مركز إدريس الفاخوري للدراسات والأبحاث في العلوم القانونية وجدة

مـآل عـقــد الـكـراء الـتـجـاري إثــر فـتــح مسـاطـر صعـوبـات المقـاولـة

–   دراسة تحليلية في ضوء القانون رقم 73.17  القاضي بنسخ وتعويض الكتاب الخامس من مدونة التجارة –

د.عمر السكتاني

أستاذ جامعي وعضو بالمركز الدولي للوساطة والتحكيم بالرباط

مفتش سابق رئيس بالمديرية العامة للضرائب

 

هذا المقال منشور في العدد الأول * أكتوبر 20218* من مجلة فضاء المعرفة القانونية التي تصدر عن المركز.

 

يكتسي عقد الكراء التجاري أهمية بالغة في الحياة التجارية لذلك فقد أولاه المشرع باهتمام خاص عبر مختلف المراحل من خلال مجموعة من القوانين من بينها ظهير 24 مايو 1955 الذي ظل ساري به العمل لمدة طويلة ، غير أنه ونتيجة لمجموعة من العيوب والنقائص والصعوبات التي كشفتها الممارسة وعدم مسايرته للتطور الذي عرفته التجارة مما دفع بالمشرع إلى إلغائه ونسخه بإصدار القانون رقم 16/49 المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي[1] ، وقد جاء هذا القانون لتحقيق مجموعة من الأهداف تتمثل في إيجاد توازن بين تحقيق الاستقرار للمكترين وحماية الملكية التجارية من جهة والحفاظ على الملكية العقارية وكل ما تخوله للمكرين من جهة ثانية بالإضافة إلى تبسيط المساطر وتجنب التعقيد وتحقيق نوع من الانسجام مع بعض النصوص القانونية الأخرى وتحقيق الأمن القانوني والقضائي[2] بصفة عامة، وهي أهداف حاول المشرع تجسيدها من خلال مختلف مقتضيات هذا القانون سواء من حيث شروط ونطاق التطبيق والحق في تجديد عقد الكراء وحالات الإنهاء وما قد يترتب عنها من تعويضات بالإضافة إلى المقتضيات المتعلقة بالحق في الرجوع والكراء من الباطن وتفويت الحق في الكراء وغير ذلك من المساطر المتعلقة بالإفراغ أو إنهاء عقود الكراء التجاري بصفة عامة .

وتأسيسا على ذلك إذا كان المشرع قد أحاط عقد الكراء التجاري بتنظيم محكم سواء من خلال القواعد العامة أو من خلال القواعد الخاصة في إطار القانون رقم 16/49 والتي تؤطر العلاقة بين طرفي العقد فإنه كثيرا ما يخضع المكتري لبعض الأوضاع التي تؤدي إلى خضوعه لمساطر صعوبات المقاولة مما يؤدي حتما إلى التأثير على المقتضيات القانونية والاتفاقية المنظمة لعقد الكراء التجاري عن طريق الخضوع لمجموعة من المقتضيات الخاصة التي تقتضيها متطلبات إنقاذ المقاولة وحماية النشاط الاقتصادي وذلك لتحقيق الأهداف التي سطرها المشرع ، إذ لا يمكن تصور بقاء المقاولة إذا لم تستمر العقود ، لذلك كان من الضروري على المشرع أن يحاول إيجاد مقتضيات قانونية تأخذ بعين الاعتبار لمختلف المصالح المتواجدة ، مع إعادة النظر في القواعد الخاصة بعقد الكراء التجاري وملائمتها مع أهداف الإنقاذ والتصحيح ، حيث لم تعد تشكل الإرادة عاملا أساسيا يتحكم في حياة العقد وتركت مكانها لعامل آخر قد يكون أكثر أهمية وهو مدى نفعية أو ضرورة عقد الكراء بالنسبة للمقاولة ، حيث أصبح من الضروري إخضاع بعض المبادئ العامة كالحرية التعاقدية والأثر النسبي للتعاقد لظروف المقاولة[3] ، التي أصبحت تتحكم شيئا فشيئا في النظام القانوني وتملي شروطها عليه .

وانطلاقــا من ذلك ســوف نحـاول مـن خلال هـذه الـدراسـة أن نتطــرق أولا إلـى إبـراز أهــــم المقتضيات المتعلقة بموقع عقد الكراء التجاري خلال مرحلة إعداد الحل ( المبحث الأول ) قبل أن نتطرق إلى مدى تأثير المقتضيات المتعلقة بتنفيذ الحل على عقد الكراء التجاري ( المبحث الثاني ) .

المبحث الأول : وضعية عقد الكراء التجاري خلال مرحلة إعداد الحل الملائم لإنقاذ المقاولة

بمجرد صدور الحكم القاضي بفتح مسطرة المعالجة فإن المقاولة تدخل في مرحلة جديدة يطلق عليها فترة الملاحظة أو المرحلة الانتقالية ، ويقصد بها تلك الفترة الزمنية الفاصلة بين الحكم القاضي بفتح مسطرة التسوية القضائية والمدة المحددة لإعداد مخطط التسوية الذي سيعرض على المحكمة في شكل اقتراح ، حيث تمتلك المحكمة في إطارها سلطات واسعة في اتخاذ جميع التدابير والقرارات التي من شأنها المحافظة على استمرارية المقاولة وتشخيص وضعيتها المالية والاقتصادية تمهيدا لإعداد الحل الكفيل بتذليل مختلف الصعوبات التي تعترضها[4]، وترتيبا على ذلك فإن الحكم بفتح مسطرة المعالجة يؤدي إلى إحداث مجموعة من المتغيرات التي تمس عقد الكراء وما يترتب عليه من آثار .

لذلك سوف نتطرق أولا إلى دراسة مدى استمرارية عقد الكراء التجاري خلال فترة إعداد الحل ( المطلب الأول ) وثانيا إلى دراسة مختلف المقتضيات التي تفرضها هذه المرحلة على المكري ( المطلب الثاني ) .

المطلب الأول : مدى استمرارية عقد الكراء التجاري خلال فترة إعداد الحل الملائم لوضعية المقاولة

تعتبر فترة إعداد الحل أو فترة الملاحظة كما يطلق عليها جانب من الفقه مرحلة للتشخيص والبحث عن الحل المناسب لتجاوز الصعوبات التي تعترض المقاولة، ولاشك أن عقد الكراء يحظى بأهمية خاصة لتأمين استمرارية نشاط المقاولة باعتباره يجسد الوجود الجغرافي لممارسة نشاطها التجاري وحلقة الوصل التي تربطها مع زبنائها والمتعاملين معها، غير أن هذه الاستمرارية تفرض الخضوع لمجموعة من القيود والإجراءات التي تقتضيها مصلحة المقاولة .

لذلك سـوف نتطـرق أولا إلى تحديد موقع عقد الكراء التجاري خلال فترة إعداد الحل (الفقرة الأولى ) وثانيا إلى دراسة حدود سلطة السنديك بشأن مآل عقد الكراء التجاري خلال هذه المرحلة ( الفقرة الثانية ) .

 

 

الفقرة الأولى : موقع عقد الكراء التجاري ضمن قاعدة مواصلة العقود الجارية

لقد أحاط المشرع العقود الجارية في تاريخ فتح مسطرة التسوية القضائية بتنظيم خاص من خلال المادة 588 م ت[5]، وبالرجوع إلى هذه المادة يتضح أن المشرع المغربي لم يضع تعريفا للعقود الجارية وقد أحسن صنعا على اعتبار أن وضع التعاريف هو من اختصاص الفقه والقضاء ، وتبعا لذلك يمكن تعريف العقد الجاري بأنه ” العقد الذي أبرمه رئيس المقاولة مع الأغيار والذي لم تستنفذ آثاره الرئيسية بعد صدور حكم فتح المسطرة ، وبمعنى آخر العقد الذي تستمر آثاره حتى بعد صدور الحكم المذكور بصرف النظر عن طبيعته القانونية “[6] ، وقد عرفه البعض بأنه ” كل عقد يتعلق بتقديم خدمة أو بتوريد أو بتأجير ، ساري التنفيذ في تاريخ صدور الحكم القاضي بفتح المسطرة ، ولو كان مبنيا على الاعتبار الشخصي للمدين ، وكذا كل عقد آخر لم يتم فسخه قبل هذا التاريخ بموجب حكم  حائز لقوة الأمر المقضى به “[7]، وانطلاقا من ذلك يمكن القول بأن عقد الكراء التجاري الذي لم تستنفذ كافة آثاره في تاريخ صدور حكم فتح المسطرة ولم يحل أجله قبل هذا التاريخ يعتبر من بين العقود الجارية حيث تستمر آثاره في السريان حتى بعد صدور حكم فتح المسطرة ولا يمكن لأحد الأطراف أن يتمسك بالحكم القاضي بفتح المسطرة لتعديل عقد الكراء أو إنهائه وإلا ترتبت مسؤوليته عن ذلك ما لم توجد مقتضيات قانونية خاصة في الكتاب الخامس من مدونة التجارة تجيز ذلك .

يبدو من خلال ما سبق أن المشرع المغربي كان على وعي تام بأهمية العقود بصفة عامة وعقود الكراء التجاري بصفة خاصة في اغتناء المقاولة ومعالجتها[8]، وهو السبب الذي جعله يسمح بمواصلتها سواء في حالة المعالجة القضائية أو التصفية القضائية حيث أعطى للسنديك وحده حق اختيار المطالبة بتنفيذ العقود الجارية ، أي تمكين المتعاقد مع المقاولة من الاستمرار في الاستفادة من الخدمات المتعاقد بشأنها ، وقد أجمعت مختلف الآراء الفقهية على أن المقتضيات القانونية المنظمة للعقود الجارية تعتبر من النظام العام ولا يجوز الاتفاق على مخالفتها ، وهو الأمر الذي تعكسه بوضوح صياغة المادة 573 م ت والتي حلت محلها المادة 588 بعد التعديل وخصوصا الفقرة الأخيرة التي ألغت كل مقتضى قانوني أو تعاقدي من شأنه أن يؤدي إلى تعطيل حق السنديك في ممارسة الاختيار بخصوص العقود الجارية إثر فتح مسطرة التسوية القضائية[9] ، ونعتقد أن المشرع المغربي كان صائبا لما جعل فكرة النظام العام تهيمن على الإطار القانوني المنظم للعقود الجارية بما فيها عقود الكراء التجاري لأهميتها في استمرار المقاولة ، وتبعا لذلك فإن عقد الكراء التجاري يعتبر عقدا جاريا باعتباره من بين العقود التي تنشئ التزامات مستمرة في التنفيذ وبالتالي فإن مصير عقد الكراء التجاري يتحدد حسب القرار المتخذ من طرف السنديك والذي قد يكون إما مواصلة العقد أو التخلي عنه .

الفقـرة الثانيـة : سلطـة السنديـك في تحديـد مصيـر عقـد الكـراء التجــاري

انطلاقا من مقتضيات المادة 588 من مدونة التجارة يتضح بأن المشرع قد خول للسنديك وحده حق اختيار المطالبة بتنفيذ عقود الكراء الجارية ، أي تمكين المتعاقد مع المقاولة من الاستمرار في الاستفادة من الخدمات المتعاقد بشأنها ، فالمادة 588 م ت تنص في فقرتها الأولى على أنه : ” بإمكان السنديك وحده أن يطالب بتنفيذ العقود الجارية… ” وهي نفس المقتضيات التي تم التنصيص عليها في المادة 621-28 من مدونة التجارة الفرنسية ، فالسنديك هو الذي يختار بين استمرارية أو عدم استمرارية العقود الجارية وذلك مهما كانت المهمة المسندة إليه خلال مرحلة إعداد الحل ، ودون أن يتوقف ذلك على الحصول على ترخيص من المحكمة أو من القاضي المنتدب أو حتى استشارة رئيس المقاولة لاختيار مواصلة أو عدم مواصلة العقود الجارية ، وبعبارة أخرى لا تستمر عقود الكراء الجارية بقوة القانون بل يتوقف استمرارها على إرادة السنديك ، الذي يستطيع المطالبة بتنفيذها أو التخلص منها حسب ما إذا كان هذا التنفيذ نافعا أو ضارا للمقاولة .

1 – اختيـار السنديــك تنفيـذ عقـد الكـراء التجـاري الجــاري

لقد منح المشرع سلطات واسعة للسنديك لاختيار مواصلة عقود الكراء التجاري الجارية التي أبرمت قبل الحكم بفتح مسطرة التسوية القضائية، إذا كانت تلك العقود ضرورية لمتابعة نشاط المقاولة في أحسن الأحوال قصد تسوية أو تصحيح وضعيتها أو إنقاذها ، ويتعين على السنديك في حالة اختياره مواصلة تنفيذ عقد الكراء الجاري في تاريخ فتح المسطرة أن ينفذ العقد برمته وبجميع مقتضياته وشروطه الأصلية[10] دون أن يدخل أية تعديلات، وأن يقدم الخدمة المتفق عليها، ويلتزم بالأجل المحدد بمقتضى العقد أو القانون لفائدة المتعاقد مع المقاولة المفتوحة ضدها المسطرة ، وتبعا لذلك يمكن للسنديك أن يقرر مواصلة عقد الكراء التجاري وفق نفس الشروط التي اتفق عليها المتعاقدان عند إبرام العقد ، وفي هذا الصدد يثار التساؤل حول الأثر المترتب عن عدم وفاء المقاولة بالتزاماتها الناشئة عن تنفيذ عقد الكراء التجاري الجاري ؟

في هذا الصدد يجب التمييز بين عدم الوفاء بالالتزامات السابقة عن حكم فتح مسطرة التسوية القضائية وبين عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة بعد الحكم بفتح المسطرة[11]، ففي الحالة الأولى يجب على المتعاقد الوفاء بالتزاماته رغم عدم وفاء المقاولة بالتزاماتها السابقة عن فتح المسطرة وذلك لضرورة التسوية أو التصحيح إنقاذا للمقاولة من جهة ولكون هذه الالتزامات ناشئة قبل الحكم من جهة أخرى ، ولا يجوز للمتعاقد في هذه الحالة سوى التصريح بديونه في قائمة خصوم المقاولة ) م 588 ف 2 م ت ( أما في الحالة الثانية أي عدم وفاء المقاولة بالتزاماتها اللاحقة على فتح مسطرة التسوية القضائية فإن المشرع خول للمتعاقد حق المطالبة بالوفاء في تاريخ الاستحقاق كما منحه حق الدفع بعدم تنفيذ التزاماته وأن يطالب بفسخ العقد مع التعويض تطبيقا للمادة 588 م ت التي تتكلم فقط عن عدم وفاء المقاولة بالتزاماتها السابقة دون الالتزامات اللاحقة لحكم فتح المسطرة .

2 – اختيـار السنديـك عـدم مواصلـة عقـد الكـراء التجـاري الجـاري

طبقا للمادة 588 م ت يمكن للسنديك اختيار عدم مواصلة عقود الكراء الجارية إذا تبين له أنها مرهقة لأصول المسطرة أو لا تساعد على تسوية المقاولة وإنقاذها أو أن المقاولة مرتبطة بعدة عقود كراء وأن الحفاظ على هذه العقود كلها قد يزيد في إرهاق وضعيتها المالية،  واتخاذ هذا القرار يتم بإدخال مجموعة من الاعتبارات كالحالة الاقتصادية للمقاولة وطبيعة العقد وأهدافه[12]، وإذا لم يمارس السنديك إمكانية الاختيار أو تخلى عن مواصلة العقد فيفسر موقفه بعدم فائدة العقد لنشاط المقاولة ، ويكون اختيار السنديك عدم متابعة تنفيذ عقد الكراء إما صراحة وذلك بتعبيره عن عدم رغبته في مواصلة تنفيذ العقد ، أو جواب المتعاقد داخل أجل شهر بعد توجيه إنذار إليه يعبر فيه عن عدم رغبته في تنفيذ العقد، وإما ضمنيا وذلك عندما يظل الإنذار الموجه إليه من طرف المتعاقد دون جواب لمدة تفوق شهرا ، حيث يفسخ العقد بقوة القانون (المادة 588 م ت )[13] ، ويمكن أن يؤدي تقاعس السنديك عن مواصلة تنفيذ العقد لوحده إلى دعوى تعويض عن الأضرار التي لحقت بالمتعاقد مع المقاولة، إلا أن المبلغ المحكوم به لا يدفع إلى المتعاقد المتضرر وإنما يدرج مبلغه في قائمة الخصوم حفاظا على المساواة بين الدائنين ، “… غير أنه يمكن للمتعاقد تأجيل إرجاع المبالغ الزائـدة التي دفعتها المقاولة تنفيـذا للعقد ، حتى يتم البـث في دعـوى التعـويـض عن الأضرار “[14]، والغاية من هذه المقتضيات هي إتاحة الفرصة للمتعاقد لإجراء المقاصة بين المبالغ الزائدة التي دفعت له وبين التعويضات المحكوم بها لفائدته[15]، إلا أن أحقية المتعاقد في إجراء المقاصة تبقى مشروطة بتصريحه بالديون الناتجة عن التعويضات المحكوم بها لفائدته، الأمر الذي يثبت مرة أخرى قصور الحماية التشريعية بالنسبة للمتعاقدين مع المقاولة في عقودهم الجارية التنفيذ في تاريخ فتح مسطرة التسوية القضائية، كما يؤكد على التناقض غير المبرر الذي وقع فيه المشرع المغربي حين قرر إدراج مبلغ التعويض في قائمة الخصوم، أي يتعين التصريح  به، في  حين  أن  دين التعويض  في هذه الحالة يعتبر دينا ناشئا بعد حكم فتح المسطرة مادام أن واقعته المنشئة والمتمثلة في واقعة الإخلال قد حدثت بعد حكم فتح المسطرة وهو الأمر الذي يقتضي استفادته من حق الأسبقية المنصوص عليه في المادة 590 من مدونة التجارة[16]، وبالإضافة إلى ذلك فإن تقاعس السنديك عن اتخاذ قرار بشأن استمرارية عقد الكراء التجاري قد يؤدي إلى ترتيب مسؤوليته المدنية في مواجهة الدائنين المتضررين من فقدان الأصل التجاري واندثاره بسبب تقصير السنديك والذين قد تكون لهم ضمانات على ذلك الأصل التجاري أو أنهم إنما قاموا بمنح ائتمانهم للمدين على هذا الأساس .

المطلب الثاني : خضوع المكري لبعض المقتضيات الخاصة خلال فترة إعداد الحل

لقد أحاط المشرع مرحلة إعداد الحل بمجموعة من القواعد الآمرة الغاية منها تسهيل عملية الإنقاذ والتصحيح وتأمين استمرارية المقاولة لما فيه من حماية لمختلف المصالح المرتبطة بها، وذلك إما بفرض مجموعة من القيود والتضحيات وإما بإقرار أوضاع تفضيلية لتحفيز المتعاملين مع المقاولة على دعمها والاستمرار في تقديم التمويل المناسب لإنقاذها .

بناء على ذلك سوف نتطرق أولا إلى مختلف القيود المفروضة على المكري خلال فترة إعداد الحل ( الفقرة الأولى ) قبل أن نتطرق إلى تحديد مظاهر الامتياز المقررة له خلال هذه المرحلة ( الفقرة الثانية ) .

الفقرة الأولى : فرض عدة قيود على المكري خلال فترة إعداد الحل :

لقد وضع المشرع مجموعة من القيود على عاتق المكري عند فتح مسطرة المعالجة، وتتجلى أهم هذه القيود في ما يلي :

أولا : خضوع المكري لقاعدة وقف المتابعات الفردية :

تطبيقا للمادة 686 م ت[17] فإن صدور الحكم بفتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية يؤدي إلى وقف ومنع كل الدعاوى القضائية التي يقيمها الدائنون الناشئة ديونهم قبل صدور الحكم[18]، سواء كانت هذه الدعاوى ترمي إلى الحكم على المدين بأداء مبلغ من المال أو كانت تهدف إلى فسخ عقد لعدم أداء مبلغ من المال أو كانت ترمي إلى التنفيذ على أموال المدين.

ولا يقتصر تطبيق هذه القاعدة على الدعاوى والإجراءات التي تتخذ بعد صدور الحكم، وإنما تشمل حتى الدعاوى التي رفعت قبل الحكم، وبناء على ذلك فإذا سبق أن بدأ المكري في إجراءات التنفيذ فلا يمكن متابعتها طبقا للمادة السابقة ويجب عليه رفع اليد عنها، وإذا لم يقم بذلك طوعا وجب على السنديك إتباع الإجراءات القانونية للوصول إلى هذه الغاية ، وهو نفس الأمر الذي سار على منواله القانون الكويتي حينما اعتبر بأن قاعدة وقف المتابعات الفردية تشمل بالإضافة إلى الدعاوى المرفوعة بعد الحكم، جميع الدعاوى التي اتخذت قبل صدور حكم الإفلاس وأدركها الحكم وهي لا تزال قائمة[19]، وما على المكري في كلتا الحالتين إلا التصريح بدينه في قائمة الخصوم ، ومن التطبيقات القضائية في هذا الشأن نذكر الحكم الصادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء بتاريخ 18/04/2004[20]، والذي قضت فيه المحكمة بإيقاف إجراءات البيع العقاري التي تباشر في إطار الملف التنفيذي عدد 741/2005 على العقار ذي الرسم العقاري عدد 35499/ت المملوك للشركة المحكوم في مواجهتها  بالتسوية القضائية مستندة في ذلك إلى مقتضيات المادة 653 م ت – المقابلة للمادة 686 م ت بعد التعديل – التي تنص على منع أو وقف كل إجراء للتنفيذ على أموال المدين، وأساس هذه القاعدة بسيط وهو “تفادي استنـزاف ما تبقى من الأموال أو النقود التي تحتاجها المقاولة في هذا الظرف الصعب والحرج لمتابعة نشاطها وتسوية وضعيتها[21].

غير أن قاعدة تعطيل الحق في المتابعات الفردية لا تسري على إطلاقها ولكنها تبقى مقيدة بالحالات التي حددها المشرع ، فإذا كانت المادة 686 م.ت توقف وتمنع كل دعوى قضائية يقيمها الدائنون أصحاب ديون نشأت قبل صدور حكم فتح المسطرة إذا كانت ترمي إلى:

  • الحكم على المدين بأداء مبلغ من المال.
  • أو فسخ عقد لعدم أداء مبلغ من المال.

فإنه يجب الاعتراف تبعا لذلك بأن أثر هذه القاعدة يقتصر بالنسبة للمكري على دعاوى فسخ الكراء التجاري لعدم أداء أجرة الكراء، دون غيرها من الدعاوي والمتابعات القضائية المبنية على أسباب أخرى غير أداء مبلغ من المال، والتي لا تتوقف ولا يمنع المكري من رفعها في مواجهة المكتري الذي فتحت المسطرة في مواجهته، كدعاوى الفسخ لعدم احترام الالتزام بتأمين العقار موضوع الكراء، أو عدم احترام الاستعمال الذي خصص له العقار المذكور، فعدم تنفيذ الالتزام التعاقدي الذي ليس له طبيعة مالية، حتى ولو ثبت هذا الإخلال قبل الحكم بفتح المسطرة، يسمح بالمطالبة بالفسخ بعد الحكم المذكور[22] .

وتبعا لذلك فإن تطبيق قاعدة وقف المتابعات الفردية يتحدد إذا على ضوء موضوع الالتزام الذي وقع الإخلال به : هل الإخلال بالالتزام بالقيام بعمل أو الامتناع عن القيام بعمل، أم الإخلال بالالتزام بإعطاء[23]، حيث لا تتوقف إلا دعوى الفسخ القائمة على عدم أداء مبلغ من المال، أما الدعاوى المؤسسة على الإخلال بالقيام بعمل أو الامتناع عن القيام بعمل فتخرج من نطاق قاعدة وقف المتابعات الفردية، وهذا المنطق الذي يؤكد حق المكري في ممارسة دعاوى الفسخ التي تقام ضد المكتري لأسباب الفسخ الأخرى الاتفاقية والقانونية المنصوص عليها في الفصل 692 ق.ل.ع[24]، هو الذي سارت عليه محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر بتاريخ 26 أكتوبر 1999[25]، والذي أكدت من خلاله على أن دعوى فسخ الكراء التجاري لعدم تنفيذ الالتزام بعمل وليس لعدم أداء أجرة الكراء لا تتوقف بالحكم القاضي بفتح المسطرة في مواجهة المكتري .

وتأسيسا على ذلك، فإن ممارسة المكري للمتابعات الفردية المبنية على الإخلال بعمل، أو الامتناع عن القيام بعمل قد يؤدي إلى اندثار الأصل التجاري الذي يعتبر أهم عنصر من عناصر الضمان العام المقرر للدائنين على أموال المدين، كما أنه إذا كانت المادة 588 م.ت تخول للسنديك وحده إمكانية المطالبة بمواصلة العقد الجاري أو التخلص منه بحسب ما تقتضيه مصلحة المقاولة في متابعة نشاطها، فإن عقد الكراء التجاري لا يقع فسخه بمجرد فتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية، وإنما يتوقف مصيره على قرار السنديك حسب ما بيناه سابقا تطبيقا لأحكام المادة 588 م ت ، وفي حالة عدم اتخاذ السنديك لأي قرار إيجابي بمواصلة عقد الكراء أو التخلي عنه، فإن المشرع خول المكري إمكانية توجيه إنذار إليه لتحديد موقفه من العقد ، وإذا ظل الإنذار دون جواب لمدة تفوق شهر[26]، فإن العقد يفسخ بقوة القانون (المادة 588 ف 1 م ت). وفي هذه الحالة، فإن المكري يستفيد من امتياز إضافي عن ثمن كراء السنة التي يتم خلالها الفسخ .

وفي هذا الصدد نشير إلى أن إمساك أو تقاعس السنديك عن المطالبة باستمرار عقد الكراء التجاري تجعله معرضا للمسؤولية المدنية تجاه الدائنين عن ضياع الأصل التجاري، الذي غالبا ما يقدم كضمانة رهنية لقرض ما، ففي واقعة عرضت على القضاء تخلف السنديك عن الجواب بعد إنذاره من طرف المكري مما نتج عن ذلك استرداد المالك لمحلاته، هذا أدى إلى اندثار الأصل التجاري باعتبار الحق في الكراء من أهم عناصره، مما ألحق ضررا بالدائنين المرتهنين من جراء خطأ السنديك وجعل القضاء يقر لهم بالتعويض في مواجهة السنديك[27] .

ومن بين الإمكانيات المتاحة أيضا لفائدة المكري، إمكانية إقامة دعاوى أمام القضاء لمعاينة تحقق الشرط الفاسخ المضمن في عقد الكراء التجاري إذا كانت مبنية على سبب آخر غير عدم أداء أجرة الكراء، حيث تخرج هي الأخرى من نطاق قاعدة وقف المتابعات الفردية واستمرار العقود الجارية شأنها شأن دعاوي الفسخ القضائي للإخلال بالتزام قانوني غير أداء الكراء، ورغم وضوح هذه القاعدة فقد أثير الإشكال على مستوى الفقه والقضاء حول تحديد وقت تحقق آثار الشرط الفاسخ المضمن في عقد الكراء التجاري، ولرفع هذا الإشكال ذهبت محكمة النقض الفرنسية[28] إلى تقرير أن تحقق الشرط الفاسخ لا يتم بمجرد انقضاء أجل الإنذار بالأداء وإنما لا بد من رفع الأمر إلى القضاء لمعاينة تحقق الشرط الفاسخ، وصيرورة قراره حائزا لقوة الشيء المقضي به،  إذ بانقضاء الأجل المقرر للمكتري والمنصوص عليه في الإنذار، وصدور قرار من القضاء بمعاينة تحقق الشرط الفاسخ واستنفاذ هذا القرار لجميع طرق الطعن العادية ينقضي العقد ولا يصبح جاريا، ولا يتأثر بالتالي بالحكم الصادر بفتح المسطرة .

وعلى خلاف هذا التوجه القضائي، ذهبت الغرفة المدنية لمحكمة النقض الفرنسية[29] ، إلى أن الشرط الفاسخ يرتب آثاره بعد معاينة القضاء لتحققه، من اليوم الموالي لتخلف المكتري الذي أمهل قضاء عن أداء ما بذمته، من غير أن يتوقف ذلك على اكتساب القرار القاضي بمعاينة الشرط الفاسخ لقوة الشيء المقضي به، إذ بانقضاء هذا الأجل لا يصبح العقد جاريا وينتفي بالتالي أي أثر للحكم القاضي بفتح المسطرة عليه .

وخلاصة القول أن مكري المحلات المعدة لاستغلال نشاط المقاولة رغم الموانع المقررة بنص القانون لضرورات إنقاذ المقاولة فإنه يتمتع بمجموعة من الحقوق والإمكانيات التي تجعل منه بالفعل يحتل وضعية خاصة ضمن نظام المساطر الجماعية، حيث يتمتع المكري بالإضافة إلى قاعدة الامتياز بمجموعة من الحقوق التي تميزه عن باقي الدائنين، ومن أهم هذه الحقوق إمكانية ممارسة الحق في المتابعات الفردية المبنية على القيام بعمل أو الامتناع عن عمل، في مواجهة المكتري كالحق في طلب فسخ عقد الكراء بسبب إنقاص الضمانات المقدمة، أو عدم استغلال المحل المكرى في الفترة السابقة أو في حالة إثبات وجوب هدم الملك بسبب إضراره بالصحة أو لانعدام الأمن فيه وغيرها من الحالات التي يملك فيها المكري حق المطالبة بالفسخ، وفي حالة قيام المكري باستعمال هذه الإمكانيات القانونية المتاحة له، فإن ذلك يؤدي إلى اندثار الأصل التجاري الذي يشكل عنصرا مهما بالنسبة للضمان العام المقرر للدائنين على أموال المدين، لذلك ومن أجل التوفيق بين مختلف المصالح يتعين على القضاء أن يتشدد في مسألـة إثبات الأسباب المبررة لإنهاء الكراء التجاري عن طريق إلزام المكري بتتبع إجراءات دقيقة في الإثبات، وذلك حماية للأصل التجاري الذي يعتبر أهم ضمانة بالنسبة للدائنين .

ثانيـــا : منع أداء ديــون الكـراء التجـاري الناشئـة قبـل فتـح المسطــرة :

لقد نص المشرع في الفقرة الأولى من المادة 657 من مدونة التجارة والتي حلت محلها المادة 690 من القانون رقم 73.17 القاضي بنسخ وتعويض الكتاب الخامس من مدونة التجارة على أنه: “يترتب عن حكم فتح المسطرة بقوة القانون منع أداء كل دين نشأ قبل صدوره “، ويعتبر تقرير مثل هذه القاعدة أمرا إيجابيا وضروريا بالنسبة لإنقاذ المقاولة الخاضعة لمسطرة التسوية القضائية وحماية حقوق الدائنين، عن طريق الحفاظ على الأصول الضرورية لمواصلة النشاط والإنتاج والشغل، ونتيجة لذلك فإنه يمنع على المكري المطالبة بديونه الناتجة عن عقد الكراء التجاري والسابقة في النشأة على تاريخ فتح مسطرة المعالجة – التسوية والتصفية القضائية .

ومن شأن تطبيق هذه القاعدة أن يدعم ويساهم في توفير تمويل للمقاولة خلال مرحلة التسوية، حيث تكون هذه الأخيرة في هذه الظروف الصعبة في حاجة ماسة لتمويلات ومساعدات مالية، حتى يمكن إنقاذها من الصعوبات المالية أو الاقتصادية التي تعترضها . وتطبق هذه القاعدة على جميع الأداءات سواء تمت من طرف رئيس المقاولة أو السنديك، ومهما كانت الطرق التي تم بها الأداء، أي سواء تم الأداء نقدا أو بواسطة أوراق تجارية، أو عن طريق التحويل البنكي أو حوالة الديون المهنية أو أية وسيلة أخرى من وسائل الأداء التي يتم التعامل بها، كما تشمل هذه القاعدة سائر الدائنين سواء كانوا دائنين عاديين أو دائنين أصحاب امتيازات عامة أو خاصة أو أصحاب رهون وسواء أكان الدين يتعلق بنشاط المقاولة أو كان دينا شخصيا للمدين[30]، ما لم يوجد نص خاص على خلاف ذلك، ويترتب على خرق قاعدة المنع من أداء الديون السابقة بطلان كل عقد أو تسديد تم لفائدة المكري دون استصدار إذن من القاضي المنتدب، وهذا البطلان يعتبر من النظام العام، حيث يمكن لكل ذي مصلحة أن يتمسك به، بل ويمكن للمحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها، وتطبيقا للقواعد العامة التي تقضي برجوع المتعاقدين إلى نفس الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد[31]، فإن  ” المبالغ التي تم أداؤها خرقا لمبدأ حظر الوفاء بالديون الناشئة  قبل حكم فتح المسطرة يتم إرجاعها إلى ذمة المقاولة لتستعمل في مواجهة نفقات استمرار النشاط أو الوفاء للدائنين الناشئة ديونهم بصفة قانونية بعد صدور حكم التسوية القضائية[32] “، حسبما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية في قرارها[33] الصادر بتاريخ 11 أبريل 1955 والذي أيدت من خلاله القرار الصادر عن محكمة الاستئناف والقاضي باسترجاع المبالغ التي أدتها شركة خاضعة لمسطرة التسوية القضائية لفائدة شركة عقارية دائنة بهذه المبالغ على شكل قروض إلى الذمة المالية للمدين، وذلك بسبب أن هذا الأداء تم خرقا لقاعدة حظر الوفاء بالديون السابقة على فتح المسطرة .

وإضافة إلى الجزاء المدني رتب المشرع جزاء جنائيا وذلك رغبة منه في حماية المقاولة ، وذلك طبقا للمادة 757 م ت – بعد التعديل – التي تعاقب بنفس عقوبات التفالس كل سنديك اقترف أحد الأفعال التالية[34] :

1- الإضرار عمدا بسوء نية بمصالح الدائنين، إما باستعماله لأغراض شخصية أموالا تلقاها بمناسبة قيامه بمهمته وإما بإعطائه منافع للغير يعلم أنها غير مستحقة.

2- الاستعمال اللامشروع للسلط المخولة له قانونا، في غير ما أعدت له وبشكل معاكس لمصالح المدين أو الدائنين….”.

من خلال ما سبق يتضح لنا أن ديون المكري الناتجة عن عقد الكراء التجاري خلال الفترة السابقة على فتح المسطرة تبقى مشمولة بقاعدة حظر الوفاء بالديون السابقة، وذلك خدمة لمصالح المقاولة لأنها تساهم في الحفاظ على أموالها وأصولها الضرورية لاستمرارية النشاط كما أن هذه القاعدة من شأنها تمكين المقاولة من استرجاع أنفاسها وتخطي الصعوبات التي تواجهها .

الفقرة الثانيـة: إقــرار عــدة امتيـازات لفـائـدة المكـري خــلال فـتــرة إعــداد الحــل

يحظى المكري في نظام المساطر الجماعية بوضعية متميزة وخاصة في حالة فتح مسطرة التسوية القضائية في مواجهة المكتري للمحلات المعدة لاستغلال نشاط المقاولة، فهو من جهة يتمتع بالنسـبة لديونـه السابقـة من قاعـدة الامتيـاز المنصـوص عليها فـي المادة 161 م.ت التي تعطيه الحق في استيفاء حقوقه بالأولوية على باقي الدائنين تطبيقا للفصل 1243 ق.ل.ع، ومن جهة أخرى يتمتع المكري بمجموعة من الضمانات القانونية التي تضمن حمايته في مواجهة باقي الدائنين من خلال حق الأسبقية المنصوص عليه في المادة 590 من مدونة التجارة .

ولدراسة مدى الحماية المقررة للمكري خلال مرحلة إعداد الحل في مواجهة باقي الدائنين سوف نتطرق أولا إلى دراسة حدود الامتياز كوسيلة لحماية ديون المكري ( أولا ) قبل أن نتطرق إلى تحديد مدى نجاعة حق الأسبقية في حماية حقوق المكري تجاه باقي الدائنين ( ثانـيا) .

أولا : نطاق امتيـاز المكـري بالنسبـة لديونــه السابقــة على فتح المسطــرة :

إن أول ما يستوقفنا في هذا الصدد هو أن المشرع كان يقر قاعدة الامتياز بالنسبة للمكري في الفصل 299 من القانون التجاري لسنة 1913 الملغى، في حالة تعرض المكتري للإفلاس ، فكان مؤجر العقارات المخصصة لصناعة أو تجارة المفلس لا يدخل في كتلة الدائنين قصد استيفاء ما هو مستحق له إلا على سبيل التذكير، لأن المشرع كان يمنحه امتيازا خاصا على ما يكون موجودا في العين المكتراة من منقول قابل للحجز ضمانا للأجور أو الأكرية المستحقة[35]، ويرى بعض الفقه في هذا الصدد بأن هذا الامتياز بني على فكرة الرهن الضمني، فالمستأجر يفترض أنه قد منح لمؤجره رهنا ضمنيا على ما يكون في العقار المكرى من أموال منقولة[36]، حيث كان مالك العقارات المخصصة لصناعة أو تجارة  المفلس يتمتع في حـالة فسخ عقد الكراء، بامتياز من أجل استيفاء كراء السنتين الأخيرتين السابقتين لصدور الحكم بإشهار الإفلاس، وكراء السنة الجارية، وكل ما يتعلق بتنفيذ عقد الكراء والتعويضات التي يمكن أن تحكم له بها المحاكم[37].

وبعد صدور مدونة التجارة حافظت على نفس الامتياز مع إدخال بعض التعديلات عليه حتى ينسجم مع الفلسفة الجديدة للمشرع التي ترمي إلى إنقاذ المقاولة والتشغيل وحماية الدائنين، حيث تم التضييق من نطاقه ليقتصر على الوجيبة الكرائية دون التعويضات المحكوم له بها، وطبقا للمادة 661 م ت يتمتع المكري بامتياز بالنسبة لوجيبة الكراء المستحقة عن السنتين السابقتين مباشرة عن تاريخ صدور الحكم القاضي بفتح مسطرة التسوية القضائية، وفي حالة فسخ العقد يتمتع بامتياز إضافي عن وجيبة كراء السنة التي يتم خلالها هذا الفسخ[38] أما إذا لم يتم فسخ عقد الكراء، فلا يمكن للمكري أن يطالب بالوجيبة التي لم تستحق بعد، اللهم إلا إذا تم إلغاء التأمينات أو الضمانات التي أعطيت له عند إبرام العقد ، وانسجاما مع ضرورات وأهمية عقد الكراء بالنسبة للمقاولة فقد حافظ المشرع على هذه المقتضيات بعد صدور القانون رقم 73.17 القاضي بنسخ وتعديل الكتاب الخامس من مدونة التجارة المتعلق بصعوبات المقاولة[39] .

ويستفاد مما سبق أن مالك العقارات المكراة للمدين من أجل ممارسة نشاطه التجاري أو الصناعي لا يعتبر دائنا ممتازا إلا في حدود المبالغ المضمونة بالامتياز، أما ماعدا ذلك فيعتبر دائنا عاديا يخضع مع سائر الدائنين لقسمة الغرماء، وبعبارة أخرى هذا الامتياز لا يضمن فيما يخص وجيبة الكراء إلا المبالغ المستحقة عن كراء ثلاث سنوات، سنتان قبل صدور الحكم بفتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية، وسنة بعد صدور هذا الحكم، أما فيما يخص التعويضات المحكوم بها فإن الامتياز لا يشملها، بخلاف المشرع الفرنسي الذي يمنح الامتياز في حالة فسخ الكراء إلى التعويضات المحكوم بها  إلى جانب الوجيبة الكرائية.

وفي هذا الصدد نسجل وجود اختلاف بشأن مبالغ الأكرية المضمونة بالامتياز بين ما ورد في القانون التجاري وبين أحكام قانون الالتزامات والعقود، فهذا القانون الأخير ينص في الفصل 1250 على أن امتياز مؤجر العقارات المكراة للمفلس قصد ممارسة تجارته أو صناعته يضمن ما هو مستحق من أجرة يوم الإعسار أو الإفلاس وما يستحق منها عن الثلاثين يوما التالية، الأمر الذي يستفاد منه أن مبالغ الأكرية المتخلدة في ذمة المفلس والمستحقة قبل الإفلاس، تعتبر حسب مقتضيات الفصل 1250 ق.ل.ع،  دون قيد من حيث الزمن سوى قيد التقادم المسقط المنصوص عليه في الفصل 391 ق.ل.ع، الذي يقضي بتقادم أكرية الأراضي والمباني بخمس سنوات ابـتـداء من حلول كـل قسط ، في حين أن المادة 694 م.ت تنص على أن الامتياز لا يضمن إلا وجيبة الكراء المستحقة عن السنتين السابقتين عن حكم فتح المسطرة والسنة التي يتم فيها فسخ الكراء في حالة عدم مواصلته من طرف السنديك، ويقع امتياز المكري على جميع المنقولات الموجودة في المحلات المكراة حتى ولو كانت مملوكة للغير إذا كان المكري يعتقد بحسن النية أن هذه المنقولات مملوكة للمكتري حسب ما قضت به محكمة باريس[40] في  حكمها الصادر بتاريخ 13/12/1900 الذي أكد على نفس الموقف المشار إليه .

وبذلك يكون المشرع المغربي قد خول للمكري الحق في استيفاء ديونه – في الحدود المنصوص عليها – بالأولوية على باقي الدائنين السابقين في حالة التزاحم، وبالإضافة إلى هذا الامتياز المنصوص عليه في القانون المغربي، هناك مجموعة من الضمانات الأخرى التي تكفل حماية المكري في مواجهة باقي الدائنين، كالحق في ممارسة المتابعات الفردية، وفسخ عقد الكراء في إطار الحدود التي يسمح بها المشرع بطبيعة الحال، وهو ما قد يؤثر على مصالح الدائنين الممتازين وخاصة الدائنين الناشئة ديونهم بعد فتح مسطرة التسوية القضائية.

ثـانـيــا : استفــادة المكــري مــن حــق الأسبقية بالنسبــة لديونــه اللاحقـــة :

انطلاقا من المادة 690 م ت المقابلة للمادة 17-622 من مدونة التجارة الفرنسية، يتضح أن الدائنين الناشئة ديونهم بعد فتح مسطرة التسوية القضائية يستوفون ديونهم عند الاستحقاق وبالأسبقية عن باقي الدائنين ، كما لو لم تكن المسطرة مفتوحة في حق المقاولة المدينة[41]، مهما كانت المرحلة التي قطعتها التسوية القضائية، أو بعبارة أخرى إن الديون الناشئة بعد فتح مسطرة التسوية القضائية تؤدى في تواريخ استحقاقها سواء كانت المسطرة قد وصلت للتصفية القضائية، أم لا زالت في مرحلة التسوية القضائية[42]، ولهذا يتعين على السنديك أو المدين أداء الديون والمستحقات الناتجة عن عقد الكراء بعد فتح المسطرة دون أن يكون المكري في حاجة إلى سلوك مسطرة التصريح أو تحقيق الديون، ودون طرح أي إمكانية لتأجيل الدين حسب ما ذهبت إليه محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء في قرار[43] لها جاء فيه “… أن الديون المشمولة بهذا الحق – يعني حق الأسبقية – تؤدى في تاريخ استحقاقها مهما كانت المرحلة التي قطعتها التسوية القضائية، وبالتالي فهي لا تخضع لمسطرة التصريح بالديون المنصوص عليها في المواد 686 إلى 690 من مدونة التجارة … لذلك فإن الديون الناشئة بصفة قانونية بعد فتح مسطرة التسوية القضائية وفي الوقت الذي تكون فيه مثبتة ومستحقة الأداء يمكن المطالبة بها مباشرة من رئيس المقاولة أو السنديك إن كان هو المسير دونما حاجة إلى تصريح أو تسجيل … كما أن هذا الدين لا يخضع لقاعدة وقف المتابعات الفردية ولا لقاعدة وقف سريان الفوائد المنصوص عليها … في المواد من 356 إلى 365 ومن 659 إلى 660 من مدونة التجارة وبالتالي يمكـن المطالبـة به وفق المسطرة القانونية العادية ” ، الشيء الذي يدفع بنا إلى القول بأن حق الأسبقية يشكل ضمانة حقيقية لحماية حق المكري في استخلاص ديونه الناشئة بعد فتح المسطرة في تاريخ استحقاقها دون إمكانية تأجيل هذه الديون[44]، بل إن هذه الضمانة كما تسري على الديون الأصلية المترتبة عن عقد الكراء تسري أيضا على الفوائد مهما كانت طبيعتها أي ” سواء تعلق الأمر بفوائد قانونية Intérêts légaux أم بفوائد اتفاقية Intérêts conventionnels أم بفوائد التأخير Intérêts de retard أو الزيادات Majoration “[45].

يتضح مما سبق أن مبدأ الوفاء عند الاستحقاق يعد آلية قانونية مهمة لحماية مصالح المكري، طالما أنه لا يخضع لأي أجل إضافي للوفاء ولا يرغم على قبول أي تخفيض في مبالغ الدين للمساهمة في إنجاح عملية التسوية القضائية اللهم إلا إذا وافق على ذلك بمحض إرادته، ولذلك فإنه يتمتع بامتياز أو ” ضمان التاريخ ” حسب ما ذهبت إلى ذلك محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء في قرارها رقم 2062/2000 الصادر بتاريخ 2000/10/10 الذي أكدت فيه أن الديون التي تنشأ بعد حكم فتح مسطرة التسوية القضائية يمكن المطالبة بها مباشرة ودون أي تأجيل[46] ، وفي حالة عدم الوفاء بالدين في أجل الاستحقاق أمكن للمكري مقاضاة مدينه المكتري للعقار والمطالبة بالتعويضات أو الفسخ أو إيقاع الحجوزات وغيرها من الإجراءات الهادفة إلى حماية حقوقه، ولذلك إذا توقف الاستغلال أو النشاط وتحولت التسوية القضائية إلى تصفية قضائية فإن هذه الديون تؤدى بالأسبقية على كافة الديون الأخرى حتى ولو كانت ديون هؤلاء مقرونة بامتيازات أو ضمانات ، وعند غياب الأداء فله حق سلوك المتابعات الفردية لاستيفاء ديونه باعتباره غير مشمول بقاعدة وقف المتابعات الفردية المقررة للدائنين السابقين المنصوص عليها في المواد من 686 إلى 689 م ت، والمادة 47 من قانون 25 يناير 1985 الفرنسي[47] ، وهو نفس الأمر الذي سار على منواله المجلس الأعلى سابقا ( حلت محله محكمة النقض حاليا ) بمقتضى القرار التجاري الصادر بتاريخ 12/10/2005 والذي اعتبر فيه أن مبدأ سقوط الدعوى الفردية المنصوص عليه في المادة 653 م ت، يتعلق بأصحاب الديون التي نشأت ديونهم قبل حكم فتح مسطرة التسوية القضائية لا الديون اللاحقة لهذا الحكم وقاعدة التصريح بالديون إلى السنديك لا تهم سوى الدائنين الناشئة ديونهم قبل الحكم بفتح المسطرة المذكورة[48]، كما تم تأكيد نفس المبدأ من خلال القرار الصادر بتاريخ 26/10/2005 معتبرا أن إقامة دعوى قضائية من طرف أصحاب الديون الناشئة بعد صدور الحكم بالتسوية يعتبر إجراء مقبولا، ويسوغ للمتعاقد مع المقاولة التي تقاعست عن الوفاء بالتزاماتها الناشئة بعد الحكم نتيجة لتنفيذ عقود جارية، أن يطالب بفسخ العقد لعدم التنفيذ[49].

المبحث الثاني : وضعية عقد الكراء التجاري خلال مرحلة اختيار الحل الملائم لإنقاذ المقاولة

مباشرة بعد انتهاء مرحلة إعداد الحل تدخل المقاولة مرحلة جديدة يطلق عليها مرحلة اختيار الحل ، حيث يتم إعداد مخطط للتسوية يتخذ إما شكل مخطط لاستمرارية المقاولة أو مخطط لتفويتها ما لم يقتض الأمر تصفيتها ، وتبقى لكل حل من هذه الحلول خصوصياته وإجراءاته وشروط إعماله ، فضلا عما يمكن أن يترتب عليه من آثار على عقود الكراء لا من حيث استمراريتها أو إنهائها أو تعديلها ومختلف الآثار المترتبة عليها .

لذلك سوف نتطرق أولا إلى دراسة موقع عقد الكراء التجاري والآثار المترتبة عليه خلال مخطط التسوية ( المطلب الأول ) وثانيا إلى تحديد مصير عقد الكراء التجاري خلال مسطرة التصفية القضائية ( المطلب الثاني ) .

المطلب الأول : مصير عقد الكراء التجاري في مسطرة التسوية القضائية

إن قانون معالجة صعوبات المقاولة حاول إيجاد مجموعة من الآليات الجديدة التي تساهم في تأمين إنقاذ المقاولة ودعم النشاط الاقتصادي وحماية النظام العام الاقتصادي والاجتماعي، مع إعطاء القضاء صلاحيات واسعة في تبني الاختيار الأنسب لوضعية المقاولة ومصيرها بناء على سلطة الملائمة والتقدير التي يحظى بها خلال سير المساطر الجماعية ، ومن بين هذه الآليات إمكانية اختيار مخطط للتسوية يضمن الحفاظ على استمرارية المقاولة إما في اسم مالكها أو عن طريق تفويتها لأحد الأغيار قصد الحفاظ على النشاط  الذي من شأنه أن يستغل بشكل مستقل والمحافظة على كل أو بعض مناصب الشغل الخاصة بذلك النشاط، وإبراء ذمة المقاولة من الخصوم  .

وحرصا من المشرع على إنجاح مخطط التسوية، وابتغاء للمرونة والفعالية والمحافظة على النشاط والشغل وتصفية الخصوم، منح للقضاء حرية الاختيار بين نوعين من الحلول في إطار مخطط التسوية حسب سلطته التقديرية وحسب توفر الشروط وتحقيق الأهداف المتوخاة من كليهما، ويتعلق الأمر بكل من مخطط الاستمرارية ومخطط التفويت ، بل إن المشرع وإيمانا منه بأهمية التفويت – في بعض الحالات – المتمثلة في الإبقاء على المقاولة بغض النظر عن مالكها فقد حاول الأخذ بهذه الآلية في جميع مراحل المسطرة ، بحيث لم يكتف بإعمالها عند حصر مخطط التفويت وإنما سمح بإمكانية اللجوء إليها سواء عند حصر مخطط الاستمرارية أو في مسطرة التصفية القضائية  ، غير أن استمرارية نشاط المقاولة في إطار مخطط التسوية قد تترتب عليها مجموعة من الآثار على عقود الكراء التجاري لا من حيث إجراءات استمراريتها أو إنهائها ولا من حيث إمكانية تعديلها وملائمتها مع متطلبات الإنقاذ والتصحيح .

وتأسيسا على ذلك سـوف نتطـــرق أولا إلى دراسة مدى تأثر عقد الكراء التجاري بمقتضيات مخطط الاستمرارية ( الفقرة الأولى ) ثم بعـد ذلك إلى دراسة مدى تأثير مخطط التفويت على عقد الكراء التجاري ( الفقرة الثانية ) .

الفقـرة الأولـى : مـدى تأثـر عقـد الكـراء التجـاري بمقتضيـات مخطــط الاستمراريــة :

إن الإشكال الذي يصادفنا في هذا الصدد هو ما موقع عقد الكراء التجاري ضمن المقتضيات المنظمة لمخطط الاستمرارية ؟ وهل يسترجع المكري حقوقه المعترف بها بموجب القواعد العامة إلى جانب تلك الواردة في القانون الجديد رقم 16/49 المنظم للكراء التجاري أم أنه ثمة قيود لابد من الالتزام بها خلال مخطط الاستمرارية تفرضها المصلحة الاقتصادية وضرورات الإنقاذ ؟

في هذا الإطار لابد من الإشارة إلى كون مخطط الاستمرارية يبقى من أهم الحلول التي يسعى إليها سائر الأطراف من رئيس المقاولة والدائنين والأجراء والأجهزة القضائية المتدخلة في المسطرة ، وذلك بالنظر إلى كونه يحافظ على بقاء المقاولة في ملكية صاحبها الأصلي حيث يبقى رئيس المقاولة على رأس إدارة وتسيير أعماله باعتباره أكثر معرفة بالصعوبات والمشاكل التي تعاني منها المقاولة ، غير أن المحكمة لا تعمد إلى حصر مخطط الاستمرارية إلا بعد التأكد من الطابع الجدي لمخطط التسوية ومدى إمكانية الحفاظ على المصالح المتواجدة وذلك تطبيقا لمقتضيات المادة 624 من مدونة التجارة التي نصت على ما يلي :

تقرر المحكمة استمرارية المقاولة إذا كانت هناك إمكانات جدية لتسوية وضعها وسداد خصومها ” .

ويهدف المشرع من خلال مخطط الاستمرارية إلى تسوية الوضعية القانونية للمقاولة وسداد خصومها بتوفير الإمكانات المادية والمعنوية والقانونية والهيكلية لبقائها ، بعد إنقاذها ماليا واقتصاديا واجتماعيا ، حيث يترتب على مخطط الاستمرارية حماية مختلف المصالح المرتبطة بالمقاولة وذلك باستيعاب اليد العاملة والحفاظ على التشغيل وأداء مستحقات الدائنين وبالتالي تمكين المقاولة من تأدية وظيفتها الاقتصادية والاجتماعية كأداة للإنتاج والاستثمار والتشغيل[50] .

وإذا كانت استمرارية المقاولة تعد من أهم آليات التسوية القضائية، فإن هذه الاستمرارية يكون لها تأثير على مجموعة من العقود المبرمة مع المقاولة ومن بينها عقد كراء المحلات المخصصة لمزاولة النشاط التجاري للمقاولة، وما يفرضه مخطط الاستمرارية من استشارات حول التخفيضات والآجال مع المكري بالنسبة لديونه الناتجة عن عقد الكراء الذي يمثل الوجود الجغرافي للمقاولة ، وفي هذا الإطار لابد من الإشارة إلى أن عقد الكراء يشكل آلية لضمان استمرارية نشاط المقاولة وبالتالي ضمان إنجاح مخطط الاستمرارية لما قد يوفره من إمكانيات لتسوية وضعيتها ، وتأسيسا على ذلك فقد نص المشرع من خلال المادة 601 م ت على ضرورة استشارة المكري بصفته دائنا للمقاولة قصد الحصول على موافقته حيث يتعين على السنديك أن يقوم بالتفاوض مع الدائنين بشأن الأداءات المالية وباقي مشتملات العقد غير المتعلقة بالأداء المالي خصوصا منها مدة العقد وتحقيق الاتفاق بشأنها خصوصا إذا كان العقد يشكل أهمية بالغة بالنسبة للمقاولة، غير أن نجاح السنديك في هذه المهمة يتوقف على خبرته وكفاءته في التفاوض والإقناع من جهة واستعداد المكري المتعاقد مع المقاولة ورغبته في مساعدة هذه الأخيرة على استرجاع عافيتها من جهة ثانية، لاسيما وأن قاعدة مواصلة العقود الجارية تنتهي بعد صدور الحكم القاضي بحصر مخطط الاستمرارية، لذلك يبقى الحل بيد المحكمة عملا بمقتضيات المادة 630 م ت التي يمكنها فرض آجال موحدة للأداء مع مراعاة الآجال الأطول التي اتفق عليها الأطراف قبل فتح المسطرة فيما يخص الديون المؤجلة والتي يمكن أن تزيد عن مدة تنفيذ مخطط الاستمرارية ، وعليه فإن بنود عقد الكراء تتعطل مقدما وتحل محلها بنود تسعى لإنقاذ المقاولة ، وتضمن هذه البنود الجديدة بمخطط الاستمرارية الذي يعتبر المرجع لامتداد العلاقة التعاقدية الكرائية بين المكري والمقاولة المكترية ، وفي ظل هذه العلاقة التعاقدية لا يمكن أن تفرض على الأطراف الذين ينفذون المخطط تكاليف أخرى غير الالتزامات التي تعاقدوا بشأنها عند إعداد المخطط .

وتأسيسا على ذلك يمكن القول بأن مقتضيات عقد الكراء قد تخضع للتعديل عند تبني مخطط الاستمرارية سواء تعلق الأمر بأجرة الكراء التي قد تطالها تخفيضات يقترحها السنديك على المكري في إطار الاستشارة الفردية أو الجماعية ويتم الإشهاد عليها من طرف المحكمة أو بالآجال التي تفرضها المحكمة ، ومقابل هذه القيود التي يتم فرضها على المكري فإن المشرع قد خوله مجموعة من الضمانات الحمائية من بينها إمكانية المطالبة بفسخ مخطط الاستمرارية في حالة إخلال المقاولة بتنفيذ التزاماتها المحددة في المخطط وذلك عملا بمقتضيات المادة 634 م ت حيث يمكن للمكري إذا ما تبين له أن المقاولة لم تنفذ التزاماتها التي تعهدت بها في مخطط الاستمرارية طلب فسخ المخطط والحكم بالتصفية القضائية ، والى جانب الحق في طلب فسخ المخطط خول المشرع أيضا للمكري الحق في استيفاء دينه في تاريخ الاستحقاق وبالأولوية على باقي الدائنين الناشئة ديونهم قبل فتح المسطرة ولو كانت ديونهم مقرونة بضمانات ، تحت طائلة إمكانية ممارسة كافة المتابعات الفردية وطرق التنفيذ المعترف بها قانونا .

 

 

الفقرة الثانية : مـــدى تأثـيـر مـخـطــط التفــويــت على عـقـــد الـكـــراء الـتـجــــاري

يعتبر التفويت من أهم الحلول في نظام المساطر الجماعية ، الغاية منه الإبقاء على كل نشاط من شأنه أن يستغل بشكل مستقل والحفاظ على مناصب الشغل المرتبطة بذلك النشاط وأداء حقوق الدائنين وبالتالي تجنب الآثار السلبية التي يمكن أن يخلفها حل التصفية القضائية على الواقع الاقتصادي والاجتماعي، حيث إن مخطط التفويت ينقل ملكية المقاولة من مالكها الأصلي إلى مالك جديد سيعمل بطرق تسيير جديدة وبرأسمال جديد للحفاظ على نشاط المقاولة ، ومن خصوصياته أنه يشمل الأصول وحدها دون الخصوم حيث يتلقى المفوت إليه المقاولة وهي خالية من ثقل الديون والالتزامات المالية، وتعمد المحكمة إلى تبني مخطط  تفويت المقاولة إلى أحد الأغيار إذا استحال الحفاظ على النشاط وتأمين استمراريته من طرف مالكها، وإذا كان التفويت يؤدي إلى حصول تغيير في المركز القانوني للمكتري فإن هذا التغيير قد يؤثر على عقد كراء المحل التجاري المبرم مع المقاولة المكترية الخاضعة لمسطرة المعالجة وعلى الآثار المترتبة عليه، خاصة وأن المشرع قد نص على قاعدة التفويت القضائي للعقود ومن بينها عقد الكراء التجاري من خلال المادة 638 من مدونة التجارة التي جاء فيها ما يلي :

” تحدد المحكمة عقود الائتمان الإيجاري أو عقود الكراء أو التزويد بالسلع أو الخدمات الضرورية للحفاظ على نشاط المقاولة بناء على ملاحظات الأطراف المتعاقدة مع المقاولة التي يقوم السنديك بالإبلاغ بها.

يكون الحكم الذي يحصر المخطط بمثابة تفويت لهذه العقود .

يجب تنفيذ هذه العقود وفق الشروط المعمول بها عند فتح المسطرة، على الرغم من كل شرط مخالف مع مراعاة آجال الأداء التي يمكن أن تفرضها المحكمة، لضمان التنفيذ السليم للمخطط، بعد الاستماع إلى المتعاقد أو استدعائه بشكل قانوني ” .

وتأسيسا على ذلك إذا كان عقد الكراء يخضع حتما لقاعدة التفويت الجبري للعقود في إطار مخطط التفويت فإن من خصوصيات هذا الوضع انفراد المحكمة بسلطة تقرير تفويت عقد الكراء دون غيرها من المؤسسات الفاعلة في مسطرة التسوية القضائية ، غير أن المحكمة تبقى مقيدة في إعمالها لهذه القاعدة بمجموعة من الشروط المنصوص عليها في المادة 638 م ت أعلاه ومن بين هذه الشروط أن يكون عقد الكراء التجاري المراد تفويته عقدا جاريا في تاريخ التفويت كحل لإنقاذ المقاولة ، وأن يكون عقد الكراء ضروريا للحفاظ على نشاط المقاولة واستمراريتها ومن دونه لا تستقيم حياتها الاقتصادية ، وانسجاما مع هذا التأويل يمكن القول بأن عنصر الضرورة يعتبر متوفرا باستمرار في عقد كراء المحلات المخصصة لنشاط المقاولة باعتباره يشكل الوجود الجغرافي لهذه الأخيرة ، ماعدا في حالة تعدد عقود الكراء ومدى إمكانية التفضيل بينها استنادا إلى عنصر الضرورة نفسه وإلى ما قد يشكله بعضها من إرهاق لذمة المقاولة ، وفي هذا الإطار لابد من الإشارة أن دور المكري كطرف متعاقد مع المقاولة يبقى محدودا جدا في حالة تفويت عقد كراء المحلات المعدة لنشاط المقاولة، حيث ينحصر دوره في تقديم رأيه وملاحظاته للسنديك الذي يقوم بإبلاغها للمحكمة، غير أن هذه الملاحظات مهما كانت طبيعتها تبقى ذات طبيعة استشارية فقط غير ملزمة للمحكمة التي يبقى بإمكانها الحكم بتفويت عقد الكراء متى كان ضروريا لاستمرارية نشاط المقاولة ، وفي هذه الحالة يكون المكري ملزما بالاستمرار في تنفيذ عقد الكراء وترتيب جميع آثاره على الرغم من عدم موافقته على استمراريته مع مكتر جديد وهو المفوت إليه وهو نفس الموقف الذي استقر عليه الاجتهاد القضائي المغربي حيث جاء في حكم صادر عن المحكمة التجارية بمراكش بتاريخ 13/09/[51]2006 ما يلي : ” … إعمالا للمقتضيات أعلاه تبقى ملاحظات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بعدم رغبتها في تفويت عقد الكراء الرابط بينها ومقاولة باب إفريقيا غير مؤسسة وتعين عدم الالتفات إليها مادام المشرع من خلال المقتضيات أعلاه قد اعتبر ملاحظات المتعاقد مع المقاولة على سبيل الاستشارة وليس على سبيل الإلزام ” .

وطبقا لمقتضيات المادة 638 م ت يتم تنفيذ عقد الكراء التجاري المفوت وفق نفس الشروط المعمول بها عند فتح المسطرة على الرغم من كل شرط مخالف لضمان التنفيذ السليم للمخطط ، وتبعا لذلك يتم استبعاد كافة الشروط المانعة أو المقيدة لعملية التفويت الجبري أيا كانت طبيعتها وسواء كانت هذه الشروط ذات طبيعة قانونية أو اتفاقية ويجد هذا الموقف مبرره القانوني من خلال تكريس المشرع لمبدأ سمو مصالح المقاولة على مصالح أطراف العقد وعدم إمكانية ترجيح إرادة المتعاقد على مقتضيات من النظام العام وذات صبغة آمرة ، وإذا كان التفويت الجبري لعقد كراء المحلات المخصصة لنشاط المقاولة ينشئ أوضاعا جديدة لأطراف العقد يصبح بمقتضاها المكري المتعاقد مع المقاولة مرتبطا بمكتر جديد هو المفوت إليه فإن هذا لا يعني بالضرورة إبرام عقد جديد بقدر ما هو إلا نفس العقد المبرم مع المقاولة ينتج آثاره في حق المفوت إليه بصفته المكتري الجديد ليس بإرادته كما سبقت الإشارة إلى ذلك ولكن بإرادة المحكمة وبالتالي فإن هذا الوضع تنتج عنه مجموعة من التساؤلات حول مدى احترام مدة العقد المفوت ومدى سلطة المحكمة في تعديل الآجال المضمنة بالعقد ، كما قد يطرح أيضا الإشكال حول مدى إمكانية تقسيم عقد الكراء ولاسيما في حالة التفويت الجزئي للمقاولة أو تفويت المقاولة إلى عدة مفوت لهم ؟

فيما يخص مدى إلزامية احترام مدة عقد الكراء التجاري المفوت فإنه وطبقا لمقتضيات المادة 638 م ت يتعين أن يتم تنفيذ العقود موضوع التفويت وفقا لنفس الشروط التي كان معمولا بها عند فتح المسطرة ضد المقاولة المعنية بالأمر وذلك بالرغم من كل شرط مخالف، ويترتب على ذلك أن تفويت عقد الكراء التجاري لا يؤدي إلى تعديله بل يتم فقط إحلال مكتر آخر محل المكتري المدين ، وبالتالي فإن المحكمة لا تملك تبعا لذلك أية سلطة لتغيير أو تعديل بنود أو شروط العقد ماعدا ما يمكن أن تفرضه من آجال للأداء على المتعاقد لضمان التنفيذ السليم للمخطط ، وتبعا لذلك إذا كانت آجال العقد تبقى بمنأى عن تدخل المحكمة من أجل تعديلها فإن آجال الأداء يمكن للمحكمة أن تفرضها على المكري لضمان التنفيذ السليم للمخطط غير أن سلطة المحكمة في تعديل آجال الأداء تبقى مقيدة بإجراء مسطري يتمثل في الاستماع إلى المتعاقد أو استدعائه بشكل قانوني، ويلاحظ بأن الشرط المتمثل في تسخير التعديل المنصب على آجال الأداء لضمان التنفيذ السليم لمخطط التفويت يبقى غير دقيق ومجالا واسعا لتدخل المحكمة لإعمال سلطتها التقديرية بخصوص ما تعتبره تنفيذا سليما للمخطط، وتبعا لذلك فإن المحكمة استنادا إلى وضعية المقاولة والإمكانيات المتاحة من طرف المفوت إليه يمكن أن تعمل على تحديد آجال للأداء خلافا لما ورد بالعقد كأن تجعل الأداء دوريا كل ثلاثة أشهر بعد أن كان وفقا لبنود العقد شهريا يتم كل آخر شهر وذلك وفقا لما تقتضيه مصلحة المقاولة .

أما فيما يخص سلطة المحكمة في تقسيم عقد الكراء التجاري وخاصة في حالة التفويت الجزئي ومدى إمكانية تقسيم عقد الكراء التجاري تبعا لاعتماد المحكمة لمخطط تفويت شامل للمقاولة إلى عدة مفوت إليهم وذلك عن طريق تفويتات جزئية لفروع متكاملة ومستقلة من النشاط أو في حالة التفويت الجزئي للمقاولة لفائدة مفوت إليه واحد مما يؤدي إلى تقسيم مادي لعقد الكراء التجاري ، مما يجعلنا أمام عدة عقود تفرعت عن عقد واحد ؟.

وبخصوص هذه الحالة لم يتطرق المشرع المغربي إلى تنظيمها لا بموجب القانون رقم  16/49 المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أوالصناعي أو الحرفي ولا بموجب قانون صعوبات المقاولة ، لكن أمام سكوت المشرع ذهب جانب من الفقه[52] إلى القول بأن المحكمة ليس بإمكانها فرض تقسيم عقد الكراء عند تفويته في إطار المادة 638 م ت[53] بل يجب تنفيذ العقد وفق الشروط المعمول بها عند فتح المسطرة وتبقى سلطتها محصورة في فرض آجال الأداء فقط وبالمقابل يجب على المكتري المفوت إليه أن يكون حريصا وأن يدقق الوضعية القانونية للمحلات التي سيحتاج إليها لمواصلة النشاط وبالتالي إلى عقود الكراء التي ستضمن الوجود القانوني للمقاولة بهذه المحلات حتى لا يفرض عليه إيجار كل هذه المحلات ، ونحن نعتقد بأن هذا الرأي الذي تبناه هذا الجانب من الفقه يبقى حريا بالتأييد لأن إجبار المكري على تقسيم المحلات حسب طبيعة التفويت قد يؤدي إلى حصول أضرار يصعب تداركها كما أنه قد يعيق استغلال المحل من طرف مالكه بعد تقسيمه وفقا للغايات المخصصة له لذلك فإن الضرر يزال إذ لا يجوز حماية مصلحة بالإضرار بمصلحة أولى منها .

 

 

المطلب الثاني : مصير عقد الكراء التجاري في مسطرة التصفية القضائية

تقرر المحكمة فتح مسطرة التصفية القضائية إما مباشرة بعد توقف المقاولة عن الدفع إذا تبين لها بأن وضعيتها مختلة بشكل لا رجعة فيه وعاجزة عن الوفاء بالتزاماتها كما يمكنها أن تنطق بالتصفية القضائية خلال فترة إعداد الحل إذا تبين لها من تقرير الموازنة المالية أو الاقتصادية أو الاجتماعية المقدم من طرف السنديك أن تصحيح وضعية المقاولة بات في حكم المستحيل أو خلال مرحلة تنفيذه إذا تقاعست عن تنفيذ التزاماتها المحددة في مخطط الاستمرارية ، ويتجلى الغرض الأساسي من التصفية القضائية في إنجاز الأصول وتصفية الخصوم ، وتوزيع العائدات على الدائنين ، غير أن تحقيق هذا الغرض قد يقتضي في بعض الأحيان استمرارية النشاط ولو أن المقاولة محكوم عليها بالتصفية القضائية ، فإنجاز التصفية قد يتعرض إلى التأخير نتيجة لطول الإجراءات أو لكثرة النزاعات التي تثار خلال مختلف مراحل التصفية ، والأصل أن صدور الحكم القاضي بالتصفية القضائية يؤدي إلى توقف نشاط المقاولة وبالتالي توقف جميع العقود المرتبطة بها بما فيها عقود كراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي ، لكن يلاحظ أن المشرع المغربي وعلى غرار نظيره الفرنسي قد أقر استمرارية نشاط المقاولة إلى حين إغلاق التصفية كما أجاز استثناء للمحكمة إمكانية الترخيص باستمرار النشاط لمدة تحددها، وذلك إما تلقائيا أو بناء على طلب السنديك أو وكيل الملك إذا اقتضت المصلحة العامة أو مصلحة الدائنين ذلك .

ويترتب على صدور الحكم القاضي بفتح مسطرة التصفية القضائية غل يد المدين عن تسيير المقاولة حيث يحل السنديك بقوة القانون محل المدين في الإدارة والتصرف والتقاضي إلى أن يتم قفل المسطرة ويعتبر كل عمل من أعمال التصرف والإدارة يقوم به المدين خلافا لقاعدة غل اليد باطلا بطلانا مطلقا ، والغاية من ذلك توفير دعامة قوية للحفاظ على النشاط وأموال التفليسة وتحقيق العدالة بين الدائنين وبالتالي تفادي إضرار المدين ببعض المتعاقدين مع المقاولة ، وتأسيسا على ذلك فإن فتح مسطرة التصفية القضائية قد تترتب عليه مجموعة من الآثار على عقود الكراء التجاري وعلى حقوق المكري وهذه الآثار تختلف باختلاف الحالات التي يتم الحسم فيها بموجب الحكم القاضي بالتصفية إما حالة الاستمرار المؤقت لنشاط المقاولة وإما حالة التوقف الفوري لنشاط المقاولة الخاضعة للتصفية القضائية .

لذلك سوف نتطرق أولا إلى تحديد مدى تأثير مسطرة التصفية القضائية على استمرارية عقد الكراء التجاري ( الفقرة الأولى ) وثانيا إلى دراسة مدى تأثير مسطرة التصفية القضائية على حقوق المكري ( الفقرة الثانية ) .

الفقرة الأولى : مدى تأثير مسطرة التصفية القضائية على استمرارية عقد الكراء التجاري :

تنص المادة 653 من مدونة التجارة على ما يلي :

لا تؤدي التصفية القضائية، بقوة القانون، إلى فسخ عقد كراء العقارات المخصصة لنشاط المقاولة.

يمكن للسنديك الاستمرار في الكراء أو تفويته حسب الشروط المنصوص عليها في العقد المبرم مع المكري مع جميع الحقوق والالتزامات المتصلة بهذا الكراء.

إذا قرر السنديك عدم استمرار الكراء فسخ العقد بمجرد طلب منه . ويسري أثره من يوم الطلب .

يجب على المكري الذي يعتزم طلب الفسخ أو معاينة حصوله لأسباب سابقة للحكم بالتصفية القضائية أن يباشر إجراءات الفسخ، إن لم يفعل ذلك من قبل، داخل ثلاثة أشهر من صدور الحكم ” .

من خلال هذا النص يتبين بأن الحكم بفتح مسطرة التصفية القضائية في مواجهة المكتري لا يؤدي تلقائيا إلى فسخ كراء العقارات المخصصة لمزاولة نشاط المقاولة موضوع التصفية وإنما يمنح الصلاحية في تحديد مآل العقد للسنديك الذي يمكنه اختيار فسخ عقد الكراء التجاري أو مواصلته ، ويعتبر هذا الموقف الذي تبناه المشرع المغربي من خلال تنصيصه على مواصلة عقد الكراء في حالة التصفية موقفا إيجابيا وحريا بالتأييد نظرا لأهمية عقد الكراء في حالة التصفية القضائية ، وذلك لأن المصلحة تقتضي متابعة المقاولة نشاطها بشكل استثنائي وذلك تماشيا مع حاجيات التصفية لأجل ذلك حرص المشرع على إحاطة العقد بجملة من الضمانات القانونية تضمن استمراريته لكونه يمثل الوجود الجغرافي للمقاولة تفاديا لاندثارها بشكل نهائي والإضرار بباقي المصالح المرتبطة بها وهذا أمر منطقي مادام أن وضع المقاولة تحت التصفية لا يؤدي إلى إنهاء شخصيتها المعنوية فورا بل تحتفظ بهذه الصفة إلى غاية انتهاء أشغال التصفية[54]، وهذا الموقف الذي تبناه المشرع في نظام صعوبات المقاولة يعتبر إعمالا للقواعد العامة حيث ينص الفصل 1070 ق ل ع على ما يلي : ” المصفي يمثل الشركة في طور التصفية، ويتولى إدارتها “ كما تم تأكيده من خلال المادة 362 من قانون شركات المساهمة التي نصت على ما يلي : ” تعتبر الشركة في طور التصفية بمجرد حلها لأي سبب من الأسباب. وتلحق تسميتها ببيان ” شركة مساهمة في طور التصفية “.

تظـل الشخصيـة المعنويـة للشركـة قائمـة لأغــراض التصفية إلى حين اختتــام إجراءاتها“.

ونظرا لأهمية عقد الكراء التجاري بالنسبة للمقاولة فقد سبق للمشرع المغربي أن نص أيضا من خلال الفصل 38 من ظهير 24 ماي 1955 على أن الإفلاس أو التصفية لا يؤدي إلى فسخ كراء العقارات المخصصة للاستغلال الصناعي أو التجاري أو الحرفي للمدين ويدخل في ذلك الأماكن التابعة لذلك العقار والمستعملة لسكن المكتري أو لسكن أسرته وكل شرط مخالف لذلك يعتبر كأن لم يكن ، ولاشك أن هذه المقتضيات تندرج في إطار الحفاظ على عناصر المقاولة من الاندثار خصوصا وأن عقد الكراء يشكل الوعاء الجغرافي للمقاولة والضمانة المادية لاستمرارها كما أن الحق في الكراء يعتبر من أهم العناصر المعنوية التي تزيد من قيمة الأصل التجاري[55] .

إلى جانب استمرارية عقد الكراء التجاري في إطار القاعدة المشار إليها أعلاه ، هناك فرضية أخرى تتعلق باستمرارية نشاط المقاولة إذا اقتضت المصلحة العامة أو مصلحة الدائنين ذلك حيث يمكن للمحكمة أن تأذن بالاستمرارية بناء على طلب من السنديك أو وكيل الملك طبقا لمقتضيات المادة 652 م ت التي تنص على ما يلي :

“إذا اقتضت المصلحة العامة أو مصلحة الدائنين استمرار نشاط المقاولة الخاضعة للتصفية القضائية، جاز للمحكمة أن تأذن بذلك لمدة تحددها إما تلقائيا أو بطلب من السنديك أو وكيل الملك .

وتطبق مقتضيات المادة 588 خلال هذه الفترة بينما تطبق مقتضيات المادة 590 على الديون الناشئة خلال هذه المدة .

يقوم السنديك بتسيير المقاولة مع مراعاة مقتضيات المادة 638 ” .

ومن خلال المادة 652 م ت يتضح بأن استمرارية نشاط المقاولة بعد الحكم عليها بالتصفية القضائية تكون بشكل مؤقت وخلال المدة التي تحددها المحكمة حتى لا تؤدي هذه الاستمرارية إلى تأخير إنجاز التصفية ، كما أن متابعة نشاط المقاولة طبقا للمادة 652 م ت يقتصر على الأنشطة السابقة ولا صلة له ببدء نشاط أو استثمار جديد ، لأن ذلك من شأنه أن يعرقل ويؤخر التصفية وفي حالة استمرارية نشاط المقاولة في إطار مقتضيات المادة 652 م ت فإن عقد الكراء التجاري يخضع لمقتضيات المادة 588 م ت كما أن الديون الناشئة خلال هذه الفترة تستفيد من حق الأسبقية المنصوص عليه في المادة 590 من مدونة التجارة.

الفقرة الثانية : مدى تأثير مسطرة التصفية القضائية على حقوق المكري

إن فتح مسطرة التصفية القضائية قد تترتب عليه مجموعة من الآثار على حقوق المكري ، سوف نقتصر على أهمها من خلال ما يلي :

أولا : أحقية المكري في طلب فسخ الكراء التجاري

إذا كانت القاعدة أن فتح مسطرة التصفية القضائية لا يؤدي بقوة القانون إلى فسخ عقد كراء العقارات المخصصة لنشاط المقاولة حسب ما تقضي به الفقرة الأولى من المادة 653 م ت ، فإنه يبقى للمكري الحق في طلب الفسخ أو معاينة فسخه لأسباب سابقة لحكم التصفية القضائية ، حيث نصت الفقرة الأخيرة من المادة 653 م ت على ما يلي : ” يجب على المكري الذي يعتزم طلب الفسخ أو معاينة حصوله لأسباب سابقة للحكم بالتصفية القضائية أن يباشر إجراءات الفسخ، إن لم يفعل ذلك من قبل، داخل ثلاثة أشهر من صدور الحكم “.

وتأسيسا على ذلك فإنه يمكن للمكري المطالبة بفسخ عقد الكراء ولو تعلق طلب فسخ بعدم أداء مستحقات الكراء الناتجة عن الفترة السابقة لحكم التصفية القضائية كما يجوز له المطالبة بمعاينة الفسخ إذا تحقق الشرط الفاسخ قبل الحكم بفتح مسطرة التصفية، هذا إذا لم يكن قد سبق له أن رفع هذه الدعوى قبل صدور الحكم المذكور، غير أنه لابد من الإشارة إلى مسألة أساسية تتعلق بتحديد المقصود بعبارة ” الأسباب السابقة للحكم بالتصفية القضائية” حيث يجب تفسير هذه العبارة في ضوء باقي المقتضيات القانونية لمساطر صعوبات المقاولة حتى لا يكون هناك تعارض أو تناقض بين مختلف المراحل السابقة على فتح مسطرة التصفية، وانسجاما مع ذلك نعتقد بأن الأسباب السابقة للحكم بالتصفية القضائية لا يمكن أن تشمل السبب المتعلق بعدم أداء وجيبات الكراء المستحقة قبل صدور الحكم بفتح مسطرة التسوية القضائية وإنما تشمل فقط عدم أداء الديون اللاحقة لحكم فتح مسطرة التسوية القضائية وهي في نفس الوقت ديون نشأت قبل صدور حكم التصفية القضائية ، حيث يعتبر عدم أداء هذه الديون من بين الأسباب المبررة للمطالبة بفسخ عقد الكراء في مرحلة التصفية القضائية، كما أن عبارة ” الأسباب السابقة للحكم بالتصفية القضائية “ يمكن أن تشمل الأسباب الأخرى التي لا علاقة لها بالأداء كإهمال العين المكتراة أو عدم احترام الاستعمال الذي خصص له المحل المكترى ، وإذا كان المكري قد سبق له أن رفع دعوى الإفراغ لسبب آخر كالهدم وإعادة البناء أو الاستعمال الشخصي فإنها تواصل في مواجهة السنديك بعد تصحيح المسطرة .

ويجب على المكري الذي يعتزم طلب الفسخ أو معاينة حصوله لأسباب سابقة للحكم بالتصفية القضائية أن يرفع طلبه بذلك داخل أجل ثلاثة أشهر من صدور الحكم عملا بمقتضيات المادة 638 من مدونة التجارة ويعتبر هذا الأجل أجل سقوط لا يمكن وقفه أو تمديده ، وترفع الدعوى في هذه الحالة في مواجهة السنديك الذي يحل بقوة القانون محل رئيس المقاولة في التسيير .

ثانيــا : أحقيـة المكــري في المطالبـة بمعاينــة الشــرط الفاســـخ

يعتبر الشرط الفاسخ من بين الشروط التي قد يتفق عليها الأطراف خلال مرحلة تحرير عقد الكراء التجاري، حيث يمكن في حالة تحققه لصاحب المصلحة اللجوء إلى فسخ العقد دون التوقف على موافقة الطرف الآخر ، وقد نص المشرع في المادة 33 من القانون رقم 16/49 المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي على أنه في حالة عدم أداء المكتري لواجبات الكراء لمدة ثلاثة أشهر ، يجوز للمكري، كلما تضمن عقد الكراء شرطا فاسخا ، وبعد توجيه إنذار بالأداء يبقى دون جدوى بعد انصرام أجل 15 يوما من تاريخ التوصل، أن يتقدم بطلب أمام قاضي الأمور المستعجلة، لمعاينة تحقق الشرط الفاسخ وإرجاع العقار أو المحل[56] ، كما أنه طبقا للقواعد العامة فإن اتفاق الطرفين في عقد الكراء على الشرط الفاسخ وتحققه يؤدي إلى انفساخ العقد وطرد المكتري من المحل[57] غير أنه بعد صدور الحكم بفتح مسطرة التصفية القضائية فإن هذه المقتضيات تعرف بعض التراجع لصالح المقتضيات الخاصة لمساطر صعوبات المقاولة .

بناء على ذلك فإنه في حالة تحقق الشرط الفاسخ خلال مسطرة التصفية القضائية يمكن للمكري فسخ عقد الكراء دون أي قيد، حيث تخرج دعوى تحقق الشرط الفاسخ لأسباب أخرى غير عدم الأداء من نطاق قاعدة وقف المتابعات الفردية وقاعدة مواصلة العقود الجارية ، بيد أن الإشكال الذي يطرح في هذا الإطار يتعلق بمآل حجية الشرط الفاسخ في الحالة التي تقام فيها دعوى فسخ عقد الكراء قبل النطق بالحكم القاضي بفتح المسطرة إلا أنها لم تحز بعد قوة الشيء المقضي به ، جوابا عن هذا الإشكال ذهبت محكمة النقض الفرنسية[58] إلى القول بأن الفسخ ينبغي أن يكون قد تم بقرار حائز لقوة الشيء المقضي به عن طريق تدخل القضاء للتصريح به وفي حالة العكس – أي غياب قرار حائز لقوة الشيء المقضي – يبقى عقد الكراء عقدا جاريا خاضعا لأحكام العقود الجارية ، وخلافا لهذا التوجه ذهب أحد الباحثين[59] إلى القول بأن الشرط الفاسخ تسري آثاره من اليوم الموالي لتخلف المكتري الذي تم إمهاله قضاء عن أداء ما بذمته ودون حاجة أن يحوز القرار القاضي بمعاينة الشرط الفاسخ لقوة الشيء المقضي به وبناء على ذلك فإن الشرط الفاسخ يرتب آثاره بمجرد تخلف المكتري عن الأداء دون حاجة للبحث عن معيار آخر كقوة الشيء المقضي به، ونعتقد بأن الموقف الأخير يبقى مصادفا للصواب لاسيما وأن الفصل 26 من ظهير 1955 لم يكن يشترط صدور قرار حائز لقوة الشيء المقضي به ، كما أن المادة 33 من القانون رقم 16/49 المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي قد خولت للمكري ، في حالة عدم أداء المكتري لواجبات الكراء لمدة ثلاثة أشهر وبعد توجيه إنذار بالأداء يبقى بدون جدوى بعد انصرام أجل 15 يوما من تاريخ التوصل ، إمكانية تقديم طلب أمام قاضي الأمور المستعجلة لمعاينة تحقق الشرط الفاسخ وإرجاع العقار أو المحل ، ولاشك أن الأوامر الصادرة عن القضاء الاستعجالي تبقى مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون وقابلة للتنفيذ دون الحاجة لحيازة الأمر قوة الشيء المقضي به، غير أن إعمال هذه الإمكانية تبقى مرتبطة بحالات معاينة الشرط الفاسخ لعدم أداء أجرة أو واجبات الكراء ، أما حالات معاينة الشرط الفاسخ لأسباب أخرى غير عدم الأداء فيكفي أن يتم توجيه إنذار للمكتري ليفسخ العقد دون أن يتوقف ذلك على صدور قرار حائز لقوة الشيء المقضي .

وطبقا للمادة 638 من مدونة التجارة فإنه: ” يجب على المكري الذي يعتزم طلب الفسخ أو معاينة حصوله لأسباب سابقة للحكم بالتصفية القضائية أن يباشر إجراءات الفسخ، إن لم يفعل ذلك من قبل، داخل ثلاثة أشهر من صدور الحكم ” .

ويستفاد من ذلك أن المشرع خول المكري إمكانية المطالبة بالفسخ دون أن يكون مشمولا بقاعدة وقف المتابعات الفردية ، لأن نطاق تطبيق المادة 686 م ت خاصة بكل دعوى للمطالبة بدين سابق لفتح المسطرة – كعدم أداء أجرة الكراء – والهادفة إلى أداء مبلغ من المال أو فسخ عقد لعدم الأداء دون باقي الدعاوى التي يخرج موضوعها عن هذا الإطار التي لا تكون مشمولة بالوقف والمنع ، ونتيجة لذلك تتوقف الدعوى الرامية إلى معاينة الشرط الفاسخ لعدم أداء الكراء دون باقي الدعاوى الرامية إلى معاينة الشرط الفاسخ التي تستند على عدم تنفيذ التزام بعمل أو امتناع عن القيام بعمل ، وقد اعتبرت محكمة النقض الفرنسية بأن إخلال المكتري بواجب الالتزام بعمل خلافا لما هو مقرر في العقد وصدور أمر استعجالي يعاين هذا الإخلال ويقضي بالطرد يبقى مرتبا لآثاره ولا يمنع تنفيذه خضوع المكتري للمساطر الجماعية ، ومن جهة أخرى فإن المادة 638 م ت المشار إليها أعلاه تقضي بشكل واضح بأن دعوى فسخ الكراء التجاري بعد فتح مسطرة التصفية القضائية لا تخضع لقاعدة وقف المتابعات الفردية سواء بني الفسخ على عدم أداء الكراء أو على أسباب أخرى .

 

 

 

خـــاتــمــــــة :

يتضح مما سبق أهمية عقد الكراء التجاري بالنسبة للمقاولة لذلك فقد أولاه المشرع بتنظيم خاص سواء في القانون المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة لمزاولة النشاط التجاري أو الصناعي أو الحرفي أو من خلال القواعد العامة لقانون الالتزامات والعقود ، خاصة وأن عقد الكراء التجاري يبقى ذا أهمية خاصة بالنسبة لاستمرارية نشاط المقاولة ، سواء خلال فترة إعداد الحل أو خلال مرحلة اختيار ذلك الحل وتنفيذه ، غير أن الملاحظ أن المشرع لم يفرد عقد الكراء بقواعد خاصة في مساطر معالجة صعوبات المقاولة وإنما جعله خاضعا لكافة القواعد التي تسري على باقي العقود المبرمة مع المقاولة ، وإذا كان المشرع قد أتى بقواعد جديدة تفرض التضحية بقانون العقد وتعطيل مبدأ سلطان الإرادة وترجيح استمرارية المقاولة على إرادة الأطراف المتعاقدة غير أنه مهما كان موقف المشرع فإنه يبقى محدودا وقاصرا ولا يتماشى مع الاعتبارات الاقتصادية والتوجهات الأساسية لمساطر صعوبات المقاولة ، لذلك فإننا نعتقد أنه أصبح من الواجب أن يتدخل المشرع عن طريق التنصيص على مقتضيات خاصة تضمن حماية المقاولة من جهة وحماية مصالح المكري من جهة أخرى تفاديا لكل غموض أو تضارب في التأويل خاصة وأن عقد الكراء يعتبر من العقود الاستراتيجية لممارسة النشاط الاقتصادي واستمراريته وأنه كان من اللازم استثناؤه من المقتضيات الخاصة بالعقود الجارية انسجاما مع فلسفة المشرع من إقراره للمقتضيات الخاصة بإنقاذ وتصحيح وضعية المقاولات المتعثرة .

 

 

[1]– صدر القانون رقم 16/49 المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي بالجريدة الرسمية بتاريخ 11 غشت 2016  .

[2]– حول أهداف القانون رقم 16/49 ومختلف المقتضيات التي جاء بها  أنظر : مصطفى بونجة، الكراء التجاري بين ظهير 1955 والقانون رقم 16/49، الطبعة الأولى 2016، ص  165 وما يليها .

[3]– عمر السكتاني ، نظام التعاقد بين ثوابت النظرية العامة للالتزامات ومتغيرات قانون صعوبات المقاولة ، مداخلة تمت المساهمة بها ضمن أشغال ندوة ” قانون الالتزامات والعقود بعد مائة سنة من التطبيق ” المنظمة من طرف كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش بتاريخ 14 و 15 يونيو 2013 ، منشورات كلية الحقوق بمراكش ، ص  307 وما يليها ..

[4] – أحمد شكري السباعي ، الوسيط في مساطر الوقاية ومساطر معالجتها، الجزء الثاني ،  ص 283   .

 

[5]  – حلت المادة 588 م ت محل المادة 573 وذلك إثر التعديل الذي شمل الكتاب الخامس من مدونة التجارة بموجب القانون رقم 73.17  القاضي بنسخ وتعويض الكتاب الخامس من مدونة التجارة  .

[6] – أحمد شكري السباعي، الوسيط في مساطر الوقاية ومساطر معالجتها ، ج 2 ، ص  321.

[7] – محمد لفروجي، مصير العقود جارية التنفيذ… المجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات ع 5 ، 2005 ص  13.

[8] – محمد أبو الحسين، التفويت القضائي في نطاق التسوية القضائية، مجلة المحاكم المغربية، ع  102، ماي / يونيو 2006- ص 41 42 .

[9] –  أحمد شكري السباعي، الوسيط في مساطر الوقاية … ج 2 : م س ، ص  335 .

 

 

 

[10] – com, 22 juin 1982  . D 1983 p 62 .

[11] –  أحمد شكري السباعي م س ، ج  : 2 ، ص  328-329 .

[12]–  yves guyon : droit commercial , op , p : 226 .

[13] – انظر في هذا الإطار : كريم أيت بلا ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في القانون الخاص كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط أكدال ، ص  104 .

[14] – ف 3 من المادة 588 م ت .

[15]– محمد لعروصي الأطروحة م س، ص  301 وما بعدها.

[16]– عمر السكتاني، حق الأسبقية المخول للديون الناشئة بعدة فتح مسطرة التسوية القضائية، دراسة تحليلية بين النص والتطبيق، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسطات، السنة الجامعية 2007/2008 .

[17] – حلت المادة 686 محل المادة 653 م ت وذلك بموجب القانون رقم 73.17 القاضي بنسخ وتعويض الكتاب الخامس من مدونة التجارة المتعلق بصعوبات المقاولة .

[18] – وهو نفس الأمر  الذي نص عليه المشرع في المادة 47 من قانون 1985 والتي تنص على ما يلي :

« Le jugement d’ouverture suspend ou interdit tout action en justice de la part de tous les créanciers dont la créance à son origine antérieurement audit jugement ».

[19] – عزيز عبد الأمير العكيلي، أحكام الإفلاس في قانون التجارة الكويتي ص 123.

[20] – أمر رقم 1467 ملف رقم 1464/1/2005، غير منشور.

[21] – أحمد شكري السباعي : الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة  ومساطر معالجتها، ج 3 ص 236.

[22] – عبد الرزاق الزيتوني، استمرارية المقاولة بعد التوقف عن الدفع وحماية الدائنين على ضوء القانون رقم 95 -15 المتعلق بمدونة التجارة ، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخـاص ، كليـة العلـوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالدارالبيضاء ، السنة الجامعية 2005 – 2006 م س، ص :450.

[23] – ذ . عمر أزوكار، فسخ الكراء التجاري ومساطر معالجة الصعوبات، – دراسة مقارنة – مجلة المحاكم المغربية، ع 85/ نونبر – دجنبر 2000،  ص : 95 .

[24] – نجاة الكص، الحق في الكراء كعنصر في الأصل التجاري و مدى الحماية المقررة له في ضوء ظهير 24 ماي 1955، دراسة تحليلية نقدية –  مقارنة.

– تخرج من نطاق وقف المتابعات الفردية الدعاوي المبنية على الأسباب المنصوص عليها في الفصول 692 ق.ل.ع و 11 من ظهير 24 ماي   1955. ينص الفصل 692 ق ل ع على ما يلـي:

” للمكري فسخ الكراء مع حفظ حقه في التعويض إن اقتضى الأمر :

–    أولا  :  إذا استعمل المكتري الشيء المكترى في غير ما أعد له بحسب طبيعته أو بمقتضى الاتفاق.

–   ثانيـا :  إذا أهمل الشيء المكترى على نحو يسبب له ضررا كثيرا …”

أما الفصل 11 من ظهير 24 ماي 1955 فينص على أنـه :

”  للمكري أن يرفض تجديد العقدة دون إلزامه بأداء أي تعويض وذلـك :

–  أولا :   إذا أتى بحجة تشهد ضد المكتري المطالب بالإفراغ بأن هناك سببا  خطيرا  ومشروعا.

–   ثـانيـا :  إن أثبت هدم الملك كلا أو بعضا لأن السلطة الإدارية أعلنت أنه وخيم ومخالف للمبادئ الصحية ، أو أثبت أن في شغل الملك خطر  بسبب انعدام الأمن فيه …”

وللتوسع أكثر حول حق المكري في إنهاء العقد بناء على هذه الأسباب وآثاره. أنظر :  محمد الكشور، الحق في  الكراء عنصر في الأصل التجاري، ص : 108 وما بعدها.

[25] – Cass, Com. 26 Oct 1999 Loyer et Copr 1999, N° 295 – P :13. Dos PH . HB

– هـذا القرار أوردته: نجاة الكص في أطروحتها : الحق في الكراء … م س، ص : 262.

[26] – كيف القضاء قرينة الأجل هاته بأنها قرينة قاطعة على التنازل عن الكراء أنظر :

-Cass. Com. 25 Janv 1994 . D 1994. IR. P :88

– هذا القرار أشار إليه : عمر أزوكار، أنظر : فسخ الكراء التجاري ومساطر صعوبات المقاولة . م س ، ص : 101.

[27] – C.A de Nimes. 2 avr 1997. Rev. Loyer. 98 . N° 791 . P : 541.

– قرار أورده : عمـر أزوكـار، فسخ الكراء التجاري … ن م س، ص : 102.

[28]– حول موقف محكمة النقض الفرنسية أنظر، ذ عمر أزوكار، فسخ الكراء التجاري ومساطر معالجة الصعوبات ، م س ، ص : 106 وما يليهـا .

[29]– ومما جاء في قرار لمحكمة النقض الفرنسية بتاريخ : 30 ماي 1996 ما يلـي :

« Toute Clause insérée dans le bail, prévoyait la résiliation de plein droit ne produit effet qu’au mois après commandement demeure infructueuse ». Cass, Civ , 30 Mai 1996. D. aff 1996. N° 27. CHron . P : 831.

 

 

[30] – عبد الحق بوكبيش، استمرار نشاط المقاولة الخاضعة للتسوية القضائية، طبع مكتبة دار السلام بالرباط  2007 ، م س، ص42 .

[31] – ينص الفصل 306 من ق ل ع على أن ” الالتزام الباطل بقوة القانون لا يمكن أن ينتج أي أثر، إلا استرداد ما دفع بغير حق تنفيذا له”.

[32] – عبد الحق بوكبيش ن م س ص 44.

[33] – Cass.com 11 Avr 1995.R.D.N° 1.7 Janv 1999 som.com : F.Derrida p 7.

[34] – غير أن الملاحظ هو أن المشرع المغربي لم يضع أي جزاء زجري خاص برئيس المقاولة، على غرار ما هو خاص بالسنديك، لذلك نتمنى أن يتدخل المشرع لسد هذه الثغرة التشريعية.

[35] – محمد لفروجـي، كتلة الدائنين في الإفلاس في ضوء القانون المغربي ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالدار البيضاء، 1993 – 1994 ، م س، ص  44.

[36] – مـامـون الكـزبري، الحقوق العينيـة، ج 2 ، ص : 351.

[37] – حسب ما نص عليه الفصل 299 من القانون التجاري الملغى.

[38] – محمـد العروصـي، مآل عقد الكراء التجاري إثر فتح مسطرة التسوية القضائية ضد المقاولة المكترية، سلسلة القانون والممارسة القضائية، ع 5، 2005، ص  69 وما يليهـا.

[39] – المادة 694 من القانون رقم 73.17 القاضي بنسخ وتعديل الكتاب الخامس من مدونة التجارة المتعلق بصعوبات المقاولة .

 

[40] Arret : Paris – 13/12/1900, Daloz, 1901, 402.

[41] – Marcel Dymant, Pierre Michel corre : «  créncier de l’article 40 : Aux ordres du strater ! » J.C.P.ed E n° 23, JUIN 2000 p 884.

[42]– مليكة عفيف، وضعية الدائنين في إطار صعوبات المقاولة، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا بكلية الحقوق بالدار البيضاء، م س، ص  71.

[43]– قرار محكمة الاستئناف التجارية الصادر في 10/10/2000، الملف عدد 1510/00 قرار رقم 2062/2000 غير منشور.

[44]– عمر السكتاني، حق الأسبقية المخول للديون الناشئة بعدة فتح مسطرة التسوية القضائية، دراسة تحليلية بين النص والتطبيق، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسطات، السنة الجامعية: 2007/2008.

[45] – محمد لفروجي، وضعية الدائنين…..م س ص 28.

[46] – حكم غير منشور.

[47] – المادة 39-621 من مدونة التجارة الفرنسية حاليا .

[48] – مجلة قضاء المجلس الأعلى، القرار الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 12/10/2005 ص 247.

[49] – القرار رقم 1075 الصادر بتاريخ 26/10/2005 في الملف التجاري رقم 253/3/2/2005.- أنظر قرارات الغرفة التجارية عدد خاص بالذكرى الخمسينية للمجلس الأعلى، مطبعة الأمنية 2007 ص 7.

[50]– عمر السكتاني، حق الأسبقية المخول للديون الناشئة بعدة فتح مسطرة التسوية القضائية، دراسة تحليلية بين النص والتطبيق، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسطات، السنة الجامعية 2007/2008 ص 14 وما يليها.

[51] – حكم عدد 57/2006 صادر عن المحكمة التجارية بمراكش بتاريخ 13/09/2006  في الملف رقم 18/15/2003 ، حكم غير منشور .

[52] – محمد أبو الحسين ، تفويت المقاولة كحل في إطار التسوية القضائية ، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في الحقوق بكلية الحقوق بالدار البيضاء ، السنة الجامعية : 2002/2003 ، م س ، ص  111  .

[53] – حلت هذه المادة محل المادة 606 من مدونة التجارة وذلك بموجب القانون رقم 73.17 القاضي بنسخ وتعديل الكتاب الخامس المتعلق بصعوبات المقاولة  .

[54]– مسرار مليكة، فلسفة نظام التصفية القضائية في ظل القانون التجاري القديم والجديد، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة الحسن الثاني، الدار البيضاء ، 1998 – 1999 ، ص  54 .

[55]– أحمد شكري السباعي، الوسيط في الأصل التجاري ، ج 3 ، مطبعة دار نشر المعرفة الرباط ، الطبعة الأولى 2013 ، ص 674 .

[56]– للتوسع حول أحكام الشرط الفاسخ أنظر : مصطفى بونجة ، الكراء التجاري بين ظهير 1955 والقانون رقم 16/49، الطبعة الأولى، 2016 ، ص  165 وما يليها .

[57]– حكم صادر عن المحكمة التجارية بالدار البيضاء تحت عدد 11420 بتاريخ  24/11/2009  في الملف رقم 8534/9/2009 ، غير منشور  .

[58]– أنظر في هذا الإطار :

– Ph Pétel : le sort de contrat conclut avec l’entreprise en difficulté , GCP , édition N 1992-1-125 , p : 125 , pr : 10 .

[59]– عمر أزوكار ، فسخ الكراء التجاري ومساطر معالجة الصعوبات ، مجلة المحاكم المغربية ، العدد  85  نونبر/ دجنبر  2000، ص 165 وما يليها .