مركز إدريس الفاخوري للدراسات والأبحاث في العلوم القانونية وجدة

الجانب الحمائي للمكتري في ضوء القانون 49.16

دة.صليحة حاجي

أستاذة التعليم العالي بكلية الحقوق بوجدة

هذا المقال منشور في العدد الأول * أكتوبر 20218* من مجلة فضاء المعرفة القانونية التي تصدر عن المركز.

 

 

مقدمة

جاء القانون 49.16 المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي، بعد سنوات من الركود داخل ردهات الأمانة العامة للحكومة، لجمع شتات النصوص المنظمة لهذا المجال والتطرق لما أغفله ظهير 1955 المتعلق بكراء المحلات التجارية، وكذا لتوحيد الاجتهاد القضائي الذي كان يطبعه التضارب بخصوص الكراء التجاري.

إضافة لهذا فالقانون الجديد يساهم بشكل كبير في تعزيز الترسانة القانونية في مجال الكراء، وتشجيع الاستثمار، وضمان استقرار المعاملات وتحقيق التوازن في العلاقة الكرائية.

فقد جاء هذا القانون مؤلفا من إحدى عشر بابا شاملة لكافة التصرفات التي من الممكن أن تطرأ عن كراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري او الصناعي او الحرفي.

يمكن القول بان هذا القانون جاء بنظرة توقعية لما يمكن أن يحصل بعد إبرام عقد الكراء، ومن ذلك حالة مراجعة الوجيبة الكرائية والحق في تجديد العقد، إضافة إلى حالات الحق في الرجوع وكذا إفراغ السكن الملحق بالمحل المكترى.

وفي هذا كله حماية للمكري والمكتري وكذا العين المكتراة،وفي إطار دراستنا سنتطرق فقط للجانب الحمائي للمكتري في ضوء هذا المستجد التشريعي.

وتجدر الإشارة إلى أن موضوعنا هذا على قدر بالغ من الأهمية حيث سيمكننا من جهة، استعراض كافة النصوص القانونية التي تشكل ضمانات للمكتري من تعسفات صاحب المحل، ومن جهة أخرى سيمكننا من التطرق للإشكالات التي كانت قائمة في ظل ظهير 1955 لنبسط الحلول التي جاء بها القانون 49.16.

ويطرح هذا الموضوع إشكالية محورية تتجلى في مدى توفق المشرع في ضمان حقوق المكتري؟ وما هي الضمانات التي جاء بها هذا القانون لتحقيق الحماية المنشودة للمكتري؟

وللإجابة على هذه الإشكالية وتحليل الموضوع ارتأيت تقسيم هذه المداخلة الى مطلبين:

المطلب الاول: مظاهر حماية المكتري عند إبرام العقد وسريانه

المطلب الثاني: مظاهر حماية المكتري عند إنهاء عقد الكراء

المطلب الأول: مظاهر حماية المكتري عند إبرام العقد وسريانه

لقد كانت العلاقة التي تربط مكري المحلات التجارية بمكتريها في وقت ما لا تتصف بالتكافؤ بين طرفيها حيث لم يكن هناك قانون يلزم المكري بتعويض المكتري في حالة رفضه تجديد عقد الكراء عند انقضاء الأجل المحدد في العقد.

فضلا على أن عدم تجديد العقد كان يشكل فاجعة للمكتري التاجر ، وعملية مربحة للمكري الذي يمكنه أن يمارس نفس النشاط التجاري، ويستفيد من الأصل التجاري الذي كونه المكتري بكده وعمله، أو أن يعمد إلى كرائه بسومة أعلى لتاجر  يأمل في أن زبناء سلفه هم أشد ارتباطا بالمحل أكثر منه بالشخص.

وأمام غياب نص خاص يتيح للمكترين الاستفادة من التعويض عن رفض التجديد، فقد كان هؤلاء يحاولون تأسيس طلباتهم بالتعويض عن الإفراغ استنادا إلى قواعد الإثراء بلا سبب، أو بناء على قواعد التعويض نتيجة التعسف في استعمال الحق.

ومن هنا كان لزاما على المشرع التدخل لحماية المكتري الذي يعد طرفا ضعيفا في العلاقة التعاقدية من تعسف المكرين.

ومنه سنبسط لهذا المطلب فقرتين: الأولى سنتناول فيها مظاهر الحماية أثناء إبرام عقد الكراء، والثانية سنتطرق فيها لمظاهر حماية المكتري أثناء سريان عقد الكراء.

 

 

الفقرة الأولى: مظاهر حماية المكتري عند إبرام عقد الكراء

تعد شكلية عقد الكراء من أبرز تمظهرات حماية المكتري(أولا)، وذلك فضلا عن قواعد الضمان التي يقررها قانون الالتزامات والعقود(ثانيا).

أولا:  شكلية عقد الكراء

إن الملاحظة الأولى التي يجب إبداءها في علاقة الشكلية بحماية الطرف المكتري، هي خصوصية المادة 3 من القانون رقم 16- 49 التي تنص في فقرتها الأولى: “تبرم عقود كراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي وجوبا بمحرر كتابي ثابت التاريخ”.

فالمشرع من خلال هذه المادة نص على أن الكتابة شرطا ضروريا في عقد الكراء، بل وأنها واجبة لانعقاد هذا العقد، لكن الإشكال يكمن في ان المشرع لم يحدد جزاء على تخلف الكتابة، مما يجعلنا نتساءل هل الكتابة هنا شرط للانعقاد أم شرط للإثبات فقط؟

فالجواب هنا بالنفي، لا هذه ولا تلك، فلا هي شكلية مطلوبة للإثبات ولا هي شكلية مطلوبة للانعقاد، بل هي منزلة بين المنزلتين، أي شكلية لتطبيق القانون، فبالرجوع إلى المادة 37 من نفس القانون نجدها تنص على انه “تطبق مقتضيات قانون الالتزامات والعقود على عقود الكراء التي لا تتوفر فيها الشروط المنصوص عليها في الباب الأول من هذا القانون، ما لم تخضع لقوانين خاصة” وللإشارة فالمادة الثالثة(التي تتحدث عن شرط الكتابة) جاءت ضمن الباب الأول من هذا القانون.

مما يعني أن الكتابة هنا مفروضة تحت طائلة عدم خضوع النزاعات المتعلقة بالأكرية لهذا القانون بل لقانون الالتزامات والعقود، مما نرى معه فتح لباب التهرب من كتابة العقد من طرف الملاك بغية عدم تطبيق مقتضيات القانون رقم 16/49 متى تبين لهم أنها لا تخدم مصالحهم.

وتكمن أهمية الكتابة والحالة هاته في كونها وسيلة إثبات في يد المكتري خصوصا حينما يتعلق الأمر بتجديد عقد الكراء، باعتبار هذا الأخير كحق منحه المشرع في المادة 4 بشرط أن يثبت انتفاعه بالمحل لمدة سنتين. مادام أنه لا يمكن إثبات العلاقة الكرائية إلا بعقد يتضمن تاريخ إبرامه إلى جانب ذلك أن في اشتراط كتابة ضمان لمعرفة مجموع ما تم التفاوض بشأنه بين الطرفين، ومنه الحيلولة دون التلاعب ببنود العقد  من طرف المكري وتحويرها لمصلحته.

وبالرغم من الطابع الايجابي الذي يلف اشتراط القانون الجديد للكتابة فيما يخص اعتماد عقد الكراء، إلا أن ما يعاب عليه كونه لم يحدد الجهة التي يعهد إليها بتحرير العقد، وكان من المعقول أن يتم إسناد هذه المهمة إلى جهة مؤهلة لتوثيق العقود مثل العدول أو المحامون لأن عدم تحديد الجهة المسؤولة عن التحرير يفتح المجال للتلاعب بهذه المحررات.

هذا الى جانب أن الفقرة الثانية من المادة الثالثة التي نصت على وجوب تحرير بيان يصف حالة العقارات إبان التسليم مع عدم تحديد الجهة التي تقوم بذلك، فإذا حرر هذا البيان احد أطراف العقد فإن التساؤل يطرح عن مدى جوازه كوسيلة للإثبات خاصة إذا سلمنا بقاعدة أن الشخص لا ينشئ دليلا لنفسه في المادة المدنية متى نظرنا الى المكري كطرف مدني.

إلا انه واستنادا إلى مقتضيات القانون رقم 15/95 المتعلق بمدونة التجارة  خاصة المادة 334 نجدها تنص على حرية الإثبات وكذا المادة 21من نفس القانون التي تعتد بالدليل الذي يعده الشخص لنفسه كالمحاسبة الممسوكة بانتظام من التاجر نفسه تعد دليلا للشخص وعليه أمام القضاء.

ثانيا: التراضي في تحديد الوجيبة الكرائية وبعض التزامات المكري.

سنتطرق بداية لعنصر التراضي في تحديد وجيبة الكراء، على أن نتعرض لبعض التزامات المكري بعد ذلك.

  • التراضي في تحديد الوجيبة الكرائية

تطبيقا للمادة 5 من الباب الثاني من القانون  رقم 16-49 التي تنص على أنه: “تحدد الوجيبة الكرائية للعقارات أو المحلات المشار إليها في المادة الأولى أعلاه، وكذا كافة التحملات بتراضي الطرفين”.

إذا كان المشرع اعتمد الشكلية في ابرام عقد الكراء فانه جعل من الرضائية عنصرا أساسيا لتحديد السومة الكرائية، وتعد هذه المادة تكريس للفصل 628 من ق ل ع، والتي جعلت من عنصر الرضى بين الطرفين مهم يخدم مصالح الطرفين خصوصا المكتري، حيث أن النص على إدخال الوجيبة الكرائية بالإضافة إلى المقتضيات الأخرى يمكنه من احتساب التعويض المناسب له إذا اقتضى الأمر ذلك، بالإضافة إلى جعل ثمن الكراء معقول وتحت رقابة قضائية حين حدوث النزاع دون استلزام أمر شهود.

ناهيك عن كون التحملات المرافقة للوجيبة الكرائية كمصاريف الصيانة والإصلاح يجب أن تكون بتراضي الطرفين حسب الفقرة الثانية من المادة 5، والهدف منها تحديد من يتحمل بها. حيث أن المشرع نص على كون مدة تحديد هذه التحملات سيدخل ضمن مشمولات الوجيبة الكرائية في حالة عدم التنصيص على الطرف الملزم بها.

وفي إطار عنصر التراضي دائما، فإن للتفاوض بشأن ما سبق يوجب على الطرفين أن يكون ذا أهلية. أي أهلية التصرف، سواء تم التعاقد أصالة أو نيابة، لذلك يتطلب أن يكون رضى الطرفين خاليا من عيوب الإرادة كالغلط أو التدليس أو الإكراه، وهذا كله يصب أيضا في حماية المكتري من إصابة إرادته بعيب من عيوب الإرادة.

والرضائية تشمل التحملات الكرائية أيضا ومتى لم تحدد في العقد فإنها تعتبر من مشتملات الوجيبة الكرائية وحسنا فعل لحسم الخلاف الذي ساد طويلا حول الرسوم والضرائب ومن يتحملها المكري أم المكتري. أما فيما يخص مراجعة الوجيبة الكرائية فقد أحال القانون الجديد إلى القانون 03-07 رفعا لكل لبس أو تضارب بخصوص مراجعة السومة الكرائية.

  • بعض التزامات المكري في عقد الكراء

إن القاعدة العامة في قانون الالتزامات والعقود كون أن عقد الكراء يلقي على عاتق المكري التزامين أساسيين وهما ما نص عليه الفصل 635 “يتحمل المكري بالتزامين أساسيين:

الأول : الالتزام بتسليم الشيء المكترى للمكتري

الثاني : الالتزام بالضمان”

وعليه يتعين على المكتري أن يسلم للمكتري العين المكتراة في الحالة التي كان عليها وقت الكراء وهذا الأمر قد كرسه المشرع من خلال المادة الثالثة من القانون49.16، ولمزيد من الحماية للمكتري أقر وأوجب بتحرير بيان بوصف حالة الأماكن التي ستكون حجة بين الأطراف، أي أن المشرع في القانون الجديد أقر التزام المكري بالتسليم لكن مرفق بالتزام آخر وهو الوصف.

وهذه النقطة هي الأخرى تثير إشكالا قانونيا يتجلى في القيمة القانونية لهذا البيان؟

هل يعد وسيلة للإثبات؟ أ ولا يصطدم مع قاعدة لا يجوز للشخص أن يصنع دليلا لنفسه؟

بالرجوع إلى المقتضيات المدنية لا يمكن للشخص ان ينشأ دليلا لنفسه، إلا انه واستنادا إلى مقتضيات مدونة التجارة نجد المادة 21تنص على انه “حينما تكون وثائق محاسبية متطابقة مع نظير يوجد بين أيدي الخصم، فإنها تكون دليلا تاما لصاحبها وعليه”

في اعتقادنا فإن هذا البيان يمكن أن يتخذ شكل محضر حضوري كتابي وثابت التاريخ، وذلك من أجل تلافي أية مشاكل أثناء تنفيذ العقد.

إضافة لذلك نلاحظ غياب أية مقتضيات تخص هلاك العين المكتراة قبل التسليم وبعد التسليم، بالإضافة إلى عدم التنصيص على مسألة الضمان، أي ضمان العيوب التي يمكن أن تشوب العين المكتراة.

الفقرة الثانية: ضمانات المكتري أثناء تنفيذ عقد الكراء

لقد منح القانون الجديد للمكتري صلاحيات مهمة فيما يخص التصرفات خصوصا كراء المحل من الباطن (أولا) أو تفويت الحق في الكراء(ثانيا)، أو ممارسة بعض الأنشطة المكملة (ثالثا).

أولا: كراء المحل من الباطن

يعتبر الكراء من الباطن أحد أهم المؤسسات القانونية التي تقوم على عناصر أصلية وأخرى فرعية، حيث نجد أن المكتري الأصلي يصبح مكريا فرعيا لمكتري فرعي من الباطن، غير أن المادة 24 من قانون 16-49 نصت على وجوب إخبار المكري الأصلي بهذا التصرف حتى يكون ذا أثر.

وقد عزز القانون الجديد حماية المكتري من خلال إعطاءه حق الإشعار من طرف المكري حين يعتزم القيام بأي إجراء في مواجهة الأول تحت طائلة عدم مواجهته به، بالإضافة إلى كون أن المكتري الفرعي لا يمكنه التمسك بأي شيء ضد المكتري الأصلي وهذا الأمر سيكون لا محالة له حماية للمصالح المالية للمكري الأصلي.

ثانيا: حماية المكتري عند ممارسته بعض الأنشطة المكملة

بالرجوع إلى المادة 22 نجد أن المشرع سمح للمكتري بأن يقوم بممارسة بعض الأنشطة المكملة أو المرتبطة بمجال عمله، وقد عزز هذه المسألة بحماية مركزه تتمثل في وجوب إشعار المكري بموافقته على الممارسة، واعتبر سكوته موافقة ضمنية بعد انصرام شهرين من التوصل، وتعزيزا لأوجه الحماية فإنه في حالة رفض المكري هذا الأمر أمكن للمكتري الرجوع إلى رئيس المحكمة بصفته قاضيا للأمور المستعجلة، لإذنه له بممارسة النشاط أو الأنشطة. وما هذا الأمر إلا تكريس لحرية ممارسة النشاط التجاري ومسألة تطوير الأصل التجاري.

ثالثا: الحق في تفويت الحق في الإيجار

كما لا يخفى على أحد أن الحق في الإيجار يعتبر أحد أهم العناصر المعنوية للأصل التجاري حسب المادة 90 من مدونة التجارة التي تنص: “يشمل الأصل التجاري وجوبا على….والحق في الكراء…”، وأن الأصل التجاري أخضعه المشرع المغربي في مدونة التجارة للعديد من العمليات والتصرفات القانونية كالرهن والبيع.

وفي هذا الإطار وتماشيا مع روح قانون التجارة نص أيضا في المادة 25 من قانون 16-49 على أنه : ” على انه “يحق للمكتري تفويت حق الكراء مع بقية عناصر الأصل التجاري أو مستقلا عنه”.

وتتمثل هذه الحماية في كون أن التوثيق يجب أن يتم بعقد رسمي أو عرفي ثابت التاريخ حسب المادة 25 الفقرة ما قبل الأخيرة، مع الإحالة إلى وجوب تضمين البيانات الواردة في المادة 81 من قانون ثم المواد 83 و189من مدونة التجارة.

ومناط هذا الحق هو حماية مصلحة المكتري باعتباره صاحب الأصل التجاري، هذا الأخير الذي يتطلب أن يستمر نظرا لما يكون له من التزامات على عاتق التاجر، منها حماية الدائنين والممولين الأساسيين للأصل التجاري.

فإذا كانت هذه بعض جوانب حماية المكتري في مرحلة ما قبل التعاقد وخلال نفاذ العقد فماذا عن مصيره بعد إنهاءه.

المطلب الثاني: مظاهر حماية المكتري عند إنهاء عقد الكراء

سعيا من المشرع لتحقيق التوازن بين ملاك العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي، والمكترين لهذه المحلات، عمل على حماية حق المكتري في الاستمرار في استغلال المحل المكترى حتى بعد انتهاء مدة الكراء وذلك من خلال آلية تجديد عقد الكراء (الفقرة الأولى) وجعل هذا الحق من النظام العام واعتبر كل الاتفاقات التي من شأنها حرمانه من هذا الحق باطلة، وهو بذلك يخرج عن القواعد المنصوص عليها في ق.ل.ع  كما اقر المشرع من خلال القانون 49.16 مقتضيات حمائية للمكتري في حالة نزع ملكية العقار المكترى، إضافة الى ذلك مكن المشرع المكتري الذي افرغ من محله لسبب الهدم وإعادة البناء من حقه في الرجوع لهذا المحل بالأسبقية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تجديد عقد الكراء

تنص المادة السادسة من القانون 49.16 على انه “يكون المكتري محقا في تجديد عقد الكراء متى توفرت مقتضيات الباب الأول من هذا القانون ولا ينتهي العمل بعقود كراء المحلات والعقارات الخاضعة لهذا القانون إلا طبقا لمقتضيات المادة 26 بعده، ويعتبر كل شرط مخالف باطلا”

تكرس هذه المادة احد أهم الحقوق المرتبطة باكتساب الحق في الكراء بعد استيفاء الشروط المنصوص عليها في الباب الأول من هذا القانون، وهو الحق في التجديد التلقائي لمدة العقد بعد انتهاء مدته الأصلية، وبالتبعية إقرار مسطرة خاصة لإنهاء العمل بالعقود الخاضعة لميدان تطبيقه.

وتعتبر مقتضيات هذه المادة وكما كان عليه الأمر في ظل ظهير 1955 مقتضيات آمرة ومن النظام العام لا يجوز الاتفاق على مخالفتها، ويعتبر كل شرط مخالف لها باطلا.

فالمكتري يستفيد من تجديد العقد متى اثبت انتفاعه بالمحل لمدة سنتين بصفة مستمرة ولعل المشرع يهدف من وراء ذلك إلى تكوين أصل تجاري.

وقد يعفى من هذه المدة متى مكن المكتري المكري من مبلغ مالي مقابل الحق في الكراء وان كان المشرع كرس بذلك حالة سابقة وهي الحق في الساروت، كما يصطلح عليه أو شراء المفتاح لحماية أصحابها. مع مرعاة المقتضيات الخاصة ببعض الفئات من التجار كالصيادلة، حيث نجد المادة 61 من القانون رقم 04/17 المتعلق بمدونة الأدوية والصيدلة تنص على اكتساب الحق في الكراء بمجرد افتتاح الصيدلية.

وإذا لم يرغب المكري في تجديد عقد الكراء، فانه يتحمل بالتعويض، الذي نميز في مشتملات تقديره بين ما هي:

سهلت الإثبات كالمصاريف التي تكبدها من اجل تحسين المحل ومصاريف نقل ما بقي من عناصر مادية للأصل التجاري.

و بين مشتملات صعبة الإثبات كالعناصر التي فقدها من زبناء وسمعة تجارية.

ويثار في هذا الصدد إشكال حول ما إذا كان القانون 49.16 ينص على إمكانية الإفراغ للاستعمال الشخصي.

فظهير 1955 لم يستعمل عبارة الإفراغ  للاستعمال الشخصي إلا أنه يفهم من مقتضيات المادة 6 أن الإفراغ هو حق مقرر لفائدة المكري، طبقا لمقتضيات المادة 26 بعده، مقابل تعويض مستحق لفائدة المكتري، وذلك طبقا لمقتضيات المادة السابعة مهما كان نوع الاستعمال الشخصي الذي ينوي المكري مباشرته، مع مراعاة الحالات الواردة في المادة 8 من القانون 49.16 والتي لا يستحق فيها المكتري  اي تعويض مقابل إفراغه، كما انه
رغبة المكري في استرجاع المحل للاستعمال الشخصي، ضمن الحالات التي تستلزم منح المكري اجل ثلاثة أشهر للإفراغ.

كما ان المشرع منح للمكتري تعويضا جزئيا في حالة رفض تجديد العقد، وذلك في بعض الحالات من بينها:

  • الإفراغ قصد التوسيع والتعلية

تنص المادة 16 من القانون رقم 16/49 على أن المالك إذا رغب في توسيع أو تعلية البناية، وكان ذلك لا يتأتى إلا بإفراغ المحل أو المحلات المكراة، فإن الإفراغ المؤقت للمكتري يتم لمدة يحددها المكري، على أن لا تتعدى سنة واحدة ابتداء من تاريخ الإفراغ.

ويستحق المكتري تعويضا عن مدة إفراغه يساوي الضرر الحاصل له، دون أن يتجاوز مبلغ الأرباح التي يحققها، حسب التصريحات الضريبية للسنة المالية المنصرمة، مع الأخذ بعين الاعتبار أجور اليد العاملة والضرائب والرسوم المستحقة خلال مدة حرمانه من المحل.

وفي جميع الحالات يجب أن لا يقل التعويض الشهري عن قيمة السومة الكرائية.

ويمكن تمديد مدة الإفراغ لأجل لا يتعدى سنة بطلب من المكري.

كما لا يحق للمكري استيفاء الوجيبة الكرائية طيلة مدة الإفراغ.

والقضاء نفسه يزكي هذا التوجه التشريعي من خلال قراراته وأحكامه، ما دام السبب المذكور جدي وثابت بعد الإدلاء برخصة البناء وهذا ما أكدته محكمة النقض _المجلس الأعلى سابقا_ من خلال قراره رقم 212 والذي جاء فيه: “حيث إنه بمقتضى الفصل 12 من ظهير 24/05/1955 فعندما يوجه المكري إشعارا بالإفراغ إلى المكتري من أجل الهدم وإعادة البناء ويعزز طلبه بتصميم البناء ورخصة الهدم والبناء فإن التعويض الوحيد الذي يستحقه المكتري هو الذي لا يتجاوز قيمة كراء ثلاث سنوات بحسب السومة الكرائية المعمول بها ولا يتطلب الأمر إجراء أي خبرة لتحديد التعويض.

وحيث إن التوجه الذي ساقه الحكم المستأنف ورتب عليه منح المكتري التعويض الكامل بعلة أن تصميم البناية لا يسمح بممارسة حق الأسبقية هو توجه لا يتماشى مع مقتضيات الفصل 12 المذكورة لأنه من جهة فما دام المكري قد دعم طلبه برخصة الهدم وتصميم البناء فإنه يكون قد أثبت جدية سبب الإفراغ ومتى ثبتت صحة السبب فلا موجب للحكم بالتعويض الكامل.

ومن جهة أخرى فإن المشرع لم يلزم المكري بأن يعيد بناء عقاره ليكون صالحا لنفس الاستعمال التجاري وأن المكتري بعد إتمام الأشغال يتعين عليه أن يتقيد بنوع الاستعمال الجديد.

ومن جهة ثالثة فإن حق الأسبقية في الرجوع إلى المحل متوقف على سلوك المسطرة المنصوص عليها في الفصول 12-13 و14 من ظهير 24/05/1955 ولا يمكن منح المكتري التعويض الكامل إلا بعد إثبات حرمانه من حق الأسبقية فيكون بذلك الحكم استعجل الأمر ومنح المكتري التعويض الكامل.

وحيث إنه بناء عليه يتجلى صحة ما تمسك به المكري المستأنف الأصلي من خرق الحكم لمقتضيات الفصل 12 من ظهير 24/05/1955 والمتعين هو تعديله في الشق المتعلق بالتعويض عن الإفراغ الممنوح للمكتري الذي يقتصر على قيمة كراء ثلاث سنوات حسب آخر سومة كرائية معمول بها وليس التعويض المحكوم به أو المطلوب في الاستئناف الفرعي”.[7]

وأعاد تأكيد توجه هذا في قرار آخر  جاء في مضمونه: “مقتضيات الفصل 12 من ظهير 24 ماي 1955 تخول للمالك استرداد المحل إذا كان يرغب في هدم البناء و إعادة تشييده و لا يحق للمكتري أن يتمسك بعدم جدية السبب ما دام المالك قد أدلى بالتصميم و رخصة البناء و أن التمسك بعدم جدية السبب سابق لأوانه لأن القانون خول للمكتري المطالبة بالتعويض الكامل إذا ثبت أن المكري استعمل الحق المخول له بموجب الفصل 12 المشار إليه أعلاه بسوء نية و لحرمان المكتري من التعويض”[1]

وقد انتقد بعض الفقه هذا التوجه باعتباره إجهاز على حقوق المكتري، وتساهل لصالح المكري أمام هزالة التعويض.

  • ­حالة رفض التجديد من أجل استعمال المحل للسكن

لقد آثر المشرع في هذه الحالة حق الملك في استعمال العقار من أجل السكن، على حق المكتري في الاستقرار بمحل اختاره من أجل نشاطه التجاري بل الأكثر من ذلك، مدد هذا الحق حتى لبعض أقارب المالك وجعلهم معه في مرتبة واحدة لكن المشرع قيد هذا الحق بمجموعة من الشروط والإجراءات حتى لا يتعسف في استعمال هذا الحق إضرارا بالمكتري.

وهذا التوجه التشريعي يجد أساسه في كون المالك أولى بمحله من غيره، لكن الذي لا يظهر له أساس منطقي، هو أن يحدد تعويض جزافي لا يتعدى سقفه ثلاث سنوات تحسب على أساس القيمة الكرائية المعمول بها وقت الإفراغ.

وشروط ممارسة هذا الحق تتجلى في ضرورة إثبات المكتري افتقاره للمحل، وأن يكون صالحا بمجرد بعض الترميمات البسيطة، وقبل ذلك، أن يكون المكري قد اقتنى العقار لمدة تزيد عن ثلاث سنوات قبل ممارسته هذا الحق.

لكن قبل ذلك عليه دفع تعويض للمكتري، وتعويض لا يتجاوز قدره قيمة كراء ثلاث سنوات حسب الأجرة المعمول بها وقت الإفراغ، ويبقى للمحكمة السلطة التقديرية للقول بتوفر الحاجة من عدمه.

  • ­حالة التأجيل المؤقت لتجديد العقد من أجل التعلية

يبقى لرب الملك أيضا، تأجيل العقد لمدة قصوى تحدد في سنتين إن اعتزم تعلية العقار، وكانت أشغال البناء تتطلب إفراغ المحل مؤقتا، في هذه الحالة يستحق المكتري تعويضا يعادل ما لحقه من أضرار، من غير أن يفوق قيمة كراء سنتين حسب سومة يوم نزع اليد[2]، ويبقى للمحكمة التحقق من جدية السبب، وهو ما قامت به استئنافية البيضاء، عندما ذهبت إلى أن تعلية البناء يقتضي تثبيت الأساس وإدخال تغييرات[3]، مما يقتضي معه إفراغ المحل حتى لا يعرقل النشاط العادي للبناء وهذا التعويض الضعيف المقرر للمكتري حال إفراغه للمحل فيه تهديد لمصالحه الخاصة، فالمشرع هنا استجاب لرغبة المكري، وضرب بعرض الحائط مصالح المكتري، خاصة وأنه لا تتوفر حالة الاستعجال أو خطر حقيقي موجب للإفراغ.

الفقرة الثانية: الحق في الرجوع والحق في التعويض عن نزع الملكية

أولا: الحق في الرجوع

يحق للمكري المطالبة بالإفراغ لرغبته في هدم المحل وإعادة بنائه، شريطة إثبات تملكه إياه لمدة لا تقـل عن سنة من تاريخ الإنذار، وأدائه للمكتري تعويضا مؤقتا يوازي كراء ثلاث سنوات مع الاحتفاظ له بحق الرجوع إذا اشتملت البناية الجديدة على محلات معدة لممارسة نشاط مماثل تحدده المحكمة من خلال التصميم المصادق عليه من الجهة الإدارية المختصة، على أن يكون، قدر الإمكان، متطابقا مع المحل السابق والنشاط الممارس فيه.

إضافة إلى التعويض المؤقت المشار إليه في الفقرة أعلاه، يمكن للمحكمة، بناء على طلب المكتري، تحميل المكري جزء من مصاريف الانتظار طوال مدة البناء لا تقل عن نصفها إذا أثبت المكتري ذلك[4].

بالإضافة إلى هذا فالمادة 11 ألزمت المكري بضرورة إشعار المكتري بتاريخ تمكينه من المحل الجديد والذي يجب ألا يتعدى ثلاث سنوات من تاريخ الإفراغ.

ولا يكون المكتري محقا في الرجوع أو في الحصول على التعويض إلا إذا تم بناء المحل أو إصلاحه داخل أجل ثلاث سنوات الموالية لتاريخ الإفراغ.

يكون المكتري محقا في الرجوع إلى المحل إذا أعرب عن رغبته في الرجوع أثناء سريان دعوى الإفراغ، وإذا لم يعرب عن رغبته، فإن المكري يكون ملزما، تحت طائلة التعويض عن فقدان الأصل التجاري، بإخبار المكتري بتاريخ الشروع في البناء ومطالبته بالإعراب عن نيته في استعمال حق الرجوع داخل أجل ثلاثة أشهر من تاريخ التوصل بهذا الإخبار.

يسقط حق المكتري في الرجوع أو في المطالبة بالتعويض إذا انصرم الأجل المشار إليه أعلاه دون التعبير عن نيته في استعمال حقه المذكور.

يختص رئيس المحكمة، بصفته قاضيا للأمور المستعجلة، بصرف النظر عن المقتضيات المخالفة، بالبت في دعوى الإفراغ، وبتحديد تعويض احتياطي كامل وفق مقتضيات المادة 7 أعلاه، بطلب من المكتري، يستحقه في حالة حرمانه من حق الرجوع وكل هذا حماية لاستمرارية الأصل التجاري.

فالمشرع حرص على إيجاد توازن بين حقوق المكرين والمكترين إذ يمكن استرجاع العين قصد إعادة تحسينها تثمينها.

إلا أن هذا التوازن يضمحل ويختفي حينما يتغير شكل ومساحة المحل بالنظر إلى حالته قبل الهدم مما يحرم المكتري من الرجوع، ونعتبر ذلك إفراغا مقنعا.

حيث لا يبقى له إلا الحق في التعويض، ويطرح التساؤل في هذا الصدد حول ما إذا كان بالإمكان خصم التعويض المؤقت الموازي لكراء 3 سنوات ومصاريف الانتظار من التعويض الكامل.

وهنا نقول بأنه لا يمكن خصمه لكون التعويض الكامل مستقل تماما عن التعويض المؤقت لاختلاف سببهما فالتعويض المؤقت أساسه المادة التاسعة اما التعويض الكامل أساسه المادة السابعة.

في حين أن المادة التي تنطوي على حماية أكثر بالنسبة للمكري والأصل التجاري هي المادة 20 والتي منعت على المالك إفراغ الجزء الملحق بالمحل، إذا كان ذلك يضر بالأصل التجاري بالخصوص.

ثانيا: نزع الملكية من أجل المنفعة العامة

تعتبر المصلحة العامة فوق كل اعتبار لذلك تم إقرار قانون 7.81 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت، حيث سنجد المادة 21 من قانون 16-49 أحالت على هذا القانون لما يوفره من حماية خصوصا أن نزع الملكية يمر بمرحلتين مرحلة إدارية وأخرى قضائية، هذه الأخيرة التي تعطي للطرف المنزوع منه المحل –صاحب الأصل التجاري- الحق في الطعن في التعويض الممنوح فقط.

ويقدر التعويض استنادا إلى قيمة العقار أو الأصول التجارية وقت تبليغ حكم نزع الملكية، أو مقرر التخلي دون مراعاة المضاربات التي تتم بعد ذلك خاصة حينما تطول مسطرة النزع.

[1] – قرار المجلس الأعلى عدد 29 بتاريخ 06/04/2004 ملف عدد 574 منشور بالموقع الالكتروني www.justice.gov.ma

[2] – الفصل 15 من ظهير 1955 الملغى.

[3] – قرار رقم 207، بتاريخ 22 يناير 1982 منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 57 ص 63.

[4] – المادة 9 من القانون رقم 16/49