول الطعن لكون قرارها لا يكتسي الصبغة النهائية، وقد سبق للمحكمة الإدارية بوجدة في العديد من النوازل أن كرست صلاحية السلطة المحلية في إصدار هذه القرارات دون غيرها إعمالا لمقتضيات المادة 18 أعلاه وهكذا جاء في حكمها عدد 363 وتاريخ 03-05-2017 ملف عدد 27-7110-2017 ما يلي: ” ” لما كان القرار الطعين صادر عن قائد قيادة… في إطار الاختصاصات التي خولتها له الفقرة الثانية من المادة 18 من المرسوم رقم 2.08.378 الصادر في 28/10/2008 بتطبيق أحكام القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.06.56 بتاريخ 14/2/2006، باعتباره السلطة المحلية المكلفة بتسليم شهادة انتفاء الصبغة الجماعية، وذي صبغة نهائية وتنفيذية ومؤثر في المركز القانوني للطاعنين، فإنه يشكل قرارا إداريا صرفا.”

لكن محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط ذهبت على خلاف هذا التوجه في قرارها عدد 550 المؤرخ في 05-02-2014 ملف عدد 719-13-5 الذي جاء فيه بأن: ” السلطة المخولة لها تسليم الشهادة الإدارية بكون عقار ما لا يكتسي الصبغة الجماعية هي العامل بعد أخذ نظر اللجنة المختصة، وبالتالي فما ورد في الكتاب الصادر عن القائد هو مجرد رسالة إخبارية لا ترق إلى درجة القرار الإداري التنفيذي الصادر عن الجهة المختصة والمؤثر في المركز القانوني للمخاطب به، إذ على هذا الأخير مخاصمة القرار الرافض لمنحه الشهادة المطلوبة الصادر عن العامل كجهة مختصة، مما حاصله أن الطلب غير مقبول وما أثير في هذا الإطار مرتكز على أساس سليم.” وقضت تبعا لذلك بإلغاء الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بوجدة بتاريخ 11-4-2013 تحت عدد 290 في الملف رقم 130-12-5 وتصديا حكمت بعدم قبول الطلب[1].

الفقرة الثانية: الرقابة الموضوعية.

تشمل هذه الرقابة تحقق قاضي الإلغاء من مشروعية القرار الإداري المطعون فيه من عدمه وفق ما هو منصوص عليه في المادة 20 من القانون رقم 90-41 المحدث بموجبه محاكم إدارية والتي تنص على أن: ” كل قرار إداري صدر من جهة غير مختصة أو لعيب في شكله أو لانحراف في السلطة أو لانعدام التعليل أو لمخالفة القانون، يشكل تجاوزا في استعمال السلطة، يحق للمتضرر الطعن فيه أمام الجهة القضائية الإدارية المختصة.” لكن سنقتصر في هذه المداخلة على إثارة بعض الإشكالات المرتبطة بالموضوع فقط ونذكر منها:

  • رفض منح هذه الشهادة لعدم إدلاء الطالب بشهادة تثبت الملك: الشهادة الإدارية التي تسلمها السلطة المحلية بخصوص العقار غير المحفظ لا تمنح حقا عينيا على العقار ولا تنفيه وإنما دورها هو إعطاء معلومات حول العقار؛ بكونه يندرج ضمن الأملاك المشار إليها في المادة 18 من عدمه وفق الإجراءات والتدابير التي جاءت بها الدورية المشتركة أعلاه، ومن ثمة فإنه لا يجوز أن تشترط السلطة المحلية على طالبي هذه الشهادة الإدلاء بما يثبت تملكهم للعقار، فلو كانوا يتوفرون على سند يثبت ملكيتهم لما طلبوا أصلا الحصول على هذه الشهادة الإدارية التي تعتبر منطلق تأسيسهم للملكية. ويجب أن تتضمن هذه الشهادة ما يفيد بأنها لا تعتبر سندا للملكية ولا تمنح للمعني بالأمر أي حق عيني على العقار.
  • رفض منح هذه الشهادة لوجود نزاع قضائي: أشارت الدورية عدد 123/ م ش ق وتاريخ 10 نونبر 2006 إلى أنه يتعين التريث في منح الشهادة الإدارية التي تنفي الصبغة الجماعية على عقار محل نزاع معروض على القضاء إلى حين صدور حكم نهائي في النازلة. وهو نفس الأمر الذي أكدته المذكرة التكميلية للسيد وزير الداخلية رقم 0112 وتاريخ 05 يناير 2017 التي اقتضت ضرورة التأكد من كون العقار موضوع الشهادة ليس محل نزاع مطروح على أنظار القضاء.لكن الممارسة العملية أبانت عن تضارب كبير في إعمال هذه المقتضيات، فكثيرة هي الحالات التي يتم فيها رفض منح هذه الشهادة من طرف السلطة المحلية بحجة وجود نزاع قضائي ويتبين بعد ذلك بأن الأمر لا يتعلق بنزاع قضائي. وفي هذا الصدد جاء في قرار لمحكمة الاستئناف الإدارية بالرباط[2] أن: ” القرار المطعون فيه لما قضى برفض تسليم المستأنفة الشهادة الإدارية المطلوبة بدعوى وجود حالة شياع في العقار المعني ووجود تداخل في الحدود بينه وبين عقار آخر وأرجأ الموافقة على الطلب إلى حين تسوية هذا النزاع أمام القضاء، يكون قد خرق المقتضيات المضمنة في الدورية المشار إليها أعلاه – يتعلق الأمر بالدورية عدد 123/م.ش الصادرة عن وزير الداخلية بتاريخ 20-11-2006- مادام أن اللجنة المعهود إليها بدراسة طلب الحصول على الشهادة المذكورة تقتصر صلاحيتها على مدى توفر العقار على الصبغة الجماعية من عدمه دون البحث فيما إذا كان هذا العقار موضوع نزاع مع الأغيار ما لم يكن النزاع معروضا على القضاء وهو ما لا يتوفر في نازلة الحال، مما يجعل القرار الإداري المطعون فيه لما رفض النظر في الطلب ولم يبحث عن الصبغة الجماعية للعقار قد تجاوز حدود الدورية المذكورة ومتسما بتجاوز السلطة لمخالفته القانون بمفهومه العام ومعرضا بالتالي للإلغاء، وأن الحكم المستأنف حينما سار في خلاف هذا المنحى لم يصادف الصواب ويتعين إلغاؤه.”

وجاء في جزء من التعليل لحكم صادر عن المحكمة الإدارية بوجدة[3] ” وحيث إنه عطفا على ما تقدم يتبين بأن مقتضيات المادة 18 من المرسوم المتعلق بتطبيق أحكام القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة واضحة في تحديد مضمون الشهادة الإدارية التي تسلمها السلطة المحلية وفق ما تم بسطه أعلاه، كما أن الدورية المشتركة المشار إليها تبقى هي الإطار المرجعي للسلطة المحلية في تطبيق أحكام هذه المادة، نظرا لمضمونها أولا، وكونها موقعة من طرف جميع الجهات المعنية، و الثابت من أوراق القضية أن السيد القائد لم يلتزم بمقتضيات المادة 18 المشار إليها، ولم يحترم نهائيا الإجراءات والتدابير المنصوص عليها في الدورية الوزارية المشتركة، بحيث لم يعمل على مراسلة الجهات الإدارية المعنية للتحقق مما إذا كان العقار موضوع الطلب يندرج ضمن أملاكها، وفي هذه الحالة يقوم بحفظ الملف بعد توصله بما يفيد ذلك ويسلم الجهة الطاعنة قرارا بهذا الخصوص، أو أن العقار لا يدخل ضمن الأملاك المشار إليها في المادة 18 وفي هذه الحالة يسلم الجهة الطالبة الشهادة الإدارية المنصوص عليها في المادة 18 أعلاه، ولكنه تمسك كسبب وحيد لرفض تسليم الشهادة بكون العقار موضوع الطلب به عدة تعرضات من طرف باقي الورثة، وتبين من خلال جواب الوكيل القضائي للمملكة المرفق بصور شمسية لهذه التعرضات أن هذه الأخيرة في مواجهة … وليست في مواجهة الطاعن، هذا من جهة ؛ ومن جهة ثانية فإن هذه التعرضات لا تحول دون تسليم الشهادة الإدارية ما لم ترق لدرجة النزاع القضائي حول تملك العقار، وهو الأمر غير الثابت في نازلة الحال بحيث إن الأحكام القضائية المحتج بها من طرف الجهة المطلوبة في الطعن تتعلق بدعوى لقسمة العقار موضوع الشهادة الإدارية انتهت بعدم قبولها بموجب قرار محكمة الاستئناف بوجدة عدد 239 وتاريخ 21-02-2018 ملف عدد 417-1620-2017 وهذه المنازعة واضح أنها لا ترتبط بالملك موضوع الدعوى وكانت سببا في بحث الطاعن وباقي الورثة معه عن إجراء ملكية للعقار ولا تحول دون الحصول على شهادة إدارية تنفي أن العقار يندرج ضمن الأملاك المنصوص عليها في المادة 18 أعلاه.”

وعليه فإن الذي يمنع تسليم الشهادة الإدارية المذكورة هو وجود نزاع قضائي؛ الذي لا يقوم إلا برفع دعوى أمام القضاء تفيد وجود منازعة بين طالب الشهادة والغير حول العقار موضوع هذه الشهادة، ونتحدث هنا عن قضاء الحكم، كما أن العمل الولائي وإن كان يندرج ضمن الوظيفة القضائية فهو لا يشكل عملا قضائيا لانتفاء عنصر المنازعة فيه[4]، ولا يمكن الاحتجاج بإقامة طلب في إطاره للحرمان من تسليم الشهادة الإدارية، وأخيرا فإن مجرد التعرض على تسليم هذه الشهادة أمام الإدارة لا يشكل منازعة قضائية ولا يمنع من تسليمها.

  • رفض منح الشهادة الإدارية مخافة استغلالها في التقسيم غير القانوني للعقار:

جاء في المذكرة التكميلية للسيد وزير الداخلية رقم 0112 وتاريخ 05 يناير 2017 للدورية الوزارية المشتركة رقم 50/س الصادرة بتاريخ 17-12-2012 ودورية السيد وزير الداخلية عدد 14 بتاريخ 07-02-2013 في شأن توحيد المساطر المعمول بها في تسليم شواهد إدارية موضوعها عقارات غير محفظة بأن موضوع ربط الشهادة الإدارية المتعلقة بعقارات غير محفظة بالأنظمة الموازية يطرح تضاربا بين حق المواطن في استصدار تلك الشهادة التي مضمونها فقط انعدام الصبغة الحبسية والجماعية وصفة أملاك الدولة وبين احترام قواعد التقسيم المنصوص عليها بالنص التشريعي.

كما نقرأ في نفس المذكرة ما يلي: “وحيث إن الشهادة الإدارية موضوع عقارات غير محفظة تشكل مرحلة من مراحل تأسيس رسوم الملكية، فقد أثبت الواقع العملي أن الشهادة الإدارية موضوع عقارات غير محفظة باتت وسيلة للتحايل على مقتضيات المواد:58-59-60-61-62 من قانون 90-25 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، الصادر بتاريخ 17 يونيو 1992. وكذا وسيلة لتجنب احترام مقتضيات إنهاء حالة الشياع مع ما يترتب على ذلك من عواقب اجتماعية مؤدية إلى الإضرار بالتدبير المجالي للعقار.” لذلك أوجبت المذكرة أعلاه أخذ التدابير الاحترازية بالنسبة لملفات الورثة ” لكون غالبية الورثة لأملاك عقارية يلجؤون إلى تقسيم العقار بكيفية تخالف المادة 58 من القانون رقم 90-25 فيتقدمون بطلب استصدار الشهادة الإدارية ثم يتوجهون مباشرة إلى سلك مسطرة تأسيس الملكيات، متجنبين بذلك الخضوع لمقتضيات القانون المنظم لتقسيم العقارات مما يستوجب الاحتراز منه.” والملفات المتضمنة لعقود البيع:” في حالة كون الوثيقة التي تثبت العلاقة مع الأرض عبارة عن عقد بيع عرفي غير محدد لأصل الملك أو تم إخفاء رسم ملكيته، ومؤرخ قبل صدور مدونة الحقوق العينية. فإن العلاقة مع الأرض غالبا ما تنشأ عن طريق تقسيم عقار إلى بقعتين أو أكثر خلال عملية البيع، الشيء الذي يستدعي التحري حول مصدر الملك.”

في حقيقة الأمر هذه المقتضيات تبتعد كل البعد عن مضمون الشهادة الإدارية التي يقتصر موضوعها على التحقق من كون العقار موضوع هذه الشهادة يندرج ضمن الأملاك الجماعية أو الحبسية أو أملاك الدولة أم لا، لكن يبقى من حق سلطة الوصاية تنبيه أعوان السلطة لهذه المواضيع، غير أن الواقع العملي أبان عن رفض منح هذه الشهادة في بعض الحالات كلما تعلق الأمر بملفات الورثة والعلة هي مخافة استغلالها في التقسيم غير القانوني، وهي علة غير سليمة، لكون المذكرة أعلاه أشارت إلى ضرورة الاحتراز فقط في ملفات الورثة من استغلال الشهادة المذكورة في التقسيم غير القانوني للعقار. ولكي تتجنب السلطة المحلية ذلك، أوردت نفس المذكرة بعض الضمانات التي يجب أن تحاط بها الشهادة وهي اعتماد نموذج للشهادة المعنية يتضمن إشارة إلى كون هذه الشهادة لا تثبت الملكية الخاصة للعقار ولا تخول لصاحبها الحق في بيع العقار في مخالفة لمقتضيات المادة 58 من قانون 90-25 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات.

ومن جهة ثانية؛ بخصوص الملفات المتضمنة لعقود البيع فأعتقد أن المذكرة أعلاه جانبت الصواب حين منحت لأعوان السلطة صلاحية التحري حول مصدر الملك قبل تسليم الشهادة الإدارية، لأن السلطة المحلية غير مختصة بذلك، وفي حالة بحثها في عنصر التملك وأصله فهي تعتدي على اختصاصات القضاء ومن له حق توثيق الرسوم المتعلقة بالملك. وكما قلنا سلفا، فنحن أما شهادة إقرارية فقط لا تمنح حقا عينيا على العقار ولا تنفيه وإنما دورها هو إعطاء معلومات حول العقار بكونه يندرج ضمن الأملاك المشار إليها في المادة 18 من عدمه وفق الإجراءات والتدابير التي جاءت بها الدورية المشتركة أعلاه. وما الفائدة من تحقق السلطة المحلية من أصل التملك والمذكرة أعلاه نفسها تؤكد على اعتماد نموذج لهذه الشهادة يفيد أنها لا تثبت الملكية.

وفي هذا الإطار جاء في حكم للمحكمة الإدارية بوجدة[5]: ” إن ما ينبغي التنبيه له أن الشهادة الإدارية التي تسلمها السلطة المحلية بخصوص العقار غير المحفظ لا تمنح حقا عينيا على العقار ولا تنفيه وإنما دورها هو إعطاء معلومات حول العقار بكونه يندرج ضمن الأملاك المشار إليها في هذه المادة من عدمه وفق الإجراءات والتدابير التي جاءت بها الدورية المشتركة أعلاه، والتي لم تتضمن أبدا ما يفيد ضرورة أخذ تدابير احترازية وعدم تسليم هذه الشهادة عندما يتعلق الأمر بعقار مشاع، ونفس الأمر بالنسبة لدورية السيد وزير الداخلية عدد 14/ م ش ق وتاريخ 07 فبراير 2013 التي لم تشر إلى هذا الأمر وتضمنت فقط بعض الإجراءات والتدابير الخاصة بمسطرة منح الشهادة الإدارية التي تنفي الصبغة الجماعية على العقارات، وإذا كان المقصود هو مذكرة السيد وزير الداخلية رقم 112 وتاريخ 05 يناير 2017 وهي مذكرة تكميلية للدورية الوزارية المشتركة رقم 50 س الصادرة بتاريخ 17/12/2012، ودورية السيد وزير الداخلية عدد 14 بتاريخ 07/02/2013 في شأن توحيد المساطر المعمول بها في تسليم شواهد إدارية موضوعها عقارات غير محفظة، والتي تضمنت مجموعة من التدابير الهدف منها هو ضمان عدم استغلال الشواهد الإدارية في التقسيم غير القانوني للعقار بشكل يخالف مقتضيات القانون رقم 90-25 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات وإن كان هذا موضوع آخر لا يمكن أن يقوم سببا في رفض تسليم الشهادة الإدارية المذكورة طبقا للمادة 18 أعلاه والدورية المشتركة، لأنه يربط التحفظ على تسليم هذه الشهادة بإمكانية مخالفة صاحب الطلب لمقتضيات القانون رقم 90-25 وهذا أمر غير معقول لأنه إن تحققت هذه المخالفة بعد تسليم الشهادة فإن القانون نظم مسطرة زجر مخالفات التعمير ومكن السلطات المختصة بذلك من ضبط هذه المخالفات، فإنه فضلا عن ذلك فإن هذه الدورية تحث السلطة المحلية على اعتماد نموذج للشهادة المعنية يتضمن إشارة إلى كون هذه الشهادة لا تثبت الملكية الخاصة للعقار ولا تخول لصاحبها الحق في بيع العقار في مخالفة لمقتضيات المادة 58 من قانون 90-25 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، وبخصوص التحفظ على ملفات التقسيم بين الورثة في غياب مخارجة قانونية بينهم وكلما شكل ذلك خرقا واضحا لقواعد التقسيم بحسب مكان تواجد العقار والمساحات المقسمة، فإن ذلك يرتبط بموقع تواجد العقار إن كان مشمولا بوثائق التعمير من عدمه وهل يخضع لمقتضيات القانون رقم 90-25 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات أم لا، والجهة المطلوبة في الطعن نفسها تقر في جوابها بكون مصالح العمالة قامت بتوجيه مراسلة إلى مصالح الوكالة الحضرية بوجدة تحت عدد 908 بتاريخ 26-02-2018 وأفادت هذه الأخيرة بموجب إرساليتها عدد 687 بتاريخ 12-03-2018 أن العقارين موضوع الطلب يوجدان بمنطقة قروية غير مغطاة حاليا بأي وثيقة تعميرية، فكيف لهما أن يخالفا مقتضيات المادة 58 من القانون رقم 90-25 إن كانا غير مشمولين بوثائق التعمير أصلا بما فيها تصميم تنمية التجمعات القروية “

  • وفي الختام، يتبين مما سبق بأن هناك قصور تشريعي في تنظيم الشهادة الإدارية التي تنفي كون العقار جماعي أو حبسي أو تابع لأملاك الدولة أو أملاك الجماعات الترابية بحيث يقتصر التنظيم التشريعي على نص يتيم هو مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 18 من المرسوم رقم 2.08.378 الصادر في 28 من شوال 1429 {28 أكتوبر 2008 } بتطبيق أحكام القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.06.56 بتاريخ 15 من محرم 1427 {14 فبراير 2006، وفي مقابل ذلك هناك تعدد في الدوريات والمذكرات التي تنظم هذا الموضوع خاصة تلك الصادرة عن وزارة الداخلية والتي لها علاقة بالعقارات الجماعية، وهو ما أفرز تضاربا واختلافا في عمل السلطة المحلية أدى في كثير من الأحيان إلى حرمان الأفراد من الحصول على هذه الشهادة، وتجاوز ذلك رهين بتطبيق الفقرة الثانية من المادة 18 أعلاه والدورية المشتركة حول تطبيق مقتضيات المادة 18 الصادرة بتاريخ 17 دجنبر 2012 وفتح نقاش عام مع جميع القطاعات المعنية خاصة تلك الموقعة على الدورية المشتركة المذكورة لإصدار دورية تكميلية تواكب الإشكالات التي أفرزتها الممارسة العملية بخصوص الشهادة الإدارية موضوع هذه المداخلة.

[1] – تجدر الإشارة إلى أن هذا القرار لا يعكس توجه متواتر لمحكمة الاستئناف الإدارية بالرباط.

[2] – قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط عدد 982 وتاريخ 23-07-2008 ملف عدد 186-07-05 أشار إليه د عبد الحكيم زروق في مؤلفه منازعات أعمال رجال السلطة أمام القضاء الإداري، نشر وتوزيع دار الآفاق المغربية، الطبعة الثانية 2019.

[3] – حكم المحكمة الإدارية بوجدة عدد 1472 وتاريخ 03-07-2019 ملف رقم 50-7110-2019 غير منشور.

[4] – للتوسع أكثر في الموضوع يراجع مؤلف د وجدي راغب: الموجز في مبادئ القضاء المدني [قانون المرافعات ]طبع ونشر دار الفكر العربي الطبعة الأولى 1977.

[5] – ملف عدد 207-7110-2019 محكوم بتاريخ 13-03-2019