مركز إدريس الفاخوري للدراسات والأبحاث في العلوم القانونية وجدة

صيانة أجور العمال في الفقه الإسلامي ومقتضيات مدونة الشغل

د. عبد السلام أحمد فيغو

أستاذ التعلم العالي

بكلية الحقوق أكدال-الرباط –

عضو المجلس العلمي الأعلى

هذا المقال منشور في العدد الثاني * 2019 * من مجلة فضاء المعرفة القانونية التي تصدر عن المركز.

 

 

 

مقدمة عامة

يعد الأجر احد عناصر عقد الشغل، ويحظى في نظر الأجير بأهمية قصوى لما له من دور معيشي واقتصادي لا تستقيم حياة الأجير بدونه، لذا فقد كان لا بد من إقرار حماية تشريعية صارمة تستجيب لحاجة هذا الأخير الملحة للحصول على اجر قار يكفل له ولأسرته العيش الكريم، كما أن الأجر من الموضوعات الأساسية في الحياة المهنية والاجتماعية للأجير، ومن ثم يشكل مجالا خصبا للنزاعات والمطالب كما يمثل الأجر إحدى المعايير المهمة التي تعتمد لقياس مستوى تطور تشريع الشغل وطابعه الاجتماعي.

ولا ريب أن للعامل أيا كان شانه أو مستواه المهني والاقتصادي والاجتماعي أثرا في حياة الأمم . فعلى كاهله وبسواعده وعقله. يقوم النشاط العام في مختلف شؤون المجتمع. وكلما زادت مهارته عن طريق التعليم والتدريب والتثقيف زادت معدلات إنتاجيته باستجماع صفات الإجادة والإحسان في العمل[1]. وهذا ينعكس على المجتمع رخاء ورفاهية. ومن هنا كان تقدير الإسلام للعامل، وكانت عنايته ورعايته ، وما كفله له من حقوق تشجعه على أداء واجبات عمله ومسؤولياته . كما كفل الإسلام للعامل كرامته الإنسانية في أوسع صورها .

وجعله هو وصاحب العمل سواء[2] يتمم كل منهما رسالة الآخر، وكلاهما معا يحققان أهداف المجتمع في الإنتاج[3].

ولهذا فان هذا الموضوع يحظى في ظل المرحلة الراهنة باهتمام ليس بخافي على أحد، ومحاولة من جانبي أن أقدم ما كتبه الفقهاء المسلمين مقارنا بمدونة الشغل.

وسنقسم موضوعنا  هذا إلى فصلين نتناول في الأول موضوع هذه الحماية في الفقه الإسلامي ونخصص الثاني للمقتضات القانونية في مدونة الشغل.

الفصل الأول: صيانة أجور العمال في الفقه الإسلامي

بعد الرجوع لما كتبه الفقهاء في تعريف الإجارة نلاحظ أنها تعريفات متقاربة في المعنى وان اختلفت في العبارة،فبعض الفقهاء يزيد قيودا لا يرى الآخرون حاجة لذكرها.

وجمهور الفقهاء يطلقون لفظ الإجارة على إجارة الأشخاص وإجارة الأشياء، ولم يفرق الفقهاء بين إجارة الإنسان وغيره إلا فقهاء المالكية فأنهم استعملوا اسم الإجارة وما اشتق منها في استئجار الإنسان واسم الكراء وما اشتق منه في استئجار غيره من الحيوانات والأشياء.

فالمالكية خصصوا لفظ الإجارة بالعقد على منافع الآدمي وكل ما يقبل الانتقال على السفن والحيوان ويطلقون على العقد منافع الأراضي والدور والسفن والدواب لفظ كراء، حيث قالوا الإجارة والكراء شيء واحد في المعنى غير انه يطلق على العقد على منافع الآدمي وما ينقل من غير السفن والحيوانات إجارة وعلى العقد على منافع ما لا ينقل كالأرض والدور وما ينقل من سفينة وحيوان لفظ كراء غالبا[4].

وعرف القانون عقد الإيجار بأنه:” عقد يلتزم بمقتضاه أن يمكن المستأجر من الانتفاع بشيء معين مدة معينة لقاء اجر معلوم”.

ونخلص من هذا التعريف القانوني على أن عقد الإيجار عقد رضائي ملزم للجانبين وانه عقد معاوضة مستمر ومحله التمكين من الانتفاع بالشيء المؤجر.

وجميع المذاهب الفقهية وأيضا القانونية نصت على أن يكون العوض معلوما.

ويشترط التعريف النظامي في عقد العمل الفردي وجود شرائط ثلاثة هي: تعهد العامل بالعمل.وان يكون هذا العمل لقاء اجر. وأن يكون هذا العمل تحث إشراف رب العمل.[5]

بينما يشترط التعريف الفقهي وجود عناصر مختلفة عن العناصر النظامية وهي أن يكون العمل مباحا . وأن يكون معلومية المنفعة، و معلومية الأجرة.

والأجرة هي احد أركان عقد إجارة الأشخاص عند جمهور الفقهاء، وهي عنصر أساسي من عناصر عقد الشغل في القانون، لا يتصور وجود هذا العقد بدونها وهي في نفس الوقت تعد التزاما على صاحب الشغل، وحقا للعامل.

ولقد اهتم الفقهاء بتعريف الأجرة وبيان جنسها، ثم ذكروا الشروط التي يتطلبها الشرع فيها، وتحديده إذا تطلب الأمر ذلك.

وعلى أي حال فالأجر – غالبا – هو أهم شيء في حياة العامل. وهو مورده الأول وربما الأوحد. فمعيشته هو ومن يعول – بضرورياتها وكمالياتها – مرتبطة على الأغلب بالأجر “لذلك كانت العناية بكل ما يدور حول الأجور أهم ما يشغل العمال”[6].

ومن هنا تحدث الإسلام عن العمل، وعن حق العامل في أن يستوفي أجره كاملا عليه إزاء إحسانه فيه . حيث نجد أنه أحاط العمل بأجر . بكثير من الضمانات وأفسح له أكبر المجال. وخص القائمين به بأوفر الحظوظ والحقوق. وهو في نظر الفقهاء على قسمين : عمل عام ويستحق القائم به الأجر تبعا لمقدار عمله وعمل خاص لا يستحق فيه الأجر إلا بمقدار استمراره، وقرروا أن أجور العمال تقدر بقيمتها أو بالمدة الزمنية التي قضاها العامل لإتمامها[7]، وذلك يختلف باختلاف الأعمال والأشخاص والأحوال والأعراف.[8]

وواجب الأجير المشترك[9] كواجب الأجير الخاص[10] هو الإخلاص والنزاهة وإتقان العمل، استنادًا إلى قوله عليه الصلاة والسلام: )إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه.([11]

ومن واجباته الوفاء بالوعد لقول الرسول صلى الله عليه وسلم، : »من استعملناه على عمل ورزقناه رزقا فما اخذ بعد ذلك فهو غلول[12] «  أي أنه لا ينبغي للعامل أن يأخذ أكثر من أجره، كما لا ينبغي لصاحب العمل أن يأخذ من العامل أكثر من الأجر الذي يقدمه له،[13] لأن تكاليف العمال لا يجوز إلا في نطاق القدرة البشرية ، ولا تكليف إلا بالمستطاع مصداقا لقوله تعالى : )لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها(.[14]

وفي ضوء هذا نستطيع أن نقرر أن الإسلام يتجه في تنظيم الأعمال إلى أن يكون تكليف العامل مقيدًا بكونه في طاقته. وأنه يمكنه الاستمرار عليه، فلا يكلف أقصى الطاقة .الذي لا يستطيع الاستمرار عليه وهو قوي معافى[15].

فإذا أراد رب العمل تشغيل العامل أكثر من طاقته[16] وجب إعطاؤه الأجر الإضافي عليه، ويكون داخلاً تحت قوله عليه الصلاة والسلام: “فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم[17] وإعطاؤه الأجر على العمل الإضافي إعانة بلا ريب.[18]

وفي ضوء ذلك تقف الشريعة الإسلامية مع التقليل من ساعات العمل ,  لكيلا يكلف العمال فوق طاقتهم , وتسلك في باب الإعانة كل تعويض إضافي يناله العمال إذا ضاعفوا عملهم وإنتاجهم.[19]

ومن توجيهات الرسول  صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن عن عدم الوفاء بالأجرة :قوله : ” إن إخوانكم خولكم[20] جعلهم الله تحث أيديكم, فمن كان أخوه تحث يده فليطعمه مما يأكل, وليلبسه مما يلبس, ولا تكلفوهم ما يغلبهم, فإن كلفتموهم مما يغلبهم فأعينوهم[21].

النهي عن عدم الوفاء بالأجرة:

ينهي الإسلام عن تشغيل العامل قبل تعريفه بأجره, حيث نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن استئجار الأجير حتى يبين له أجره, وقال في هذا الصدد :  “من استأجر أجيرا فليسم له أجرته“.[22]

فلا تجوز الإجارة إلا بإجارة مسماة معلومة وأجل معروف : أو ما يقوم مقام الأجل من المسافة فيما يحمل, أو توفية العمل بتمامه فيما يستعمل, وعمل موصوف أو عرف في العمل [23]والخدمة يدخل عليه المتاجرون فيقوم ذلك مقام الصفة يدل على ذلك قول الله – تعالى –)إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج([24]. فسمى الأجرة وضرب الأجل, وقال صلى الله عليه وسلم: “من استأجر أجيرا فليعلمه أجره“. وقال : “من استأجر أجيرا فليواجره باجر معلوم إلى أجل معلوم[25].

مقدار الأجرة :

كما عني الإسلام بتحديد الزمان مع تحديد الأجر[26], والتعجيل بدفع هذا الأجر, ولقد عقد الإمام البخاري في صحيحه مجموعة من الأحاديث يؤكد صيانة أجور العمال, وتعجيل أدائها إليهم, وتأمين نفقاتهم وضمان راحتهم, وحماية المجتمع لهم[27].

فقد ورد في الأثر قول النبي صلى الله عليه وسلم: ” أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه “.[28]

حيث يستنتج من هذا الحديث أن أداء الأجر لا يكفي, بل لابد من التعجيل بأدائه , لأن العمال بحاجة شديدة إليه, ذلك أن أداء الأجر في النظم الإسلامية أمر يدخل في مجال العقود التي أمر القران الكريم بالوفاء بها  في قوله – تعالى –)يا أيها الذين امنوا أوفوا بالعقود”[29] وكذلك قوله تعالى )وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم[30](. وأيضا )يا أيها الذين امنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل[31](, وقوله )إن الله يأمركم أن تودوا الأمانات إلى أهلها[32](. وقوله :)فإن امن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه[33](.

وكلها تشير إلى أن الاتفاق على الأجر نوع من التعاقد الشفوي الذي لا يقل دلاله عن التعاقد المكتوب, وبالتالي يستلزم الوفاء بالعقود والعهود يدخل في نطاق أكل أموال الناس بالباطل, ويدخل أيضا في نطاق خيانة الأمانة.

وقد ذكرت السنة في عبارات قاطعة أن ثلاثة يختصمهم الله يوم القيامة ومن بينهم صاحب العمل الذي استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه : “ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطى بي[34] ثم غدر ، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره “. وفي رواية أخرى : ” ولم يوفه أجره[35]“.

فقد استوجب هذا الحديث إنذار آكلي أجرة الأجير والمفرطين بها بحرب الله، فحذر من منع الأجور أو إنقاصها.

وبذلك يضمن الإسلام للعامل أن يستوفي أجره, الذي هو أحد الحقوق المقررة له دون أن يظلم في ذلك ودون أن تضيع ثمرات جهده، وعمله.

حق العامل في الحصول على ضرورياته :

تحديد الأجور في الإسلام يقوم على أساس أن يسع الأجر المطالب المعقولة للعامل، حيث يفرض في هذا الشأن قواعده الراسخة التي تحرم الغبن[36] حيثما كان , وتقرر في كل باب أن : »لا ضرر ولا ضرار[37]«  وتقرر أن المال لا ينبغي أن يكون للأغنياء وحدهم يستفردون به، يقول تعالى )كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم[38]( . وفي نور هذه القواعد العريقة , والأصول الحية , يمكن في سهولة تقرير الأجور المناسبة للعمال [39]وقد حدد رسول الله صلى الله عليه وسلمهذه المطالب المعقولة فيما روى عنه : ” من ولي لنا عملا وليس له منزل فليتخذ له منزلا , أو ليست له زوجة فليتزوج , أو ليس له خادم فليتخذ له خادما , أو ليست له دابة فليتخذ له دابة[40].

ويستخلص من هذا الحديث أنه  ينبغي أن يكفي اجر العامل تغطية نفقاته التي تكفل له سكنا يؤيه، وزوجا يسكن إليها ، وخادما يقضي له حاجاته , ووسيلة ينتقل بها بين عمله ومسكنه[41].

فكلما عمل الأجير شيئا مما استؤجر لعمله استحق – إذن – من الأجرة بقدر ما عمل , فله طلب ذلك وأخذه , لأن الأجرة إنما هي على العمل , فلكل جزء من العمل جزء من الأجرة “[42]

وتقدير الأجر على النحو الذي قدمنا لا ينطوي على جهالة مفضية إلى نزاع , لأن أجر المثل متعارف عليه , وقدر الحاجة يعرفه العامل , ويعرف تبعا لهذا إذا كان هذا القدر زائدا عن أجر المثل فيستحق اجر المثل أو ناقصا عنه فيستحق قدر الحاجة.[43]

وعليه فالأجر الذي لا يؤمن للعامل ذلك هو ظلم يأباه الإسلام، ومن واجب الحاكم العادل درؤه بالتسعير , أي بوضع حد ادني للأجور تؤمن للعامل الحاجات الأساسية لتأمين استمرار عيشه , وترتبط ارتباطا متلازما مع المستوى الاقتصادي العام للبلاد وأسعار الحاجيات , ويتفاوت الأجر فوق الحد اللأدنى بتفاوت طبيعة المهنة وكفاءة العامل ومهارته[44].

لذلك كان لزاما على الدولة أن تعمل على إبقاء سعر المنعة فوق الحد الأدنى للأجور، وهو حد الكفاية المعاشية للعامل ويتم ذلك بأسلوبين :

  • العمل على تشغيل اليد العاملة العاطلة على العمل للقضاء على البطالة , والوصول بالبلاد إلى مرحلة الاستخدام الكامل , حيث تشل الدولة بذلك فعالية قانون العرض والطلب في التحكم بسعر المنفعة في السوق.
  • زيادة اجر العامل عند التضخم النقدي بنسبة ما هبط من قيمة النقد. وفي حالة كون العامل كثير العيال والنفقات ولم يكفه ما ناله من اجر عادل , وجب على الدولة تأمين الكفاية له , لأن ضمان العامل الاجتماعي على الدولة وليس على رب العمل.

فإذا كانت مستويات الحياة[45] الاجتماعية والاقتصادية قد تباعدت أطرافها ومن ثم كثرت الحاجات , وزاد طموح الأفراد نتيجة لفيضان المبتكرات التقنية والإلكترونية الحديثة , بحيث أصبح العامل البسيط والعامل نصف الماهر , والعامل الماهر وغيرهم بحيث يريد كل منهم ان يسكن في أرقى الأحياء، وأن يكون له منزل كبير ومتسع ومملوء بالسلع الحضرية الحديثة مثل الثلاجة، والتلفزيون الملون وغيره،  فإن تحديد الأجر طبقا للقواعد الإسلامية السالفة الذكر ينبغي أن يكون تحديدا نسبيا بمعنى أن يختلف الأجر من عامل إلى أخر طبقا لدرجة مهارته ومدى خبرته , ومدى خدمته في العمل , ومؤهله الدراسي , بشرط ألا يصل أقل أجر إلى ما يعرف بالآجر الحدي , أي الأجر الذي لا يكفي لضمان العيش دون الادام، بمعنى ألا يكون فيه ظلم للعامل، أو لصاحب العمل , وان يتدرج الأجر في الارتفاع طبقا لإمكانات المجتمع الاقتصادية, فالأجور تقدر بقيمة العمل وبما يكفي العامل وأهله بالمعروف من غير تقتير ولا إسراف.

فالتمادي في قانون الأجر الحدي، واستغلال وفرة العرض أحيانا من جانب بعض القطاعات العاملة، وإعطاؤها أجرها دون حد الكفاية[46] يعد خللا في روح التكافل الإسلامي، واستخدام آليات السوق يجب ألا يكون منافيا للقيم الإسلامية خاليا من المشاعر الإنسانية.

ولعل هذه نقطة افتراق يتميز بها المجتمع الإسلامي من غيره من المجتمعات والعامل وإن قبل أجرا دون كفايته تحث ضغوط الحاجة ,  باعتبار مركزه الضعيف ,  فإنه سيظل في توتر دائم.

وقد وضع الإسلام حلا لهذا يتلاءم مع العدالة وحكمة التشريع، فقرر فساد القد للاضطرار،  وإعطاء العامل اجر المثل لقوله تعالى :)ولا تبخسوا الناس أشياءهم[47](.

وأوجب على الحاكم المسلم التدخل لحماية العامل وتقدير أجره , وقد جاء في الدر المختار : “بيع المضطر وشراؤه فاسد[48]” فإن احتاج امرؤ إلى ما يسد رمقه هو وأفراد أسرته فاستغله صاحب العمل بأقل من أجر مثله , فالواجب رفع البدل إلى مقداره تحقيقا للعدالة التي يطلبها الإسلام , وإن من القواعد الفقهية : أن الضرر يزال.[49]

وإلزام الدولة بضمان هذه الحقوق للعامل قائم على أساس مسؤوليتها عن رعيتها والتي قررها الإسلام، ويبدو ذلك واضحا في قول الرسولصلى الله عليه وسلم:“كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعتيه، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته ..[50]” فتوفير ما يحتاج إليه الناس ويتطلبونه أمر مقرر على الدولة لجميع أبنائها ومنهم العاملون.[51]

وهناك نقطة أخرى يجب ان أشير إليها وهي تتعلق بفساد العقد،, ففي حالة فساد العقد لا يسقط الأجر لفساده، فالعامل في حالة الإجارة الفاسدة أجر المثل بالغا ما بلغ، حيث يقول الكاساني: إن أجر المثل يجب في المزارعة الفاسدة، وإن لم تخرج الأرض شيئا بعد أن استعملها المزارع …”.[52]

ويضيف إلى أن : “الأصل في الإجارة وجوب أجر المثل لأنها عقد معاوضة , وهو تمليك المنفعة بعوض , ومبنى المعاوضات على المساواة بين البدلين , وذلك في وجوب اجر المثل , لأن المثل الممكن في الباب , إذ هو قدر قيمة المنافع المستوفاة , إلا أن فيه ضرب جهالة، وجهالة المعقود عليه تمنع صحة العقد، فلا بد من تسمية البدل تصحيحا للعقد، فوجب المسمى على قدر قيمة المنافع أيضا، فإذا لم يصح العقد لفوات شرط من شرائطه وجب المصير إلى البدل الأصلي للمنافع وهو أجر المثل , ولهذا إذا لم يسم البدل أصلا في العقد وجب أجر المثل بالغا ما بلغ”.[53]

وإن كان الفساد بسبب فقدان شرط من شروط صحة العقد[54]، فيجب أجر المثل بشرط ألا يتجاوز الأجر المسمى في العقد.[55]

وإذا فسد العقد في شركة الأبدان والأموال اقتسم الشركاء الربح على قدر رءوس أموالهم،  ورجع كل واحد منهم على الأخر باجر عمله[56].

وطبيعي أن يأخذ العامل من أجر المثل أو ربح المثل بقدر ما إذا فسخ العقد – لفساده – قبل تمام العمل، وهكذا لا يضيع عمل العامل أو يسقط أجره لفساد العقد سواء أكان العقد إجارة أو شركة من الشركات بمختلف أنواعها، ذلك أن العمل حرمة، كما يقول ابن حزم – والحرمات قصاص، يقول – تعالى – :) والحرمات قصاص [57]( ومن حق العامل أن يقتص بمثل عمله [58]وللعامل – كما يرى البعض – حبس العين بعد الفراغ حتى يقبض الأجر[59]، ولا يحتاج في هذا إلى حكم حاكم[60].

وإذا حبس العين لاستيفاء الأجرة بقي الضمان بحالة ضمان أجير مشترك لا ضمان غصب[61]، بمعنى انه لا يضمن التلف الناتج عن أمر غالب لا حيلة له في دفعه[62]، ذلك أن العمل يجري مجرى الأعيان، ولهذا يقابل بالعوض، فصار العامل كأنه شريك لمالك العين بعمله, فأثر عمله قائم بالعين فلا يجب عليه تسليمه قبل أن يأخذ عوضه[63].

وإذا سقط الضمان عن العامل لقيام اليينة على أن المنفعة هلكت منه بسبب خارج عن إرادته, وجب له الأجر في رأي البعض، لأن “المصيبة إذا نزلت بالمستأجر وجب أن لا يمضي عمل الصانع باطلا[64]” ولم يجب في رأي البعض، لأن إلزام المستأجر بالأجر مضاعفة لغرمه، وإعفائه منه تخفيف من هذا الغرم ,فالأجرة إنما استوجبت في مقابلة العمل[65].

والذي نرتضيه هو أن المستأجر إنما يلزم بالأجرة إذا وقعت المنفعة مسلمة إليه، فإذا لم تسلم , لم يلزم بالأجر لأن التزام المستأجر بالمنفعة على منفعة لم يتسلمها إلزام له بعوض ليس له مقابل , وهذا مخالف لمقتضى العقد، فهو عقد معاوضة، وسواء في ذلك أن يكون حرمانه من المنفعة بسبب يوجب الضمان على  العامل أو لا يوجبه , فالعبرة بالتسليم لا بسبب هلاك المنفعة.

وإذا اختلف الصانع ورب المتاع في دفع الأجرة، فالمشهور في المذهب المالكي أن القول قول الصانع مع يمينه[66] وتسقط الأجرة أيضا بالبطلان الكلي الدائم للمنفعة بتعذر أدائها أصلا طيلة الفترة المتعاقد عليها، فإذا مرض العامل مرضا يعجزه عن أداء العمل بالكلية مدة العقد انفسخت الإجارة , كمثل انفساخها بخراب الدار أو غصبها وما أشبه ذلك[67].

ويذهب الشافعية إلى أنه ” لا يؤثر عذر المستأجر كمرضه وعجزه عن وقود الحمام وتركه الحرفة، إذ لا خلل في المعقود عليه “[68] .

أما الحنفية فذهبوا إلى أن الإجارة تنفسخ بالأعذار كالمرض، أو العجز أو حاجته إلى العين المستأجرة لبيعها في الدين أو السفر[69].

فإذا لم تزل المنفعة المعقود عليها بالكلية، وإنما تعيبت، كأن يصاب العامل بعاهة تقلل إنتاجه، لم تنفسخ الإجارة، وللمستأجر خيار الفسخ، إن شاء أمضى العقد، وإن شاء فسخه للعيب[70].

فإن رضي بالعامل، رغم عيبه، ولم يفسخ، فقد لزمه جميع الأجر ” لأنه رضي به ناقصا أو معيبا , فأشبه ما لو رضي بالمبيع معيبا “[71].

وللمستأجر الحق في إسقاط الأجرة عن الأجير مدة عجزه من أداء المنفعة كما أن للأجير الحق في استئناف العمل بعد شفائه , والى أن تنتهي الفترة المتعاقد عليها.

وإذا امتنع العامل عن إتمام العمل دون عذر فالعبرة في نظر بعض علماء الفقه [72]بالنص على مقدمات العمل في العقد، فإذا نص عليها استحق العامل من الأجرة بقدر ما فعل، وإذا نص على بلوغ الغاية من العمل دون المقدمات لم يكن للعامل شيء، فالصانع والأجير ليس لهما أجرة إلا بعد التمام , ففي المدونة : ” وإذا أراد الصناع والأجراء تعجيل الأجر قبل الفراغ , وامتنع رب الشيء حملوا على المتعارف، فإن لم يكن لهم سنة[73] لم يقض لهم بشيء إلا بعد الفراغ “[74].

ويذهب آخرون[75] إلى العبرة بإمكان الانتفاع بمقدمات العمل , فإذا كانت المقدمات التي أتمها العامل مما ينتفع به، استحق العامل بقدر ما عمل وإلا سقط حقه في الأجر :

“فالخياط الذي يخيط له في منزله قميصا فإن خاط له بعضه لم يكن له أجرته , لأن هذا العمل لا ينتفع ببعضه دون بعضه، فلا تلزم الأجرة إلا بتمامه”.[76]

ومقتضى هذا الرأي انه إذا تعاقد مع عامل على بناء بيت من طابقين ر أو ثلاثة فبنى العامل طابقا واحدا وامتنع عن العمل لغير عذر استحق أجر بناء هذا الطابق لأنه مما ينتفع به بسكنى صاحبه له , أو بتأجيره للغير.

وربما جاز القول بأن الرأي الأول يضيع على العامل ما أنجزه من عمل وهو من جانب المستأجر “أكل” لأعمال الناس بالباطل فلا يجوز.

ولذا فالرأي المختار في نظرنا هو أن يكون للعامل من الأجر بقدر ما أنجزه من العمل بما ينتفع به , على أن يضمن ما قد يؤدي إليه امتناعه عن العمل من أضرار بالمستأجر, فبهذا لا يذهب عمل العامل باطلا , ولا يضار المستأجر , ويكون الضمان رادعا عن النكث.

هذا باختصار وجيز ما يمكن أن نقوله حول حماية أجر العامل في الإسلام، وهناك أشياء أخرى لم أتعرض إليها نظرا لضيق الوقت المخصص للمداخلة , ولهذا سنحاول أن نعود إلى الموضوع مرة أخرى لتناول الجوانب التي أغفلناها، ولتتميم الكلام عن ملحقات الأجر كالطعام والكسوة والسكنى وغير ذلك.

أرجو أن أكون قد وفقت في تناول هذا الموضوع, والله تعالى اسأل أن يعينني على إتمام ما بقي منه.

الخلاصة : 

هدا باختصار وجيز م وقف الفقه الإسلامي وهو ما دفعني الى الكتابة في هذا الموضوع بالذات وهو غياب الكلام عن موقف الشريعة الإسلامية وفقهها من خلال المؤلفات المتعلقة بالقانون الاجتماعي مما قد يظن معه أن الشريعة لم تعرف هذا الموضوع.

ولكن الذي يرجع إلى مصادر الشريعة الإسلامية سيفاجأ عندما يجد قواعد ونظريات متكاملة حول ما يسمونه بالقانون الاجتماعي, أو قانون الشغل, وهي قواعد ونظريات لم تصل إليها التشريعات الوضعية إلا مؤخرا.

فالإسلام بنصوصه وروحه دستور ونظام, عقيدة وشريعة, وهو يعمل للدارين الآخرة والأولى، وهما فيه موصلتان.

والفقه الإسلامي شقان متكاملان متلازمان : عبادات ومعاملات, وللعمل في الإسلام شرف كبير ليس له مثله في غيره من الأديان. والأجر – الذي هو موضوعنا – غالبا أهم شيء في حياة العامل, فهو مورده الأول , وربما الأوحد , فمعيشته هو من يعول – بضرورياتها وكماليتها – مرتبطة على الأغلب بالأجر لذلك كانت العناية بكل ما يدور حول الأجور أهم ما يشغل بال العمال.

ويحبذ الإسلام التعجيل بدفع أجر العامل , حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه “. على ما تقدم.

والقواعد الإسلامية تنظم هذا الموضوع وتحيط بجوانبه الاجتماعية والاقتصادية لتضمن للعامل والدولة , ورب العمل حقوقهم بصورة عادلة غير منقوصة.

ولهذا حاولت في هذا البحث المتواضع, وضع دراسة تأصيلية شاملة لهذا الموضوع الشائك, وسد فراغ محتمل في مكتبة الفقه الإسلامي بوضع أساس دراسة متخصصة تبحث الجوانب المختلفة ” لصيانة أجور العمال في الشريعة الإسلامية “.

الفصل الثاني:  الحماية التشريعية لأجر العامل في مدونة الشغل

اهتم المشرع المغربي بالآجر وحمايته،وأولاه حماية خاصة وأحاطه بحماية عندما يكون الأجير دائنا أو مدينا، وخصص له جزء مهما من النصوص القانونية في مدونة الشغل[77]بحيث نظم حماية الأجر من كل ما يمكن أن يؤثر عليه سواء كان من ناحية المشغل أو الأغيار في المواد من 345 إلى 395  من مدونة الشغل.

فالمقتضيات الحمائية الكفيلة بتمكين الأجير من الحصول على أجره الكافي لتوفير الاستقرار المعيشي الذي يطمح إليه تشمل تلك التي تستهدف توصله باجره الكامل وعدم الإنقاص منه إلا في حدود ضيقة يضبطها القانون كما تشمل الضمانات القانونية التي تهدف إلى حمايته من إنهاء عقد شغله، أو تقليص قيمة الأجر الذي يتوصل به تحت ذريعة الإكراهات ذات الطابع الاقتصادي.

وقد اهتمت قوانين الشغل المعاصرة بموضوع الأجر ووسائل حمايته، وتتجاذب هذا الاهتمام مقاربتين رئيسيتين:المقاربة الاجتماعية والمقاربة ألاقتصادية ونظرا لهذه الأهمية التي يتميز بها الأجر فقد خصته مدونة الشغل بحماية متميزة، سواء من خلال القسم الخامس منها، أو من خلال بعض المقتضيات الموزعة بين مجموعة من المواضيع التي عالجتها أخذة بعين الاعتبار التوفيق بين المقاربة الاقتصادية والاجتماعية.

فبالنسبة للأهمية الاجتماعية فهو يعتبر الوسيلة التي يعتمد عليها الأجير في حياته اليومية ومعيشته وذلك من اجل التقليص من النظرة العقدية للأجر.من اجل ذلك لم يعد من الممكن الوقوف عند مجرد النظرة إلى هذا الأجر كمقابل للعمل مهما كان قدره، وإنما صارت التشريعات المقارنة تحرص على أن يضطلع بوظيفته الاجتماعية،المتمثلة في سد حاجات الأجير وأسرته  باعتباره مورده الأساسي إن لم يكن الوحيد لضمان حد ادني من الحياة الكريمة ، لذلك أصبح اليوم يقال أن للأجير وظيفة اجتماعية معيشية.

أما فيما يخص الأهمية الاقتصادية فهو يعتبر عنصر جوهري في تحديد تكلفة الإنتاج التي تتأثر بدورها بمستوى الأجور ارتفاعا وانخفاضا.

ووعيا من المشرع المغربي بأهمية الأجر بالنسبة للأجير والذي يعتبر الطرف الضعيف في العلاقة الشغلية والدور المعيشي للآجر لذلك خصص  نصوصا آمرة  تهدف الى حماية الأجر من المشغل الذي قد يستغل مركزه كطرف قوي ويقوم بالضغط على الأجير مما يؤدي إلى الانعكاس سلبا على أهم مصدر عيش للأجير.وذلك للحفاظ على الصفة المعيشية، فالأجير قد يكون مدينا للمؤاجر فيلجا هذا الأخير من اجل استخلاص ديونه للقيام بمقاصة، وقد يكون الأجير مدينا للغير فيقوم هؤلاء بالحجز على الأجر من اجل استيفاء  ديونهم.وقد يكون الأجير دائنا للمؤاجر بالأجر فيدخل ضمن كتلة الدائنين الذين قد تزيد ديونهم على أموال المؤاجر ولا يبقى للأجير شئ لاستبقاء أجره. وكل من هذه الحالات تستوجب وقفة لمعرفة الكيفية التي ينبغي أن يتم بها الاقتطاع من الأجر للحفاظ على دوره المعيشي.

وهذه الحماية تتجسد أولا من الحماية من ألاقتطاع فالمادة 357 من ق ل ع تنص على انه:”تقع المقاصة إذا كان كل من الطرفين دائنا للأجير ومدينا له بصفة شخصية…)، “وان يكون كل من الدينين محدد المقدار ومستحق الأداء(المادة 362)

فقد يضطر الأجير لاقتراض مبلغ من المال من المؤاجر بمناسبة عيد أو بمناسبة ازدياد مولود أو قد يقترض لظروف خاصة أو قد يشتري مواد من مخازن العمل على أساس أن هذه الديون سيتم اقتطاعها على مراحل من أجره وقد يقوم المؤاجر بتقديم تسبيقات للأجير.

فالمشغل يمكن أن يقوم  بمقاصة بين ماله من حق قبل الأجير وبين ما هو دائن له من اجر لكن هذا أمر غير متيسر لأنه من جهة سيضر بالأجير وبآسرته ومن جهة أخرى فان المادة 385 من مدونة الشغل تنص على انه :” لا يمكن للمشغلين أن يجرو لحسابهم أي مقاصة بين ما عليهم لأجرائهم من أجور وبين ما قد يكون على هؤلاء الأجراء من ديون لقائدتهم مقابل مدهم بمختلف اللوازم أيا كان نوعها باستثناء…”.

على انه يؤخذ على المادة 385 أنها تتسم  بعدم الوضوح والدقة لأنها تتناول المنع من إجراء المقاصة بين ما يكون للإجراء من أجور وبين ما قد يكون عليهم مقابل مهم بمختلف اللوازم وآيا كان نوعها هذا مع العلم أن تقديم السلفة منظم في المادة 386 والتي تخالف مقتضيات المادة 385 .لكن بالرجوع إلى الفقرة الثانية من المادة 385 نجدها أوردت ثلاث استثناءات وهي:

  • الأدوات أو المعدات اللازمة للشغل.
  • المواد واللوازم التي تسلمها الأجير والتي توجد في عهدته.
  • المبالغ المدفوعة إليه مسبقا لشراء تلك الأدوات والمعدات والمواد واللوازم.

هذا ومما ينبغي ملاحظته هنا أن المادة 386 من المدونة تناولت ما قد يقدمه المشغل من سلفة إجرائه وألزمته بأنه لا يمكن له أن يسدد تلك السلفة إلا على شكل أقساط بالتتابع تقطع من الأجر على أن لا تتجاوز عشر الأجر ، لكن نجد هذه المادة في فقرتها الأخيرة أنها لا تدخل السلفة في الأقساط المسبقة من الأجر، هذا يوحي بأنه إذا كانت السلفة فوق عشر الأجر فانه يمكن للمشغل أن يقتطع من عشر الأجر أكثر من مرة واحدة.

كما أن مدونة الشغل منحت المشغل سلطة صلاحية توقيع عقوبة تأديبية على الأجراء المخالفين لمقتضيات المدونة أو عقد الشغل أو الاتفاقية الجماعية أو النظام الداخلي.

على أنه إذا سمح للمشغل بالاقتطاع من الأجر في هذه الحالة تكون قد ضربت مدونة الشغل الذي جاءت بقواعد آمرة تنص بالنظام العام حيث نجد المادة 360 من المدونة تنص على انه :”يكون باطلا بقوة القانون كل اتفاق فرديا كان أو جماعي يرمي إلى تخفيض الأجر لما دون الحد الأدنى القانوني للأجر”.

الحماية من الضغط الاقتصادي للمشغل:

كما أن الحماية من الضغط الاقتصادي تعتبر من أهم صور الحماية القانونية للأجير ، لان المشغل قد يلجا إلى هذه الوسيلة لاستغلال السلطة الاقتصادية عليهم لكي يفرض عليهم إنفاق أجورهم إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. هذا ونجد أن المشرع المغربي اهتم بهذا النوع من الممارسات التي قد يتعرض إليه الأجير وتصدى له بالمنع في المواد 392 و394 في الباب الخامس.

[1]– رفع الإسلام العمل الدنيوي إلى مرتبة العبادة عامة . والجهاد في سبيل الله خاصة. ولو لم تكن للعمل الحلال قدسيته التي تقارب قدسية العبادة لما سمى – سبحانه – الإيمان تجارة يقول – تعالى –)هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم( سورة الصف. من الآية  10. وقرنت العمل بالصلاة في قوله :)فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله(. (سورة الجمعة من الآية10  ). وبالجهاد إذ يقول :)وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله(. (سورة المزمل من الآية20  ) . ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام : “من بات كالا من عمله بات مغفورا له”. (فتح الباري  244/) ويقول : “من بنى بنيانا من غير ظلم ولا اعتداء أو غرس غرسا في غير ظلم ولا اعتداء. كان له أجر جار ما انتفع به من خلق الله تعالى”. الإمام أحمد بن حنبل : المسند438/3 (. وغير ذلك من الأحاديث الأخرى التي لا يسمح لنا المقام باستعراضها جميعها.مجلة البحوث الفقهية المعاصرة  * السنة الرابعة – العدد الخامس عشر

[2]– إذا كانت منفعة المال لمن يملك و لمن لا يملك ، فالمالك كالعامل سوء بسواء، كلاهما له مصلحة في المال و كلاهما له مصلحة في العمل فيه، فالمالك إن بدت له مصلحة في العمل في ماله فالعامل له مصلحة في العمل في ماله فالعامل له مصلحة حقيقية كذلك في مال المالك، عدا انه يؤجر على عمله فيه،  وهي مصلحة المشاركة في منفعته العامة، فهو على فرض سيعجز عن العمل فمصلحة  المشاركة في منفعته العامة باقية له “من بحث الدكتور محمد البهي بمجلة الاعتصام القاهرية عدد رجب 1396 هـ و انظر أيضا الشيخ أبا الوفا الرفاعي، من قضايا العمل و المال في الإسلام ص 36.

[3]. د. زيدان عبد الباقي، العمل والعمال والمهن الحرة، مكتبة وهبة (بدون سنة طبع)، ص 100 وما بعدها.

[4]– الدسوقي على الشرح الكبير ،ج4 ص1 وما بعدها.

[5]– راجع موسى عبود، القانون الاجتماعي، ط 1 ، ص 125 وما بعدها.

[6]– لبيب السعيد، دراسة إسلامية في العمل والعمال، ص85 ، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر.

[7]– صبحي الصالح، معالم الشريعة الإسلامية، ص 319 ،الطبعة الرابعة 1982 ، دار العلم للملايين.

[8]– أبو زهرة في المجتمع الإسلامي، ط 1، ص57، وما بعدها.

[9]– الأجير المشترك هو الذي يعمل لعامة الناس، أو هو الذي يستحق الأجرة بالعمل لا بتسليم النفس كالصباغ، والحداد، والكواء والصانع، والطبيب، ونحو ذلك، انظر البدائع، ج 4، ص174، الزيلعي، تبين الحقائق شرح كنز الدقائق، ج،5 ص 133.

[10]– الأجر الخاص هو الذي يعمل لشخص واحد مدة معلومة، أو هو الذي يستحق الأجر بتسليم نفسه في المدة وإن لم يعمل كالخادم المنزل ،و الأجير في المحل، أنظر: الكاساني في البدائع ج 4 ص 174.

[11]– للبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة، وأنظر جلال الدين السيوطي، الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير، المجلد الأول، ص 284 دار الفكر بيروت 1401 هـ 1981 م.

[12]– أخرجه أبو داود 2943 في الخراج والإمارة والفيء، باب أرزاق العمال، وأخرجه البغوي في شرح 963 السنة مد / 89  وذكره القرطبي في تفسيره261/4 -272.

[13]– زيدان عبد الباقي، العمل والعمال والمهن في الإسلام، ص104.

[14]– سورة البقرة من الآية 285 .

[15]– أبو زهرة في المجتمع الإسلامي، ص57.

[16]– فإذا قررت الدولة بناء على مائت علميًا – من أن العمل يجب أن يكون ثماني ساعات في اليوم أو أكثر من ذلك أو أقل، وجب التقيد بذلك.

[17]– أنظر : فتح الباري ج 5 ص 175.

[18]– مصطفى السباعي، اشتراكية الإسلام، ص 172 وما بعدها.

[19]– صبحي صالح، المرجع السابق،ص319.

[20]– والخول هم الخدم سمو بذلك لأنهم يتخولون الأمور أي يصلحونها منه الخولي لمن يقوم بإصلاح البستان .

[21]– رواه البخاري ومسلم، أنظر فتح الباري، ج 9 ص 175، جامع الأصول وما بعدها النووي على مسلم، ج  11ص 132 وما بعدها فيض القدير 221/1 المعجم المفهرس، ج 2 ص 90.

[22]– سنن النسائي، كتاب رقم35 باب 44 الشوكاني نيل الأوطار، ج 5 ص 329، ابن حجر، بلوغ المرام من أدلة الأحكام، ص113.

[23]– ابن الجلاب، التفريغ، ج 2 ص 184.

[24]– سورة القصص من الآية 26.

[25]– ابن رشد(الجد)، المقدمات الممهدات، ج 2 ص 166/ 2 ، طبعة دار الغرب الإسلامي.

[26]– لفظ الإجارة مأخوذ من الأجر وهو الثواب فمعنى استأجر الرجل الرجل أي استعمله عملاً بأجرة، أي بثواب يثيبه على عمله، أنظر ابن رشد الجد المقدمات 163/2.

[27]– لقد نقل هذا القسم كما يحكي صبحي الصالح  – إلى الفرنسية وعلق على الأستاذ بولتير، وأقر كل قراها من قراءة واعية بأنها سبقت أحدث التحديدات لحقوق العمال بتعبيرها الاجتماعي الشامل وصياغتها الاقتصادية الدقيق.

Poltier, œuvres diverses de Bukhari , cham . xv . Livre des ventes , Paris

[28]– الصحاح أبواب الإجارة، وكذلك أبواب الإجارة في كتب الفقه، وذكره البغوي في المصابيح، وعده من الصحاح، وفي البخاري أحاديث أخرى بمعناه، لكن الحديث بهذا اللفظ هو المشهور، ورواه ابن ماجه في سننه، ج 2، ص 817، كما رواه الطبراني في الأوسط وانظر الترغيب والترهيب، ج 3 ص 58، السيوطي الجامع الصغير،ج 1 ، ص 175.

[29]– سورة المائدة، الآية  10.

[30] – سورة النحل، الآية 91.

[31]– سورة النساء، الآية  29.

[32]– سورة النساء، الآية 58.

[33]– سورة البقرة،الآية 283.

[34]– أي حلف باسمي وعاهد،أو أعطى الأمان باسمي، وبما شرعته من ديني.

[35]– البخاري، كتاب27 باب 10، فتح الباري، ج 4 ص 447، الشوكاني، نيل الأوطار ، ج 5 ص 331، الترغيب والترهيب، ج 3 ص57  وما بعدها.

[36]– الغبن هو الضرر أو الخسارة المالية التي تلحق المتعاقد في عقد المعاوضة إذا كانت قيمة ما أخذه اقل من قيمة ما أعطاه بموجب العقد وفي لحظة تكوين العقد (لمزيد من التوسع أنظر : بدر جاسم اليعقوب، الغبن في القانون المدني الكويتي، ص 20  ،الطبعة الأولى  1987جامعةالكويت).

[37]– أخرجه مالك في القضاء 31، واحمد في المسند327/5 والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن. وابن ماجة في الأحكام  2341 -2340، والدارقطني (المنتقى، ج6 ص 40،المسندج5 ص327ـ (فيض القدير ج 6 ص432 ، الأشباه والنظائر لابن نجيم بشرح الحموي، ج 1ص 118 يرجاص، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 83 المعجم المفهرس، ج 3 ص 497 .

[38]– سورة الحشر،من الآية 7.

[39]– أنظر:  لبيب السعيد المرجع السابق، ص 86.

[40]– أنظر 191 ) أبو داود المسند الطبعة مصطفى البابي الحلبي ( 195 ح؟ / 137 وانظر 4 ،الأموال الأبي ص 338 عبيدة.

[41]– الشيخ محمد البهي الخولي،  الإسلام: إلا رأسمالية ولا شيوعية، ص92.

[42]– ابن حزم، المحلى، ج / ص 14 ،دار الكتب العلمية.

[43]– جمال الدين عباد، المرجع السابق، ص11.

[44]– راجع محمد فهر شقفة، المرجع السابق، ص90.

[45]– أما المعيار الذي تقاس به ضرورات  الحياة فقد أبانه الرسول صلى الله عليه وسلم  في أكثر من حديث فقد روي عن ثوبان – رضي الله عنه – قال : ” قلت لرسول الله : ما يكفيني ? قال : ماستر جوعتك ووارى عورتك، وإن كان بيت يظلك فذاك، فإن كان له دابة  :قبخ  أي حسنا “.  وروي عن عثمان – رضي الله عنه – أن النبي قال :” ليس لابن ادم حق فوق هذه الخصال : بيت يكنه، وثوب يواري عورته، وجلف الخبز والماء”. (رواه الترمذي). هذه الأحاديث أوضحت حق الضرورة الذي يكون التفريط في جزء منه تفريط في حق أساس من حقوق الحياة : مأكل وملبس ومسكن.

[46] – وقياس حد الكفاية وحدود الأجر المناسب له من الضرورات التشريعية الهامة التي ينبغي أن تتضمنها التشريعات الاقتصادية بحيث لا يجوز استخدام عامل دون ضمان له ضروريات الحياة.

[47] – سورة الأعراف، الآية 85.

[48]– ابن عابدين، رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار.

[49]– لمزيد من التفصيل انظر : محمد المبارك ، تدخل الدولة الاقتصادي في الإسلام ، في الاقتصاد الإسلامي، بحوث مختارة من المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي، جامعة الملك عبد العزيز ، جدة   1400  -1980 ص 200 وما بعدها، محمد فهر شقفة، المرجع السابق،  ص 74   وما بعدها.

[50] – رواه البخاري ومسلم..

[51] – عبد الكريم زيدان،  الفرد والدولة في الشريعة الإسلامية،  ص74 ، الطبعة الثانية 1970/1390.

[52]– الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، ج 6 ص 183،  تبين الحقائق، ج5 ص 143 ابن عابدين، رد المحتار على الدر المختار، ج 5 ص 53  ،  زكي عبد البر،, نظرية تحمل التبعة في الفقه الإسلامي،  ص115.

[53]– الكاساني ، المصدر السابق، ج 6، ص 183.

[54] كعدم الرضا في العقد , أو كون الأجرة مالا غير متقدم , أو جعالة المنفعة أو محمل المنفعة أو المدة.

[55] تنص المادة   462 من مجلة الأحكام العدلية العثمانية على أن : فساد الإجارة ينشأ بعضه عن جهالة البدل وبعضه عن فقدان شرائط الإجارة.

ففي الصورة الأولى يلزم أجر المثل بالغا ما بلغ , وفي الصورة الثانية يلزم أجر المثل بشرط أن لا يتجاوز الأجر المسمى”.

[56]– ابن رشد (الحفيد)،  بداية المجتهد ونهاية المقتصد،ج2 ص 242،  ابن القيم، إعلام الموقعين، ج 1 ص 386 . الجصاص، أحكام القرآن،  ج2 ص 66 ، ابن قدامة، المغني ج5 ص 17.

[57] – سورة البقرة , من الآية 194.

[58] – ابن حزم، المحلي ج7 ص 15.

[59]– الكاساني، المصدر السابق  ج 4 ص 205  وما بعدها.

[60] – اختلف الفقهاء حول إمكانية ملك الأجير حبس العين بعد العمل على الأجرة على ثلاثة أقوال : أحدها : يملكه في الموضعين , وهو قول مالك وأبي حنيفة وهو المختار. والثاني : لا يملكه في الموضعين وهو المشهور من مذهب أحمد عند أصحابه. والثالث : يملك حبس العين المستأجرة على عملها , وأن العمل يجري مجرى الأعيان ولهذا يقابل بالعوض , فصار كأنه شريكا لمالك العين بعمله فأثر عمله قائم بالعين فلا يجب عليه تسليمه قبل أن ياخذ عوضه (ابن القيم , المصدر السابق    27/4 وما بعدها). ومنهم من ذهب الى أن الأجرة قد صارت في الذمة , ولم يشترط رهن العين عليها فلا يملك حبسها (ابن القيم المصدر السابق 27/4  )

[61]– اختلف الفقهاء في مسألة تضمين الأجير :

)أ) فذهب أبو حنيفة وزفر والشافعي في أظهر قوليه الى عدم ضمان الأجير سواء كان خاصا او مشتركا.

(ب) وذهب مالك واحمد وأبو يوسف ومحمد والشافعي في قوله الثاني الى الفرق بين الأجير المشترك والخاص، حيث قالوا ان الأجير المشترك الذي نصب نفسه للعمل ويتقبل في ذمته كالخياطين والصباغين ضامنون لما حدث في السلعة.

وأما الأجير الخاص – أي الذي يعمل في منزل صاحب السلعة أو عين عليه العمل وموضعه فليس  بضامن عندهم جميعا إلا إذا تعدى , وهذا مروي عن عمر وعلي – رضي الله عنهما – (راجع في تفصيلات هذه المسألة وشروط الضمان وتعاريف الأجير لدى كل مذهب : البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم  30/8 مواهب الجليل , والتاج والإكليل   427/5 والخرشي مع العدوى 27/7 , وبداية المجتهد204/2 , وقوانين الأحكام الفقهية ص 364 , وروضة الطابين 227/5 , ونهاية المحتاج 311/5 , والمغني لابن قدامة524/5  , المحلي15/7 .

[62]– ابن مفتاح : شرح الأزهار 282/3

[63] – إعلام الموقعين ج4 ص 27  دار الحديث

[64] – ابن شرد (الحفيد)،  المصدر السابق 203/2

[65] – ابن شرد (الحفيد)،  المصدر السابق 203/2

[66] – بداية المجتهد 204/2.

[67]– شرح الأزهار  294/3  البدائع 179/4.

[68]– البيضاوي، الغاية القصوى في دراية الفتوى ج 2 ص 627.

[69] – ابن نجيم، البحر الرائق 42/8.

[70] – ابن قدامة، المصدر السابق  ج 5 ص 416  الرملي : نهاية المحتاج ج 4 ص229.

[71] – ابن قدامة، المصدر السابق  ج 5 ص 419 .

[72] – ابن قدامة، المصدر السابق  ج 5 ص 414  شرح الأزهار ج 3 ص 291.

[73]– سنة يعني عرف جار , لأن العرف كالشرط (البديع ج 2 ص 76  ).

[74]– الدردير : في الشرح الكبير ج 4 ص4.

[75]– البدائع205/4.

[76]– البدائع205/4.

[77]– ظهير شريف رقم 1.03.194 الصادر في 4  رجب 1424،شتنبر 2003 بتنفيذ القانون 65.99 المتعلق بمدونة الشغل،الجريدة الرسمية عدد 5167   بتاريخ 8  دجنبر 2003، ص 3969.